ساحة جامع الفنا تخطف الأضواء في رابع أيام مهرجان مراكش

دي نيرو وديل تورو... تحدثا عن تجاربهما السينمائية

من فيلم «البرج»
من فيلم «البرج»
TT

ساحة جامع الفنا تخطف الأضواء في رابع أيام مهرجان مراكش

من فيلم «البرج»
من فيلم «البرج»

تتواصل فقرات برنامج المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، في دورته الـ17، بعروض للأفلام، سواء على مستوى «المسابقة الرسمية» وأفلامها الـ14، أو «بانوراما السينما المغربية» التي تقترح 7 أفلام مغربية حديثة بطموح كشف مختلف أوجه السينما المغربية للمهنيين ووسائل الإعلام الدولية، أو «القارة 11» التي تقترح 14 شريطاً روائياً ووثائقياً لمخرجين جريئين من تايلاند ولبنان وكرواتيا وجنوب أفريقيا والنمسا والفلبين والولايات المتحدة، أو فقرة «العروض الخاصة» التي تتضمن تشكيلة من 11 فيلما من آفاق متنوعة، أو تلك الموجهة لتلاميذ المدارس والجمهور الناشئ، عموماً، والتي تتضمن أفلام تحريك وأخرى كلاسيكية، كما هو الحال مع فيلم «البرج» لمخرجه النرويجي ماتس غرورود، الذي ينقل قصة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من خلال عيون الطفلة (وردي)، الشيء الذي يجعل منه عملاً «يحافظ على صراحة الطفل فيما يروي تاريخاً قذراً من النزوح والظلم».
وبعد كل من الفرنسي تييري فريمو والأميركي مارتن سكورسيزي، فتحت «محادثة مع...» هامشاً للاقتراب أكثر من تجربة وطريقة تفكير واشتغال اثنين من كبار السينما العالمية: الأميركي روبيرت دي نيرو والمكسيكي غييرمو ديل تورو.
من جهتها، انطلقت «ورشات الأطلس»، حاملة هم دعم ومواكبة المخرجين الصاعدين بأفريقيا والشرق الأوسط، بشكل يجعل منها «منصة إبداعية ومهنية في خدمة المخرجين، وفضاء لتبادل الخبرات والتجارب بين المهنيين الدوليين ومواهب المنطقة، في الآن ذاته»، بغية «مواكبة مشاريع الأفلام والأفلام في مرحلة ما بعد الإنتاج، وتمكين المخرجين من تسريع إنتاج أعمالهم، ومنحهم معرفة أفضل بالسوق، وتعزيز شبكات علاقاتهم».
كما كان جمهور ساحة الفنا في الموعد، حيث تابع، في رابع أمسيات المظاهرة، فيلم «إسكندرية كمان وكمان» ليوسف شاهين في حضور بطلته النجمة المصرية يسرا؛ والفيلم الأميركي «كوندون» في حضور مخرجه الأميركي مارتن سكورسيزي.
- شكل الماء
باهتمام كبير، تابع جمهور غفير موعدين مهمين، ضمن فقرة «محادثة مع...»، التي استضافت الممثل الأميركي روبيرت دي نيرو والمخرج المكسيكي غييرمو ديل تورو: الأول طبع تاريخ السينما العالمية على مدى العقود الخمسة الماضية، بأدواره المتميزة في أفلام تحولت إلى عناوين للمتعة السينمائية عبر العالم، من قبيل «الثور الهائج» و«سائق التاكسي». أمّا الثاني، الذي ولد في غوادالاخارا بالمكسيك، ففضلاً عن كونه مخرجاً غزير الإنتاج، فإنّه يكتب السيناريو والرواية ويتعاطى الإنتاج السينمائي، فيما تسكن أفلامه الكثير من المخلوقات العجائبية، مثل الوحوش، والكائنات الغربية، والأبطال الخارقين، ومصاصي الدماء والأشخاص البرمائيين. والحال أنّه كان، وهو ما زال طفلاً، يؤثث غرفته بصور شخصيات مرعبة، الشيء الذي يبين أن خياله المميز قد تشكل منذ صغره.
