8 متاحف تخطف أبصار زوار «سوق عكاظ» بالطائف

تقتني خزفية عمرها 1200 عام وكائنات بحرية محنَّطة وأسلحة أثرية

أسلحة يدوية أثرية
أسلحة يدوية أثرية
TT

8 متاحف تخطف أبصار زوار «سوق عكاظ» بالطائف

أسلحة يدوية أثرية
أسلحة يدوية أثرية

لو قُدِّر لك السير في جادة «سوق عكاظ» التاريخي الذي يجري تنظيمه هذه الأيام في مدينة الطائف غرب السعودية وسط أجواء الطقس المعتدل، فإن عينيك ستتجه نحو لافتة كبيرة كتب عليها «معرض المتاحف النوعية». وستُضطر لا إرادياً إلى الالتفاف والاتجاه إلى مدخل المعرض لاستكشاف الألوان الفاقعة التي تصدر من داخله لبعض المحتويات من على بُعد أمتار، لتكون النتيجة قضاء جولة كاملة فيه للاطلاع على مقتنياته دون أن تشعر.
ويحتوي «معرض المتاحف النوعية» على 8 متاحف خاصة تفتح أبوابها لزوار السوق، وهي نماذج من المتاحف الخاصة المرخصة المتفردة بمحتوياتها. ومن هذه المتاحف المعروضة متحف «لقيت من الماضي أثر»، ومتحف «الحرف اليدوية»، ومتحف «الوثائق التاريخية»، ومتحف «الأسلحة الأثرية»، ومتحف «الكائنات البحرية المحنّطة»، ومتحف «زيّ المرأة البدوية»، ومتحف «البادية العربية وأدواتها».
ومن أمثلة المقتنيات التي جذبت الزوار، خزفية وُضعت بعناية وحرص في إحدى زوايا المعرض ودُوّن على بطاقة بجانبها عبارة «ممنوع اللمس». المختصين في المتحف ذكروا أن الخزفية هي عبارة عن جَرّة ماء وتظهر يد الجرة بصعوبة، بسب تأثرها بالصدأ لوجودها لفترة طويلة في أعماق البحر. ولمعرفة عمرها الزمني تم استخدام تقنية النانو التي أظهرت أن عمر الخزفية يتجاوز 1200 عام.
وتصطفّ هذه الخزفية في متحف «الكائنات البحرية» والأدوات المستخرجة من البحر التي تجاوزت أعمار بعضها ألف سنة، كما يشير المرشدون السياحيون حولها. إضافة إلى المجسمات المصنوعة من الأصداف كمنتجات حِرفية، وسلاحف عملاقة محنّطة تزيد أعمارها على 250 سنة.
ونظراً إلى التطورات التكنولوجية المتسارعة ودخولها في حياة الإنسان، باتت البساطة مطلباً له للهروب من روتين حياة المدنية المعقد، ولوحظ إقبال كبير من الزوار على متحف «البادية العربية وأدواتها». ويشتمل المتحف على مستلزمات وتراث وأدوات البادية والتي تشمل الوجار الحائلي، ومستلزماته من أدوات القهوة، ومباخر العود، وغيرها، ويتم خلاله تقديم عرض حي للضيافة وعادات الكرم التي اشتهرت بها منطقة حائل شمال السعودية منذ عهد الشخصية العربية الشهيرة «حاتم الطائي».
أما المرأة التي يحتفي بها «سوق عكاظ» أيّما احتفاء فقد خُصص لها متحف يتضمن الحليّ ومستلزمات الزينة المستخدمة قديماً. وغلب الطابع البسيط الذي كان يُقدم في الماضي لنساء البادية على أغلب معروضات المتحف. كما عُرضت أزياء المرأة البدوية قديماً ذات الألوان الفاقعة بجماليات الحياكة والتطريز اليدوي الفريدة، وكذلك بعض المقتنيات لأساور وقلادات قديمة، إضافة إلى أدوات تزيين المرأة البدوية البسيطة مثل الكحل والحناء.
ولأن الفروسية والشجاعة من الصفات التي يتنافس عليها الإنسان العربي مستفيداً منها في استتباب الأمن وإغاثة الملهوف باستخدام بعض الأسلحة البدائية، فقد خُصص معرض خاص لـ«الأسلحة الأثرية». ويشتمل المعرض على 10 أنواع من الأسلحة كالبنادق مختلفة الوظائف والأحجام مع توضيح المهام التي كان يستخدم بها في السابق حسب الحقب الزمنية لصناعتها، إضافة إلى أنواع مختلفة من السيوف والحراب والرماح والنبال والخناجر والسكاكين والسِّهام. كما عُرض أطول «خنجر» في العالم بجوار سيف من الفضة.
وفي الجهة الأخرى من المعرض يوجد متحف «أصالة الماضي» الذي يعرض بعض المقتنيات المصنوعة يدوياً من قِبل بعض الحرفيين، واللافت في هذا المتحف أن معظم المنتجات تتجاوز 200 سنة، وبعضها يعود لعصر القياصرة والملوك والغساسنة من بلاد الشام، كما يشير القائمون على المعرض.
يذكر أن هذه الجهود التي نتجت عنها إتاحة مقتنيات يصعب على المرء التحصل عليها فضلاً عن الحفاظ عليها، تأتي كإحدى مبادرات هيئة السياحة والتراث الوطني؛ للمساهمة في إشراك الأفراد في جهود المحافظة على التراث من خلال جمعه وعرضه في المتاحف النوعية الخاصة. وتوعية المجتمع وجامعي التراث بمميزات المتاحف النوعية، والتعريف بالفرص الاستثمارية بها، بالإضافة إلى نشر الوعي بينهم وحثّهم على المشاركة بما لديهم من أدوات تراثية وبما لديهم أيضاً من مخزون ثقافي وتاريخي في مثل هذه المتاحف النوعية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».