ماذا يعني نجاح فرنسا وبلجيكا في كأس العالم للمهاجرين في أوروبا؟

نجاح منتخبات الكرة لن يحل مشاكل التنوع لكنه يعزز مشاعر الفخر بالوطن لدى الجميع

مروان فيلايني وناصر الشاذلي نجما بلجيكا يحتفلان بأحد الأهداف التي سجلتها بلجيكا في طريقها إلى نصف النهائي (رويترز)
مروان فيلايني وناصر الشاذلي نجما بلجيكا يحتفلان بأحد الأهداف التي سجلتها بلجيكا في طريقها إلى نصف النهائي (رويترز)
TT

ماذا يعني نجاح فرنسا وبلجيكا في كأس العالم للمهاجرين في أوروبا؟

مروان فيلايني وناصر الشاذلي نجما بلجيكا يحتفلان بأحد الأهداف التي سجلتها بلجيكا في طريقها إلى نصف النهائي (رويترز)
مروان فيلايني وناصر الشاذلي نجما بلجيكا يحتفلان بأحد الأهداف التي سجلتها بلجيكا في طريقها إلى نصف النهائي (رويترز)

عندما فاجأ المنتخب الفرنسي العالم قبل عشرين عاما وسحق البرازيل بثلاثية نظيفة في نهائي مونديال 1998 في باريس قبل عقدين من الزمان لم يكن الشاب كيليان مبابي قد وُلد بعد. وقبل أيام حقق المهاجم الفرنسي البالغ عمره 19 عاما إنجازاً لم يحققه سوى لاعب واحد فقط ينتمي لهذه المرحلة العمرية في تاريخ البطولة عندما سجل هدفين في مباراة واحدة.
اللاعب الآخر الذي حقق هذا الانجاز هو أسطورة البرازيل بيليه في نسخة عام 1958 بالسويد عندما شارك لأول مرة في بطولات كأس العالم.
مبابي لاعب باريس سان جيرمان وُلد لأب كاميروني وأم جزائرية ونشأ في ضواحي باريس ومثله الأعلى هو البرتغالي كريستيانو رونالدو.
ويقول أفشين مولافي المدير المشارك والزميل في معهد السياسة الخارجية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز في واشنطن لصحيفة "واشنطن بوست" إنه لا شك أن مبابي لاعب يملك موهبة غير عادية وكونه وُلد لأبوين من الجيل الأول للمهاجرين إلى فرنسا جعله لاعبا وطنيا نموذجيا بين منتخب "الديوك" الفرنسية.
وفي الواقع إن 17 بين 23 لاعباً في تشكيلة فرنسا المشاركة في كأس العالم الحالية في روسيا من أبناء الجيل الأول من المهاجرين وهناك أيضاً تشكيلات أوروبية ناجحة في البطولة من أبناء الجيل الأول من المهاجرين لاسيما في سويسرا وبلجيكا.
وضمت تشكيلة فرنسا الفائزة بلقب كأس العالم 1998 في باريس تنوعا كبيرا بين اللاعبين حيث كان هناك لاعبين من أصحاب البشرة البيضاء والسمراء وكذلك من عرب شمال أفريقيا.

تنوع فرنسي كبير
وخلال الاحتفالات التي تلت التتويج بالكأس أشاد الزعماء السياسيون الفرنسيون بانتصار"الديوك الفرنسية" باعتباره ليس فقط فوزا في كرة القدم بل انتصار لما يعرف "بالنموذج الفرنسي للتنوع والشمول".
ووصفت صحيفة "لوموند" الرصينة الفريق بأنه "رمز للتنوع والوحدة في البلاد" وزاد الفريق من توهج فرنسا في تلك اللحظة المضئية.
هذا التناغم لم يدم طويلا ، حيث تولد رد فعل معادي للمهاجرين وحصل السياسي اليميني المتطرف جان ماري لوبان على 17 في المائة من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية عام 2002 لكن تذكر الجميع أن الرياضة يمكن أن تضمد التصدعات المجتمعية الأكثر عمقاً.
وكان لوبان قد اشتكى في وقت سابق من أن هوية الفريق المتعددة الأعراق لا تبدو فرنسية بما فيه الكفاية بالنسبة له. في الوقت الذي تعرض فيه لهزيمة قاسية أمام جاك شيراك في جولة الإعادة لكن في الوقت ذاته تسارعت وتيرة القلق بشأن المهاجرين نحو دول غرب أوروبا خلال 15 عاما الماضية حيث ارتفعت أعداد المهاجرين مع انعدام الأمان الاقتصادي لدي الطبقة المتوسطة في أوروبا.

