فيلم «شهيد»... مشاعر حزن بحجم عمق البحار

كارول عبود في دور الوالدة في فيلم «شهيد» ({الشرق الأوسط})
كارول عبود في دور الوالدة في فيلم «شهيد» ({الشرق الأوسط})
TT

فيلم «شهيد»... مشاعر حزن بحجم عمق البحار

كارول عبود في دور الوالدة في فيلم «شهيد» ({الشرق الأوسط})
كارول عبود في دور الوالدة في فيلم «شهيد» ({الشرق الأوسط})

لا يشبه فيلم «شهيد» لمازن خالد أياً من الأعمال السينمائية اللبنانية الأخرى التي شاهدناها على الشاشة الذهبية في عروض مختلفة هذا العام. فهو يقدم موضوعاً حساساً قلة من المخرجين يستطيعون مقاربته، ومن ثم تقديمه في قالب فني يجمع ما بين التمثيل والرقص التعبيري وطقوس الحزن التي تغلف وداع الشهداء في لبنان. ويغرد المخرج في هذا العمل خارج السرب، ويقول «إنه من نوع السينما المستقلة لا تتحكم بها أسواق تجارية ولا أحكام مسبقة». ويأتي هذا الفيلم الذي فاز بمنحة مالية ضئيلة وتم إنتاجه بدعم من «مهرجان البندقية السينمائي» بلغت كلفته 150 ألف يورو، بمثابة تحدٍ خاضه مخرجه اللبناني ونفذ في مدة 8 أشهر مع فريق لبناني بامتياز. وتجدر الإشارة إلى أنه بدأ توزيع الفيلم في بلدان أميركا الشمالية، وقريباً في نيويورك ولوس أنجليس.
ويحكي الفيلم قصة أربعة شبان أصدقاء جمعهم التهميش على اختلاف مذاهبهم، فيحاولون الإفلات منه من خلال فتح صدورهم للبحر وممارسة رياضة السباحة، و«الشك» من على صخوره بارتفاعات مختلفة.
وبعد تعرض أحدهم للغرق يحاول أصدقاؤه تلقف الصدمة كل حسب الأحاسيس التي تعتريه عند الفقدان والتقاليد التي تربى عليها. رحلة الحياة والموت التي تستمر يوماً واحداً تحتفل بالجسد وتكشف عن الضغوط التي تسيّر حياة هؤلاء الشبان، كما تفضح خطوط الصدع التي تقسم مجتمع المدينة.
وضمن تفاصيل دقيقة يكتبها المخرج بكاميرته الشفافة والواضحة، فيدخل من خلالها إلى لحظات التعثر الفاصلة ما بين الحياة والموت، يأخذنا مازن خالد في رحلة الجسد فتتراوح ما بين أعضائه وبين الأنفاس التي يلفظها شهيد البحر. فيفتح نافذة عريضة على التقاليد الدينية الممارسة، والمعاني التي تحملها لأصحاب الديانة نفسها، ولمن يقابلها في المقلب الآخر من ديانات مختلفة.
وتقدم بطلة الفيلم كارول عبود (ممثلة مسرحية وسينمائية) دوراً يميز مشوارها السينمائي، هي التي عرفها جمهورها في أفلام «الوادي» و«وينن» وفي مسرحية «الخادمتان». فتؤدي شخصية الأم المفجوعة برحيل ولدها، مازجة ما بين فنون المسرح والسينما ليتمخض عنهما دور يسطّر في كتاب السينما اللبنانية لتلونه بالمعرفة والاحتراف وبالمشاعر المرهفة.
أما الشبان الأربعة أبطال الفيلم، وهم: حمزة مقداد، ومصطفى فحص، وهادي بو عياش، ورشاد نصر الدين، فاستطاعوا منذ الدقائق الأولى للفيلم (مدته 87 دقيقة) أن يسرقوا انتباه المشاهد وخطف أنفاسه بأدائهم العفوي والطبيعي، ولا سيما أن المخرج آثر طيلة مدة الفيلم التركيز على بنيتهم الجسدية بإشارة منه إلى التحول الذي يصيب الجسد عندما يصمت. فيكون خفيفاً ونضراً وقوياً في لحظة وليتحول إلى جامد وبارد وثقيل الوزن بعيد لحظة انفصاله عن الروح.
يعتري مشاهد الفيلم، أكثر من مرة، الشعور بالاختناق وضيق النفس، حتى أن بعضهم لم يتوان عن الخروج من الصالة لالتقاط أنفاسه. ففي بدايته تعتريه هذه الأحاسيس كلما غطس أحد الشبان في أعماق بحر؛ كونه يجهل من منهم الذي سيبتلعه. ومن بعدها تأتي لحظة وداع الأم لولدها إلى حين وصول مرحلة غسل جسده وتعطيره من قبل أصدقائه. وتنطوي هذه المشاهد على فنون إبداعية تصب في عالم المسرح، وفي لوحات من الرقص التعبيري المؤثر التي وضعها المخرج في خدمة العمل.
ومن شاطئ عين المريسة، حيث تدور كاميرا المخرج، مروراً بأزقة منطقة الخندق الغميق البيروتي الأصيل، نتعرف على شخصيات وأماكن تلون العمل بالحقيقة (الجيران وحبيبة الشهيد وأطفال الحي وطبيعة شوارع الأحياء البيروتية القديمة). فتنقل إلينا هوية الفيلم التي يتشبث المخرج بلبنانيتها ليقدم منتجاً فنياً يحكي قصة تخص اللبناني بالدرجة الأولى، وتنبع من حياته وتقاليده اليومية.


