البيت الأبيض والحرب على المخدرات... سينمائياً

من نيكسون إلى ريغان وصولاً إلى ترمب

فوندا وهوبر ونيكلسون في «إيزي رايدر»
فوندا وهوبر ونيكلسون في «إيزي رايدر»
TT

البيت الأبيض والحرب على المخدرات... سينمائياً

فوندا وهوبر ونيكلسون في «إيزي رايدر»
فوندا وهوبر ونيكلسون في «إيزي رايدر»

بدءاً من يوم أول من أمس (الجمعة) بوشر بعرض فيلم «سيكاريو: يوم الجندي» مصحوباً بمؤشرات تقول إنه قد يتبوأ مركزاً متقدماً في الإيرادات. ليس أنه سيستطيع إزاحة وحوش «جوراسيك وورلد»، لكنه سيتقدم لأكثر مما اعتقد البعض هنا.
Sicario‪:‬ The Day of the Soldado هو متابعة روائية للفيلم السابق «سيكاريو» الذي أخرجه الكندي دنيس فيلنييف قبل ثلاث سنوات. مثل الفيلم الأول يدور حول حرب المخدرات على الحدود المكسيكية ومثله يتمتع بظهور اثنين من الممثلين الذين يمكن تصديقهما في أي دور: بنثيو دل تورو وجوش برولِن. المختلف هنا، عدا القصّة والموضوع المتشابه، هو أن إميلي بْلنت، التي أدت البطولة النسائية، لم تعد موجودة هنا وأن المخرج هو ستيفانو سوليما، الذي قام مع ثلاثة إيطاليين آخرين بإخراج حلقات مسلسل تلفزيوني تشويقي هو «غومورا».
ينتقل سوليما من تناول العصابات الإيطالية إلى تلك المكسيكية لكن من دون التحديات الصعبة التي واجهتها بطلة الجزء الأول من «سيكاريو» من حيث كونها امرأة بين الرجال الذين يعتبرون أن محاربة الجريمة هو شغل ذكوري فقط.
أميركا بين معسكرين
لكن الإطار العام للحكاية يختلف كذلك عن تلك التي وردت في الفيلم السابق. نعم لا يزال «سيكاريو: يوم الجندي» يتحدث عن تهريب المخدرات لكنه دمج في أتونه الحرب على الإرهاب، إذ بين المتسللين إلى الولايات المتحدة مجنّدون يفجرون أنفسهم والغير بكبسة زر.
إنها حرب على جبهتين، لكن تلك المتجددة حول المتسللين الإرهابيين تولد من رحم الموضوع الأول، ولو أن كليهما يحط على الشاشة في تأكيد غير معلن لسياسة دونالد ترمب المعادية للمهاجرين.
أفلام المخدرات والحرب ضدها ليست جديدة. وتاريخ العلاقة بينها وبين جهود البيت الأبيض للحد منها قديمة أيضاً. لكن من دون التوغل في تاريخ تناول هوليوود للآفة (هناك فيلم قصير صامت من العشرية الأولى للسينما حول الإدمان على نبتة الكولا كونها نتاجاً مخدراً) فإن الفيلم الذي أشعل جبهة هوليوود - واشنطن كان فيلم «إيزي رايدر» (1969) مع دنيس هوبر وبيتر فوندا وجاك نيكولسون. هوبر وفوندا كتبا السيناريو وهوبر قام بالإخراج.
دار الفيلم حول راكبي دراجات نارية يصطحبان معهما محام شاب (نيكولسون) في رحلة عبر الوجه الجديد لأميركا غير التقليدية. فيه تقديم لوجه جديد للدولة التي سادتها الأعراف والتقاليد المحافظة وللغرب القديم وشخوصه. الثلاثة يتناولون السجائر الملغومة بالحشيش ويواجهون المحافظين الرافضين لهم. في أحد المشاهد يسأل الأميركي البريء الآتي من درب القانون: «لماذا يكرهوننا؟». فيرد عليه فوندا: «لأنك حر».
- «لكني كنت أعتقد أننا في بلد الحرية»
فيجيبه: «ليس هذا النوع من الحرية. حريتك هذه تخيفهم».
