الاقتصاد الألماني من ريادة «الماكينات» إلى طموحات «الذكاء الاصطناعي»

استراتيجية حكومية لريادة المجال

تبدي الحكومة الألمانية اهتماما كبيرا باقتحام قوي لمجال الذكاء الاصطناعي (رويترز)
تبدي الحكومة الألمانية اهتماما كبيرا باقتحام قوي لمجال الذكاء الاصطناعي (رويترز)
TT

الاقتصاد الألماني من ريادة «الماكينات» إلى طموحات «الذكاء الاصطناعي»

تبدي الحكومة الألمانية اهتماما كبيرا باقتحام قوي لمجال الذكاء الاصطناعي (رويترز)
تبدي الحكومة الألمانية اهتماما كبيرا باقتحام قوي لمجال الذكاء الاصطناعي (رويترز)

منذ بداية الثورة الصناعية، كانت ألمانيا إحدى القوى الكبرى التي اعتمدت على الصناعة الثقيلة والمتوسطة كأحد أركان اقتصادها، وهو الأمر الذي ترسخ عقب الحرب العالمية الثانية، لتتبوأ ألمانيا منذ ذلك الحين؛ سواء حينما كانت منشطرة أو بعد توحدها مجددا، مكانة عالمية مرموقة في هذا المجال، لدرجة أنها تسمى في كثير من المرجعيات بـ«دولة الماكينات».
وعلى مدار العقود الأخيرة، لم تحد ألمانيا عن توجهاتها ومنابع قوتها الصناعية، وصارت الصناعة الألمانية وجودتها ودقتها رمزا مرتبطا بالدولة الكبرى.. وحتى مع انطلاق ثورة الإنترنت والتكنولوجيا، استفادت ألمانيا من التقنيات الحديثة في المجالات الصناعية، لكنها لم ترسخ فكرة الولوج الكامل إلى هذا المجال.
وخلال السنوات القليلة الماضية، مضت دول على غرار الهند والصين واليابان، ومعها الولايات المتحدة بعيدا في مضمار الذكاء الاصطناعي، بينما ظهرت على السطح محاولات لعدد من الدول الأوروبية مثل فرنسا وبريطانيا للحاق بالتطور الكبير، إلا أن ألمانيا ظلت بعيدة بخطوات واسعة في هذا المجال. وأمس، أعلنت الحكومة الألمانية عن أنها تكثيف جهودها في تطوير الذكاء الاصطناعي لجعل ألمانيا رائدة في هذا المجال، حيث وافق مجلس الوزراء الألماني على المحاور الرئيسية لاستراتيجية تدعيم الذكاء الاصطناعي، والتي سيجري العمل على تفاصيلها خلال الأشهر المقبلة.
ومن محاور الاستراتيجية الألمانية الجديدة تعزيز التشابك بين الأبحاث العلمية في هذا المجال في ألمانيا وأوروبا، وتسريع تبادل نتائج هذه الأبحاث ودعم تأسيس الشركات وإحداث التحول البنيوي الضروري في الشركات وسوق العمل على نحو يخدم تطبيق الذكاء الاصطناعي.
ويذكر أن الائتلاف الحاكم الألماني، الذي يضم التحالف المسيحي المنتمية إليه المستشارة أنجيلا ميركل والحزب الاشتراكي الديمقراطي، اتفق في معاهدة الائتلاف على جعل ألمانيا دولة رائدة على مستوى العالم في أبحاث الذكاء الاصطناعي.
وبحسب بيانات خبراء، فإن الولايات المتحدة والصين متقدمتان على نحو كبير في هذا المجال. وجاء في محاور استراتيجية الحكومة في هذا المجال أن الذكاء الاصطناعي يتطور على نحو متزايد ليصبح من أهم محركات القدرة التنافسية للاقتصاد الألماني. وأشارت الحكومة إلى التحدي الكبير الممثل في تطوير الذكاء الاصطناعي على نحو يخدم مصلحة المواطنين.
وكان وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير أكد أهمية الذكاء الاصطناعي لألمانيا كتكنولوجيا أساسية جديدة. وكتب ألتماير، المنتمي للحزب المسيحي الديمقراطي بزعامة المستشارة ميركل، في مقالة بصحيفة «هاندلسبلات» الألمانية الصادرة أمس الأربعاء أن الذكاء الاصطناعي «ليس ابتكارا كغيره من الابتكارات»، موضحا أنه ابتكار أساسي سيسود كافة القطاعات الاقتصادية والحياتية خلال أعوام قليلة. وذكر ألتماير أن «الصلة بين كومبيوتر اليوم وكومبيوتر عام 2030 ستكون مجرد الاسم المشترك». وأضاف: «نحن عازمون على المضي قدما في البحث العلمي والتطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي في ألمانيا وأوروبا وتحقيق وضمان قيمة إضافية جديدة عبر (ذكاء اصطناعي صنع في ألمانيا)».
ومن أمثلة الذكاء الاصطناعي برامج المساعدة اللغوية والسيارات ذاتية القيادة والآلات القابلة للتعلم ومقترحات الشراء في التسوق الإلكتروني وحساب مخاطر الائتمان وتحليل صور الأشعة السينية.
ومن المقرر أن تتولى لجنة في البرلمان الألماني (بوندستاغ) دراسة فرص ومخاطر الذكاء الاصطناعي، مثل معرفة أثر تزايد تدخل الآلات في اتخاذ القرارات وأمن المعلومات. وبينما تشيد كثير من الدراسات والخبراء بالذكاء الاصطناعي وفوائده المتعددة للبشر خلال الأعوام المقبلة، فإن بعض من المحللين حذروا من مخاطر أبرزها زيادة الاعتماد على الآلات الذكية بما يقلص من عمل البشر ويرفع البطالة.
ويبدو أن الحكومة الألمانية بينما تتبنى استراتيجيتها الجديدة نحو الذكاء الاصطناعي، التفتت إلى هذا الأمر، ولو على المدى القريب. حيث يعتزم وزير العمل الألماني هوبرتوس هايل توفير وظائف جديدة لإخراج نحو 150 ألف فرد من حالة البطالة طويلة الأمد. وقال الوزير المنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي في إشارة إلى مشروع القانون، الذي عرض على مجلس الوزراء الألماني لإقراره أمس إن «الوضع في سوق العمل جيد الآن»، موضحا أن «الأمر يدور حول التعامل مع القاعدة العنيدة للعاطلين عن العمل لفترة طويلة».
وذكر الوزير أنه سيجرى تخصيص 4 مليارات يورو لهذا الغرض. وبحسب بيانات الوزير، تهدف الحكومة إلى توفير وظائف لمدة خمس سنوات لأولئك الذين يتلقون إعانات البطالة منذ سبعة أعوام ولم يعملوا خلال هذه السنوات إلا لفترات قصيرة.
ونفى هايل انتقادات حول طول مدة الدعم، موضحا أن البرنامج يستهدف أفرادا انقطعوا عن العمل منذ سبعة أعوام، ولن يكونوا لائقين على الفور في سوق العمل، مضيفا أن هؤلاء الأفراد بحاجة إلى وقت للاندماج في سوق العمل، وقال: «هؤلاء الأفراد يحتاجون إلى رؤى طويلة المدى».