مقالات ذات صلة

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمد سعد في العرض الخاص لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة للفيلم)

هل استعاد محمد سعد «توازنه» بفضل «الدشاش»؟

حقق فيلم «الدشاش» للفنان المصري محمد سعد الإيرادات اليومية لشباك التذاكر المصري منذ طرحه بدور العرض.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)

«صناعة الفخار»... وثائقي مصري يستدعي حرفة من زمن الفراعنة

يستدعي الفيلم الوثائقي «حرفة الفخار» تاريخ هذه الصناعة التي تحمل طابعاً فنياً في بعض جوانبها، على مدى التاريخ المصري القديم، منذ أيام الفراعنة.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من الفيلم تجمع «شاهيناز» وأولادها (الشركة المنتجة)

«المستريحة»... فيلم مصري يتناول النصّابين يمزج الكوميديا بالإثارة

تصدَّرت مجسّمات دعائية للأبطال دار العرض عبر لقطات من الفيلم تُعبّر عنهم، فظهرت ليلى علوي في مجسّم خشبيّ جالسةً على حافة حوض استحمام مليء بالدولارات.

انتصار دردير (القاهرة )

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم
TT

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم

حقق فيلم الرعب والإثارة «يوم 13» مفاجأة خلال الأيام الماضية في شباك التذاكر بمصر، حيث حصد أعلى إيراد يومي متفوقاً على فيلم «هارلي» لمحمد رمضان، الذي لا يزال محتفظاً بالمركز الأول في مجمل إيرادات أفلام موسم عيد الفطر محققاً ما يزيد على 30 مليون جنيه مصري حتى الآن (نحو مليون دولار أميركي)، بينما يطارده في سباق الإيرادات «يوم 13» الذي حقق إجمالي إيرادات تجاوزت 20 مليون جنيه حتى الآن.
ويعد «يوم 13» أول فيلم عربي بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتدور أحداثه في إطار من الرعب والإثارة من خلال عز الدين (يؤدي دوره الفنان أحمد داود) الذي يعود من كندا بعد سنوات طويلة باحثاً عن أهله، ويفاجأ بعد عودته بالسمعة السيئة لقصر العائلة المهجور الذي تسكنه الأشباح، ومع إقامته في القصر يكتشف مغامرة غير متوقعة. الفيلم من تأليف وإخراج وائل عبد الله، وإنتاج وتوزيع شركته وشقيقه لؤي عبد الله «أوسكار»، ويؤدي بطولته إلى جانب أحمد داود كل من دينا الشربيني، وشريف منير، وأروى جودة، كما يضم عدداً من نجوم الشرف من بينهم محمود عبد المغني، وفرح، وأحمد زاهر، ومحمود حافظ، وجومانا مراد، ووضع موسيقاه هشام خرما.
وقال مخرج الفيلم وائل عبد الله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس متفاجئاً بالإيرادات التي حققها الفيلم، ولكنه كان متخوفاً من الموسم نفسه ألا يكون جيداً، قائلاً إن «إقبال الجمهور حطم مقولة إن جمهور العيد لا يقبل إلا على الأفلام الكوميدية، وإنه يسعى للتنوع ولوجود أفلام أخرى غير كوميدية، وإن الفيصل في ذلك جودة الفيلم، مؤكداً أن الفيلم احتل المركز الأول في الإيرادات اليومية منذ انتهاء أسبوع العيد».
وكشف عبد الله أن الفيلم استغرق عامين، خلاف فترات التوقف بسبب جائحة كورونا، وأنه تضمن أعمال غرافيك كبيرة، ثم بعد ذلك بدأ العمل على التقنية ثلاثية الأبعاد التي استغرق العمل عليها عشرة أشهر كاملة، مؤكداً أنه درس طويلاً هذه التقنية وأدرك عيوبها ومميزاتها، وسعى لتلافي الأخطاء التي ظهرت في أفلام أجنبية والاستفادة من تجارب سابقة فيها.
وواصل المخرج أنه كان يراهن على تقديم الفيلم بهذه التقنية، لا سيما أن أحداً في السينما العربية لم يقدم عليها رغم ظهورها بالسينما العالمية قبل أكثر من عشرين عاماً، موضحاً أسباب ذلك، ومن بينها ارتفاع تكلفتها والوقت الذي تتطلبه، لذا رأى أنه لن يقدم على هذه الخطوة سوى أحد صناع السينما إنتاجياً وتوزيعياً، مشيراً إلى أن «ميزانية الفيلم وصلت إلى 50 مليون جنيه، وأنه حقق حتى الآن إيرادات وصلت إلى 20 مليون جنيه».
ورغم عدم جاهزية بعض السينمات في مصر لاستقبال الأفلام ثلاثية الأبعاد، فقد قام المخرج بعمل نسخ «2 دي» لبعض دور العرض غير المجهزة، مؤكداً أن استقبال الجمهور في القاهرة وبعض المحافظات للفيلم لم يختلف، منوهاً إلى أن ذلك سيشجع كثيراً على تقديم أفلام بتقنية ثلاثية الأبعاد في السينما العربية.