آثار بالغة الخطورة للمهاجرين
وفي الوقت الذي تصدر فيه كأس العالم المشهد العالمي هذا الصيف احتل النقاش حول الهجرة مركز الصدارة في السياسة الأوروبية. إذ انهارت حكومة المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل تقريبًا بسبب الانقسامات بين شركائها في التحالف حول الهجرة.
وفي بريطانيا ساعد زيادة أعداد المهاجرين اليها على زيادة المصوتين لخروجها من الاتحاد الأوروبي وفي فرنسا خاضت الجبهة الوطنية بقيادة ماري لوبان معركة أشد شراسة من والدها خلال خسارتها عام 2017 أمام الرئيس إيمانويل ماكرون حيث استحوذت على ثلث أصوات الناخبين الفرنسيين. وهي أيضًا تشكو قائلة "عندما أنظر إلى الفريق الوطني لا أرى فرنسا أو نفسي".
وانتقلت العدوى إلى سويسرا (نعم سويسرا) حيث صوت السويسريون لصالح حزب مناهض للمهاجرين لقيادة برلمانها قبل ثلاث سنوات. وهددت رابطة اليمين المتطرف الشعبية في إيطاليا بترحيل جماعي للمهاجرين غير الشرعيين خلال حملتها السياسية عام 2018. وفازت الرابطة بأكبر عدد من الأصوات ، وشكلت حكومة ائتلافية إلى جانب الحركة الشعبية اليسارية.
ولا ننكر أن الجماهير الإيطالية بين الأكثر تعصبا في أوروبا تجاه اللاعبين الأفارقة. وكان رئيس الاتحاد الإيطالي لكرة القدم قد عبر عن أسفه لهتافات العنصرية التي يستخدم فيها الجمهور صحيات قردة ويطلقون على اللاعبين أصحاب البشرة السمراء "الموز".
وتحتل إيطاليا مركزا متأخرا بين منتخبات أوروبا التي يسيطر عليها أبناء الجيل الأول من المهاجرين. (فشل المنتخب الإيطالي في التأهل لنهائيات كأس العالم هذا العام).

بلجيكا والتنوع الثقافي
وفي الوقت نفسه ، فإن أحدث المنتخبات متعددة الثقافات في أوروبا هو بلجيكا التي يبلغ تعداد سكانها 11 مليون نسمة فقط. وقد شاركت في البطولة بتشكيلة تضم العديد من أبناء المهاجرين من الجيل الأول من الكونغو والمغرب وبوروندي ومالي وغيرها.
ودخلت بلجيكا البطولة وهي تحتل المركز الثالث في تصنيف الاتحاد الدولي (الفيفا) للمنتخبات وبلغت قبل النهائي يوم الجمعة بعد الفوز على البرازيل بهدفين مقابل هدف وستلتقي يوم الثلاثاء العاشر من يوليو/تموز الحالي مع فرنسا.
وبات التطور الحالي في الفريق البلجيكي يمثل التحول الأكثر حداثة لما يعرف بأبناء الجيل الأول للمهاجرين ، حيث بدأ هذا التحول في أوائل الألفية الحالية بالتركيز على المهارات الفنية وتنمية الشباب على مستوى الدولة.
وتزامن ذلك مع برنامج وطني لاستخدام كرة القدم للمساعدة في دمج المهاجرين الجدد وثبت نجاح هذا البرنامج في إنتاج ما يعرف حاليا "بالجيل الذهبي" لبلجيكا حيث يلعب هذا الجيل دور البطولة في البطولات المحلية الأوروبية الكبرى حاليا.
ونجح الفريق البلجيكي المشهور بلقب "الشياطين الحمر" في تحويل تأخره بهدفين نظيفين أمام اليابان في دور الستة عشر إلى فوز بثلاثة أهداف في دور الستة عشر حيث حافظ الفريق على ثباته وسجل ثلاثة أهداف خلال نصف ساعة مجنونة ولا شك أن هذه المباراة ستخلد في ذاكرة "كرة القدم الجميلة".
وخلال هذه المباراة قفز المهاجم روميلو لوكاكو، المولود من أبوين من الكونغو، أعلى الكرة لتصل إلى زميله المندفع من الخلف ناصر الشاذلي، ابن المهاجرين المغاربة، ليسجل هدف الفوز في الوقت المحتسب بدل الضائع بينما سجل مروان فيلاني، ابن المهاجرين المغاربة أيضا، هدف التعادل في وقت سابق من ضربة رأس.

