العد العكسي لقيادة المرأة السعودية للسيارة بدأ...

TT

العد العكسي لقيادة المرأة السعودية للسيارة بدأ...

«متحمسة جداً ليوم الأحد، ولا أكاد أصدق أنه سيحدث» تلك كانت جملة لسحر حسن نصيف عبّرت بها عن تشوقها لسريان قرار السماح للمرأة السعودية بالقيادة. لم تكن مشاعر خاصة بسحر وحدها؛ فالكثيرات يعبّرن عن السعادة والاستعداد للانطلاق بسياراتهن يوم الأحد في شوارع المدن السعودية، كثيرات قلن إنهن سيصطحبن أفراداً من عائلاتهن، تقول سميرة الغامدي، اختصاصية نفسية ووجه إعلامي معروف، إنها ستأخذ والدتها معها في أول مرة تقود فيها السيارة.
ويوم الأحد ولتدشين قرار السماح للمرأة بالقيادة سيقام مؤتمر صحافي لإدارة المرور بالرياض يحضره إعلاميون من جميع أنحاء العالم، منهم صحافيون من صحيفة «نيويورك تايمز» ومن محطة «بي بي سي» ومن صحف ألمانية، وغيرها.
ومن جانب الاستعدادات الحكومية التي تجري على قدم وساق، فقد أعلن بالأمس تخريج الدفعة الأولى من المحققات لإدارة الحوادث، التي تمت بالتعاون بين شركة «نجم» وإدارة المرور بالسعودية.
وكانت شركة «نجم» قد أعلنت بعد أن استكملت جهوزيتها لاستقطاب وتدريب الكوادر النسائية، فتح باب التوظيف أمام النساء في وظائف محققات في الشركة لمباشرة الحوادث المرورية. واشترطت الشركة ثلاثة عناصر لقبول السعوديات للعمل محققات ميدانيات ومباشرة الحوادث، هي: إتقان اللغات، وخلو سجل المتقدمة من السوابق الجنائية، وقبول المتقدمة لنظام الدوام الصباحي والمسائي.
كما انطلقت في عدد من مدن المملكة حملة «توكلي وانطلقي» التي تقدم للنساء محاضرات وفعاليات تعليمية لأساسيات القيادة وتجربتها، واشترك في تنظيم الحملة مع إدارة المرور، شركة الاتصالات وشركة «أرامكو»، وغيرها من الجهات الحكومية والمؤسسات الأهلية.
وتهدف الفعاليات التي تصاحب بدء تطبيق نظام المرور ولائحته التنفيذية على كل من الرجال والنساء، إلى تعريف السيدات المقبلات على قيادة المركبات بقواعد الأمن والسلامة المرورية على الطرق؛ بغية كسر حاجز الخوف والرهبة لديهن من القيادة، واستخدام أجهزة المحاكاة الإلكترونية، فضلاً عن نشر الثقافة المرورية بين الزائرات، وتعريفهن بتفاصيل المركبات الميكانيكية وقواعد صف السيارة، من خلال بعض الاستعراضات التعليمية والترفيهية. وسجلت الفعاليات في الرياض وتبوك إقبالاً واضحاً من السيدات اللواتي قمن بالقيادة عبر أجهزة للمحاكاة.
وفي حين اتجهت بعض النساء لـ«تويتر» لتشجيع الأخريات لمواجهة رهبة القيادة لأول مرة، قام بعض المغردين من الرجال بنشر مقاطع مصورة ونصائح للسيدات حول أهم قواعد القيادة والمواقف التي تستدعي التصرف السريع. تعلق سحر نصيف على ذلك بقولها، إن «هناك الكثير من الرجال الداعمين للمرأة يشجعونها على القيادة، وهناك آخرون يحاولون بث الإحباط بيننا، لكننا لن نتأثر بذلك». مضيفة: إن السيدات اللواتي حصلن على الرخص أخيراً تعلمن القيادة بأسلوب علمي صحيح؛ وهو ما سينعكس على قيادتهن. وأضافت: إن من أهم الأمور التي ستعطي النساء دفعة قوية هو إقرار قانون التحرش الذي سيطبق بحق كل من يتعرض للسائقات، سواء في الشارع أو على منصات وسائل التواصل الاجتماعية، والتحذيرات من تصوير قائدات السيارات للتهكم عليهن في وسائل التواصل الاجتماعي.


مقالات ذات صلة

سيدات النصر... ذهب «الآسيوية» يبدأ بخطوة

رياضة سعودية المدرب عبدالعزيز العلوني يوجه لاعبات النصر خلال التدريبات (النصر)

سيدات النصر... ذهب «الآسيوية» يبدأ بخطوة

تتأهب كرة القدم النسائية الآسيوية لبدء مرحلة جديدة، تتمثل في انطلاق الأدوار التمهيدية المؤهلة لمرحلة المجموعات في دوري أبطال آسيا بنسخته الأولى، الذي يعد أحدث

لولوة العنقري (الرياض)
رياضة سعودية نزال السيف مع المصرية ندى فهيم كان بمثابة ميلادها الرسمي في أقفاص القتال (الشرق الأوسط)

هتان السيف... فتاة «الركلة الحديدية» وأيقونة القتال السعودية

في فترة وجيزة، استطاعت لاعبة فنون القتال السعودية هتان السيف، وضع بصمتها على أقفاص البطولات الدولية، لتخطف إعجاب الملايين من عشاق اللعبة داخل المملكة وخارجها،

فهد العيسى (الرياض)
رياضة سعودية هتان لحظة دخولها القفص في نزالها مع المصرية إيمان (الشرق الأوسط)

هتان تفي بوعدها وتهدي السعودية فوزاً جديداً في «الفنون القتالية»  

أوفت اللاعبة السعودية هتان السيف بوعدها، وأهدت بلادها فوزاً جديداً، على صعيد مشاركاتها الدولية، وذلك على حساب منافستها المصرية إيمان بركة.

لولوة العنقري (الرياض )
رياضة سعودية مشاعل العايد ستمثل السباحة السعودية في الألعاب الأولمبية (الاتحاد السعودي للسباحة)

مشاعل العايد... أول سباحة سعودية تقتحم مياه «الألعاب الأولمبية»

سيشهد أولمبياد باريس المقبل حدثاً تاريخياً، هو الأول من نوعه على مستوى الرياضة السعودية، وذلك عندما تشارك السباحة مشاعل العايد ممثلة للبعثة الخضراء ضمن 10 لاعبي

بشاير الخالدي (الرياض)
رياضة سعودية نجلاء خلال إدارتها إحدى المواجهات في البطولة الآسيوية بالرياض (الشرق الأوسط)

نجلاء النعيمي: إدارتي نهائي «السنوكر» الآسيوي أشعرني بالفخر

سطّرت الحكمة السعودية «الدولية» نجلاء النعيمي اسمها بأحرف من ذهب في تاريخ لعبة السنوكر، كونها أول سيدة عربية وخليجية تُدير نهائياً قارياً، وذلك من خلال البطولة

لولوة العنقري (الرياض)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)