شرق السودان... نار تحت الرماد

بتدريب وتسليح إريتري... أكثر من 12 ميليشيا تقاتل مع الجيش

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.


مقالات ذات صلة

محاولات جديدة في ليبيا للخروج من «الحلقة المفرغة»

حصاد الأسبوع من هجوم "الجيش الوطني الليبي" عام 2019 على طرابلس (آ ف ب)

محاولات جديدة في ليبيا للخروج من «الحلقة المفرغة»

تختبر ليبيا راهناً، بحذر، «مبادرة جديدة» تقودها الأمم المتحدة لتحريك العملية السياسية المجمّدة، التي لم تفلح معها مسارات سابقة منذ إسقاط نظام معمر القذافي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع برناردينو ليون (آ ف ب)

تاريخ من المبادرات لحل الأزمة الليبية... انتهت إلى «لا شيء»!

مرّ المشهد الليبي خلال العقد الماضي، بمحطات متعدّدة من المبادرات والمسارات بقيادة الأمم المتحدة لحل أزمة الانقسام السياسي والعسكري، لكن مآل هذه المبادرات.

حصاد الأسبوع ستيف ويتكوف مبعوث ترمب إلى الشرق الأوسط... مرشح للعب دور كبير في سياساته الخارجية

ستيف ويتكوف مبعوث ترمب إلى الشرق الأوسط... مرشح للعب دور كبير في سياساته الخارجية

يوم الثلاثاء، تناقلت وسائل الإعلام خبر وصول طائرة «خاصة» إلى مطار فنوكوفو في العاصمة الروسية موسكو آتية من واشنطن. وتبين أنها تعود إلى إحدى شركات ستيف ويتكوف.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع صورة من اجتماع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني مع الرئيس ترمب في البيت الأبيض (بلومبرغ/غيتي)

ترمب: ويتكوف سيواصل العمل للتأكد من غزة خالية من التهديد

يشير تاريخ العلاقة الطويلة التي جمعت بين دونالد ترمب وستيف ويتكوف، إلى الثقة العميقة والولاء الذي سيعطي ويتكوف حرية أكبر للمناورة في ملف السلام في الشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
حصاد الأسبوع الاضطرابات التي أدت إلى التغيير في بنغلاديش (أ ف ب)

بنغلاديش: ما وراء الإطاحة بالشيخة حسينة؟

منذ الإطاحة بنظام رئيسة وزراء بنغلاديش السابقة الشيخة حسينة واجد، خلال أغسطس (آب) 2024، تغيّرت البيئة الجيوسياسية في جنوب آسيا، حيث نشط عدد من اللاعبين الخارجيين في هذا الوسط بسبب مصالحهم الفردية. وللعلم، تضم بنغلاديش ثالث أكبر عدد من المسلمين، وتقع بالقرب من الممر البحري الحيوي لخليج البنغال؛ ما يعطيها ميزة جيو-استراتيجية فريدة، ويجعل منها شريكاً إقليمياً مربحاً. وكانت انتفاضة قادها الطلاب قد أزاحت حكومة الشيخة حسينة يوم 5 أغسطس 2024، مُنهية حكماً دام 15 سنة. وعلى الأثر فرّت حسينة إلى الهند، وتولت حكومة مؤقتة بقيادة البروفسور محمد يونس، الحائز «جائزة نوبل للسلام»، القيادة بدعم من المؤسسة العسكرية ذات النفوذ.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)

محاولات جديدة في ليبيا للخروج من «الحلقة المفرغة»

من هجوم "الجيش الوطني الليبي" عام 2019 على طرابلس (آ ف ب)
من هجوم "الجيش الوطني الليبي" عام 2019 على طرابلس (آ ف ب)
TT

محاولات جديدة في ليبيا للخروج من «الحلقة المفرغة»

من هجوم "الجيش الوطني الليبي" عام 2019 على طرابلس (آ ف ب)
من هجوم "الجيش الوطني الليبي" عام 2019 على طرابلس (آ ف ب)

تختبر ليبيا راهناً، بحذر، «مبادرة جديدة» تقودها الأمم المتحدة لتحريك العملية السياسية المجمّدة، التي لم تفلح معها مسارات سابقة منذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذاقي عام 2011. ويأتي التحرك الأممي الجديد سعياً للخروج من «الحلقة المفرغة» التي تدور فيها ليبيا، في ظل وجود مسار موازٍ يقوده مجلس النواب و«المجلس الأعلى للدولة» يستهدف هو الآخر العمل على تشكيل «حكومة جديدة موحّدة» تقود البلاد إلى الانتخابات العامة المعطلة.

ووسط اشتباكات الانقسام المحلي والاستقطاب الدولي للأزمة الليبية، التأمت في العاصمة طرابلس أعمال لجنة استشارية شكَّلتها البعثة الأممية من 20 ليبياً لوضع خيارات تفضي إلى معالجة القضايا الخلافية في قانوني الانتخابات.

