لبنان: الحقائب الوزارية... مغانم فوق القانون

باتت تُصنّف بين «سيادية» و«وازنة» و«خدماتية»... ووزارات «دولة»

لبنان: الحقائب الوزارية... مغانم فوق القانون
TT

لبنان: الحقائب الوزارية... مغانم فوق القانون

لبنان: الحقائب الوزارية... مغانم فوق القانون

تكرّس المناقشات لتشكيل الحكومة اللبنانية الحالية، أعرافاً طارئة سرت منذ حكومة عام 2005، تقوم على تقسيم الوزارات إلى أربع فئات، وتوزّعها على الطوائف وممثليها من القوى السياسية الكبرى. وفي حين يصار إلى الالتزام بـ«المناصفة» (المسيحية الإسلامية) عند توزيع الحصص الوزارية، يشتعل الصراع على الوزارات «الخدماتية» والوزارات «الوازنة» تستحوذ على أكبر نسب إنفاق من الموازنة المالية العامة، وتتمتع - في هذا الظرف أو ذاك - بأهمية سياسية بالغة بالنظر إلى حساسيتها. وهذا، مثلاً، هو حال وزارة العدل التي يصرّ الرئيس اللبناني ميشال عون على أن تكون من حصته مرة ثانية، بحسب ما تقول مصادره لـ«الشرق الأوسط». ويتحدث أعضاء في «التيار الوطني الحرّ» (أو «التيار العوني»، الذي أسسه عون وتزعمه حتى تولّيه الرئاسة) عن أن تمسّكه بها يهدف إلى «استكمال مشروع مكافحة الفساد الذي التزم به الرئيس»، و«لأننا مقبلون على ورشة إصلاحية».

تقسيم أو تصنيف الوزارات في لبنان بين «حقائب سيادية» وحقائب «وازنة» و«خدماتية» و«وزارات دولة»، غير موجود دستورياً، إلا أنه بات عرفاً كرسته الممارسة في عمليات تشكيل الحكومات الأخيرة.
في هذا، يرى بعضهم تعزيزاً لأسس النظام السياسي اللبناني القائم على ما يُسمّى «الديمقراطية التوافقية»، ويكرّس تقاسم السلطة بين الطوائف والأقطاب السياسية، بحيث لا يلغي طرفٌ الطرف الآخر، كما يمنح كل الأقطاب قدراً من التمكين السياسي عبر التوزيع للوزارات، يخضع أحياناً لمبدأ المداورة.
غير أن خبراء مشاركين في جلسات «اتفاق الطائف» يرون أن تصنيف الوزارات «خلل بنيوي بالنظرة إلى تطبيق النظام الديمقراطي، ويعاني من انتقاص في حسّ المسؤولية»، وهذا ما يراه النائب والوزير السابق إدمون رزق، مشدّداً على أن «الشراكة يجب أن تكون وحدة المشروع وحسّ المسؤولية، لأن البلد في وضع متردٍّ وهم (أي كبار الساسة) يبحثون عن حصص وتحاصص». وفي حين لا ينفي خبراء أن دور الوزارات «الوازنة»، كما باتت تعرف: «قد يصل إلى تغيير موازين قوى كتل نيابية بأكملها»، يقول النائب ماريو عون عضو «تكتل لبنان القوي» (الذي يتسيّده تيار رئيس الجمهورية) لـ«الشرق الأوسط» موضحاً موقف فريقه السياسي «إننا كنا نتمنى لو أن كل الوزارات تكون عرضة للتغيير، ولا تكون حصرية أو ملكية لفريق دون آخر».
في حكومة تتألف من 30 وزيراً، يرأسها رئيس من الطائفة السنّيّة، يبلغ عدد الحقائب الموصوفة بـ«السيادية» 4 حقائب، كما يبلغ عدد الحقائب «الوازنة» 6. أما الحقائب «الخدماتية» فيبلغ عددها 11 حقيبة، تتنوع من حيث الأهمية تبعاً لميزانيتها السنوية، بينما يبلغ عدد «وزراء الدولة» من - أي الوزراء من دون حقيبة - 8، وهو التقسيم الذي انطبق على الحكومة الحريرية الأخيرة.

