خبيرات الموضة يكشفن بعض أسرارهن وأفكارهن

«التسوق الذكي»... حل للصراع بين الأناقة والأزمات الاقتصادية

ندى حسام  -  ندى حسام  -  منسقة الموضة  ليلى يوسف
ندى حسام - ندى حسام - منسقة الموضة ليلى يوسف
TT

خبيرات الموضة يكشفن بعض أسرارهن وأفكارهن

ندى حسام  -  ندى حسام  -  منسقة الموضة  ليلى يوسف
ندى حسام - ندى حسام - منسقة الموضة ليلى يوسف

العالم تغير. أصبح قرية صغيرة تحكمه تأثيرات قوية، بسبب مواقع التواصل الاجتماعي التي فتحت الأجواء وقربت البعيد.
الآن يمكن متابعة صيحات الموضة العالمية من خلال شاشة الهاتف الخلوي. ومن خلال حساب افتراضي وبطاقة ائتمان يمكن اقتناء آخر الصيحات بعد العرض مباشرة. كل هذا غيّر شكل المجتمعات وأثر في العادات الشرائية بشكل واضح.
ولأن الأمر بات واقعاً، فرض نفسه، ليس أمامنا سوى مسايرته بالاعتماد على الذوق أكثر من الاعتماد على حجم الرصيد البنكي. رأي اتفقت عليه كل من ندى حسام، منسقة الموضة، وليلى يوسف، مستشارة الموضة والتسويق، وأخيراً وليس آخراً هادية غالب، مدونة الموضة.
استهلت ندى حسام حديثها مع «الشرق الأوسط»، قائلة إن الأناقة لا تعني آخر صيحات الموضة، بقدر ما تعني أسلوبا خاصا يناسب الشخص «فهذا هو سر تميز بعض الأشخاص عن غيرهم... قدرتهم على التنسيق والاختيار لا تقدر بثمن». وتتابع: «أول شروط التسوق الذكي ألا تقتني صرعات الموضة، لأنها قد تشهد رواجا موسميا لكن ارتداءها لا يعني بالضرورة أنك أنيق، على العكس من بعض القطع التي لا تختفي، مثل القميص الأبيض. فهو قطعة ذهبية في خزانة المرأة، ومع ذلك لا يكتسب أناقته إلا عند تنسيقه بطريقة مبتكرة تبعده عن النمطية». تتفق معها ليلى يوسف في أن مفهوم الموضة الحقيقي لا يتحكم فيه صناعها، وبأن المحرك الحقيقي هي اختيارات الأشخاص والتي يجب أن تخضع لذوق وثقافة كل شخص. تشرح: «رغم عشقي للتسوق، فإنني لا ألهث وراء الصيحات العصرية، بل أحدد ما يناسبني منها، وفقاً لمعاييري الثقافية والاجتماعية من جانب، ومن جانب آخر أختار ما يناسب قوامي ولون بشرتي، وهنا أعتبر أن مفتاح التسوق الذكي هو أن تقتني ما يناسبك فقط».
يقدر سوق الموضة العالمية بنحو 3 آلاف مليار دولار (3 تريليونات دولار)، وهو ما يمثل 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في العالم، ووفقا لتقرير صدر من مؤسسة «إلين ماك آرثر»، فإن صناعة الأزياء مسؤولة عن انبعاثات للغازات المسببة للاحتباس الحراري تبلغ 1.2 مليار طن سنويا وهذا أكثر من كل رحلات الطيران الدولية والشحن البحري معاً، وتحتل صناعة الملابس المركز الثاني بعد النفط كأكبر ملوث في العالم، وهذه الأرقام تشير إلى أمرين: الأول أن صناعة بهذا الحجم بالطبع تبذل قصارى جهدها لتقنع المستهلك باستراتجياتها وتتحكم في تحديد أولوياته، وذلك من خلال حملات تسويق أصبح «الإنفلونسيرز» هم الحلقة الأهم فيها، أما الأمر الثاني هو أن يدرك الشخص أن شراء ملابس دون حاجة يعني ضررا شخصيا محدودا وضررا بيئيا ضخما. من ثم فإن التسوق الذكي مسؤولية شخصية واجتماعية، وهذا ما تؤكده ندى حسام بتشديدها على أهمية التركيز على شراء القطع اللازمة فقط، وتوضح «أهم خطوة أقوم بها قبل الذهاب للتسوق، هي ترتيب خزانتي لتحديد مناطق النقص فيها، الأمر الذي يساعدني على شراء قطع محدودة العدد تضيف إلى ما فيها وفي الوقت ذاته تُجدد إطلالاتي اليومية. بعدها فقط أتوجه إلى السوق ومعي قائمة تقيني من الوقوع فريسة لإغراءات التنزيلات أو استراتجيات التسويق التي تتبعها المحلات بذكاء».
