"كرة القدم لعبة بين 22 لاعبا يطاردون الكرة لمدة 90 دقيقة وفي النهاية يفوز الألمان"... غاري لينيكر مهاجم إنجلترا بعد هزيمة بلاده أمام ألمانيا في قبل نهائي كأس العالم 1990.
لم يكن لينيكر يبالغ في الأمر لكنه كان يتحدث عن الاستمرارية وحفاظ ألمانيا على مستواها بغض النظر عن أي عوامل.
ألمانيا مع البرازيل هما فقط من شاركا في جميع نسخ كأس العالم عند دخول التصفيات فهي لم تذهب إلى النسخة الأولى في أوروغواي في 1930 بسبب صعوبة سفر المنتخبات الأوروبية إلى أميركا الجنوبية.
وفي 1950 تم حظر مشاركتها عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية بإعلان استسلامها.
لكن منذ 1954 وحتى النسخة الماضية في البرازيل كانت ألمانيا هي الوحيدة التي حصدت المركز الثالث على الأقل في كل عقد وفي 2014 أصبحت صاحبة الرقم القياسي ببلوغ الدور قبل النهائي للمرة الرابعة على التوالي.
ففي 18 مشاركة (المرة 19 ستكون في روسيا) بلغت الدور قبل النهائي على الأقل في 13 مناسبة وتتفوق في ذلك على البرازيل وهي الوحيدة التي لم تغب عن كأس العالم على الإطلاق وأحرزت اللقب أربع مرات.
وكانت أخر مرة فشلت في عبور دور الثمانية في 1998 وكان ذلك للمرة الثانية على التوالي لتبدأ التفكير في مشاكلها بعد ثماني سنوات تعتبرها سيئة مع المدرب بيرتي فوجتس على الرغم من حصد لقب يورو 1996 والهزيمة في نهائي يورو 1992.
وقال لوتار ماتيوس قائد ألمانيا الفائز بكأس العالم 1990 قبل انطلاق البطولة في جنوب افريقيا في 2010 "ألمانيا تفتقر للإبداع الفردي الذي يمكن أن يحسم المباريات وهذا واضح منذ سنوات. لكن الاحترام الذي يظهره المنافسون يجعلها خطيرة للغاية".
ولا تعتمد ألمانيا على لاعب أو اثنين فعلى سبيل المثال عند الحديث عن البرازيل يمكن التفكير في عشرات اللاعبين البارزين مثل بيليه وروماريو وريفالدو ورونالدينيو ورونالدو والآن نيمار وفي الأرجنتين لا يمكن التفكير سوى في مارادونا وميسي عند الحديث عنها وهناك زيدان في فرنسا وشابي وأندريس إنيستا في إسبانيا.
لكن عند الحديث عن ألمانيا فأول ما ستتذكره هو الماكينات فعلى مر العصور ربما ظهر لاعب أو اثنين يملكون المهارة لكن في النهاية ستتذكر الأداء الجماعي.
ويمكن الحديث عن أسباب تفوق المانيا وحفاظها على نتائجها المعتادة بالنسبة لها في كأس العالم والمبهرة للعديد من الدول.
الأندية
يبلغ عدد الأندية في المانيا نحو 26 ألف ناد وتملك 34970 مدربا ولا يتفوق عليها في ذلك سوى إسبانيا.
وتهتم ألمانيا بشكل خاص بأكاديميات الناشئين فالاتحاد الألماني وضع شرطا لكل الأندية الرسمية بأن تكون لها مدارس للناشئين لو أرادت الحفاظ على رخصتها.
ونتج عن ذلك وجود قاعدة كبيرة من الناشئين والمدربين صغار السن وأشار توماس توخيل مدرب بروسيا دورتموند السابق وباريس سان جيرمان الحالي إلى أن ذلك يفتح الطريق أمام المدربين للاعتماد على الشبان الذين سبق لهم تدريبهم في مراحل سابقة.
ففي المنتخب الحالي سنجد أن المهاجم تيمو فيرنر شارك في الدوري الالماني للمرة الأولى في موسم 2013-2014 وهو بعمر 17 عاما وخاض حتى الآن أكثر من 150 مباراة وفي الدفاع شارك نيكلاس زوله في أكثر من 100 مباراة قبل أن ينتقل من هوفنهايم إلى بايرن ميونيخ.
وفي موسم 2017-2018 شارك 472 لاعبا في الدوري من بينهم 212 من أصول المانية وهو ما يمثل 45% من عدد اللاعبين بالبوندزليغا.