- تصنيف الحقائب
ينطلق الصراع على الحقائب «الوازنة» أساساً من كونها وزارات «خدماتية»، ولكونها تسهم إلى حد كبير في تجيير مقدم الخدمات للناخبين، كما يقول خبراء. ومع أن بعضها، مثل وزارة الاتصالات، لا يستحوذ على كمية كبيرة من إنفاق الموازنة، فإنها تُعد وزارة أساسية لأنها تدرّ أموالاً طائلة على الخزينة، ومسؤولة عن إدارة الشركات التي تستثمر في القطاعات من الدولة. في حين تُعد وزارات أخرى مهمة بالنظر إلى أن حجم الإنفاق فيها مرتفع جداً، مثل وزارة التربية التي تحتل الموقع الثاني بين الوزارات الأكثر إنفاقاً بعد وزارة الدفاع. وتليها وزارات الصحة، ثم الأشغال العامة، ثم العدل، فالطاقة، مع الإشارة إلى أن هذه الأخيرة، وعبر مؤسسة كهرباء لبنان، تعد من أكثر القطاعات عبئاً على الخزينة. ولا ينفي خبراء أن دور الوزارات «الوازنة» المتنافس عليها «قد يصل إلى تغيير موازين قوى كتل نيابية بأكملها».
مع هذا، يؤكد أستاذ القانون الدستوري ربيع قيس أن «القانون اللبناني لا يفضل وزارة على أخرى»، لافتاً إلى أن هذا التصنيف بين حقائب سيادية وحقائب خدماتية درجة أولى أو ثانية وغيرها «لا محلَّ قانونياً له، وبات موجوداً بعد اتفاق الطائف، بالنظر إلى أنه قبل اتفاق الطائف لم تكن الوزارات محصورة بأي طائفة».
ويشدد قيس في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن تطبيق هذا التقسيم «سياسي ولا يعكس روح الطائف ولا روح الدستور، بدليل أنه حتى بعد اتفاق الطائف حصلت بعض الخروق، مثل تسليم وزير من طائفة الكاثوليك حقيبة سيادية». ويوضح قيس أن ما ينصّ عليه الدستور والميثاق «محصورٌ بالمناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وتسمية الطوائف التي يتحدر منها الرؤساء الثلاثة (الجمهورية للموارنة، والمجلس النيابي للشيعة، ورئاسة الحكومة للسنة)، كما يتحدث عن المناصفة في وظائف الدرجة الأولى». وهنا، نشير إلى أن وزير الخارجية جبران باسيل كان قد تحدّث عن هذا المبدأ في مقابلة تلفزيونية مؤخراً، فقال إنه مع مبدأ المداورة في الحقائب السيادية، وتوسيع الحكومات لتشمل طوائف أخرى غير ممثلة في الحكومات المتعاقبة مثل طائفتي السريان والعلويين.
بدوره، يعطي إدمون رزق، القانوني والنائب والوزير السابق، الذي كان أحد المشاركين في مباحثات «اتفاق الطائف»، التصنيف، أبعاداً تتخطّى الجانب القانوني. إذ يُعرب رزق عن اعتقاده أن هناك «ضلالاً مبيناً بالنسبة لتعاطي السياسيين مع شؤون الحكم وعدم النية والجدية في النظر إلى المصلحة العامة». ويضيف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» شارحاً: «عندما كنا في الطائف، توصلنا، على سبيل الوفاق الوطني، إلى وضع أسس للشراكة الوطنية وليس المحاصصة المذهبية والطائفية المموّهة لاصطفافات سياسية. أما اليوم فالخلل البنيوي هو في النظرة إلى المسؤولية الوطنية، تلك التي لا تصنِّف ولا تُصنف ولا تحاصِص». وتابع: «مجلس الوزراء مجتمعاً هو يتحمل المسؤولية السياسية. إذن، كل وزير في أي موقع كان، له الحدّ المتساوي من السيادية مع أي وزارة ثانية»، لافتاً إلى أن «تصنيف الوزارات بين خدمية وتبعية وسيادية هو تصنيف مبتذل ودخيل على الدستور والمفهوم الديمقراطي، وهو خلل بنيوي في النظرة للمسؤولية وتحويلها إلى نوع من المحاصصة... كأنما السلطة غنيمة».
ويواصل رزق شرح قائلا: «أما التطييف فهو غير موجود إطلاقاً، ولم تجرِ أي تسويات أو تفاهمات حول توزيع الوزارات على الطوائف والمذاهب»، ومشدداً على أنه «يجب الاحتكام إلى المادة 95 من الدستور التي وضعنا فيها أسس العبور للمواطنة»، مؤكداً أن «المقياس الوحيد للوظائف هو الكفاءة والاختصاص... بينما البحث في توزيع طائفي للوزارات دخيل على الدستور واتفاق الطائف ويدخل ضمن التلاعب السياسي المموه».
وبعد أن يقول: «هذا التصنيف، فضلاً عن أنه غير قانوني، هو لا أخلاقي ولا ديمقراطي. هو مفهوم تخلفي للسلطة وهو من رواسب الرجعية السياسية»، يضيف النائب والوزير السابق أن أطرافاً سياسية «تبحث عن الألقاب، وهو ما ضاعف عدد الوزراء إلى 30 وزيراً. لبنان عرف حكومات من 4 و6 و8 وزراء. وبعد اتفاق الطائف، كنا في حكومة تألفت من 14 وزيراً. كل وزير كان يحمل أكثر من حقيبة... وفي العالم هناك توجه لتقليل عدد الوزراء».