كان الحوار، كما الفيلم بأسره، تحبيذاً لفكرة أن شبان الدراجات النارية هم عماد الحركة المناوئة لأميركا اليمينية المحافظة وأن تعاطيهم الحشيشة ليس ضاراً كما القيام بقصف المدنيين في فيتنام.
سواء نتيجة تأثير مباشر لهذا الفيلم على الشبيبة (تبعته أفلام كثيرة أقل فناً وأكثر فوضوية حول راكبي الدراجات النارية) أم لا، فإن إدارة البيت الأبيض في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون أعلنت، وللمرة الأولى، «الحرب على المخدرات» في محاولة لإيقاف ما تبدّى من انتشارها بين طبقات مختلفة.
هذه الحرب تمتعت بقوانين صارمة من بينها أن من يتم القبض عليه من المتعاطين تطبق بحقه عقوبات قاسية. بذلك لم يعد المتعاطي ضحية بريئة، على المجتمع والحكومة معاً مساعدته والعناية به، بل مجرم كما الموزّع أو المتاجر.
بذلك أيضاً لم يعد النموذج المطروح في «إيزي رايدر» يشكل ملجأ. ذلك النموذج تحدث عن متمردين ضد المجتمع المحافظ. الحرب على المخدرات مع مطلع السبعينات هدفت لتأييد المجتمع المحافظ والنيل من دعوات التمرد الشبابي. أميركا كانت منقسمة إلى عالمين آنذاك: محافظون يمينيون ومتمردون يساريون أو ليبراليون: الأول - في مجموعه يؤيد الحرب الفيتنامية ولا يدعو لإيقاف التمييز العنصري، والثاني يعارضهما (الحرب والتمييز العنصري) معاً ويحاول - عبر السينما والموسيقى - التعبير عن مواقفه.
الفيلم الذي جسد الوضع الاجتماعي من دون الرضوخ لشروط أي من الفريقين آنذاك كان «الذعر في نيدل بارك» (The Panic in Needle Park) للجيد جيري تشاتزبيرغ (1971). هنا مجموعة من المدمنين على الهيروين بينهم بوبي (آل باتشينو) وهيلين (كيتي وين) والأخيرة نتابع انحدارها المتدرج من جديدة على الإدمان إلى قعره الأسود.
تشاتزبيرغ كان معنياً بتقديم صورة للوضع السائد ولم يكن في وارد منح الضحايا تبريراً سياسياً أو إنسانياً. لكن المخدرات بدأت تتناوب في الظهور في أفلام هوليوودية تبعاً لحاجة معظمها الدلالة على وجود هوّة اجتماعية سحيقة اسمها الإدمان أو، كما الحال في «من سيوقف المطر» Who‪’‬ll Stop the Rain لكارل زايز (1978)، لتسجيل موقف سياسي.
عناصر الجبهة
تلك الحقبة في السبعينات كانت الأشد فعلاً حيال جهود الحكومة الأميركية محاربة الإدمان. خطبة رونالد ريغان (الممثل الوحيد الذي انتقل إلى البيت الأبيض رئيساً) التي يقول فيها «قل لا للمخدرات» ما زالت مرجعاً (استخدمها فيلم «صنع أميركي» لدوغ ليمان، 2017).
خلال ذلك كانت المخدرات حقل تجاذب بين أفلام عصابات كثيرة بدأت عبر «العراب» لفرنسيس فورد كوبولا (1972) وما تلاه على نسقه من أفلام مثل «مات الدون» و«أوراق فالاتشي» و«ذا فرنش كونكشن».
لكن اللافت فعلاً أن طريق «العراب» لتقديم عائلة مافياوية لا تتورع عن القتل واستخدام النفوذ، وفي الوقت نفسه إثارة الإعجاب بها (وهو ما فعلته رواية ماريو بوتزو والفيلم جيداً) هو فصلها عن الاتجار بالمخدرات.
