«الدّنون» لا حلوى ولا وفاكهة... فقط فول وحمص

وجهة الفنانين والسياسيين في عاصمة الشمال اللبناني

يشتهر «الدنون» في طرابلس بطبقي الحمص والفول ولا يقدم سواهما  -  الفنان المصري «أبو» يتناول الطعام الشعبي في «الدنون»
يشتهر «الدنون» في طرابلس بطبقي الحمص والفول ولا يقدم سواهما - الفنان المصري «أبو» يتناول الطعام الشعبي في «الدنون»
TT

«الدّنون» لا حلوى ولا وفاكهة... فقط فول وحمص

يشتهر «الدنون» في طرابلس بطبقي الحمص والفول ولا يقدم سواهما  -  الفنان المصري «أبو» يتناول الطعام الشعبي في «الدنون»
يشتهر «الدنون» في طرابلس بطبقي الحمص والفول ولا يقدم سواهما - الفنان المصري «أبو» يتناول الطعام الشعبي في «الدنون»

9 أصناف من أطباق الفول والحمص تؤلِّف لائحة الطعام في مطعم «الدّنون» الطرابلسي الشهير بمذاق طعامه الأصيل. وعلى هذه اللائحة البسيطة المحتوى والغنية بأجود أنواع هذا الأكل المحبب إلى قلب اللبناني، لا سيما عند الفطور ستقرأ على صفحة أخرى تقابلها قصة وتاريخ هذا المكان الذي بات عنواناً معروفاً في عاصمة الشمال يقصده نجوم الفن والسياسة كما الطبقة الشعبية.
وأول ما ستبحث عنه هو معنى كلمة «الدّنون» ليأتيك الجواب مسطراً كالتالي «هو اللقب الذي تحمله عائلة المؤسس ياسر عبد الهادي منذ زمن». فالمطعم استهلّ أعماله في الماضي في طرابلس القديمة لينتقل إلى الحالي المعروف بشارع جبران خليل جبران. وهكذا صارت حبات الحمص والفول ترتبط بـ«الدّنون» قلباً وقالباً وطعماً ونكهة.
الجلسة في هذا المطعم الواقع بالقرب من شارع عزمي الرئيسي في طرابلس الفيحاء هي «دندنة» من نوع آخر تطرب لها حواسك الخمس مجتمعة. فهناك ستشدك رائحة متبلات الفول والحمص بالثوم وزيت الزيتون ويلفتك شكلها الخارجي المتلألئ على بساط أبيض من الحمص المطحون. وعند سماعك قرقعة الصحون من حولك ستتمنى أن يأتي دور طلبيتك سريعاً لأن مجرد مشاهدتك لتلك التي تنزل على الطاولات من حولك ستفتح شهيتك. وأنت تمسك بقطعة الخبز الطازج المنفوخ لتغمسها في صحن فول مدمس بلدي ستتذكر دون شك أصالة الطعام اللبناني في زمن رواج «الدليفري».
وعلى طاولات من الرخام المرقّط تحيط بها كراسيٌّ خشبية مريحة تحتضنها ديكورات عربية من زجاج ملون وقناطر حجرية يبدأ مشوارك مع أطباق «الدّنون» الذي ذاع صيته ليصل إلى مدن لبنان مجتمعة. فبعض اللبنانيين يقصدون طرابلس الفيحاء من أجل زيارة هذا العنوان، لا سيما أنه يعد الأعرق، إذ مر على تأسيسه نحو أكثر من نصف قرن. وبين الفول مع الحامض، أو الطحينة والحمص الناعم مع هذين المكونين، إضافة إلى أطباق فتة الحمص حب بالسمن والصنوبر البلدي، أو الموزعة عليها طبقة من اللحم المفروم، ستقتصر خياراتك. البعض يردد أن سر نكهة أطباق «الدّنون» تكمن في طريقة تتبيلها وأحياناً إضافة اللبن الزبادي إلى بعضها كي تزيدها بياضاً. فيما يشير آخرون إلى أن الخلطة التي ابتكرها مؤسس المطعم متكلاً على مذاقه الخاص هي التي أحدثت الفرق في هذا المطعم الذي يضاهي اليوم بشهرته أهم تلك المنتشرة في بيروت وغيرها.
دوام تقديم الطعام في هذا المكان لا يرتبط بعادات تجارية تُعتمد عادةً في بيروت وضواحيها لتستمر حتى ساعات ليل متأخرة. فهنا آخر صحن فول مدمس يمكن تقديمه لك سيكون عند الخامسة بعد الظهر. فالدوام القصير يسرّع إيقاع العمل حسب المشرفين عليه، كما ينفي إمكانية فقدان طعمه الطازج. فهنا لا مجال لأن يبيت الطعام لليوم التالي. وهي قاعدة ذهبية اعتمدها «الدّنون» منذ البداية ولا يزال متمسكاً بها. ومع البصلة البيضاء المقطعة وحبات الزيتون وأوراق النعناع وقطع البندورة البلدية ستحاول إطالة فترة شهيتك المفتوحة أطول وقت ممكن كي تستطيع تذوق أكبر عدد من الأطباق.
يعد «الدّنون» وجهة محببة إلى قلوب نجوم المجتمع اللبناني من سياسيين أمثال فيصل كرامي ونجيب ميقاتي وسمير الجسر وبهاء الحريري وغيرهم. ومن الفنانين الذين كانوا يعتبرونه محطة ثابتة في مشوارهم إلى طرابلس، الراحل ملحم بركات. ولا يمكن أن تنسى كراسيّه وطاولاته جلسات طويلة كان يعقدها هناك الراحل المصري إسماعيل ياسين خلال زياراته المتكررة إلى لبنان. أما أحدث الفنانين الذين تذوقوا نكهات أطباقه فهو المصري «أبو» الذي أبى في زيارته الأخيرة للبنان إلا أن يمر على هذا المطعم بعد أن سمع أصداء رواجه في القاهرة. وبعيداً عن أي عجقة أطباق أخرى عادةً ما يُدرجها أصحاب هذا النوع من المطاعم على لوائحهم كي يفتحون شهية الزبون على تناول العدد الأكبر منها، فإن «الدنون» يكتفي بالفول والحمص ليشكلا مروحة أصناف الطعام لديه. فلا سكريات ولا فواكه ولا حلويات تقدَّم في هذا المطعم.


مقالات ذات صلة

يوميات الشرق قطع من الجبن عُثر عليها ملفوفة حول رقبة امرأة (معهد الآثار الثقافية في شينغيانغ)

الأقدم في العالم... باحثون يكتشفون جبناً يعود إلى 3600 عام في مقبرة صينية

اكتشف العلماء أخيراً أقدم قطعة جبن في العالم، وُجدت ملقاة حول رقبة مومياء.

«الشرق الأوسط» (بكين)
يوميات الشرق التفوُّق هو الأثر أيضاً (أ.ف.ب)

الشيف دانييل هوم... أرقى الأطباق قد تكون حليفة في حماية كوكبنا

دانييل هوم أكثر من مجرّد كونه واحداً من أكثر الطهاة الموهوبين في العالم، فهو أيضاً من المدافعين المتحمّسين عن التغذية المستدامة، وراهن بمسيرته على معتقداته.

«الشرق الأوسط» (باريس)
صحتك المستهلك يمكنه تجنب فقدان العناصر الغذائية والنكهة عن طريق اختيار لحوم البقر والدجاج المجمدة (رويترز)

6 أطعمة من الأفضل تناولها مجمدة وغير طازجة

خبيرة التغذية البريطانية ريانون لامبرت، كشفت هذا الأسبوع عن أن وجهة نظرنا السلبية تجاه الأطعمة المجمدة قد تحرمنا عناصر غذائية قيّمة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك العناصر الغذائية الدقيقة تؤدي أدواراً بالغة الأهمية في وظائف الخلايا والمناعة (رويترز)

7 عناصر غذائية أساسية لا نتناول ما يكفي منها

أكثر من 5 مليارات شخص لا يستهلكون ما يكفي من اليود أو فيتامين «E» أو الكالسيوم... وأكثر من 4 مليارات شخص لا يتناولون كمية كافية من الحديد والريبوفلافين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

طارق إبراهيم لـ«الشرق الأوسط»: نعيش مرحلة انتقالية للعودة إلى الجذور

الشيف طارق إبراهيم في مطبخه (انستغرام)
الشيف طارق إبراهيم في مطبخه (انستغرام)
TT

طارق إبراهيم لـ«الشرق الأوسط»: نعيش مرحلة انتقالية للعودة إلى الجذور

الشيف طارق إبراهيم في مطبخه (انستغرام)
الشيف طارق إبراهيم في مطبخه (انستغرام)

في جعبته أكثر من 30 عاماً من الخبرة في صناعة الطعام. مستشار هيئة اللحوم والماشية الأسترالية.

يعدّ المصري طارق إبراهيم أول شيف عربي يحصل على لقب ماستر شيف من قبل «الجمعية العالمية للطهاة».

يدأب على زيارة بيروت باستمرار. ويجد في «صالون هوريكا» للضيافة والخدمات الغذائية، المناسبة الأفضل للقيام بهذه الرحلة.

يشتهر الشيف طارق بتحضير الأطباق الشرق أوسطية. ويعرف بتحضيره أشهى اللحوم المشوية. فهو يقدّمها في مطاعمه في مصر والساحل الشمالي ومناطق أخرى. يفتخر بما حققه حتى الآن في مجاله. ويرى أن هناك مواهب شابة جديدة واعدة في مجال الطبخ. ويتحدّث لـ«الشرق الأوسط» عن مدى تطور مطبخ البحر المتوسط: «كل شيء في الحياة يتطوّر من دون شك. ولكن بالنسبة لأطباق البحر المتوسط فهي في حالة تطور دائم. المكونات التي يتألف منها غنية وكثيرة، توفّر لنا بوصفنا طهاة قدرة على الابتكار».