- بين «سيادية» و«وازنة»
تتقاسم الطوائف الأربع الكبرى في لبنان (الشيعة والسنة والمسيحيون الموارنة والمسيحيون الروم الأرثوذكس) الحقائب السيادية في الوزارات وهي: الداخلية التي يشغلها حالياً في «حكومة تصريف الأعمال» السنة ممثلين بوزير يمثل تيار المستقبل (نهاد المشنوق)، والخارجية التي يشغلها الآن الموارنة من حصة «التيار الوطني الحر» (جبران باسيل)، والمالية التي يشغلها الشيعة من حصة «حركة أمل» (علي حسن خليل)، والدفاع التي شغلها وزير أرثوذكسي من حصة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون (يعقوب الصرّاف). وعلى الرغم من المداورة بين الطوائف الأربع على تلك الحقائب في حكومات ما بعد الطائف، يتمسك رئيس البرلمان نبيه برّي بحقيبة وزارة المالية منذ حكومة الرئيس الأسبق تمام سلام، لكونها تعطي الطائفة الشيعية مشاركة في السلطة التنفيذية عبر توقيع وزير المالية الشيعي. ومن ثم، تكتسب هذه الحقائب «السيادية» الأربع أهميتها من كونها وزارات سياسية بالدرجة الأولى خلافاً للحقائب «الوازنة» أو «الخدماتية».
أما الحقائب «الوازنة»، فهي 6 حقائب، وتتضمّن الأشغال العامة والنقل، والطاقة والمياه، والاتصالات، والصحة، والعدل (العدلية)، والتربية والتعليم العالي. وتقسم هذه الحقائب مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، بحيث يكون في الغالب حقيبة للسنة وأخرى للشيعة وأخرى للموحّدين الدروز، بينما تكون هناك حقيبة للموارنة، وأخرى للروم الأرثوذكس، وأخرى للروم الكاثوليك أو الأرمن الأرثوذكس. ويُخرق العرف في بعض الأحيان بحيث يمكن أن تحصل طائفة من تلك الطوائف السبع على حقيبتين موزّعتين لتكتلين برلمانيين مختلفين، وتلعب هنا الاتفاقات بين القوى السياسية دوراً في إحداث خرق.
وبعد المحاولات لتذليل عقد الحقائب «الوازنة»، تأتي الحقائب «الخدماتية»، وتتصدرها حقيبتا وزارتي الشؤون الاجتماعية والإعلام، الأولى تخصص لها الحكومة موازنة كبيرة أيضاً كوزارة خدماتية، والثانية تُعد حقيبة سياسية مهمة، وتخضع أيضاً لمنطق المحاصصة. وتتألف الحقائب «الخدماتية» إلى جانب الشؤون والإعلام، من وزارات السياحة، والبيئة، والاقتصاد والتجارة، والعمل، وشؤون المهجرين - والأخيرة تراجع دورها مع عودة القسم الأكبر من المهجرين بعد الحرب اللبنانية -، ثم هناك حقائب «خدماتية» من درجة أقل بالنظر إلى أن موازنتها في الحكومة لا تتخطى في معظمها عشرة ملايين دولار، وتتمثل في وزارات الثقافة، والزراعة، والصناعة، إضافة إلى وزارة الشباب والرياضة.
هذا، ويكتمل عدد الوزراء الـ30 بثمانية «وزراء دولة» من دون حقائب، ويعتبر دورهم تمثيلياً سياسياً (وطائفياً) بما يتخطى الدور الفعلي. وفي هذه الحكومة، بات هناك «وزارات» دولة لشؤون رئاسة الجمهورية، ولشؤون مجلس النواب، ولشؤون المرأة، ولشؤون مكافحة الفساد، وللتنمية الإدارية، ولشؤون النازحين (من سوريا تحديداً)، ولشؤون حقوق الإنسان ولشؤون التخطيط.

