أعادت عملية إدراج فخار منطقة سجنان (شمال غربي تونس) ضمن لائحة التراث اللامادي العالمي بمنظمة اليونيسكو، الأضواء لهذا النشاط الحرفي الذي تناقلته نساء المنطقة عبر العصور، دون أن تجري عليه تغييرات اصطناعية تفقده هويته المميزة المعروفة بالبساطة التي تصل حد السذاجة في تصور الأشكال والألوان وأدوات زينة تلك العرائس البسيطة في ظاهرها والعميقة من ناحية إبداعها الحرفي.
وقدم المعهد التونسي للتراث (معهد حكومي)، الذي تبنى عملية الإدراج في قائمة اليونيسكو منذ سنة 2017، معطيات حول فخار سجنان وعرائسه الجميلة وجمع الخصائص التاريخية والفنية والاجتماعية والتنموية لهذا المنتوج التاريخي العريق.
وبعد نحو 20 سنة من غياب تونس عن قائمة اليونيسكو، تمكنت عرائس نساء سجنان من إعادة الاعتبار إلى الشأن الإبداعي الحرفي، وتثمين إسهاماته في عملية إثراء المشهد الثقافي المحلي وإخراج فخار سجنان المميز من نطاق المحلية إلى العالمية. والمعروف أن هذه الصناعة التقليدية تعتمد على عناصر الطبيعة الأربعة، وهي التراب والماء والهواء والنار.
وفي هذا الشأن، تقول علجية المعلاوي (إحدى الحرفيات المميزات في صناعة الفخار التقليدي) إن هذه الصناعة تعتمد على الطين الأصفر أو الأحمر، وهي هبة من الله منحها لسكان هذه المنطقة، ولا يمكن أن تنجح أي حرفية في تطويع الطين دون استعمال الماء، أما الهواء فهو الذي يمنح تلك الأواني الفخارية البسيطة الصلابة الكافية قبل مرورها إلى النار التي تجعلها قابلة للترويج والاستعمال.
وعلى طول الطريق الرابطة بين سجنان وبنزرت من ناحية بلدة تسكراية، تصطف الأواني الفخارية والعرائس المقدودة من طين، فتسحر الزائرين الذين يقبلون عليها، سواء للاستعمال المنزلي، إذ إن الرجوع إلى أواني الطين بات محبذاً من قبل المختصين في التغذية، وهم ينصحون به، أو كذلك للزينة، إذ إن معظم الأواني تحمل أشكالاً هندسية وحيوانية بسيطة ولكنها بديعة.
وبشأن هذه المهنة البسيطة والشاقة، أكد عماد صولة ممثل المعهد التونسي للتراث بولاية (حافظة) بنزرت التي تتبعها سجنان من الناحية الإدارية، أن في سجنان ما لا يقل عن 60 حرفية تروّضن الطين كل يوم وفي كل فصل ليتحوّل إلى تحف وأوان مزركشة تثير الإعجاب، وهن بالفعل في حاجة إلى من يعتني بهن ويؤطرهن، ويجعل تلك المنتجات البسيطة في ظاهرها ذات مكانة إبداعية وتراثية مهمة حتى لا يجد شعار «منطقة سجنان حظها من طين» مبررات كافية لوجوده.
يذكر أن الوزارة التونسية للثقافة والمحافظة على التراث، قد شرعت منذ سنة 2016 في عملية جرد محلي لعناصر التراث الثقافي غير المادي، وهو يمثل المرحلة الأساسية التي تخول للوزارة المضي قدماً في عملية تسجيل مكونات هذا الإرث الحضاري ضمن قائمة التراث العالمي لليونيسكو.
حكاية بلدة تونسية تعيش من الطين
إدراج «عرائس سجنان» ضمن التراث غير المادي لـ{يونيسكو} يعيد إحياء الحرفة
حكاية بلدة تونسية تعيش من الطين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة