حرب كلامية بين أنصار الملا عمر والبغدادي

أشعلها تهنئة زعيم طالبان في عيد الفطر ووصف نفسه بأنه «خادم الإسلام أمير المؤمنين»

صورة الملا عمر على المواقع الأصولية  و  أبو بكر البغدادي
صورة الملا عمر على المواقع الأصولية و أبو بكر البغدادي
TT
20

حرب كلامية بين أنصار الملا عمر والبغدادي

صورة الملا عمر على المواقع الأصولية  و  أبو بكر البغدادي
صورة الملا عمر على المواقع الأصولية و أبو بكر البغدادي

أشعلت تهنئة الملا محمد عمر زعيم حركة طالبان بمناسبة عيد الفطر التي بدأها «إلى إخوتنا المسلمين.. وشعبنا المجاهد» ووقعها بـ«خادم الإسلام أمير المؤمنين»، حربا كلامية وتلاسنا مع جماعة «داعش» وأبو بكر البغدادي الذي نصب نفسه أميرا لـ«الدولة الإسلامية» في الموصل، ودخل على الخط العشرات من الأصوليين على مواقع التواصل الاجتماعي، بعضهم وقف إلى جانب الملا عمر، وآخرون استهجنوا البغدادي الذي نصب نفسه بالقوة «أميرا للمؤمنين».
من جهته قال شخص يدعى عز الدين المصري معلقا على خطاب الملا عمر: «من أمير المؤمنين هذا؟ ومن نصبه أميرا للمؤمنين؟ ومن بايعه؟ ومن هم أهل الحل والعقد الذين فاضلوا بينه وبين غيره؟ ولا يصح تعميم القول ثم نقول بعد ذلك إنه في بلدة كذا، لأنه حينها يكون أمير بلدة كذا ولا يُطلَقُ عليه أمير المؤمنين». ورد عليه محمد شعيشع بقوله: «الذين بايعوا الملا عمر هم أعظم مجاهدي هذا القرن، هم نخبة المسلمين وقد بايعوه قبل أي بيعة أخرى، وما زالت البيعة في أعناقهم، وكان له دولة حقيقية ولها سيادة كان يمكن أن تكون نواة لدولة الخلافة».
وعلق إبراهيم نصر بقوله: «العثمانيون كانوا خلفاء عظاما ممدوحين من رسول الله ولم يزعموا القرشية أو أعلنوا الخلافة».
وبث موقع «المرصد الإسلامي» وهو هيئة حقوقية تهتم بأخبار الأصوليين حول العالم رسالة الملا عمر كاملة، ومعها ردود وتعليقات من إسلاميين حول العالم. من جهته قال الإسلامي المصري ياسر السري مدير المرصد الإسلامي في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط»: «إن هناك فوائد وعبرا في رسالة الملا عمر، فهو يتحدث من موقع المسؤولية». وأضاف السري أن الملا عمر وهو يحكم أفغانستان من 1996 إلى 2001 بعد دخول القوات الأجنبية، كان من الممكن أن يعلن الخلافة في أفغانستان قبلها، وكان له سفراء في عدة دول معترف بهم، ولكنه لم يعلن الخلافة. وعلق السري بقوله أيضا: «الملا لم يطلقها شعارات غير قابلة للتطبيق ليرضي بها هواه ويكثر الأتباع ويخطفهم من فلان أو فلان». وأضاف: «الملا تكلم عن الحكومة الإسلامية والنظام الإسلامي وفي هذه المصطلحات وعي ورشد». وقال السري لـ«الشرق الأوسط»: «الملا عنده أرض، عنده شعب، عنده دين، وعند هدف واضح، واستخدم الأسباب الكونية والشرعية لتحقيقه»، مشيرا إلى أن زعيم طالبان «لم يأبه بالمزايدين وأصحاب الشعارات الجوفاء الخالية من مضمون قابل للتطبيق». وقال عن زعيم الحركة الأصولية المطارد: «الملا عنده بنية رباها في المدارس ودربها في المعسكرات الطويلة ولقنها الدين منهج حياة».
وعلق الملا عمر في رسالته على ما يجري من الحوادث والتطوّرات في منطقة الشرق الأوسط بقوله: «علی القوی العالمية أن تترك شعوب هذه المنطقة لتصل إلی أهدافها المشروعة، ولا يُعقل أن تُتّهم الثورات الشعبية بتهمة الإرهاب الجوفاء لتُمطر بعد ذلك بحمم النيران والقنابل، أو يُزجّ بأهلها في السجون والمعتقلات. لا يمكن لأحد أن يهزم إرادات الشعوب بمثل هذه الأعمال».
وشجب الملا عمر «العدوان المتوحش للكيان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين الذي قتل وجرح وشرّد المئات والآلاف منهم في شهر رمضان المبارك. إنّنا ننادي بالعالم وبخاصة بالعالم الإسلامي ألا يسكت تجاه هذه الجرائم، لأنّ السكوت تجاهها جور وخسارة للجميع، ويجب أن تُتخذ إجراءات عملية عاجلة لمنع هذا الظلم والعدوان لكی لا يزداد أمن المنطقة والعالم سوءا». وتحدث الملا عمر في كلمته عن الحرب الدائرة في أفغانستان وتطرق إلى الحرب الإسرائيلية على غزة، واستشهد في رسالته التي بثها موقع «الإمارة الإسلامية»، المتحدث الرسمي باسم الحركة الأصولية، بآيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة منها، «عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلی الله علیه وسلم: (رأس الأمر الإسلامُ، وعَمُوده الصلاة، وذِروة سَنَامه الجهاد). رواه الترمذي». وقال الملا عمر: «إنّ الحرب لن تتوقف في أفغانستان إلا بعد أن تخرج منها جميع القوّات الأجنبية، وتقوم فيها حكومة إسلامية خالصة. وإن بقاء القوات المحتلة المحدودة تحت أي اسم كانت هو بمعنی استمرار القتال، لأنّه لا يتحمّل أي أحد بقاء القوات الغازية في بلده».
وختم الملا عمر رسالته بالقول: «أهنّئكم مرّة أخری بحلول عيد الفطر المبارك، وأسأل الله تعالی أن يوفقكم في أيام الأفراح هذه لمدّ يد العون إلی الفقراء والبائسين من الأسر المسلمة، وأن تضعوا يد العطف والشفقة علی رؤوس الأيتام، وأن تساعدوا ذوي الشهداء والأسری والمهاجرين، وأن تحسنوا إلی الأسری والجرحی المسلمين وتواسوهم بما تستطيعون. وتقبّل الله منا ومنكم صالح الأعمال».



