تركيا لتنفيذ خطتها الخاصة بإعادة السوريين إلى «مناطق آمنة»

أنقرة تعول على القمة الرباعية وسط غياب واشنطن

لاجئون سوريون على حدود تركيا (غيتي)
لاجئون سوريون على حدود تركيا (غيتي)
TT

تركيا لتنفيذ خطتها الخاصة بإعادة السوريين إلى «مناطق آمنة»

لاجئون سوريون على حدود تركيا (غيتي)
لاجئون سوريون على حدود تركيا (غيتي)

بالتوازي مع سيطرة قوات النظام السوري على غوطة دمشق وريف حمص وجنوب البلاد وجنوبها الغربي، طرحت موسكو خطة لإعادة نحو 1.7 مليون لاجئ سوري من دول الجوار إلى بلادهم. وخلال السنوات السبع الماضية، سجلت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين نحو خمسة ملايين شخص في الدول المجاورة لسوريا، إضافة إلى سبعة ملايين نازح داخل البلاد. وشكل اللاجئون ثقلا أمنيا وسياسيا واقتصاديا على الدول المجاورة التي يشهد بعضها انقساما سياسيا، فيما تعاني دول أخرى من مشكلات اقتصادية وأمنية. كما بات موضوع اللاجئين ملفا إشكاليا داخل الدول الأوروبية ومادة للحملات الانتخابية. ولا شك أنه سيكون حاضرا في القمة الروسية - التركية - الفرنسية – الألمانية، في إسطنبول، في 7 من الشهر المقبل.
في هذه الظروف، طرح الجانب الروسي مبادرته، وقام المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرينييف بجولة إلى تركيا ولبنان والأردن ودمشق، لمناقشة خطة موسكو لإعادة السوريين. كما بعث رئيس أركان الجيش الروسي الجنرال فاليري غيراسيموف برسالة إلى رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال جوزيف دانفورد، يبدي فيها استعداد موسكو للتعاون مع واشنطن في إزالة الألغام ومساعدة اللاجئين على العودة إلى ديارهم. كما حضت موسكو مجلس الأمن الدولي، على المساعدة في انتعاش الاقتصاد السوري وعودة اللاجئين.
«الشرق الأوسط» فتحت ملف السوريين في دول الجوار: الأردن ولبنان وتركيا وكردستان العراق، وسألت مسؤولين وخبراء في هذه الدول عن الأفكار الروسية، كما استطلعت آراء سوريين وشروطهم للعودة إلى بلادهم، في ظل غياب الحل السياسي الذي كانت شريحة واسعة منهم تأمل فيه. وهنا التحقيقات:
مع إعلان الخطة الروسية لإعادة نحو 1.7 مليون لاجئ سوري إلى ديارهم، خرجت تقارير إعلامية تركية تفيد بأن تركيا تخطط هي الأخرى لإعادة قسم من السوريين اللاجئين الذين باتت أعدادهم تقترب من 4 ملايين؛ إذ أصبحوا مشكلة ذات أبعاد سياسية واقتصادية؛ وإن كانت أنقرة جنست 300 ألف.
وعقب لقاء الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي، زار وفد من ممثلين عن وزارتي الخارجية والجيش والمخابرات الروسية تركيا لبحث مسألة عودة اللاجئين وذلك قبل انعقاد اجتماع ضامني آستانة (روسيا وتركيا وإيران) في سوتشي.
وتصاعد الحديث من الجانب الروسي، بشكل خاص، عن عودة اللاجئين من دول الجوار ومن دول أوروبية، فيما عُدّ من المراقبين «محاولة من أبرز حلفاء نظام بشار الأسد للتأكيد على انتصاره ودفع المجتمع الدولي إلى تحمل فاتورة إعادة إعمار سوريا مقابل الإعادة القسرية للاجئين تحت شعار أنها طوعية».