يقول إن هذا المطبخ واسع جداً ويتنوع حسب البلد الأم. ويوضح في سياق حديثه: «يحضر هذا المطبخ في البلدان العربية كما في أوروبا. كل بلد يحضّر الطبق بأسلوبه فيأخذ خطّاً خاصاً به. نحن في مصر مثلاً نستخدم السمنة، وفي لبنان زيت الزيتون، وفي المغرب دهن اللحمة. فالطعام برأيي ليس اختراعاً بل ابتكار طعم مميز ومرغوب به من قبل الزبون، في الوقت نفسه».

التطور الذي يتحدث عنه الشيف طارق ينبع من البساطة. «ليس بالضرورة أن نبالغ في الابتكار، الأهم أن نحافظ على هوية الطبق. فبدل أن نضيف الليمون الحامض والزيت مثلاً على طبق سلطة، في استطاعتنا استبدال عصير البرتقال به. ويمكننا أن نلجأ إلى طعم مختلف مع عصير الفراولة أو الكرز. وبذلك نكون ابتكرنا طبق سلطة لذيذ الطعم يتألف من مكونات أساسية. ولكن فيما لو قدمنا صحن الحمص بالطحينة المخلوط مع الأفوكادو أو البروكلي والشمندر السكري، فإننا بذلك نشوه شهرة هذا الطبق».

من أطباق الشيف طارق إبراهيم (انستغرام)

يخبر «الشرق الأوسط» عن ابتكاراته التي يهمّه الحفاظ على طعمها الأصلي فيها.

«أحضر في مطعمي حساء الطماطم الأبيض اللذيذ، فنتعرّف إليه من طعمه وليس من شكله، أستخرج منه لون الطماطم الأحمر فيتحول إلى شفاف لا لون له، وأضيف إليه الحبق والكريمة. ويتفاجأ من يتذوقه بطعم الطماطم مع غياب لونها عن الطبق. وبذلك أكون قد اعتمدت التطوير وحافظت على الهوية في آن».

ملاحظاته على الساحة اليوم تقتصر على الفوضى التي تعمّها. برأيه هناك مواهب واعدة ولكنها بحاجة الى الخبرة. «ليس من السهل دخول مجال الطعام والنجاح فيه على الأصول. بعض المواهب الشابة تركن إلى إبراز مهارتها في أكثر من 20 طبق مرة واحدة، فتعتقد أن النجاح ركيزته إنتاج غزير ومنوّع. وفيما بعد، تكتشف تلك المواهب مع الوقت ضرورة اختصار ابتكاراتها بأطباق تعدّ على أصابع اليد الواحدة. فالزبون لا يهمه العدد بل الجودة والطعم. ولذلك تلك المواهب يلزمها الخبرة التي توصلها إلى مرحلة النضج فيما بعد».

الشيف طارق إبراهيم (إنستغرام)

الساحة اليوم كما يقول، تشهد مرحلة انتقالية بحيث تحاول العودة إلى الجذور. «الرجوع إلى الأصل ضرورة كي نحافظ على تاريخنا وتراثنا. وأنا سعيد بهذه العودة. لا بأس في اعتمادنا التطوير المقبول. ولكن في خضم هذه الفوضى التي نعيشها نحن معرّضون لخسارة هويتنا. فالعودة إلى الأصول أمر نلاحظه اليوم بشكل لافت. وصار المذاق الحقيقي للطبق هو الهدف الرئيسي للشيف بشكل عام».

يشدد الشيف إبراهيم على ضرورة استخدام المكوّن الطبيعي في الطعام. فالفرق يصبح واضحاً إذا ما لجأنا إلى مكونات نابعة من زراعات كيميائية. «إنهم يبحثون عن الربح السريع والوفير. وهذا الأمر أسهم في فقدان أصالة أطباق كثيرة من مطبخنا الشرقي».

يقارن بين الطبق والفنان، ويقول: «عندما يطلق الفنان أغنية يهمّه الانتشار والنجاح. ولكن بعدها يصبح قلقه مصدره إضافة النقاط إلى نجاحاته هذه. فتصبح خياراته أكثر دقة ويدرسها بشكل واف. وهواة الطهي الشباب يحاولون إبراز كل إمكاناتهم وطاقتهم في بداية المشوار. ومن ثم يحللون ويكتشفون أن الاستمرارية هي الأهم. فيأخذون بالتعاطي مع أطباقهم من باب الطبق اللذيذ والطويل الأمد».

الساحة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» تزخر بطهاة شغوفين بعملهم وبينهم من وصل إلى العالمية. «إنهم يشكلون مدرسة بابتكاراتهم. وعلى الشباب أن يتعلّموا منهم كي يحققوا تمنياتهم».

وعن الطبق اللبناني الذي يحب تقديمه يختم لـ«الشرق الأوسط»: «طبق البطارخ مع حبوب الثوم وزيت الزيتون. تخيلي على الرغم من شهرتنا الواسعة بهذا الطبق في مصر، لم يقدمه أحد بهذه الطريقة. وأنا تعلّمته في لبنان، أعجبت به وأنشره اليوم في مصر».