واشنطن تكثّف الضربات على مواقع الحوثيين في صنعاء والحديدة

حفرة أحدثها صاروخ أميركي في ضربة استهدفت صنعاء (أ.ف.ب)
حفرة أحدثها صاروخ أميركي في ضربة استهدفت صنعاء (أ.ف.ب)
TT
20

واشنطن تكثّف الضربات على مواقع الحوثيين في صنعاء والحديدة

حفرة أحدثها صاروخ أميركي في ضربة استهدفت صنعاء (أ.ف.ب)
حفرة أحدثها صاروخ أميركي في ضربة استهدفت صنعاء (أ.ف.ب)

وسط قلق أممي ودعوات حكومية يمنية للسكان إلى سحب ذويهم من صفوف الحوثيين، كثفت الولايات المتحدة ضرباتها فجر الجمعة ومساء السبت على مواقع مفترضة للجماعة في صنعاء وضواحيها والحديدة، وصولاً إلى عمران ومأرب وجزيرة كمران في البحر الأحمر.

وتأتي هذه الضربات ضمن الحملة المستمرة التي أمر بها الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، منذ 15 مارس (آذار) الماضي؛ لإرغام الجماعة المدعومة من إيران على التوقف عن تهديد الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، والكف عن مهاجمة إسرائيل بذريعة مساندة الفلسطينيين في غزة.

وتحدث إعلام الجماعة الحوثية عن التعرض لنحو 50 غارة مساء السبت وفجر الأحد، تركزت غالبيتها على صنعاء وضواحيها وعلى الحديدة، مع الإشارة إلى مقتل وإصابة 13 شخصاً تدعي الجماعة أنهم من المدنيين، دون التطرق إلى الخسائر العسكرية على مستوى العتاد والعناصر.

