مصر تسترد مخطوطاً نادراً عمره 600 عام

مالكه عرضه للبيع في صالة مزادات بريطانية بعدما سُرق في السبعينات

المخطوط يعد من نوادر التراث المصري
المخطوط يعد من نوادر التراث المصري
TT

مصر تسترد مخطوطاً نادراً عمره 600 عام

المخطوط يعد من نوادر التراث المصري
المخطوط يعد من نوادر التراث المصري

استردت وزارة الثقافة المصرية مخطوطاً نادراً عمره 600 عام، بعد أكثر من 40 عاماً على سرقته. وكشفت الوزارة في مؤتمر صحافي، أمس، عن تفاصيل استرداد المخطوط، ووقف بيعه في إحدى صالات المزادات البريطانية. وقالت الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة المصرية: «للمرة الأولى يحدث هذا، وتنجح مصر عبر التفاوض في استرداد مخطوط نادر ووقف بيعه»، موجهة التحية لصالة المزادات ولصاحب المخطوط، لاستجابتهم لمطلب مصر.
وتعرض المخطوط للسرقة في السبعينات من القرن الماضي، وكان محضر الشرطة الذي يثبت السرقة وثيقة ضمن الوثائق التي قُدمت لإثبات ملكية المخطوط لمصر.
بدأت رحلة استعادة المخطوط في 25 أبريل (نيسان) الماضي، حيث كان معروضاً للبيع في مزاد علني بصالة «بونهامز» بالعاصمة البريطانية لندن. وفور الإعلان عن بيعه ناشد اتحاد الآثاريين العرب الجهات المعنية وقف بيع المخطوط؛ لأنه ملك لمصر، واستطاعت دار الكتب المصرية وقف البيع، مقدمة الوثائق التي تثبت ملكية مصر للمخطوط النادر، ثم بدأت مرحلة المفاوضات مع مسؤولي صالة المزادات ومالك المخطوط، والتي انتهت بإعادته لمصر.
وقال الدكتور هشام عزمي، رئيس مجلس إدارة دار الكتب والوثائق القومية، إن «13 يوليو (تموز) 2018 يوم فارق في حياتي؛ ليس بسبب استعادة المخطوط فقط، ولكن لأن رحلة المفاوضات على مدى 3 شهور كللت بالنجاح، بدعم غير محدود من وزيرة الثقافة، رغم أن عملية استرداد المخطوط لم تكن مضمونة». وأضاف أن الإعلان عن بيع المخطوط جاء بعد أسبوعين من تولي مسؤولية إدارة الكتب، فبدأت على الفور رحلة استرداد المخطوط.
وأشار إلى أن أحد البراهين التي استخدمتها دار الكتب في إثبات ملكيتها للمخطوط، كان ختم الكتبخانة، وهي دار الكتب الخديوية، الذي كان على المخطوط، إضافة إلى سجلات دار الكتب والفهارس ومحضر الشرطة، وقال إن «مالك المخطوط ورثه عن جده الذي كان هاوياً لجمع المقتنيات والمخطوطات، واستطعنا إقناعه وإقناع مجلس عائلته بإعادة المخطوط». وأضاف أن «المفاوضات تمت في سرية تامة، ولَم تعلن مصر عن أي جهود في هذا السياق؛ لأن العملية كانت غير مضمونة، ولَم نكن نرغب في إثارة ضجة دون أن نتأكد من حصولنا على المخطوط».
ويعد هذا المخطوط من نوادر التراث المصري، حيث إنه أقدم رسالة إسلامية معروفة عن نظريات التاريخ، وكتبه محيي الدين الكافيجي تحت عنوان «المختصر في علم التاريخ»، واهتم الكافيجي بتوضيح المناقشات النظرية للتاريخ في منهج قصصي، وميز بين التأريخ وعلم الكلام وعلوم الفقه والتشريع، واعتبر مرجعاً مهماً لما بعده من كتابات، ولولاه لما ظهر كتاب «الإعلان بالتوبيخ» للسخاوي. وقال عزمي: «هذا المخطوط عمل متميز مؤلفه نابغة، حيث كان يكتب في كل شيء، وكان موسوعياً بمعنى الكلمة، وله مؤلفات كثيرة عجز هو ومعاصروه عن أن يحصوها»، مشيراً إلى أن «المخطوط مهم جداً رغم صغر حجمه، وهو الكتاب الوحيد المؤلف مستوفياً الجانبين النظري والتطبيقي». وأضاف أن من «نسخ هذه النسخة من المخطوط هو الجوهري، وهو علم من أعلام التاريخ، ونسخ بعد 8 أيام فقط من تأليفه».
والكافيجي هو محمد بن سليمان بن سعد بن مسعود الرومي الحنفي محيى الدين، أبو عبد الله الكافيجي، رومي الأصل واشتهر بمصر، وعرف بالكافيجي لكثرة اشتغاله بـ«الكافية» في النحو، وتولى كثيراً من الوظائف، منها مشيخة الخانقاه الشيخونية، وانتهت إليه رياسة الحنفية بمصر. له تصانيف أكثرها رسائل، منها: مختصر في علم التاريخ، وأنوار السعادة في شرح كلمتي الشهادة، ومنازل الأرواح، ومعراج الطبقات، وقرار الوجد في شرح الحمد، ونزهة المعرب، والتيسير في قواعد التفسير، وحل الإشكال في الهندسة، والإحكام في معرفة الإيمان والأحكام، والإلماع بإفادة لو للامتناع، وجواب في تفسير: والنجم إذا هوى، ومختصر في علم الإرشاد.
وحول سبب الاهتمام بهذا المخطوط رغم وجود 3 نسخ أصلية منه في مصر، قالت عبد الدايم: «هذا المخطوط هو ملك لمصر، ونفخر باستعادته حتى وإن كان لدينا آلاف».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».