في الواقع، هناك ذلك المشهد المهم الذي يقف فيه مارلون براندو (في دور دون فيتو كاروليوني) خطيباً في لقاء شمل عصابات الولايات الأميركية المختلفة يقول فيه إنه إذ يترك العصابات الأخرى حرة فيما تقوم به إلا أنه لن يتعامل مع المخدرات ولن يسمح لأحد أن يتعامل معها في المناطق الخاضعة له.
«ذا فرنش كونكشن» («الاتصال الفرنسي» للمخرج ويليام فريدكن (1971) كان حول التحري (الفعلي) جيمي دويل (مثله جين هاكمن) الذي يلاحق أكبر تاجر مخدرات (فرناندو راي) ويده اليمنى (مارسل بيزوفي). لكن الفيلم لم يكن في فعله عن الحرب ضد المخدرات كمنهج، بل عن هوس التحري الشخصي في النيل من تاجر المخدرات، مما قلب الفيلم إلى تشويق بوليسي لا يعالج وضعاً اجتماعياً.
على ذلك، هو وتاريخ إنتاجه، يمثلان عناصر تلك الجبهة التي نشطت هوليوود في إنتاجها وشملت الكثير من الأفلام بما فيها أفلام البطولة السوداء مثل «شافت» و«سوبرفلاي» و«كليوباترا جونز».
لكن هوليوود ذاتها أقدمت على قرار غير ملزم بالامتناع عن تصوير أبطالها وهم يدخنون السجائر (العادية). بالتأكيد هي طامة صحية كبيرة لكن في الوقت الذي قامت فيه الاستوديوهات بالحد من تصوير أبطال أفلامها يدخنون رفعت نسبة المشاهد الذي نجد فيها أخياراً وأشراراً (ورماديين) يتعاطون شم الكوكايين كما لو أن هذا لا يساهم في نشر الرغبة في التجربة، والتجربة تتحوّل إلى إدمان بالفعل.
في «صنع أميركي» (2017) تبرز ناحية أخرى من هذا الموقف المزدوج: توم كروز هو طيار مدني (والشخصية وبعض الأحداث حقيقي) ينتقل للعمل لحساب المخابرات الأميركية التي توفر له طائرة صغيرة لنقل الوثائق والأسلحة للعصابات اللاتينية ومنها. بعد ذلك يجد أنه يستطيع زيادة دخله من خلال نقل الكوكايين.
ما يوفره الفيلم في الأساس هو شخصية رمادية لإنسان مارس الجريمة لكن معالجة الفيلم له تبقى كما لو أن الجريمة مباحة ومقبولة طالما أن بطل الفيلم (توم كروز) لا يمكن له تمثيل الشخصية بدكانة أفعالها.
هذا المبدأ ساد فيلم أوليفر ستون «وول ستريت: المال لا ينام»، حيث الشخصيات البطولية تبرر قيامها بالمضاربات غير المشروعة في البورصة، كما فيلم مارتن سكورسيزي «ذئب وول ستريت» (2013) الذي يتم تصوير بعض شخصياته الرئيسية (بما فيها الشخصية التي يؤديها ليوناردو ديكابريو المقتبسة عن شخصية حقيقية بطلها جوردان بلفورت) وهي تتعاطى الكوكايين. لكن وعلى الرغم من ممارسات تلك الشخصية غير القانونية (التسبب في نهب مضاربين وبناء ثروة والتهرب من دفع الضرائب، ناهيك بالإدمان) فإن الفيلم لا يجرؤ خدش الشخصية الحقيقية أكثر من اللازم ولا تقديم صورة داكنة تماماً لبطله ديكابريو.
لا أحد ذهب إلى العمق الذي بادر إليه آل باتشينو في «الذعر في نيدل بارك» أو في فيلمه المهم الآخر «سكارفايس» (Scarface) الذي أخرجه برايان دي بالما سنة 1983. في ذلك الفيلم الذي يحكي قصة مهاجر كوبي انضم لعصابة لاتينية ثم قتل زعيمها ليستولي على القرار. لم يتعامل المخرج مع شخصيته برأفة ولا قام آل باتشينو بتقديم شخصيته كما لو كانت ضحية. كلاهما ذهب إلى الحد الأقصى في تصوير عالم الجريمة والإدمان ووصمهما من دون حسابات أخرى.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».