اللجنة الاستشارية التي تشكّلت ضمن مبادرة أطلقتها ستيفاني خوري، القائمة بأعمال المبعوث الأممي في منتصف ديسمبر (كانون الأول) 2024، انتهت من اجتماعها الافتتاحي الذي استمر يومين في طرابلس، وتتحضّر للاجتماع الثاني، في حين وصفت البعثة أعمالها بأنها «مُثمرة» وتطرقت إلى القضايا الخلافية الرئيسة المتصلة بالإطار الانتخابي.

محمد المنفي (أخبار الأمم المتحدة)

حسب معلومات «الشرق الأوسط»، فإن حصيلة اجتماعين للأعضاء اللجنة أظهرت «تفاؤلاً حذراً بإمكانية توصلها إلى حلحلة للأزمة»، لا سيما «مع حصولها على ضمانات من البعثة لجهة الامتناع عن التدخل في أعمالها».

اختلاف حول الجدوى

أما خارج قاعة اجتماعات اللجنة، فقد اختلف الساسة والبرلمانيون حول الجدوى من تشكيل هذه اللجنة ومدى إمكانية توصلها إلى حل، في استباق يراه متابعون «سيناريو» مكرّراً شهدته ليبيا من قبل. ويتوازى التباين الليبي مع خلاف أعمق بين معسكرين تمثله حكومتان تتقاسمان السلطة في ليبيا: الأولى برئاسة عبدالحميد الدبيبة التي تتّخذ من العاصمة طرابلس مقراً لها، والأخرى مُكلفة من البرلمان تدير المنطقة الشرقية وبعض مناطق الجنوب برئاسة أسامة حمّاد.

في معسكر المؤيدين للعملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، يرفض ساسة وبرلمانيون «وضع العربة أمام الحصان»، أو ربما استراتيجية البحث عن «العفريت» وفق توصيف عضو مجلس الأعلى للدولة أبو القاسم قزيط. وينطلق أصحاب هذه الرؤية من اعتقاد أن ليبيا تعيش متوالية أزمات قسّمتها سياسياً وأمنياً، ووضعتها على حافة التقسيم والإفلاس، وأخفقت أمامها جولات سابقة في الصخيرات (بالمغرب) وغيرها (...) بما يقتضي التمسّك حتى ولو بـ«أنصاف الفرص». ويستند المتفائلون بحل دولي، إلى أن الممثّلين في اللجنة الاستشارية من الأكاديميين والتكنوقراطيين، وليسوا من أصحاب المصالح أو محل الخلاف، وأن الهدف النهائي هو «التوصّل لمقترحات بحلول للقضايا الخلافية في الأزمة السياسية»، وفق عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي.

شكوك إزاء البعثات الأممية

للعلم، سبق أن شكّلت البعثة الأممية «ملتقى الحوار السياسي الليبي» الذي عمل بين تونس ومدينة جنيف السويسرية بين عامي 2020 و2021، وانتهى إلى انتخاب السلطة التنفيذية ممثلة في المجلس الرئاسي بقيادة محمد المنفّي وحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة الدبيبة.

في المقابل، يهيمن التشاؤم على معسكر الساسة والفاعلين المحليين الذين يرون أن البعثات الأممية أخفقت في تقديم حلول حاسمة على مدار قرابة 14 سنة، حتى باتت تدير الأزمة، بل و«تسعى لتنفيذ أجندات دول متنفذة في ليبيا»، وهي رؤية يتبنّاها عضو مجلس النواب الصالحين عبد النبي.

إلا أن البعثة الأممية دائماً ما تدفع هذا الاتهام بالتأكيد على وقوفها على مسافة واحدة من الأطراف كافة. ويتمسّك الرافضون للحلول الدولية للأزمة الليبية، بخيار الإجماع الليبي - الليبي حول طاولة واحدة، انطلاقاً من إرادة جامعة للاتفاق على الاستفتاء على الدستور ومن ثم الانتقال إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

ستيفاني خوري (البعثة الأممية)

وهنا عادت التساؤلات عن تأخّر «الحل الدستوري»، وتحديداً الاستفتاء على مواد مشروع الدستور الذي جرى إقراره قبل 7 سنوات، أو حسب علامة استفهام طرحها رئيس اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي نوح عبد السيد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»؛ إذ قال: «أليس من الأجدىَ توجيه هذا الوقت المهدور لصالح إقرار الدستور»؟

وحقاُ، رغم التباينات على ضفّتي المسار الأممي الوليد في ليبيا، لا يزال اختلاف الأفرقاء حيال السماح بترشح «مزدوجي الجنسية والعسكريين» أو منعهم من الترشح للانتخابات الرئاسية، واحدة من العقد الرئيسة في القوانين الانتخابية التي حالت أيضاً دون الاستفتاء على الدستور. وللعلم، تعثّرت العملية السياسية التي كانت تستهدف حلّ الصراع الليبي، فتعذّر إجراء انتخابات كانت مقرّرة في ديسمبر 2021 وسط خلافات حول أهلية المرشحين الأساسيين.