مقالات ذات صلة

كرّس حياته للسلام... رحيل ناجٍ من قنبلة ناغازاكي النووية عن 93 عاماً

آسيا شيغمي فوكاهوري أحد الناجين من القنبلة الذرية التي ألقيت على مدينة ناغازاكي عام 1945 (أ.ب)

كرّس حياته للسلام... رحيل ناجٍ من قنبلة ناغازاكي النووية عن 93 عاماً

توفي شيغمي فوكاهوري، أحد الناجين من القنبلة الذرية التي ألقيت على مدينة ناغازاكي عام 1945، والذي كرَّس حياته للدفاع عن السلام، عن عمر يناهز 93 عاماً.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
العالم جنود يشاركون في عرض عسكري لإحياء الذكرى السبعين لهدنة الحرب الكورية في بيونغ يانغ بكوريا الشمالية 27 يوليو 2023 (رويترز)

قوات كورية شمالية قد تشارك باحتفالات روسيا في الانتصار بالحرب العالمية الثانية

قال مسؤول روسي كبير إنه يعتقد بإمكانية مشاركة جنود كوريين شماليين في العرض العسكري في الساحة الحمراء العام المقبل، في ذكرى الانتصار بالحرب العالمية الثانية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
تحليل إخباري رجل يقف أمام الشرطة ويحمل لافتة كُتب عليها: «يون سوك يول... ارحل» في سيول (أ.ف.ب)

تحليل إخباري «الحرب» الكورية الجديدة تعيد إلى الأذهان ما جرى في 25 يونيو 1950

فجأة اصطخبت مياه البحيرة الكورية الجنوبية وعمّت الفوضى أرجاء سيول وحاصر المتظاهرون البرلمان فيما كان النواب يتصادمون مع قوات الأمن.

