الموت يغيّب محمد العثيم الكاتب والمسرحي السعودي

رحل قبل أن ينجز «مائة أغنية» وقدم خمسين عملا مسرحيا

الراحل محمد العثيم
الراحل محمد العثيم
TT

الموت يغيّب محمد العثيم الكاتب والمسرحي السعودي

الراحل محمد العثيم
الراحل محمد العثيم

حفلت حياة الكاتب والمسرحي السعودي محمد العثيم الذي غيبه الموت أمس السبت بمحطات كثيرة ولافتة، وجاءت السبعون عاما التي عاشها الراحل مليئة بالقصص والمواقف، أقام خلالها دولة حريته بمنأى عن المرض والألم وقدّم دون أن يريد، نفسه نموذجا فريدا امتزجت فيه تجربة الحياة العنيفة التي عاشها بتجربة الإقبال على الحياة بفيض من القوة.
أمس توقف الكاتب والشاعر والروائي والمؤلف والمسرحي محمد العثيم عن الركض في مضمار الحياة الكبير بعد أن قدم أعمالا إبداعية لافته في كل المجالات من الشعر والمقالة والرواية والمسرح، بعد أن تعارك مع الموت على مسرح الحياة مرات عدة، وفي كل مرة كان يهرب من الموت بسهام أصابت مواضع كثيرة في جسده نجا منها بأعجوبة، وكان يحمل كل هذه السنوات ضماد جراحه بيد، وأعماله الإبداعية باليد الأخرى يعجن بها خليطا من الأعمال اللافتة. بدأ بظهوره وهو على مقاعد الدراسة الثانوية عبر التلفزيون السعودي من محطة القصيم وبالتحديد حاضرة المنطقة بريدة، ليلج إلى المسرح ثم الكتابة، كان الوطن ومحبته حاضرا، أعمالا إبداعية يرضي بها نفسه أولا، بعيدا عن الصنعة والتكلف وبوارق الشهرة كما يفعله الكثيرون ممن سلكوا ذات الطريق، وركضوا في ذات المضمار الذي سلكه الراحل والبعض منهم توقف عن الوصول لخط النهاية.
عاش العثيم أفكاره وأحاسيسه وسط الألم والمعاناة، بدءاً من إصابته بمرض الكبد التي تجاوزها بزراعة هذا العضو، وقد تجاوز ذلك ليعود أكثر حيوية وألقاً وحضوراً، وانتهاء بإصابته بفشل كلوي ظل يقاومه عبر أجهزة الغسيل، وتجرع من هذا العارض المفاجئ آلاماً ومعاناة طويلة أفضت به إلى الموت ليغادر مسرح الحياة، تاركا بصمات في المشهد الثقافي السعودي، وذكريات عطره لن تعبر ذاكرة المتلقين.
ولد محمد بن عبد الله العثيم في مدينة بريدة حاضرة القصيم وسط السعودية عام 1948. ودرس فيها مراحل التعليم العام، ثم حصل على البكالوريوس من قسم الإعلام ثم الماجستير في الصحافة المطبوعة من جامعة ولاية كاليفورنيا في منتصف الثمانينات الميلادية، ليعمل محاضرا في جامعة الملك سعود «قسم الإعلام»، وحمل قلمه ليكتب في الصحافة قبل أكثر من ثلاثة عقود، كما نفذ أعمالا تلفزيونية وأصدر أربعة كتب منها ثلاثة في المسرح والنقد والرابع رواية، كما قدم عددا من المسرحيات وصلت إلى الخمسين مع مسلسلين تلفزيونيين، وحصل على براءة الاستحقاق الأولى من جائزة أبها الثقافية عن أحد نصوصه المسرحية المعنونة بـ«مسرحية الهيار»، وشارك في المهرجانات المسرحية داخل بلاده وخارجها، كما حاز على عدد من شهادات التقدير، وظل رقما حاضرا في مسرح المهرجان الوطني للثقافة والتراث في السعودية (مهرجان الجنادرية).
أنجز الراحل كتابين هما: الغناء النجدي، والطقس المسرحي كما قدم عملا كوميديا عنونه بـ«بن بجعة»، كما أنجز عملا روائيا عنونه بـ«سبحة الكهرمان»، كما وضع اللمسات الأخيرة على كتاب عنونه بـ«مائة أغنية».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».