في 1993 أخرج ديل تورو فيلم «كرولوس» وحاز اعترافاً فورياً وعالمياً. وفي فيلمه الأخير، «شكل الماء»، الذي يعتبر الأكثر نجاحاً، والأكثر رشداً، حسب النقاد، يتناول ديل تورو قصة «إليسا»، وهي شابة خرساء تشتغل في مختبر حكومي سري، تسقط في حب مخلوق من الزواحف يعاني الأسـر. وقد رشح فيلمه هـذا لنيل 13 جائزة أوسكار، حاز منها أربعة («أفضل مخرج» و«أفضل فيلم» و«أفضل ديكور» و«أفضل موسيقى»)، كما حاز على الأسد الذهبي في مهرجان البندقية في 2017. وحصد، أيضاً، 3 جوائز بافتا (جوائز الأكاديمية البريطانية للأفلام) في 2018 («أفضل إخراج» و«أفضل موسيقى» و«أفضل ديكور»)، كما حصل على جائزة «غولدن غلوب» لـ«أفضل مخرج، وذلك بفضل هذه التحفة، التي اعتبرت قصيدة في مدح الاختلاف.
بجرأته واستخدامه التأثيرات الخاصة، شكل ديل تورو عالماً فريداً يضاعف الجسور بين الواقع والخيال والكوابيس والمخلوقات الشريرة والبشر البشع.
- روبين رايت... لم تحضر
تخلفت الممثلة الأميركية روبين رايت عن الحضور إلى مراكش، حيث كان من المبرمج تكريمها في ثالث أمسيات التكريم. وبررت رايت ذلك بـ«التزامات مهنية طارئة». وجاء في خطاب وجهته الممثلة الأميركية إلى إدارة المهرجان: «تأثرت كثيرا بتكريمي في مراكش. كنت متشوقة لاكتشاف مراكش، وملاقاة الجمهور وعشاق السينما في المغرب. لكنّ التزامات مهنية مستعجلة، لم تكن في الحسبان، جعلت كل ذلك مستحيلاً. شكراً للجميع».
قبل اعتذارها، كانت الممثلة الأميركية قد رحبت كثيراً بخبر تكريمها في مهرجان مراكش، حين كتبت: «يشرفني أن أتلقى نجمة ذهبية في مهرجان مراكش الدولي للفيلم هذا العام. يسرني أن أكون في زيارة للمغرب، وأشكركم على إعطائي هذه الفرصة للتّعرف على الثقافة المغربية والتمتع بهذا المكان الجميل».
تخلف رايت عن حفل تكريمها، لم يمنع جمهور المهرجان من الاستمتاع بطلّتها، من خلال أربعة أفلام، هي «فورست غامب» (1994) لمخرجه روبرت زيمكيس، الذي تلعب فيه دور البطولة إلى جانب توم هانكس وكاري سينيس وميكلتي ويليامسن وسالي فيلد؛ و«بلايد رانر 2049» (2017) لمخرجه دينيس فيلنوف، الذي تلعب فيه دور البطولة إلى جانب رايان غوسلينغ وهاريسون فورد وآنا دي أرماس وسيلفيا هويكس؛ و«الأميرة العروسة» (1987)، من إخراج روب راينر، الذي تلعب فيه دور البطولة إلى جانب كاري إلويس ومضندي باتنكن وكريس سارندون وكريستوفر كيست ووالاس شاون وأندريه ذي جاينت وفريد سافاج؛ و«ما أجملها» (1987) من إخراج نيك كاسافيتس، الذي تلعب فيه دور البطولة إلى جانب سين پين وهاري دين ستانتون وجيمس كاندولفيني وجون ترافولتا.
- «روما» الأبيض وبالأسود
إلغاء فقرة تكريم رايت، لم يفوت على عشاق السينما، بقاعة «الوزراء»، متابعة فيلم «روما» (2018) لمخرجه المكسيكي ألفونسو كوارون، وبطولة يايليتزا أباريسيو ومارينا دي تافيرا.
ويحكي الفيلم قصة كليو التي تشتغل كعاملة منزلية في بيت عائلي فخم لزوجين مكسيكيين من الطبقة الميسورة. وتعيش معهم كأحد أفراد العائلة ثم يبدأ سيد المنزل رحلة عمل طويلة لا تروق للزوجة، لتقع جميع المسؤوليات المنزلية على أكتاف كليو. وبعد أن تخلّى صديق كليو عنها ستكتشف أنّها حامل، لتشرع في بحث يؤدي بها إلى قلب الاضطرابات السياسية والاجتماعية العنيفة التي اندلعت في المكسيك في أوائل سبعينات القرن الماضي. ويعتبر «روما»، الذي يروى قصته عبر الصور البانورامية السوداء والبيضاء المبهرة والمريحة للعين، عبر حوار يدمج، بشكل أنيق، بين الأحلام والكوابيس وذكريات الطفولة وإعادة بناء حقبة عاصفة، ثالث شريط طويل لمخرجه.