من جهتها، تسير تركيا بخطة خاصة بها لإعادة ما تستطيع من اللاجئين السوريين إلى المناطق التي قامت قواتها بالتعاون مع فصائل «الجيش السوري الحر» الموالية لها بالسيطرة عليها في مناطق «درع الفرات» و«غصن الزيتون» في الشمال السوري.
وكانت تركيا ترغب في إقامة منطقة حظر طيران في الشمال السوري لضمان عودة اللاجئين، لكن جهودها لم تلق نجاحاً، حتى تدخلت في أغسطس (آب) عام 2016 بشكل مباشر في الصراع من خلال الدفع بجيشها إلى شمال سوريا لتنظيف المناطق المتاخمة لحدودها الجنوبية من وجود مقاتلي تنظيم «داعش» عبر عملية «درع الفرات» التي سيطرت من خلالها على منطقة تمتد من جرابلس إلى الباب ثم مدت سيطرتها في شمال وشمال شرقي حلب.
وإلى جانب الضغط الاقتصادي الذي ترغب تركيا في التخفيف من حدته، أصبحت حكومتها تواجه ضغطا من الشارع للتخفيف من عبء اللاجئين الذين تسبب وجودهم في مشكلات اجتماعية وفي الحد من فرص العمل من خلال تقاضيهم مبالغ أقل من الحد الأدنى للأجور ودون تأمينات أو تكاليف إضافية لأرباب الأعمال.
وسياسيا، استغلت قضية اللاجئين في الانتخابات البرلمانية والرئاسية في يونيو (حزيران) الماضي وأعلنت المعارضة أنها ستعمل على إعادة السوريين حال الفوز بالانتخابات. وفي الوقت ذاته، هناك قطاع عريض من أنصار «حزب العدالة والتنمية» الحاكم بدأ يضيق ذرعا بوجود السوريين في البلاد، خصوصاً في المدن الكبيرة وفي مقدمتها إسطنبول بسبب تأثيرهم على نمط الحياة فيها. وباتت الحكومة لا تدافع كثيرا عن بقاء السوريين، بل بدأت الإسراع بجهود إعادتهم إلى ديارهم عبر الإسراع بالانتهاء من تأهيل المناطق الخاضعة لسيطرتها في الشمال السوري لإقناع سكانها بالعودة إليها.
وأسرعت الحكومة التركية بمشروعات تأهيل البنية التحتية في منطقة «درع الفرات» وأنشأت مستشفيات ومدارس وفروعا لبعض جامعاتها، ومراكز خدمية للمقيمين في ريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي لتأمين الظروف المناسبة لعودة أكبر عدد ممكن من اللاجئين المقيمين على أراضيها. ومن المنتظر أن يتم خلال العام الحالي افتتاح كثير من المنشآت الكبرى في المنطقة، إثر الانتهاء من مستشفى الباب، الذي يعد الأول من نوعه في المنطقة من حيث المساحة والسعة والتخصصات والكوادر الطبية والإمكانات.
وذكر القائمون على المستشفى أن قدرته الاستيعابية تبلغ 200 سرير و8 غرف عمليات، ومختبرات كاملة للتحاليل، ومن المنتظر أن يدخل الخدمة قريباً بعد استكمال كوادره الطبية والإدارية. كما ستقوم الحكومة التركية بإنشاء مستشفيات أخرى، في مدينة إعزاز، أبرز مدن ريف حلب الشمالي، وجرابلس شمال شرقي حلب. وهناك مستشفيان في بلدتي مارع والراعي تحت الإنشاء لتقديم خدمات طبية متكاملة لسكان منطقة «درع الفرات»، والحد من حالات تحويل المرضى إلى المستشفيات التركية، وتشجيع آلاف السوريين اللاجئين في تركيا على العودة إلى بلدهم.