وفي النهاية يحتاج المنتخب 23 لاعبا لذا فيصبح من السهل على المدرب يواخيم لويف أن يحصل على مبتغاه.
الخطط والقوة البدنية
في السابق كان يكفي عند ذكر المانيا في كأس العالم التفكير في القوة البدنية فقط للاعبيها لكن بعد الفترة الكارثية من 1998 وحتى 2004 عندما ودعت يورو 2000 و2004 من الدور الأول وبلغت نهائي كأس العالم 2002 بسبب ضعف المنافسين بدأ التفكير في كيفية إعادة بناء منتخبات الناشئين والشباب.
عندما تولى يورغن كلينسمان تدريب ألمانيا في 2004 ومعه مساعده لويف المدرب الحالي للمنتخب بدأ التفكير في توحيد طريقة اللعب على مستوى جميع المنتخبات.
ويفضل لويف اللعب بطريقة 4-2-3-1 لذا سنجد أن هذه الطريقة تعتمدها جميع المنتخبات الالمانية ولا تهتم بنتائج هذه المنتخبات الصغيرة في البطولات الاوروبية أو كأس العالم بل كل ما يهم هو فهم وحفظ وتطبيق هذه الطريقة.
وأدى ذلك إلى نضج خططي لدى اللاعبين الألمان فمن يشاهد مواجهتي فرنسا والبرازيل في البطولة الماضية لن يجد صعوبة في فهم الأمر.
ففي مواجهة فرنسا كانت ألمانيا تعلم أنها أمام منتخب أسرع منها لكنها يعاني في التعامل مع الكرات العرضية والدفاع المحكم.
لذا فأول ما فعله لويف هو تعمد الإيقاع البطيء والاعتماد على تمريرات توني كروس ومنها أحرز ماتز هوملز هدف الفوز لكن ضد البرازيل لعبت ألمانيا بإيقاع سريع وضغط متقدم لتجد نفسها متقدمة 5-صفر في أقل من نصف ساعة على صاحبة الأرض قبل أن تنهي المباراة 7-1.
حضور الجماهير والتخطيط
من بين أكثر 20 ناديا من ناحية الحضور الجماهيري في الموسم في بطولات الدوري الاوروبية تملك ألمانيا تسعة منها وفي موسم 2016-2017 كانت ألمانيا في صدارة متوسط الحضور الجماهيري في كل مباراة في بطولات الدوري الكبرى في اوروبا.
هذا يعني أن اللاعبين الالمان اعتادوا على خوض المباريات المهمة أمام أعداد كبيرة من الجماهير لذا فعند الانضمام إلى المنتخب لا يشعرون بالرهبة والقلق.
لكن العامل الأهم في تفوق الكرة الالمانية هو التخطيط وهو أمر اشتهرت به منذ زمن بعيد وربما كانت الفترة من 1996 وحتى 2004 هي الأسوأ عندما لم تهتم بالناشئين.
فالفريق الذي خرج من الدور الأول في يورو 2000 لم يكن به سوى سيباستيان دايزلر ومايكل بالاك تحت 25 عاما مقابل عشرة لاعبين فوق 30 عاما.
فكانت أول ما فعلته المانيا منذ ذلك الحين وحتى يورو 2016 عندما خرجت من الدور قبل النهائي أمام فرنسا هو تأسيس 52 مركزا للناشئين في جميع أنحاء البلاد.
كما أطلق الاتحاد الالماني برنامج المواهب بالتعاون مع الأندية المحلية وبعدما كانت ميزانيته 48 مليون يورو وصل الرقم الآن إلى أكثر من 80 مليونا.
لكن يبدو أن ذلك ليس كافيا بالنسبة لأوليفر بيرهوف صاحب هدف الفوز بيورو 1996 الذي قال في مارس آذار أن المانيا بحاجة لتطوير تام للحفاظ على مكانتها كبطل للعالم.
وأضاف "أعتقد أننا قمنا بعمل جيد في كرة القدم الألمانية فنحن أبطال كأس القارات وفزنا ببطولة أوروبا تحت 21 عاما لكن لا يجب أن نكتفي بالاهتمام بهذا الجيل".
وتابع "يجب النظر إلى تطورنا، لا يجب أن تكون خبيرا لتعرف أننا بحاجة لقطع الخطوة الكبيرة المقبلة، رد فعلنا يجب أن يكون سريعا، يجب منح المدربين الخبرة اللازمة".