- «عاملة تنظيف داخلي» و«ثلج أحمر»
فيلمان جديدان، دخلا سباق التنافس للفوز بجوائز المهرجان: «عاملة تنظيف داخلي» (المكسيك - الولايات المتحدة) لمخرجته ليلا أفيليس، وبطولة غابرييلا كارتول وتيريزا سانشيز وأوغوستينا كوينزي وكلمانتينا غواداراما؛ و«ثلج أحمر» (اليابان) لمخرجته ساياكا كاي، الذي يقوم ببطولته كل من ماساتوشي ناكاسي وناهانا أراتا إيورا ويوي ناتسوكاوا وكويتشي ساتو. يحكي فيلم «عاملة تنظيف داخلي» قصة إيفيليا الهادئة، الشديدة الانطواء والخجل، التي تسافر لساعات كثيرة كل يوم لتصل إلى مقر عملها كمنظفة غرف في فندق فخم في المدينة، حيث تبدو الفجوة بين مستوى الدخل صارخة من خلال الطلبات الباذخة للوافدين على الفندق. وتأمل إيليفيا أن تحظى بحياة أفضل فتقرر حضور دروس في برنامج تعليم الكبار الخاص بالفندق. يعمد الفيلم، في بعض الأحيان، إلى التصوير على النمط الوثائقي، راصداً حياة البطلة وهي تقوم بأعمال التنظيف والتنعيم والتوضيب والتلميع. كما تنقل لحظات الفيلم التأملية روح دعابة مع تلمس هذه المرأة الشابة الخطوات الأولى على الطريق نحو مستقبل أفضل. من جهته، يحكي فيلم «ثلج أحمر» قصة صبي صغير اختفى قبل ثلاثين عاماً في ظروف غامضة، انفتحت على ركام من الذكريات السيئة المخيبة، والصمت العنيد والأكاذيب المحبوكة. من ثمّ، يظهر صحافي ليعيد إثارة القضية التي أُغلقت منذ فترة طويلة، فتشتعل المشاعر المكبوتة، وتتصاعد موجة العنف جراء تسارع الأحداث المتزاحمة والمعاناة النفسية. فيلم استخدم فيه مخرجه منهجا أليفاً ومذهلاً في الصورة، لرسم عالم يحيل الماضي إلى ظل غامض وشرير ومزعج في الحاضر. ظل إذا ما رفع سيهدد بالكشف عن حقيقة بالغة البؤس.
- إسكندرية كمان وكمان
واصلت فقرة «أفلام جامع الفنا» حشد الجمهور المراكشي لمتابعة روائع السينما العربية والعالمية. كان الدور هذه المرة مع فيلمين لمخرجين طبعا مسيرة السينما العربية والعالمية. يتعلق الأمر بالأميركي مارتن سكورسيزي وفيلمه «كوندون» والمصري يوسف شاهين وفيلمه «إسكندرية كمان وكمان»، ثالث ثلاثيته الشهيرة، إلى جانب «حدوتة مصرية» و«إسكندرية ليه».
عبر فيلمه، يعود شاهين إلى مراكش، التي سبق أن احتفت به في دورات سابقة، وذلك انطلاقاً من مشاهد نكون معه فيها وهو يقوم بدور يحيى الإسكندراني، مخرج الأفلام الذي ينضم لإضراب يندّد بتردّي ظروف العمل في المجال السينمائي وصناعة الأفلام. يقع في حب نادية، الممثلة الشابة والمناضلة الجسورة والمعجبة بدورها بزميلها عمرو. بعد نقاش حاد وجاد مع هذا الأخير، سيعيد يحيى التفكير في مسيرته على ضوء التحولات التي تعرفها السينما المصرية وتأثير البترو دولار في الميدان الفني.
من جهته، نقل «كوندون» الجمهور المراكشي إلى أقصى آسيا، متحدثاً عن اقتراب مجهودات البحث عن خليفة للدلاي لاما الثالث عشر من نهايتها، بعد أن وجد تمثالا لبوذا في قرية نائية من التيبيت، ليبدأ سكورسيزي سرده لقصة تنبزين غياتسو، الدلاي لاما الرابع عشر: إتقان تام وجودة في التصوير، مع اهتمام خاص بأدق التفاصيل التي تضفي على الفيلم لمسة ساحرة لرحلة روحانية يقوم بها قائد ومناهض للعنف، وفي الوقت نفسه تفضح عمليات القمع التي يتعرض لها شعب التيبيت من طرف الصين.


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».