وبالإضافة إلى عمليات إعادة إعمار المنازل من قبل أصحابها، أنشأت تركيا مساكن جديدة، خصوصا أن المنطقة استقبلت آلاف المهجرين قسراً من ريف دمشق وريف درعا وجنوب دمشق ومن مدينة حمص وريفها.
وقالت مصادر في بلدية غازي عنتاب لـ«الشرق الأوسط» إن السلطات التركية تولت ترميم المدارس والمساجد في المنطقة، كما أنشأت حدائق عامة، ومهدت الطرق التي تربط بين مدن وبلدات المنطقة.
وأشارت إلى أن وزارة التربية التركية تشرف على المدارس وتصرف رواتب للمدرسين السوريين تعادل 150 دولاراً شهريا، وأنشأت جامعة غازي عنتاب فرعاً لها في مدينة جرابلس السورية. كما أنشأت جامعة «حران» التركية في شانلي أورفا فرعاً لها في مدينة الباب السورية، يضم تخصصات مختلفة وكليات للهندسة والعلوم، وسيبدأ استقبال الطلاب مع العام الدراسي الجديد في هذه الكليات في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل.
ولا يزال الوضع الأمني في منطقتي «درع الفرات» و«غصن الزيتون» التي تضم عفرين وريفها، غير مستقر ويشكل عاملا سلبيا بالنسبة للجهود المبذولة من جانب تركيا لترغيب السوريين في العودة إلى مناطقهم، بسبب فوضى السلاح، وتعدد الفصائل وتباين أهدافها، الأمر الذي يتسبب في تأخير عودة مزيد من السوريين إلى بلادهم.
ويقول مراقبون إن الجيش التركي لم يتدخل بحسم لتحجيم هذه الفصائل والسيطرة عليها والنتيجة أنها تتحرك بلا رادع حقيقي. وتقيم عشرات الفصائل المنتشرة في المنطقتين الحواجز بين المدن والبلدات، فضلاً عن دخولها، بين فترة وأخرى، في اقتتال داخلي على النفوذ والسيطرة، مما يعزز بيئة عدم الاستقرار الأمني.
وتشدد تركيا على احترامها مبدأ عدم الإعادة القسرية للاجئين، وجاء في بيان للمديرية العامة للهجرة ردا على تقرير لمنظمة «هيومان رايتس ووتش» صدر في مارس (آذار) الماضي، وتحدث عن انتهاكات يتعرض لها الفارون من الاحتراب الداخلي في سوريا، أن «السوريين يتم قبولهم وحمايتهم في تركيا، والسوريون الذين دخلوا تركيا بطريقة أو بأخرى ويطلبون الحماية، لا تتم إعادتهم، ونقوم بإجراءات الاستقبال والتسجيل. السوريون القادمون إلى تركيا ليسوا تحت أي ظرف من الظروف مجبرين على العودة إلى بلدهم؛ تسجيلهم مستمر ويمكن لهؤلاء الأجانب الاستفادة من كثير من الحقوق والخدمات في تركيا».
ويساهم عدم استقبال الاتحاد الأوروبي مزيدا من طالبي اللجوء السوريين في الضغط على تركيا.
ويعتقد محللون أتراك أن القمة التركية - الروسية - الفرنسية - الألمانية التي ستعقد في إسطنبول في 7 سبتمبر المقبل سيكون لها دور مهم في ملف اللاجئين. وعدّ المحلل الأمني محمد دوغان أن قمة إسطنبول ستعكس الطموح لتحرك سياسي مستقل عن ضغوط الولايات المتحدة كما سيقود مجددا إلى تعزيز التنسيق التركي - الروسي بشأن سوريا في وقت وصلت فيه التسوية السورية إلى مرحلتها الأخيرة.



ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
TT

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)

عندما بدأت عملية «طوفان الأقصى» ونشوب الحرب في غزة، كانت إيران تواجه تداعيات الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة إثر وفاة الشابة مهسا أميني، التي جعلت خريف 2022 الأكثر دموية في الداخل الإيراني.

اندلعت الحرب في قطاع غزة، في لحظة محورية بالنسبة لمؤسسة المرشد الإيراني؛ حيث زادت الضغوط الدولية عليه بسبب قمع الاحتجاجات الداخلية، وإرسال الطائرات المسيّرة إلى روسيا، مع وصول المفاوضات النووية إلى طريق مسدود.

ومنذ الموقف الرسمي الأول، رأت طهران أن هجوم حركة «حماس» هو «رد فعل طبيعي وحركة عفوية على السياسات الحربية والاستفزازية والإشعال المتعمّد للصراعات من قبل رئيس الوزراء المتطرف والمغامر لإسرائيل».

دأب المسؤولون الإيرانيون على نفي أي دور في اتخاذ قرار عملية «طوفان الأقصى»، لكن الحراك الدبلوماسي والسياسي أوحى بأن أركان الدولة، بما في ذلك الجهاز الدبلوماسي، كان على أهبة الاستعداد للتطور الكبير الذي يهز المنطقة.

بعد أقل من أسبوع على هجوم «طوفان الأقصى» بدأ وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، أول جولاته الخمس على دول المنطقة قبل وفاته في 19 مايو (أيار)؛ بهدف عقد مشاورات مع مسؤولي دول الجوار ولقاءات تنسيقية قادة جماعات «محور المقاومة» وتوجيه رسائل إقليمية، وتوجه إلى العراق وواصل زيارته إلى دمشق، ومنها إلى بيروت، وانتهى المطاف في الدوحة.

وحينها وجهت إيران رسالة لإسرائيل، بأنها قد تواجه عدة جبهات إذا لم تتوقف عملياتها العسكرية في غزة.

ودفعت طهران باتجاه تعزيز صورة الجماعات المسلحة في المنطقة، والعمل على إضفاء الشرعية على دورها في دعم تلك الجماعات، مستغلة الأوضاع السياسية والاضطرابات الإقليمية.

اجتماع ثلاثي بين عبداللهيان وزياد النخالة أمين عام «الجهاد الإسلامي» وصالح العاروري رئيس مكتب حركة «حماس» في بيروت مطلع سبتمبر 2023 (الخارجية الإيرانية)

وشكل هذا الموقف المحطة الأولى لإيران. وترى طهران أنها نقلت جماعات «محور المقاومة» من نطاق محصور إلى نطاق «عالمي»، أو ما يسميه الدبلوماسيون الإيرانيون من «عالم المقاومة» إلى «المقاومة العالمية».

بذلك، انتقلت إيران، التي حاولت الحفاظ على مرحلة التهدئة مع جيرانها الإقليميين، إلى وضع هجومي فيما يتعلق بالجماعات المرتبطة بها، وهو ما يراه البعض انعكاساً لاستراتيجيتها على توسيع نفوذها ودورها في المنطقة.

على المستوى الرسمي، بعثت إيران برسالة للأوساط الدولية بأن تلك الجماعات مستقلة، وتملك قرارها بنفسها، وتصنع أسلحتها، لكن عدة مسؤولين وقادة عسكريين إيرانيين أشاروا في تصريحاتهم إلى دور الجنرال قاسم سليماني وقوات الوحدة الخارجية في «الحرس الثوري» بتسليح تلك الجماعات وتزويدها بتقنيات صناعة الأسلحة.

أما ثاني محطة لإيران بعد «طوفان الأقصى»، فقد بدأت بعد شهر من اندلاع الحرب في غزة؛ حيث دعا المرشد الإيراني علي خامنئي إلى ما وصفه بـ«قطع الشرايين الاقتصادية» لإسرائيل، خصوصاً ممرات النفط والطاقة. ومنها دخلت الجماعات المرتبطة بطهران، وجماعة «الحوثي» تحديداً على خط الأزمة، وشنّت هجمات على سفن تجارية على مدى أشهر، أثرت على حركة الملاحة في البحر الأحمر.

كما باشرت الميليشيات والفصائل العراقية الموالية لإيران، هجمات بالطائرات المسيّرة على إسرائيل والقواعد الأميركية على حد سواء.

وبدأ الجيش الأميركي رده بعدما تعرضت له قاعدة في الحدود السورية بالرد على هجمات طالت قواته، مستهدفاً مواقع للفصائل المسلحة.

على المستوى السياسي، أصرت طهران على وضع شروط الجماعات الحليفة معها أولاً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومنها أبدت معارضتها لأي تسويات دولية، خصوصاً إحياء مقترح «حل الدولتين». وفي ديسمبر (كانون الأول)، قال وزير الخارجية الإيراني إن رفض «حل الدولتين» نقطة مشتركة بين إيران وإسرائيل.