التشابة الفرنسي البلجيكي
لم يصبح المنتخب البلجيكي مجرد رمز متعدد الثقافات يشبه إلى حد كبير الفريق الفرنسي في أواخر تسعينات القرن الماضي لكنه أصبح قوة وحدة كبيرة في البلاد التي تشتهر بتعددها اللغوي والعرقي.
وكانت منطقة فلاندرز الشمالية التي يتكلم أهلها الهولندية قد طالبت في أكثر من مناسبة الانفصال عن بلجيكا التي تعتبر أحد أقل الأقليات القومية في أوروبا ولا يوجد ما يوحد شعبها تاريخيا حيث تبدو البلاد دائماً على شفا الانهيار.
وكما كتب كاس مود ،المتخصص في دراسة الشعوب في أوروبا في جامعة جورجيا، إن الأحزاب المنحازة لوحدة بلجيكا "كانت دائماً ما تنظر إلى الفريق الوطني باعتباره أبرز نقاط تعزيز الروح البلجيكية لدى المواطنين".
في بلجيكا ، اختلط القلق التقليدي بشأن الهجرة بمخاوف الإرهاب بعد تفجيرات بروكسل التي قادها متطرفون مسلمون بلجيكيون وقتلوا 32 شخصًا في صدمة هزت البلاد خاصة أن الحي الذي ينحدر منه منفذوا العملية (مولينبيك في بروكسل) مكتظ بأبناء وبنات الجيل الأول من المهاجرين من عرب شمال افريقيا في وحال فوز أي حزب إسلامي محافظ في الانتخابات البلدية في بلجيكا المقررة الخريف المقبل سيزيد القلق في بعض الأوساط بشأن صعود الإسلام في البلاد.
لن يتمكن الفريق الوطني البلجيكي وكذلك الفرنسي من حل مشاكل البلاد ولكن مع ارتفاع حدة الجدل حول الهجرة في أوروبا يمكن للفريق البلجيكي تحقيق النجاح الكامل وبجدارة ما يعزز الفخر الوطني خاصة مع تقديم كرة قدم جميلة أمام ملايين المشاهدين.


مقالات ذات صلة

رسمياً... كلويفرت يخلف يونغ في تدريب منتخب إندونيسيا

رياضة عالمية باتريك كلويفرت (رويترز)

رسمياً... كلويفرت يخلف يونغ في تدريب منتخب إندونيسيا

أعلن الاتحاد الإندونيسي لكرة القدم في بيان، الأربعاء، تعيين أسطورة كرة القدم الهولندي باتريك كلويفرت مدرباً جديداً للمنتخب الوطني حتى 2027، مع خيار التمديد.

«الشرق الأوسط» (جاكرتا)
رياضة عالمية ديشان في مقابلة مع قناة «تي إف 1» الأربعاء (أ.ف.ب)

ديشان: سأترك تدريب منتخب فرنسا في 2026

أكد مدرب منتخب فرنسا لكرة القدم ديدييه ديشان، أنه سيترك منصبه عام 2026، في مقابلة مع قناة «تي إف 1» الأربعاء.

رياضة عالمية شين تاي-يونغ (رويترز)

مفاجأة... ثوهير يقيل مدرب إندونيسيا والبديل كلويفرت

أقال الاتحاد الإندونيسي لكرة القدم مدرب منتخب الرجال الكوري الجنوبي شين تاي-يونغ، كما أعلن رئيسه إريك ثوهير، الاثنين.

