«الديوان» يجمع قبائل سيناء على مائدة إفطار

عادة توارثها البدو في الشهر الفضيل

عقب تناول الإفطار يبدأ تناول الشاي ثم القهوة العربية وتستأنف السهرة بعد أداء صلاة التراويح
عقب تناول الإفطار يبدأ تناول الشاي ثم القهوة العربية وتستأنف السهرة بعد أداء صلاة التراويح
TT

«الديوان» يجمع قبائل سيناء على مائدة إفطار

عقب تناول الإفطار يبدأ تناول الشاي ثم القهوة العربية وتستأنف السهرة بعد أداء صلاة التراويح
عقب تناول الإفطار يبدأ تناول الشاي ثم القهوة العربية وتستأنف السهرة بعد أداء صلاة التراويح

إشعال النار في حزمة حطب من جذوع وأعواد أشجار يابسة عصر كل يوم في رمضان، عادة لا يتركها الرجل الستيني سليمان حامد السواركة، مطلقا إشارة مراسم إفطار رمضان في مجلسه البدوي المكون من ساحة مبنية من الخرسانة تتقدم واجهتها «عريشة» من جريد النخل أمامها متسع فضاء محاط بسور ارتفاعه متران في منطقة غرب مدينة العريش، شمال شرقي القاهرة.
انطلاق إشارة سليمان، تدفع «عليان»، و«سالم» و«محمود»، وهم من أبناء عمومته للحضور فور مشاهدتهم الدخان الأبيض، وهو يتصاعد في عنان السماء من قاعدة النار التي أطلق شرارتها في موضع إشعالها وسط ساحة الديوان، بينما هو يتابع قطع الجذوع واللهب يلاحقها ويحولها رويدا رويدا لجمر، ليبدأ الدفع بأدوات طبخ القهوة العربية والشاي في أتونها، ولسان حاله يردد مثلا شعبيا في سيناء يقول: «النار تورى والطريق تجيب»، أي أن مشاهد اشتعال النار من بعيد تدل على المكان ليحضر إليه عابرو السبيل، بينما تصل بهم الطريق للمكان، وخلال فترة وجيزة يكتمل حضور كل رجال عائلته التي تقع منازلهم حول الديوان وعددهم نحو 19 شخصا يسارع كل فرد منهم بإنهاء مهمة من مهام التجهيز للإفطار، ما بين إعادة تنظيف المكان وتجهيز المساند التي يتخذها كبار السن والضيوف متكأ لهم، وما بين إعادة غسيل أدوات القهوة والشاي، وإحضار موائد الإفطار الخشبية التي سيتناول عليها رجال المكان طعام إفطارهم برفقة ضيوفهم وعابري السبيل وأبنائهم الذكور من كل الأعمار.
وتعتبر الدواوين هي عنوان وواجهة للعائلات والعشائر البدوية في صحراء سيناء، وتقيم كل عائلة ديواناً خاصاً بها، يشهد في شهر رمضان من كل عام أهم عادة يتوارثها بدو سيناء ويحافظون عليها في مناطق مساكنهم كافة خارج المدن، وهي إفطار الرجال في الدواوين على مائدة واحدة وقضائهم سهرات رمضان فيها.