المحطة الثالثة: بموازاتها باشرت إسرائيل بشن هجمات هادفة ضد القوات الإيرانية في سوريا، واستهدفت رضي موسوي مسؤول إمدادات «الحرس الثوري» في سوريا في ديسمبر، وبعد شهر، أعلن «الحرس الثوري» مقتل مسؤول استخباراته هناك، حجت الله أميدوار، لكن أقوى الضربات جاءت في مطلع أبريل (نيسان) عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية اجتماعاً لقادة «الحرس» في مقر القنصلية الإيرانية، وقتلت أرفع مسؤول عسكري إيراني في سوريا ولبنان، الجنرال محمد رضا زاهدي.

المرشد الإيراني علي خامنئي يؤم صلاة الجنازة على جثامين زاهدي وجنوده في حسينية مكتبه 4 أبريل 2024 (أ.ف.ب - موقع المرشد)

أما المحطة الإيرانية الرابعة، فقد وصلت إيران فيها إلى حافة الحرب مع إسرائيل، عندما ردت على قصف قنصليتها، بشن أول هجوم مباشر من أراضيها على الأراضي الإسرائيلية بمئات الصواريخ والمسيّرات.

ورغم تأكيد الجانب الإسرائيلي على صد الهجوم الإيراني، فقد وجهت ضربة محدودة لإيران باستهداف منظومة رادار مطار عسكري في مدينة أصفهان، قرب منشأة نووية حساسة.

وزادت المواجهة من احتمال تغيير مسار البرنامج النووي الإيراني، مع تكاثر الحديث في طهران عن ضرورة التوصل لأسلحة رادعة، وأيضاً التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.

امرأة غير محجبة تمر أمام لافتة دعائية للصواريخ الإيرانية في ساحة «ولي عصر» وسط طهران 15 أبريل الماضي (رويترز)

المحطة الإيرانية الخامسة، جاءت بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في حادث تحطم مروحية قرب الحدود الأذربيجانية. وسارعت السلطات الإيرانية لنفي نظرية المؤامرة، مستبعدة بذلك أي احتمالات لتعرض أرفع مسؤول تنفيذي في البلاد لضربة إسرائيلية. وأصدرت هيئة الأركان بعد نحو 3 أشهر على مقتل رئيسي، تأكيداً بأن مروحيته سقطت نتيجة ظروف مناخية، رغم أنها لم تُجِب عن كل الأسئلة.

عبداللهيان خلال اللقاء الذي جمعه بنصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية فبراير الماضي (إعلام «حزب الله»)

وفي هذه المرحلة، توسعت الحملة الإيرانية، مع دخول الموقف السياسي الإيراني مرحلة السبات فيما يخص تطورات الحرب في غزة، نظراً لانشغال السلطات بالانتخابات الرئاسية، والسعي لتشكيل حكومة جديدة.

وخلال حملة الانتخابات الرئاسية، تجنب المرشحون للانتخابات إثارة القضايا المتعلقة بحرب غزة والدعم الإيراني. على الرغم من الانتقادات الداخلية لتأجيل القضايا الإيرانية الملحة مثل رفع العقوبات وتعطل المسار الدبلوماسي لإحياء الاتفاق النووي.

وكان لافتاً أن تصريحات المرشحين بمختلف توجهاتهم لم تذهب أبعد من الإشادة بالبرنامج الصاروخي، وتوجيه الضربة لإسرائيل، والتعهد بتعزيز معادلات الردع.

المحطة السادسة: بمراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في 30 يوليو (تموز)؛ إذ شهدت طهران أكبر تحول في حرب غزة، ألا وهو اغتيال رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية، في مقر تابع لـ«فيلق القدس» في شمال طهران.

