مهرجان الدول الفرانكوفونية بالإسكندرية نافذة للتقريب بين الشعوب

ورش عمل وفقرات فنية ومشغولات يدوية

منتجات جلدية من غينيا تشارك في المهرجان
منتجات جلدية من غينيا تشارك في المهرجان
TT

مهرجان الدول الفرانكوفونية بالإسكندرية نافذة للتقريب بين الشعوب

منتجات جلدية من غينيا تشارك في المهرجان
منتجات جلدية من غينيا تشارك في المهرجان

على وقع خطوات الدّبكة اللبنانية، وقفزات الراقصين الأفارقة، ضجت ساحة مكتبة الإسكندرية بالفنون التي امتزجت في لوحات حيّة متعاقبة خلال افتتاح مهرجان مهن الدّول الفرانكوفونية في نسخته الخامسة، قبل أيام والذي قدم ثلاثة أنواع مختلفة من التراث الفني لدول جمعتها وحدة اللغة الفرنسية بدرجات متفاوتة، ليكون بحق نافذة للتّقريب بين الشّعوب.
وفي مقابل ساحة العروض الراقصة كانت روائح الأطعمة المصرية الشعبية تفوح وتجذب الحضور، بين عربة الفول والفلافل وبائع الترمس بجلبابه التقليدي، تزاحمهم قراطيس الحلاوة السمسمية والذرة المشوية على الفحم. وقال محمد عسلية، بائع حلويات سمسمية من مصر: «أشارك في المهرجان للمرة الخامسة، وحريص على المشاركة لأنّني أتعرّف على أشخاص جدد وثقافات مختلفة، وأفتخر بعرض الحلويات المحلية»، بينما أشار شريكه محمد إبراهيم إلى تطوير عمله بمنتج جديد بعد الاحتكاك مع الأفارقة وهو آيس كريم بالقهوة، بعد أن لفتت نظره كثافة استخدامهم لها.
بينما كانت سوما ماي ليزا، من غينيا، تعرض منتجات جلدية وباروكات للشّعر ذات الضفائر الطويلة، باعتبارها جزءاً من الثقافة الغينية ومظهراً جمالياً مهماً، مبدية سعادتها بالمشاركة في المهرجان، لأنّه يساعدهم على نشر ثقافتهم بين الشّعوب المختلفة.
وبالقرب منها تزاحمت فتيات حول سيدتين من السودان تجيدان نقش الحنة، سلّمت إحدى الفتيات يدها لربيعة عبد الله وصديقتها حياة إبراهيم التي جاءتا من دارفور، وتعيشان في مصر منذ سنوات. وتقول ربيعة: «الحنة موهبتي والسّودان تشتهر بها فالجميع يستخدمها ونعتبرها جزءاً من ثقافتنا الخاصة التي نفخر بها». أمّا حياة، فقالت: «لدينا مثل سوداني يقول إنّ الحنة حنينة أي من الحنان، وهو ما يجعلنا نستخدمها كثيراً خصوصاً في المناسبات والأفراح».
مهرجان مهن الدّول الفرانكوفونية، ينظَّم سنوياً في مكتبة الإسكندرية على مدار ثلاثة أيام، وهذه هي النسخة الخامسة، وغينيا هي ضيف شرف المهرجان هذا العام، هكذا أوضحت مروة الصحن، مديرة مركز الأنشطة الفرانكوفونية في مكتبة الإسكندرية. مضيفة لـ«الشرق الأوسط»، أنّ «المشاركة في العام الحالي تشمل لبنان والسنغال، بالإضافة إلى مصر التي تشارك بحرف مختلفة من عدة محافظات... والهدف من المهرجان هو إلقاء الضوء على الحرف الموجودة في مصر والدول المشاركة، وتعليم طلبة المدارس قيمة العمل اليدوي من خلال 15 ورشة عمل لحرفيين تُقام على هامش المهرجان لنقل خبراتهم وصناعتهم للأجيال الجديدة وبناء الذّوق العام». وأشارت إلى أنّهم نظّموا ورشة عمل قبل بداية المهرجان في التسويق الإلكتروني لتشجيع المشاركين على تطوير عملهم وتسويقه بشكل جيد، لافتة إلى أنّهم يعملون في المركز على توطيد العلاقات بين الدول النّاطقة باللغة الفرنسية ويعد المهرجان فرصة لتقريب الثّقافات بين الشّعوب.
بدوره عبّر السفير الغيني لدى مصر، سوريبا كمارا، عن سعادته لاختيار دولته ضيف شرف في المهرجان، قائلاً: «أشعر بالفخر لمشاركتنا في المهرجان هذا العام، وهي فرصة جيدة لترويج ثقافتنا المحلية». مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «نسعى لتوطيد العلاقات بين الشّعبين المصري والغيني والتي تمتد إلى سنوات طويلة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».