قال سليمان حامد لـ«الشرق الأوسط»، إنهم يحرصون على عادة إفطار رمضان في ديوانهم بلا تكلف، ويعتمدون على نظام تلقائي في التكافل الاجتماعي، حيث يتعاونون في تكاليف مشروبات الشاي والقهوة كافة، وكل يحضر إفطاره من منزله، ويضعون كل الطعام على مائدة واحدة يلتفون حولها جميعهم بعد أداء صلاة المغرب في المسجد المجاور للديوان، ومعهم يتناول الضيوف وعابرو السبيل الطعام، والأسعد حظا من بينهم من يحضر ضيفا.
أضاف أنه عقب تناول الإفطار، يبدأون في تناول الشاي، ثم القهوة العربية، ويستأنفون سهرتهم بعد أداء صلاة التراويح، ويواصل البعض منهم السهر حتى موعد السحور.
من جانبه، قال حامد زايد، مدرس، 45 سنة، لـ«الشرق الأوسط»: «في شهر رمضان لا نعرف سوى الإفطار في الديوان، لأننا كبدو نعتبر أنه من العيب المخالف للأعراف أن يتناول الرجل طعامه في بيته، وفى العادة يحضر الرجل مبكرا للديوان، للمساهمة في التحضيرات للإفطار، والقيام بدوره، وقبيل الإفطار بدقائق، يلحق به أبناؤه الذكور حاملين في أيديهم أطباق الإفطار وأواني شراب من العصائر، وإذا كان الرجل منهم لا يوجد في بيته أبناء ذكور، فيعود لمنزله ويحضر بنفسه إفطاره، أو تقوم زوجته بنقله حتى مسافة قريبة من الديوان ويستكمل هو مهمة إحضاره.
وأشار محمد علي، شاب جامعي من قبيلة الدواغرة بنطاق مركز بئر العبد، أنه رغم فقدانه والده فهو حريص على أن يشارك كل رمضان أعمامه، طعام الإفطار الذي تعده له والدته.
وأضاف أن «السيدات يفتخرن بإعدادهن لطعام الإفطار، ويكن غير سعداء إذا رجعت الأطباق وفيها بقايا طعام، موضحا أن طعام البدو لا يزال بسيطا، يعتمد في الغالب على خبز الفراشيح، وهي أرغفة تطهى على الصاج، وتقدم مع أطباق الخضراوات المطهية، أو تصنع منها آكلات قديمة منها فتة اللحم المسجى على واجهتها الأرز، أو الفتة في خضراوات مطبوخة ومنها البامية».
وقال: ياسر صبيح، 50 سنة، ويعمل مزارع، لـ«الشرق الأوسط»، إنه في النصف الثاني من شهر رمضان تخصص ليلة يقوم فيها أحد الرجال بإفطار كل الحضور، ولكل شخص حرية ما يقدمه من طعام إفطار وفق إمكانياته، ويعتبرها كثير منهم مناسبة ينتظرها في كل رمضان ويعد لها إعدادا جيدا، لذلك تجد أنه لا يفوت أحد أن تكون مائدته عامرة، ويقوم بنحر خروف أو أكثر، ولا يكتفي بإطعام من هم في المجلس بل يعتبرها وليمة «لله» يدعو لها كل أصدقائه ومعارفه البعيدين في المسكن، كما يدعو في منزله لها كل أرحامه من شقيقاته وعماته وخالاته.