شوقي الريّس (بروكسل)
أوروبا روسيا تعتزم تنظيم أكبر احتفال في تاريخها بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية (رويترز)

روسيا تنظم «أكبر احتفال» بالذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية

أعلنت روسيا اليوم (الثلاثاء) أنها تعتزم تنظيم «أكبر احتفال في تاريخها» بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية، في سياق تمجيد القيم الوطنية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية «لاهوت التحرر» يفقد مؤسّسه الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً

«لاهوت التحرر» يفقد مؤسّسه الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً

مطلع العقد السادس من القرن الماضي شهدت أميركا اللاتينية، بالتزامن مع انتشار حركات التحرر التي توّجها انتصار الثورة الكوبية.

شوقي الريّس (هافانا)

صناديق أسواق المال تجذب المستثمرين وسط مخاوف تجارية

مجموعة من العملات العالمية (رويترز)
مجموعة من العملات العالمية (رويترز)
TT

صناديق أسواق المال تجذب المستثمرين وسط مخاوف تجارية

مجموعة من العملات العالمية (رويترز)
مجموعة من العملات العالمية (رويترز)

اتجه المستثمرون إلى صناديق أسواق المال العالمية، في الأسبوع المنتهي في 8 يناير (كانون الثاني)، مدفوعين بالمخاوف المتعلقة بالزيادات المحتملة في التعريفات الجمركية مع التغيير المرتقب في الإدارة الأميركية، بالإضافة إلى الحذر قبل تقرير الوظائف الحاسم الذي قد يعيد تشكيل التوقعات بشأن خفض أسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي.

ووفقاً لبيانات «إل إس إي جي»، قام المستثمرون بتوجيه 158.73 مليار دولار إلى صناديق أسواق المال العالمية، وهو ثاني أكبر صافي شراء أسبوعي منذ أبريل (نيسان) 2020، وفق «رويترز».

وكان الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الذي من المقرر أن يتولى منصبه في 20 يناير، قد تعهد بفرض تعريفة جمركية بنسبة 10 في المائة على جميع الواردات العالمية إلى الولايات المتحدة. كما هدد بفرض تعريفة بنسبة 25 في المائة على الواردات من كندا والمكسيك في أول يوم له في المنصب.

وتلقت صناديق الأسهم العالمية تدفقات للأسبوع الثالث على التوالي، بمجموع صافي بلغ 11.36 مليار دولار. كما استقبلت صناديق الأسهم الأوروبية تدفقات صافية بلغت 8.7 مليار دولار، وهي الأكبر في 3 أسابيع، في حين أضاف المستثمرون صافي 5.6 مليار دولار إلى الصناديق الآسيوية، بينما سحبوا صافي 5.05 مليار دولار من الصناديق الأميركية خلال الفترة نفسها.

وشهدت صناديق الأسهم القطاعية العالمية أول صافي شراء أسبوعي لها في 5 أسابيع، بمقدار 526.24 مليون دولار. وضخ المستثمرون 1.13 مليار دولار في قطاع التكنولوجيا، بعد 5 أسابيع متتالية من البيع الصافي، وشهد قطاع خدمات الاتصالات صافي مشتريات بلغ 413 مليون دولار.

كما شهدت صناديق السندات العالمية نشاطاً ملحوظاً، حيث تلقت 19.5 مليار دولار، وهو ثاني تدفق في الأسابيع الأربعة الماضية. وجذبت صناديق السندات الحكومية 1.94 مليار دولار، وهو ثاني تدفق لها في 6 أسابيع، بينما جمعت صناديق المشاركة في القروض 2.24 مليار دولار.

من جهة أخرى، واجهت صناديق السلع الأساسية عمليات تصفية للأسبوع الثاني على التوالي، حيث سحب المستثمرون 293 مليون دولار من صناديق الذهب والمعادن النفيسة، محققين أرباحاً بعد عمليات شراء صافية كبيرة بلغت 14.32 مليار دولار طوال عام 2024.

وأظهرت صناديق الأسواق الناشئة نتائج متباينة، حيث كسرت صناديق السندات سلسلة بيع استمرت 4 أسابيع بتدفقات صافية بلغت 2.38 مليار دولار. في المقابل، شهدت صناديق الأسهم تدفقات خارجية كبيرة بلغ مجموعها 973 مليون دولار خلال الأسبوع.