من جانبها، توضح ليلى يوسف حيّل تتبعها العلامات الكبرى بهدف التحكم في استراتيجية التسوق للمستهلك، وتقول: «هناك قسمان أساسيان داخل كل متجر ملابس، وهما القسم الساخن أو hot section ويقصد به الطاولة الموجودة في مدخل المتجر، وعادة ما تضم أحدث الصيحات التي يرغب المتجر في بيعها أولاً، لأن بقاءها بعد انقضاء الموسم يعني خسائر ضخمة، والقسم الثاني يُطلق عليه اسم القسم البارد أو cold section، وعادة ما يوجد بجوار الخزينة، بحيث لا يلاحظه الشخص إلا بعد انتهاء رحلة التسوق والذهاب للدفع، ونصيحتي هي ألا يركز المتسوق على القسم الساخن لأن الصيحات الموجودة على هذه الطاولة هي الأكثر مبيعاً، وبالتالي هناك احتمالية كبيرة أن الشخص لن يحصل على التميز المطلوب. أما القسم البارد فهو غالبا ما يحتوي على قطع مميزة يعرف المتجر أنه سيبيعها طوال العام، لذا عليك البدء بها لتكون متسوقاً أكثر ذكاءً من المتجر».
يتصور المتابعون أن مدونات الموضة لا يتابعن إلا منصات عروض الأزياء ثم يذهبن لاقتناء كل الصيحات، ويبدو أن الواقع مغاير لهذه التصورات، حسب ما تقوله مدونة الموضة هادية غالب. فهي ترسم لنفسها خطة واضحة تتلخص في أنها لا تذهب إلى السوق «إلا إذا كنت أعرف جيداً ماذا أريد، فإذا كان الهدف هو اقتناء تي شيرت أبيض، أحضر عربة التسوق وأختار كل القطع البيضاء التي تروق لي، حتى وإن كنت أعرف أني لن أشتري سوى واحدة. أجربها كلها للتأكد من أكثرها ملاءمة لجسمي ولون بشرتي. وتضيف أن «فكرة اقتناء موضة الموسم أصبحت نمطية، لأن الأناقة العصرية لا تعتمد على الاقتناء قدر ما تعتمد على فن التنسيق واختيار الملائم». توافقها الرأي ليلى يوسف بقولها إن متابعة الموضة، سواء من خلال عروض الأزياء أو حسابات المشاهير والمدونات، يحفز الذاكرة لتسترجع طرق التنسيق الأنيقة وقت الشراء، لذا تنصح بمتابعة المتخصصين، لأن «هذه المتابعة تصقل العين وتعلم فن الاختيار».
خلال موسم التنزيلات تكون الإغراءات قوية، حتى أن أغلبنا قد يعثر على قطع في خزانته اقتناها فقط لأنها خضعت لتنزيلات مغرية، وهذا ما تحذر منه ندى حسام وتقول: «لا يجب شراء قطعة غير ملائمة حتى وإن تم تنزيلها إلى أكثر من 50 في المائة. لأنها خسارة، ولكن هذا لا يعني أن موسم التنزيلات لا يطرح قطعا أساسية يمكننا الاستفادة منها على المدى البعيد، مثل الجينز والسترات والقمصان بألوان متنوعة. وتقول هادية غالب إن موسم التنزيلات بالنسبة لها ليس مُحفزا كبيرا، لأنها تعي أن المتاجر تتبع استراتيجيات ذكية قد تجعلها تشتري أشياء لا تحتاجها.
فالأناقة بحسب رأيها لا تتحدد بعدد القطع التي يتم اقتناؤها، بل بحسب مدى احتياجنا إليها واستعمالنا لها، وإلا تدخل خانة الخسارة. وفي هذه الحالة من الأفضل شراء قطع من آخر ما يطرحه المصممون حتى تبقى المرأة مواكبة للموضة، بتجديد إطلالاتها وإضافة لمسة عصرية. وفي حال كانت الأزياء غير مناسبة، تصميما وحجما أو نقوشات، فإن الحل المثالي لتجديد أي إطلالة هي الإكسسوارات، من الأحذية والحقائب والأحزمة إلى الجواهر والأوشحة. فهذه القطع تبقى ركيزة أساسية لا تخضع لتغيرات موسمية جذرية إذا كانت من الجلد وبتصميم عملي، وفي الوقت ذاته ترقى بأي إطلالة إلى مستوى عصري وأنيق.


