هدوء سياسي حذر في لبنان... واستنفار أمني عند الحدود مع إسرائيل

تعزيز لدوريات الجيش والـ«يونيفيل»... وعون يطالب الأجهزة الأمنية بمتابعة دقيقة

TT

هدوء سياسي حذر في لبنان... واستنفار أمني عند الحدود مع إسرائيل

ساد التوتر عند الحدود اللبنانية الجنوبية إثر الإعلان الإسرائيلي عن «عملية درع الشمال»، فيما أكّدت قوات الـ«يونيفيل» والجيش اللبناني استقرار الوضع في المنطقة حيث عزّزا دورياتهما، من دون استبعاد أطراف لبنانية إمكانية تصعيد إسرائيل، بعد الحجج المتتالية التي أطلقتها في الفترة الأخيرة وصولاً إلى إعلانها عن أنفاق لـ«حزب الله» تربط بين جنوب لبنان وأراضيها.
وفي حين غاب أي موقف من «حزب الله» حول العملية، ورفضت مصادر رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري التعليق مكتفية ببيان الجيش اللبناني، أعلنت رئاسة الجمهورية أن الرئيس ميشال عون تابع التطورات في منطقة الحدود الجنوبية وأجرى لهذه الغاية سلسلة اتصالات شملت رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، وقائد الجيش العماد جوزيف عون، كما كانت التطورات عند الحدود حاضرة في اللقاء الذي جمع عون مع سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان إليزابيث ريتشارد، بحسب ما أعلنت الأخيرة. ولفت بيان الرئاسة إلى أنه تم خلال اتصالات عون «تقييم الموقف في ضوء المعطيات المتوافرة حول أبعاد العملية الإسرائيلية، وطلب من الأجهزة الأمنية متابعة الموقف بدقة». ولم يستبعد الوزير السابق والقيادي في «الحزب التقدمي الاشتراكي» غازي العريضي أن تتجّه إسرائيل إلى التصعيد انطلاقا من المعطيات والمناخات الإقليمية، وهو ما أشار إليه كذلك الخبير العسكري خليل الحلو الذي وضع قيام «حزب الله» بإنشاء الأنفاق في سياق الخروقات للقرار «1701».
ورأى العريضي أن ما تقوم به إسرائيل جزء من الضغوط الإسرائيلية - الأميركية على لبنان، وذكّر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بسلسلة الخروقات التي لطالما نفّذتها إسرائيل طوال السنوات الماضية للقرار «1701»، رافضا الاعتداء على لبنان تحت هذه الحجة وما سبقها من حجج. وأكد أنه «لا يمكن إعطاء ذريعة لإسرائيل للقيام بعدوان ضدّ لبنان»، قائلا: «لمن يرى في هذا الأمر ضربة لـ(حزب الله) فعليه أن يتذكّر أن الحرب وإن دمّرت لبنان، فإن نتائجها السياسية ستكون انتصارا لـ(حزب الله) وليس العكس»، مستغربا صمت المسؤولين حيال ما يحدث، وداعيا الجميع إلى الإعلان عن الموقف اللبناني الرسمي الصريح في هذا الإطار.
بدوره، يرى الحلو أن «عملية الشمال» تأتي ضمن سياق الأحداث المتتالية والتهديد بالحرب من قبل الطرفين؛ «حزب الله» وإسرائيل، وأبرزها إعلان أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله امتلاكه صواريخ قادرة على تدمير إسرائيل، وأن الحرب المقبلة ستكون في الداخل الإسرائيلي، ومن ثم إعلان المسؤولين الإسرائيليين عن وجود أنفاق في محيط مطار بيروت، وصولا إلى الإعلان عن هذه الأنفاق، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «كلّها عوامل وحجج قد تؤدي إلى شن حرب إسرائيلية على لبنان، وهي التي سيحوّلها (حزب الله)، على عادته، إلى انتصار له».
وفيما عدّ أن تهديد نصر الله بأن الحرب المقبلة ستكون داخل إسرائيل، غير واقعي، أوضح أن «قدرة عمل (حزب الله) في هذه الأنفاق لن تتجاوز الاتصال بخلايا تابعة له في الداخل الإسرائيلي، أو وسيلة لنقل الأسلحة أو لتمرير مجموعات لتنفيذ هجمات مفاجئة»، مؤكدا أن «فعاليتها تنتهي بمجرد اكتشافها».
وبعد ساعات على الإعلان عن العملية، أعلن الجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) أمس تعزيز دورياتهما على طول الحدود الجنوبية، لتفادي أي تصعيد بعد إعلان إسرائيل بدء عملية لتدمير الأنفاق. وأفادت قوات «يونيفيل» في بيان بأن «الوضع العام في منطقة عمليات اليونيفيل لا يزال هادئا، وتعمل مع جميع المحاورين من أجل الحفاظ على الاستقرار العام، وأن جنود حفظ السلام التابعين لها زادوا من دورياتهم على طول الخط الأزرق، إلى جانب القوات المسلحة اللبنانية، للحفاظ على الاستقرار العام وتجنب أي سوء فهم قد يؤدي إلى تصعيد».
وأشارت إلى أن رئيس بعثة «يونيفيل» وقائدها العام اللواء ستيفانو ديل كول على اتصال وثيق مع كل من القوات المسلحة اللبنانية والجيش الإسرائيلي، وأنه يحث مجددا جميع الأطراف على استخدام الآليات التي تضطلع بها «يونيفيل» في مجال الارتباط والتنسيق والآلية الثلاثية لتهدئة أي توتر، وأن فرق الارتباط التابعة لـ«يونيفيل» تعمل على جانبي الخط الأزرق.
وميدانيا، أشارت «الوكالة الوطنية للإعلام» إلى هدوء المنطقة الحدودية باستثناء ما سجل من أعمال جرف وحفر قبالة عبارة كفركلا وبوابة فاطمة، بعد الإعلان عن العملية، ولفتت إلى «غياب التحركات والدوريات الإسرائيلية عن الجانب المحتل من بلدة العباسية، باستثناء عدد من الحفارات والجرافات التابعة للاحتلال بمؤازرة سيارات عسكرية وجنود، تقوم بأعمال حفر وجرف خلف الجدار الفاصل المحاذي لعبارة كفركلا وقبالة بوابة فاطمة - كفركلا، لم تعرف طبيعتها».وقالت «وكالة الصحافة الفرنسية» إنه شوهدت حركة آليات إسرائيلية على الجهة المقابلة من الحدود، قرب قرية كفركلا المواجهة لمستوطنة «المطلة» الإسرائيلية، لافتة إلى أن «جرافة على الأقل مع شاحنات توقفت قربها، وعدداً من الجنود الإسرائيليين وجدوا بمحاذاة الشريط الشائك من الجهة الإسرائيلية».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.