- معضلة التفاوض
ومع تقاسم الحقائب العشر الكبرى التي تتمثل بـ«السيادية» و«الوازنة» بين الطوائف والقوى السياسية، يصبح هامش المناورة لإرضاء أطراف سياسيين آخرين، أكثر ضيقاً. وهذه بالذات، هي المعضلة التي كانت تواجه الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري خلال الأسبوعين الأخيرين. إذ يمثل إصرار «التيار الوطني الحر» على الحصول على حقيبتين «وازنتين»، وإصرار تيار «المردة» على الحصول على حقيبة «وازنة»، معضلة أمام فرص الحريري لحل الخلافات، علما بأن تقاسم الحصص الذي اعتمد هو 10 وزراء لـ«الوطني الحر» ورئيس الجمهورية، و10 وزراء لـ«المستقبل» و«القوات اللبنانية»، و10 وزراء للثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله) والحزب التقدمي الاشتراكي وتيار «المردة» والوزير الدرزي الثالث المتوافق عليه بين الجميع. وإزاء هذا التقاسم، يحصل كل تكتل من 10 وزراء على حقيبتين «وازنتين»، وهو ما يخلق مشكلة في حال بقي «المردة» مصرّاً على حقيبة «وازنة» (الأشغال العامة)، ما يعني أخذها من حصة «الاشتراكي» أو «القوات» بالنظر إلى أن «حزب الله» يطالب بحقيبة وزارة الصحة كحقيبة وازنة.

- الوزير السابق إدمون رزق: دور وزير العدل سياسي وإداري... وليس قضائياً
وزارة العدل (أو العدلية) الآن محل تجاذب لآخر بين الأطراف اللبنانية، وتمثل محور صراع بين القوتين المسيحيتين الأكبر، أي «التيار الوطني الحر» (التيار العوني) و«القوات اللبنانية». ومع أن هذه الوزارة ليست «خدماتية»، بل هي من الوزارات التي تثقل كاهل الدولة بالإنفاق عليها، فإن أهميتها تنطلق من كونها سياسية، ومن دورها ورمزيتها. ويشرح النائب والوزير السابق إدمون رزق ذلك بالتأكيد أن هذه الوزارة «هي من أهم الوزارات، لأنها المرجعية الإدارية للسلطة القضائية، ولا تمتلك إمرة على القضاء».
وتابع رزق، الذي سبق له تولي هذه الوزارة، أن وزير العدل ليس له أي سلطة على القضاء الذي يعد سلطة مستقلة، خلافاً لوزير الداخلية الذي يأمر الأجهزة الأمنية مثلاً والإدارات الرسمية الأخرى التابعة له. ولكن دور وزير العدل «دور سياسي وإداري، ويمثل الإدارة المسؤولة عن سلامة السلطة القضائية وعن استقلاليتها وحريتها... ومع أن أعمال السلطة القضائية غير خاضعة لإمرة وزير العدل، فالتفتيش القضائي هو من ضمن جسم القضاء، فإن وزير العدل يعطي أوامر للنيابات العامة للتحرك، مع الإشارة إلى أن النيابة العامة هي ليست قضاء حكم بل قضاء طلب، بمعنى أنها لا تحكم، بل تتخذ التدابير». وينهي شارحاً: «وزير العدل له صلاحيات إعطاء توجيهات للنيابة العامة، لكن لا صلاحية له للكلام مع أي قاض بأي دعوة».