ووفق مصادر محلية، فقد استهدفت الضربات في مدينة صنعاء موقعاً عسكرياً للحوثيين في حي النهضة شمالاً، وموقعَين في الأحياء الجنوبية قال الحوثيون إنهما مقبرتان، إلى جانب استهداف معسكر الحفا أسفل جبل نقم شرقاً، والمقر السابق لما كانت تُعرف باسم «الفرقة الأولى مدرع» في الشمال.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري ترومان» لضرب الحوثيين (أ.ب)
مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري ترومان» لضرب الحوثيين (أ.ب)

وفي الضواحي الشرقية والغربية والشمالية لصنعاء، ضربت الغارات مواقع للجماعة في مديرية بني حشيش (شرق)، وفي مديريات بني مطر والحصن والحيمة الخارجية (غرب)، وفي منطقة ضروان التابعة لمديرية همدان (شمال). كما امتدت الضربات إلى منطقة حرف سفيان شمال محافظة عمران؛ حيث أقرت الجماعة بالتعرض لـ4 غارات، وإلى مديرية صرواح غرب مأرب، حيث تعرضت لغارة واحدة، وفق إعلام الجماعة.

وأغلب المناطق المستهدفة سبق أن ضربتها الغارات الأميركية خلال الأسابيع الماضية. ويعتقد أن الحوثيين يخبئون عتادهم في الكهوف والأنفاق الجبلية، وأنهم إثر كل استهداف يحاولون الوصول إلى بقية العتاد.

وفي محافظة الحديدة الساحلية غرباً، أقرت الجماعة الحوثية بالتعرض لـ13 غارة قالت إنها ضربت مواقع في ميناء الحديدة ومطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ 10 سنوات، إلى جانب استهداف جزيرة كمران في البحر الأحمر بـ3 غارات، وهو الاستهداف الخامس للجزيرة التي تتخذ منها الجماعة قاعدة متقدمة لشن الهجمات البحرية.

ألف ضربة

وبهذه الغارات تكون الجماعة الحوثية قد تعرضت خلال 35 يوماً لنحو ألف غارة جوية وضربة بحرية، وفق ما أقر به زعيمها عبد الملك الحوثي؛ كان أشدها قسوة الضربات التي دمرت ليل الخميس الماضي ميناء رأس عيسى النفطي شمال الحديدة.

وتركزت الضربات على تحصينات الجماعة داخل المعسكرات والأنفاق الجبلية في صعدة وصنعاء وضواحيها وفي عمران، وطالت المئات منها خطوط التماس مع القوات الحكومية في مأرب والجوف وجنوب الحديدة.

مقاتلات أميركية دمرت ميناء رأس عيسى النفطي الخاضع للحوثيين في اليمن (أ.ب)
مقاتلات أميركية دمرت ميناء رأس عيسى النفطي الخاضع للحوثيين في اليمن (أ.ب)

كما استهدفت الغارات بدرجة أقل مواقع للاتصالات والقيادة والسيطرة ومخازن أسلحة في محافظات ذمار وإب والبيضاء وحجة، فضلاً عن ضربات استُخدمت فيها المسيّرات لضرب أهداف متحركة، وتجمعات للقادة والعناصر.

وخلال الأسابيع الستة الماضي، تحدث الحوثيون عن مقتل أكثر من 200 وإصابة نحو 350 آخرين من المدنيين، وزعم القطاع الصحي التابع لهم أن من بين القتلى نساء وأطفال، فيما لم يُتحقق من هذه المعلومات من مصادر مستقلة.

تحذيرات حكومية

في ظل المخاطر المحدقة بالسكان داخل مناطق سيطرة الحوثيين جراء استخدامهم دروعاً بشرية وتجنيدهم، حذرت الحكومة اليمنية من مغبة مساندة الجماعة، ودعت السكان إلى سحب ذويهم من صفوفها والابتعاد عن مواقع تمركزها.

وفي تصريح صحافي، خاطب وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني، مواطنيه في مناطق سيطرة الجماعة بالقول: «أبناؤكم يُساقون إلى المحارق، يُستخدمون وقوداً لحروب عبثية لا نهاية لها، ويدفعون أرواحهم في معارك لا تعنيهم؛ خدمةً لمشروع تدميري تديره طهران، لا يعرف الوطن ولا يعترف بدموع الأمهات».