هنية ونائب الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني ورئيس حركة «الجهاد الإسلامي» والمتحدث باسم الحوثيين في مراسم القسم الدستوري للرئيس الإيراني بطهران 30 يوليو الماضي (رويترز)

وتعهد المرشد الإيراني علي خامنئي حينها بالرد على «انتهاك السيادة الإيرانية» واغتيال «ضيف إيران»، وتنوعت نبرة ومفردات التهديد بين مسؤولين سياسيين وقادة عسكريين. وشدد المسؤولون الإيرانيون على حتمية الرد مع تقدم الوقت وتراكم الشكوك بشأن رد إيران.

وأثار اغتيال هنية في طهران الكثير من التساؤلات حول طبيعة العملية، خصوصاً مع وجود الاختراقات.

موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)

المحطة السابعة: كان عنوانها تفجيرات أجهزة «البيجر»، بالتزامن مع رسالة تهدئة من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خصوصاً مع الولايات المتحدة، وشملت إسرائيل.

وقبل أن يتوجه إلى نيويورك، قال بزشكيان في مؤتمر صحافي إن بلاده لا تريد أن تكون عاملاً لزعزعة الاستقرار في المنطقة، ولا تريد تصدير الثورة، مبدياً استعداده للانفتاح على واشنطن، إذا أثبتت أنها ليست معادية لطهران، وذهب أبعد من ذلك عندما استخدم وصف «الأخوة الأميركية».

واصل بزشكيان هذه النبرة في لقاءات على هامش حضوره أعمال الجمعية العامة في نيويورك، وقال: «إيران مستعدّة لوضع أسلحتها جانباً إذا وضعت إسرائيل أسلحتها جانباً»، حسب تسجيل صوتي انتشر من اللقاء نفسه. وقال إن تأخير الرد الإيراني على اغتيال هنية هو تلقي بلاده رسائل بأن اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» سيُبرم خلال أسبوع، مبدياً انزعاجه من عدم التوصل للاتفاق واستمرار الهجمات الإسرائيلية.

خامنئي يلقي خطاباً أمام مجموعة من أنصاره وفي الخلفية صورة نصر الله (موقع المرشد)

وقلل بزشكيان من قدرة «حزب الله» على مواجهة إسرائيل وحده، وهو ما مزق الصورة التي رسمها مسؤولون مقربون من المرشد علي خامنئي.

وزاد موقف بزشكيان وكذلك الفرضيات بوجود اختراق في هجمات «البيجر»، واستهداف قادة «حزب الله»؛ من الشكوك في طهران بوجود اختراقات للجبهة الإيرانية، وعززت أيضاً مخاوف داخلية من وجود اختراقات.

المحطة الثامنة والخطيرة، بدأت باغتيال الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، ثاني أهم لاعب للاستراتيجية الإقليمية الإيرانية، بعد الجنرال قاسم سليماني، خلال 35 سنة من حكم المرشد علي خامنئي. كما أدت الغارة الجوية الإسرائيلية على مقر نصر الله، إلى تسجيل ثاني خسائر «الحرس الثوري» الكبيرة منذ «طوفان الأقصى»، وهو نائب قائد غرفة العمليات، الجنرال عباس نيلفروشان.

ويحظى نصر الله بأهمية كبيرة لدى حكام إيران وخصوصاً الأوساط المحافظة، لدرجة تداول اسمه في بعض الفترات لتولي منصب المرشد الإيراني بعد خامنئي بوصفه «ولي الفقيه»، ولو أن الترشيح بدا مثالياً لأنه ليس مسؤولاً إيرانياً، فسيكون مرفوضاً من غالبية الأطراف السياسية.

نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض الصواريخ الآتية من إيران (رويترز)

ورداً على اغتيال هنية في عمق الأراضي الإيرانية، ونصر الله، ونيلفروشان، وجهت إيران هجومها الصاروخي الثاني المباشر على إسرائيل، في خطوة هدّدت إسرائيل بالرد عليها مع التلويح ببنك أهداف غير محدودة تشمل مصافي النفط ومحطات الوقود وأيضاً المنشآت النووية والعسكرية، ما يجعل الأزمة بين إسرائيل وإيران مفتوحة على كل الاحتمالات.