العقبة الأخرى أمام المسار الأممي التي يرصدها متابعون، تتمثل في مسار آخر يسير فيه نواب من مجلس النواب و«المجلس الأعلى الدولة» بقصد الوصول إلى تشكيل «حكومة جديدة موحّدة» قادرة على قيادة ليبيا إلى انتخابات تشريعية وتنفيذية، وهو ما ترفضه حكومة طرابلس أيضاً. مع هذا، ثمة مَن يرى أن هذين المسارين «قد يثمران في كل الأحوال عن نتائج قد تحرّك العملية السياسية الراكدة»، بعيداً عن حالة الجمود التي تعيشها منذ أكثر من عقد. وهكذا، أمام تعقيدات الحالة الليبية، يكون التحدّي وفق رؤية محللين ليبيين، من بينهم الباحث أحمد أبو عرقوب هو مدى قدرة البعثة على تمرير مُخرجات اللجنة الاستشارية، وبالأخص، «في ظل ابتعاد الأطراف السياسية الأساسية عن عملية تشكيلها».

«خريطة الطريق»

بدأت بوادر هذا التحدّي في وقت مبكّر، عندما اجتمع أعضاء لجنة من مجلس النواب و«المجلس الأعلى للدولة» في منتصف الأسبوع الماضي لوضع «خريطة طريق» لسلطة تنفيذية جديدة توصل إلى الانتخابات، فيما اعتبره مراقبون «قطعاً للطريق» أمام العملية التي تقودها الأمم المتحدة.

هنا يُشار إلى أن أحزاب سياسية ليبية دخلت أيضاً على الخط، عبر مشاورات تهدف للتوصل إلى مبادرة لإنهاء الأزمة السياسية، تتضمن تشكيل «حكومة موحّدة». ويُذكر أن هذه الأحزاب «ذات الرصيد الشعبي المحدود» - وفق مراقبين - تعتقد أنها ستقدّم «بديلاً لمبادرة الأمم المتحدة». ويبدو أن الشكوك المحلية لا تزال قائمة رغم تأكيدات متكرّرة من البعثة عن أن لجنتها لن تكون بديلاً عن تحرّكات مجلس النواب و«مجلس الدولة»، بل ستعمل، وفق مسؤول الملف السياسي والعمل الميداني بالبعثة عمر المخفي، على مقترحات حول قانون الانتخابات، وتحديد مصير المجلس الرئاسي، والحكومة.

في هذا السياق، لم تستبعد مصادر مقربة من البعثة الأممية خيارات دولية ضد المُعرقلين هذه المرة متمثلة في العقوبات. وربما تكون هذه التدابير العقابية المتوقعة «أكثر حسماً وصرامة» من عقوبات سابقة على فرضها الاتحاد الأوروبي على رئيسي مجلس النواب عقيلة صالح و«المؤتمر الوطني الليبي العام السابق» نوري أبو سهمين في عام 2016 لاتهامهما بـ«عرقلة» حكومة «الوفاق الوطني» المنبثقة عن «اتفاق الصخيرات». وفي تصوّر آخر لسيناريوهات المسار الأممي، لا تغيب فرضية «منح فسحة من الوقت» أمام المبعوثة الأممية الجديدة هانا تيتيه، للتعرّف على الملف الليبي، وتكوين فكرة خاصة بها تساعدها على إطلاق مبادرة جديدة مبنية على توافقات دولية وإقليمية. ويشار هنا إلى أن المبعوث الأميركي إلى ليبيا، السفير ريتشارد نورلاند، أكد خلال لقائه تيتيه منتصف الأسبوع الماضي، دعم واشنطن لمهمة البعثة الأممية، بينما بقي التساؤل قائماً حول فرص حضورها جلسة دورية لمجلس الأمن الدولي الشهر الحالي لمناقشة الأوضاع المعقدة في ليبيا.

موقف المجتمع الدولي

أما عن موقف المجتمع الدولي، ورغم ما يظهر من تأييد واشنطن والاتحاد الأوروبي لمهمة اللجنة الاستشارية بصفتها خطوة أولية على مسار المبادرة الأممية الناشئة، فإن تقديرات بحثية غربية تذهب إلى «حاجة الأمم المتحدة الماسة إلى دعم دولي واسع النطاق». في هذا السياق، فإن مُخرجات اللجنة الاستشارية الدولية تحتاج «إما إلى الاتفاق عليها بين القادة الليبيين أو فرضها عليهم»، حسب تيم إيتون الباحث المتخصّص في الشؤون الليبية بمركز «تشاتام هاوس» البريطاني، الذي استبعد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إمكانية «قبول قادة ليبيا أي حلول من دون وساطة دولية قوية». إذ يرى إيتون أن التوافق على حلول للأزمة قد يحتاج إلى «إقرار واتفاق بين الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في حين أن الانقسام والفساد في ليبيا سيقودان إلى كارثة».