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

الشماغ السعودي في ذروة مواسم بيعه

بائع يستعرض عشرات الأنواع من الشماغ الذي يبلغ أعلى مواسمه البيعية في آخر رمضان (الشرق الأوسط)
بائع يستعرض عشرات الأنواع من الشماغ الذي يبلغ أعلى مواسمه البيعية في آخر رمضان (الشرق الأوسط)
TT

الشماغ السعودي في ذروة مواسم بيعه

بائع يستعرض عشرات الأنواع من الشماغ الذي يبلغ أعلى مواسمه البيعية في آخر رمضان (الشرق الأوسط)
بائع يستعرض عشرات الأنواع من الشماغ الذي يبلغ أعلى مواسمه البيعية في آخر رمضان (الشرق الأوسط)

أفصح مختصون في نشاط صناعة واستيراد الشماغ السعودي عن بلوغ هذا الزي التقليدي الرسمي أعلى مواسم البيع السنوية، مسجلاً مبيعات تُقدَّر بنحو 900 مليون ريال سنوياً، كاشفين عن توجهات المستهلكين الذين يبرز غالبيتهم من جيل الشباب، وميلهم إلى التصاميم الحديثة والعالمية، التي بدأت في اختراق هذا اللباس التقليدي، عبر دخول عدد من العلامات التجارية العالمية على خط السباق للاستحواذ على النصيب الأكبر من حصة السوق، وكذلك ما تواجهه السوق من تحديات جيوسياسية ومحلية.
ومعلوم أن الشماغ عبارة عن قطعة قماش مربعة ذات لونين (الأحمر والأبيض)، تُطوى عادة على شكل مثلث، وتُلبس عن طريق وضعها على الرأس، وهي لباس تقليدي للرجال في منطقة الخليج العربي وبعض المناطق العربية في العراق والأردن وسوريا واليمن، حيث يُعد جزءاً من ثقافة اللبس الرجالي، ويلازم ملابسه؛ سواء في العمل أو المناسبات الاجتماعية وغيرها، ويضفي عليه أناقة ويجعله مميزاً عن غيره.
وقال لـ«الشرق الأوسط»، الرئيس التنفيذي لـ«شركة الامتياز المحدودة»، فهد بن عبد العزيز العجلان، إن حجم سوق الأشمغة والغتر بجميع أنواعها، يتراوح ما بين 700 و900 مليون ريال سنوياً، كما تتراوح كمية المبيعات ما بين 9 و11 مليون شماغ وغترة، مضيفاً أن نسبة المبيعات في المواسم والأعياد، خصوصاً موسم عيد الفطر، تمثل ما يقارب 50 في المائة من حجم المبيعات السنوية، وتكون خلالها النسبة العظمى من المبيعات لأصناف الأشمغة المتوسطة والرخيصة.
وأشار العجلان إلى أن الطلب على الملابس الجاهزة بصفة عامة، ومن ضمنها الأشمغة والغتر، قد تأثر بالتطورات العالمية خلال السنوات الماضية، ابتداءً من جائحة «كورونا»، ومروراً بالتوترات العالمية في أوروبا وغيرها، وانتهاء بالتضخم العالمي وزيادة أسعار الفائدة، إلا أنه في منطقة الخليج العربي والمملكة العربية السعودية، فإن العام الحالي (2023) سيكون عام الخروج من عنق الزجاجة، وسيشهد نمواً جيداً مقارنة بالأعوام السابقة لا يقل عن 20 في المائة.
وحول توجهات السوق والمستهلكين، بيَّن العجلان أن غالبية المستهلكين للشماغ والغترة هم من جيل الشباب المولود بين عامي 1997 و2012، ويميلون إلى اختيار التصاميم والموديلات القريبة من أشكال التصاميم العالمية، كما أن لديهم معرفة قوية بأسماء المصممين العالميين والماركات العالمية، لافتاً إلى أن دخول الماركات العالمية، مثل «بييركاردان» و«إس تي ديبون» و«شروني 1881» وغيرها إلى سوق الأشمغة والغتر، ساهم بشكل فعال وواضح في رفع الجودة وضبط المواصفات.
وأضاف العجلان أن سوق الملابس كغيرها من الأسواق الاستهلاكية تواجه نوعين من المشكلات؛ تتمثل في مشكلات جيوسياسية ناتجة عن جائحة «كورونا» والحرب الروسية الأوكرانية، ما تسبب في تأخر شحن البضائع وارتفاع تكاليف الشحن وارتفاع الأسعار بسبب التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، بينما تتمثل المشكلات المحلية في انتشار التقليد للعلامات العالمية والإعلانات المضللة أحياناً عبر وسائل الاتصال الاجتماعي.
من جهته، أوضح ناصر الحميد (مدير محل بيع أشمغة في الرياض) أن الطلب يتزايد على الأشمغة في العشر الأخيرة من شهر رمضان من كل عام، ويبدأ الطلب في الارتفاع منذ بداية الشهر، ويبلغ ذروته في آخر ليلتين قبل عيد الفطر، مضيفاً أن الشركات تطرح التصاميم الجديدة في شهر شعبان، وتبدأ في توزيعها على منافذ البيع والمتاجر خلال تلك الفترة.
وأشار الحميد إلى أن سوق الأشمغة شهدت، في السنوات العشر الأخيرة، تنوعاً في التصاميم والموديلات والماركات المعروضة في السوق، وتنافساً كبيراً بين الشركات المنتجة في الجودة والسعر، وفي الحملات التسويقية، وفي إطلاق تصاميم وتطريزات جديدة، من أجل كسب اهتمام المستهلكين وذائقتهم، والاستحواذ على النصيب الأكبر من مبيعات السوق، واستغلال الإقبال الكبير على سوق الأشمغة في فترة العيد. وبين الحميد أن أكثر من نصف مبيعات المتجر من الأشمغة تكون خلال هذه الفترة، مضيفاً أن أسعارها تتراوح ما بين 50 و300 ريال، وتختلف بحسب جودة المنتج، والشركة المصنعة، وتاريخ الموديل، لافتاً إلى أن الشماغ عنصر رئيسي في الأزياء الرجالية الخليجية، ويتراوح متوسط استهلاك الفرد ما بين 3 و5 أشمغة في العام.