مقالات ذات صلة

2024... عام التحديات

لمسات الموضة لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)

2024... عام التحديات

إلى جانب الاضطرابات السياسية والاقتصادية، فإن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض لا تُطمئن صناع الموضة بقدر ما تزيد من قلقهم وتسابقهم لاتخاذ قرارات استباقية.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)

2024...عام الإقالات والتعيينات

تغييرات كثيرة شهدتها ساحة الموضة هذا العام، كانت من بينها إقالات واستقالات، وبالنتيجة تعيينات جديدة نذكر منها:

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

على الرغم من تعقيد الآلات المستعملة لصنعه، فإن نسيجه يستحق العناء، ويتحول إلى قماش ناعم جداً بمجرّد تحويله إلى سروال جينز.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)

التول والمخمل... رفيقا الأفراح والجمال

بين المرأة والتول والمخمل قصة حب تزيد دفئاً وقوة في الاحتفالات الخاصة والمناسبات المهمة

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

هناك فعلاً مجموعة من القواسم المُشتركة بين ماركل وجينر، إلى جانب الجدل الذي تثيرانه بسبب الثقافة التي تُمثلانها ويرفضها البعض ويدعمها البعض الآخر.

جميلة حلفيشي (لندن)

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
TT

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)

تحظى سراويل الجينز اليابانية المصبوغة يدوياً بلون نيلي طبيعي، والمنسوجة على أنوال قديمة، باهتمام عدد متزايد من عشاق الموضة، الذين لا يترددون في الاستثمار في قطع راقية بغض النظر عن سعرها ما دامت مصنوعةً باليد. وعلى هذا الأساس يتعامل كثير من صُنَّاع الموضة العالمية مع ورشات يابانية متخصصة في هذا المجال؛ فهم لا يزالون يحافظون على كثير من التقاليد اليدوية في صبغ قطنه وتصنيعه من الألف إلى الياء.

يوضع القطن في وعاء يحتوي على سائل أزرق داكن لا يلوّنها وحدها بل أيضاً أيدي العاملين (أ.ف.ب)

داخل مصنع «موموتارو جينز» الصغير في جنوب غربي اليابان، يغمس يوشيهارو أوكاموتو خيوط قطن في وعاء يحتوي على سائل أزرق داكن يلوّن يديه وأظافره في كل مرّة يكرر فيها العملية. يتم استيراد هذا القطن من زيمبابوي، لكنّ الصبغة النيلية الطبيعية المستخدَمة مُستخرجةٌ في اليابان، ويؤكد أوكاموتو أنّ لونها غني أكثر من الصبغات الاصطناعية. وكانت هذه الطريقة التي يشير إلى أنها «مكلفة» و«تستغرق وقتاً طويلاً»، شائعةً لصبغ الكيمونو في حقبة إيدو، من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر.

العمل في هذه المصانع صارم فيما يتعلق بمختلف جوانب التصنيع من صبغة إلى خياطة (أ.ف.ب)

وتشكِّل «موموتارو جينز» التي أسستها عام 2006 «جابان بلو»، إحدى عشرات الشركات المنتِجة لسراويل الجينز، ويقع مقرها في كوجيما، وهي منطقة ساحلية تشتهر بجودة سلعها الحرفية، بعيداً عن سراويل الجينز الأميركية المُنتَجة على نطاق صناعي واسع. ويقول رئيس «جابان بلو»، ماساتاكا سوزوكي، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نحن صارمون جداً فيما يتعلق بمختلف جوانب التصنيع». ويشمل ذلك «جودة الخياطة والصبغة»، ما يجعل الاعتماد على مهارات التصنيع التقليدية للحرفيين المحليين، مسألة ضرورية.