- خلفيات الجدل حول وزارتي الأشغال والطاقة
تصدّرت حقيبة الأشغال العامة والنقل خلال عملية المساومات التقاسمية الإشكاليات الوزارية الجدلية في لبنان، بالنظر إلى الاتهامات الموجهة إليها بأنها حقيبة «خدماتية» يستفيد منها الفريق السياسي الذي يتولاها بتقديم خدمات ما قبل الانتخابات فتزيد من شعبيته. وفي المقابل، سيكون الطرف السياسي الذي يتولى هذه الحقيبة عرضة للمساءلة والاتهامات، ما يجعل توليها مغامرة، إلا إذا كانت المشروعات التي تنفذها تتسم بشفافية كبيرة.
تتوزّع وزارة الأشغال على 4 مديريات أساسية، هي «الطرق والمباني» التي يخصّص لها الحصة الأكبر من الميزانية وتحديداً للعمل على شق الطرقات وتعبيدها، و«التنظيم المدني» و«النقل البحري والبري» بالإضافة إلى «الطيران المدني» التي سبق أن صدر قرار بإلغائها على أن تُنشأ «هيئة عامة للطيران المدني» بدلا منها. لكن هذا الأمر لم يحدث، وبالتالي لا تزال الأولى هي التي تعمل.
ورغم أن أبرز المشروعات التي يفترض أن تقوم بها في هذا الوقت، هي ملء الشواغر في كل المديريات، وإنجاز الخطة الموضوعة للنقل المشترك منذ سنوات عدّة، إضافة إلى «خطة الأملاك البحرية» و«السكك الحديدية» التي يتطلب العمل عليها من نقطة الصفر، فإن التحديات التي تواجه ميزانية الحكومة بحكم الخطة الإصلاحية القائمة على مؤتمر «سيدر» لدعم لبنان، تحول دون ذلك، كما يتوقع متابعون.
وزارة «الطاقة والمياه»، تعد أيضاً موضع إشكالية جدلية، ذلك أن مشكلة الكهرباء التي كلفت الحكومة اللبنانية أكثر من 30 مليار دولار منذ تصاعدها في عقد التسعينات، ويتعرض أي فريق يتولاها لاتهامات بالفشل بسبب استمرار مشكلة انقطاع الكهرباء، إلا أن «التيار الوطني الحر» (التيار العوني) يتمسك بها، متباهياً بما يعتبرها «إنجازات» حققها فيها، أبرزها إنشاء 7 سدود، والسعي لحل أزمة الكهرباء عبر خطط مؤقتة وخطط دائمة أخرى مثل خطة بناء معامل للكهرباء. وراهناً يعتبر ملف الكهرباء من أبرز العقبات التي تواجه الحكومة، في ظل التجاذب فيها على طريقة توفير التيار الكهربائي. إذ عرضت وزارة الطاقة توفير الكهرباء بشكل مؤقت عبر استئجار بواخر لإنتاجها، ريثما تنتهي أعمال تأهيل وتطوير معامل الإنتاج، وهو ما أثار امتعاضا سياسيا من قوى، مثل «القوات اللبنانية»، طالبت بشفافية أكبر في التعاطي مع الملف، علما بأن وزارة الطاقة بعهدة «التيار الوطني الحر» وحلفائه منذ عام 2008، ولم تثمر كل الحلول المقترحة بإيجاد حل لأزمة انقطاع التيار الكهربائي، مع أن ملف الكهرباء يعتبر السبب الأول للعجز في ميزانية الدولة اللبنانية.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.