«الشرق الأوسط» (جاكرتا)
رياضة سعودية منتخب السعودية لم يقدم ما يشفع له للاستمرار في البطولة (سعد العنزي)

هل يمكن معالجة جراح الأخضر قبل استئناف تصفيات كأس العالم؟

عندما تلقَّى المنذر العلوي بطاقة حمراء في الدقيقة 34، لم يكن أشد المتشائمين يتوقع أن يخفق الأخضر في التفوق على 10 لاعبين من عُمان في سعيه لبلوغ النهائي الخليجي.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
رياضة سعودية حالة من الإحباط عاشها لاعبو الأخضر بعد الخروج الخليجي (تصوير: سعد العنزي)

رينارد يجهز تقرير «الأخضر»... و«اعتزال» العويس مجرد «ردة فعل»

مصادر قالت إن الاتحاد السعودي لكرة القدم لا يزال يثق بالجهازين الفني والإداري بقيادة المدرب الفرنسي هيرفي رينارد.

سعد السبيعي (الكويت)

جبل طارق تتّهم إسبانيا بـ«انتهاك صارخ للسيادة البريطانية»

أفراد من الجمارك الإسبانية في مركبهم (أ.ف.ب)
أفراد من الجمارك الإسبانية في مركبهم (أ.ف.ب)
TT

جبل طارق تتّهم إسبانيا بـ«انتهاك صارخ للسيادة البريطانية»

أفراد من الجمارك الإسبانية في مركبهم (أ.ف.ب)
أفراد من الجمارك الإسبانية في مركبهم (أ.ف.ب)

اتّهمت جبل طارق، الجمعة، إسبانيا بارتكاب «انتهاك صارخ للسيادة البريطانية» بعد واقعة على أحد شواطئها تعرّض خلالها عناصر في الجمارك الإسبانية لهجوم من المهربين، وأطلقت خلالها أعيرة نارية.
وقال رئيس الوزراء في جبل طارق فابيان بيكاردو إن «الأدلة المتّصلة بهذه الواقعة تبيّن انتهاكا صارخا للسيادة البريطانية، في واقعة قد تكون الأكثر جدية وخطورة منذ سنوات عدة».
وسجّلت الواقعة صباح الخميس حين تعطّل طراد تابع للجمارك الإسبانية خلال ملاحقته أشخاصا يشتبه بأنهم مهرّبو تبغ قبالة سواحل جبل طارق، وفق ما قال مصدر في وكالة الضرائب الإسبانية المكلّفة الشؤون الجمركية لوكالة الصحافة الفرنسية.
وبعدما لفظت الأمواج العاتية الطراد على الشاطئ، حاصر عدد من الأشخاص العنصرين اللذين كانا على متنه وعمدوا إلى رشقهما بصخور، بعضها تخطّت زنتها ثلاثة كيلوغرامات، وفق المصدر. فرد العنصران بإطلاق «أعيرة نارية في المياه في محاولة لإبعاد» أولئك الذين يرمون الصخور.
تعرض أحد العنصرين لكسر في الأنف، فيما تعرّض الآخر لكسور في الوجه ووضعه يتطّلب جراحة، وفق المصدر.
على وسائل التواصل الاجتماعي تم تداول فيديوهات يبدو أنها تظهر أعيرة نارية يتم إطلاقها خلال الواقعة، لكن لم يتّضح مصدرها.
وقال بيكاردو «إذا تأكد أن مسؤولين إسبانيين أطلقوا النار من أسلحتهم في جبل طارق، فإن عملا كهذا سيشكل انتهاكا خطيرا للقانون». ووصف الواقعة بأنها عمل «متهور وخطير، خصوصا في منطقة ذات كثافة سكانية نظرا لقربها من مبانٍ سكنية في المنطقة».
واعتبرت حكومتا جبل طارق والمملكة المتحدة أن الوقائع «ستتطلب دراسة متأنية لطبيعة الرد الدبلوماسي ومستواه».
واستخدمت شرطة جبل طارق وجنودها أجهزة الكشف عن المعادن في إطار البحث عن مظاريف الرصاصات على الشاطئ، وفق مشاهد بثها تلفزيون جبل طارق.
وجبل طارق عبارة عن جيب بريطاني صغير في الطرف الجنوبي لإسبانيا، ولطالما شكلّ مصدرا للتوتر بين مدريد ولندن.
على الرغم من تخلي إسبانيا عن جبل طارق لبريطانيا في العام 1713، لطالما سعت مدريد لاستعادة هذه المنطقة التي يدور نزاع شائك حولها منذ عقود. وبلغت التوترات ذروتها في العام 1969 حين أغلق نظام الديكتاتور فرانشيسكو فرانكو الحدود التي لم تُفتح كلياً إلا في العام 1985.