بيد أن كل ما هو منسوج يدويا ومصنوع بهذا الكم من الحرفية له تكلفته، إذ يبلغ سعر النموذج الرئيسي من الجينز الذي تنتجه «موموتارو» نحو 193 دولاراً. أما النموذج الأغلى والمنسوج يدوياً على آلة خشبية محوّلة من آلة نسج كيمونو فاخرة، فيتخطى سعره 1250 دولاراً.

يعمل أحد الحرفيين على تنفيذ بنطلون جينز باليد بصبر رغم ما يستغرقه من وقت (أ.ف.ب)

ومع ذلك، ازداد الاهتمام بما تنتجه «جابان بلو» على أساس أنها إحدى ماركات الجينز الراقية على غرار «إيفيسو»، و«شوغر كين». وتمثل الصادرات حالياً 40 في المائة من مبيعات التجزئة، كما افتتحت الشركة أخيراً متجرها السادس في كيوتو، ويستهدف السياح الأثرياء بشكل خاص. يشار إلى أن صناعة الجينز ازدهرت في كوجيما بدءاً من ستينات القرن العشرين لما تتمتع به المنطقة من باع طويل في زراعة القطن وصناعة المنسوجات. وخلال حقبة إيدو، أنتجت المدينة حبالاً منسوجة للساموراي لربط مقابض السيوف. ثم تحوّلت بعد ذلك إلى صناعة «تابي»، وهي جوارب يابانية تعزل إصبع القدم الكبير عن الأصابع الأخرى، وانتقلت فيما بعد إلى إنتاج الأزياء المدرسية.

تعدّ سراويل الجينز الياباني من بين أغلى الماركات كونها مصنوعة ومصبوغة باليد (أ.ف.ب)

ويقول مايكل بندلبيري، وهو خيّاط يدير مشغل «ذي دينيم دكتور» لتصليح الملابس في بريطانيا، إنّ سوق سراويل الجينز اليابانية «نمت خلال السنوات الـ10 إلى الـ15 الماضية». ومع أنّ محبي الجينز في الدول الغربية يبدون اهتماماً كبيراً بهذه السراويل، «لا يمكن للكثيرين تحمل تكاليفها»، بحسب بندلبيري. ويتابع قائلاً: «إن ماركات الجينز ذات الإنتاج الضخم مثل (ليفايس) و(ديزل) و(رانغلر) لا تزال الأكثر شعبية، لكن في رأيي تبقى الجودة الأفضل يابانية». ويرى في ضعف الين وازدهار السياحة فرصةً إضافيةً لانتعاش سوق هذه السراويل.

رغم هشاشتها والضجيج الذي ينبعث منها فإن الأنوال القديمة لا تزال هي المستعملة احتراماً للتقاليد (أ.ف.ب)

يعزز استخدام آلات النسيج القديمة رغم هشاشتها والضجيج الذي ينبعث منها، وبالتالي لا تملك سوى رُبع قدرة أنوال المصانع الحديثة، من سمعة «موموتارو جينز» التي تعود تسميتها إلى اسم بطل شعبي محلي. وغالباً ما تتعطَّل هذه الأنوال المصنوعة في الثمانينات، في حين أنّ الأشخاص الوحيدين الذين يعرفون كيفية تصليحها تزيد أعمارهم على 70 عاماً، بحسب شيغيرو أوشيدا، وهو حائك حرفي في موموتارو.

يقول أوشيدا (78 عاماً)، وهو يمشي بين الآلات لرصد أي صوت يشير إلى خلل ما: «لم يبقَ منها سوى قليل في اليابان» لأنها لم تعد تُصنَّع. وعلى الرغم من تعقيد هذه الآلات، فإنه يؤكد أنّ نسيجها يستحق العناء، فـ«ملمس القماش ناعم جداً... وبمجرّد تحويله إلى سروال جينز، يدوم طويلاً».