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)
معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

واتهم الإرياني الجماعة الحوثية بأنها مستمرة في استغلال المدنيين بمناطق سيطرتها، وقال إنها «تُحوّل المدارس، والمستشفيات، والمساجد، والمنشآت العامة والخاصة، إلى أوكار عسكرية، وتستخدم المدنيين دروعاً بشرية».

وناشد وزير الإعلام اليمني السكان سحب أبنائهم وإبعادهم عن مواقع تمركز الجماعة الحوثية وتجمعاتها؛ بما في ذلك المعسكرات، ومراكز التحشيد والتجنيد، وأي منشآت «مدنية» تُستغل لأغراض قتالية.

ووفق الإرياني، فإن الجماعة «تتلقى ضربات دقيقة وموجعة، وخسائرها تتصاعد بشكل مستمر، كان آخرها مصرع المئات في ضربة نوعية استهدفت أحد معسكراتها، ولم ينجُ منهم أحد».

وأكد الوزير اليمني أن الميليشيات الحوثية «تتكتم على خسائرها وتخفي الحقيقة، خوفاً من انهيار معنويات من تبقى معها؛ لأن قادتها يعرفون جيداً أن حربهم خاسرة وأن مشروعهم إلى زوال».

يذكر أن القوات اليمنية الشرعية بتشكيلاتها المختلفة لا تزال ملتزمة التهدئة القائمة مع الجماعة الحوثية، ويتطلع مجلس القيادة الرئاسي اليمني إلى تحالف دولي يدعم قواته على الأرض لإنهاء تهديد الحوثيين، بوصف ذلك هو الحل الأمثل وليست الضربات الأميركية التي يشكك مراقبون يمنيون في قدرتها على الحسم.

قلق أممي

وفي حين تجمدت مساعي السلام التي تقودها الأمم المتحدة في اليمن منذ انخراط الحوثيين في التصعيد البحري والإقليمي تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين، عبر المبعوث، هانس غروندبرغ، في بيان، الأحد، عن شعوره بـ«القلق»، داعياً إلى خفض التصعيد.

وقال غروندبرغ: «أشعر بقلق بالغ إزاء تأثير الضربات الجوية الأميركية في ميناء رأس عيسى ومحيطه على المدنيين، لا سيما سائقي الشاحنات والعاملين في الميناء، وكذلك على البنية التحتية المدنية».

ورأى المبعوث أن سلسلة الهجمات التي يشنها الحوثيون في البحر الأحمر، والغارات الجوية الأميركية رداً عليها، «تقوّض جهود السلام، وتُنذر بجرّ اليمن إلى مزيد من الصراع الإقليمي».

وكرر غروندبرغ دعوته إلى «ضبط النفس، وخفض التصعيد، وحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية من قبل جميع الأطراف، وفقاً للقانون الدولي».

وشدد المبعوث على وجوب أن تتوقف الهجمات في البحر الأحمر بضمانات موثوقة تحميه من أن يصبح ساحة صراع طويلة الأمد. وقال: «هذه الضمانات ضرورية، ليس فقط للأمن العالمي؛ بل أيضاً لمنع اليمن من الانزلاق بعيداً عن مسار السلام»، متعهداً «مواصلة العمل مع جميع الأطراف لتحقيق هذا الهدف من أجل تحقيق سلام مستدام في اليمن».

حطام مسيّرة زعم الحوثيون أنها أميركية وأنهم أسقطوها قبل أشهر (إعلام حوثي)
حطام مسيّرة زعم الحوثيون أنها أميركية وأنهم أسقطوها قبل أشهر (إعلام حوثي)

في غضون ذلك، لم يعلن الحوثيون عن أي هجمات جديدة على القوات الأميركية أو باتجاه إسرائيل، حتى لحظة كتابة هذه الملف، باستثناء تبنيهم إسقاط مسيّرة أميركية من طراز «إم كيو9»، زاعمين أنها سادس طائرة من نوعها يسقطونها خلال الشهر الحالي، والـ21 منذ انخراطهم في التصعيد البحري والإقليمي خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

ومنذ بدء حملة ترمب، تبنى الحوثيون إطلاق 13 صاروخاً وعدداً محدوداً من المسيّرات باتجاه إسرائيل، دون أي تأثير عسكري لهذه الهجمات، كما يزعمون أنهم يهاجمون بشكل يومي القوات الأميركية التي تتولى ضربهم.