«غود مورنينغ» شريط سينمائي يخاطب هواجس {العمر الثالث}

أحد أبطال الفيلم عادل شاهين رحل قبل مشاهدته له

بطلا الفيلم غابريال يمين وعادل شاهين الذي رحل قبل مشاهدته للعمل
بطلا الفيلم غابريال يمين وعادل شاهين الذي رحل قبل مشاهدته للعمل
TT

«غود مورنينغ» شريط سينمائي يخاطب هواجس {العمر الثالث}

بطلا الفيلم غابريال يمين وعادل شاهين الذي رحل قبل مشاهدته للعمل
بطلا الفيلم غابريال يمين وعادل شاهين الذي رحل قبل مشاهدته للعمل

من خلال كاميرا قريبة إلى عين المشاهد وقلبه في آن تبدأ أحداث الفيلم السينمائي «غود مورنينغ» (صباح الخير) للمخرج بهيج حجيج. فمنذ اللحظات الأولى يشدك القيمون على العمل بالأداء العفوي والمحترف الذي يقدمه بطلاه غابرييل يمين وعادل شاهين على مدى 90 دقيقة. وفي موقع تصوير واحد بني خصيصاً في المناسبة، وهو كناية عن مقهى يقع في شارع مونو البيروتي العريق، يتابع المشاهد مجريات قصة هادئة الإيقاع تحكي عن مرحلة عمر دقيقة تنتظر كل منا وتعرف بـ«العمر الثالث». فتتناول بوضوح هاجس الإصابة بمرض «ألزهايمر» أو «الخرف الكهلي» كما يعرف عنه علميا، من قبل رجلين مسنين (غابريال يمين وعادل شاهين) بعد أن باتت أعداد المصابين به كثر في ظل تقدم الطب والعلاجات التي تطيل الأعمار.
ومع باقة ممثلين تضاف إلى بطليه أمثال رودريغ سليمان ومايا داغر وآخرين حلوا ضيوف شرف على الفيلم في لقطات قصيرة (الإعلاميين غيدا مجذوب وجوزيف طوق والمخرج نفسه) تكتمل عناصر هذا العمل.
هو مشوار يأخذنا فيه حجيج على مدى 16 يوم يعيشها أبطال الفيلم بالثانية واللحظة. فيعنون كل واحد منها بعبارات قصيرة تشير إلى مضمونها: «زمطنا» و«ليت الشباب» و«الناس خايفة» و«كل شي إلو آخر» وغيرها. عناوين صغيرة أرادها المخرج نوافذ يطل منها على يوميات المسنين في العقد الثامن من عمرهما. فهما ينشغلان في حلّ الكلمات المتقاطعة المندرجة في صحف يومية من أجل تحفيز ذاكرتهما والحفاظ على عمرها لأطول وقت ممكن. ومن وراء واجهة المقهى الزجاجية (تم تصوير الفيلم بأكمله من داخل المقهى) تمر مشاهدات حية يتابعها المشاهد مع أبطال الفيلم لتنقل صورة واقعية عن هموم اللبنانيين اليومية ومشكلاتهم البيئية والاقتصادية. ومن دون إهمال الأخبار الدولية والعربية التي نتعرف إلى كل جديد فيها من عناوين الصحف التي يقرأها البطلان بين الفينة والأخرى. فيأخذان من خلالها إجازة قصيرة من عملية اكتشاف الأحرف المناسبة للمربعات المناسبة يساهم فيها المشاهد بعفوية. دراما سينمائية تمزج بين الابتسامة والدمعة نسجها بهيج حجيج في نص كتبه مع رشيد الضعيف ببساطة وسلاسة. «أحب أسلوبه في الكتابة فهو يلامسني عن قرب بعفويته حينا وسخريته الموضوعية حينا آخر». يقول المخرج في حديث لـ«الشرق الأوسط». ولكن ما يحز في قلب حجيج هو رحيل أحد أبطال الفيلم (عادل شاهين) قبل أيام من موعد عرض الفيلم في الصالات السينمائية. «مع الأسف لم يعلمني أحد بمرضه فلم يتسن لي رؤيته قبل رحيله الذي مضى عليه نحو 60 يوماً. فعادل شكّل عمودا فقريا في الفيلم لأدائه المميز وكنت أتمنى لو شاركنا مشاهدته».
يدندن البطلان «كوكو كوكو بالسهريات» و«يا دنيا يا غرامي» حينا، فيما يصر أحدهما على إخبار النكات لزبائن المقهى ولو من دون معرفة حينا آخر للدلالة على مستوى الملل الذي يعانيان منه في حياتهما الثمانينية. فأحدهما كان طبيبا مشهورا والثاني كان يعمل في الجيش برتبة لواء، ومع ذلك فهما لم يستفيدا من أمجاد عمر مضى وباتا ينتظران النهاية بخوف. حتى أحاديثهما عن زوجاتهما كانت تمر مرور الكرام للإشارة إلى الغيرة التي تمارسها إحداهن على زوجها وإلى مرض ألزهايمر الذي أصيبت به الثانية. «عم تشغلي بالي كتير لا يمكن تركها لوحدها... ما بدي صير متلها». هي كلمات تختصر خوف الطبيب السابق من المستقبل المجهول.
ويشهد الفيلم أيضا قصة حب تولد بين النادلة في المقهى (مايا داغر) وأحد الزبائن الذي يعمل صحافيا (رودريغ سليمان) فيصبحان بمثابة لمسة الحنان الوحيدة التي يتلقفها الرجلان المسنان.
كما يتابع المشاهد طيلة الفيلم وبطريقة عفوية عملية تدمير أحد المباني القديمة في بيروت للإشارة إلى ورش عمل تنتصب فيها العمارات الحديثة غير آبهة إلى تراث جميل يسكن مباني بيروتية عريقة. «هذه المشاهد أدخلتها على الفيلم بالصدفة عندما رفض متعهد البناء إيقاف ورشة العمل هذه الواقعة مقابل المقهى الذي نصور فيه». يوضح بهيج حجيج في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط».
وينقلنا المخرج في المقابل إلى مساحات أخرى نتنفس فيها ثقافة محمود درويش وأحمد فارس الشدياق وموسيقى سيد درويش وأغاني محمد عبد الوهاب. فيتشابك الماضي الغابر مع الحاضر الحديث ليصب في خانة الحفاظ على الذاكرة بعيدا عن قساوة مرض «ألزهايمر» الذي يحلل الهذيان والنسيان.
«غود مورنينغ» تستضيفه صالات السينما في لبنان ابتداء من 25 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، هو باختصار شريط سينمائي واقعي، يدعو من خلاله المخرج بهيج حجيج إلى عدم تهميش المسنين، ولا سيما من قبل الشباب.


مقالات ذات صلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.