«الشرق الأوسط» في مهرجان كان السينمائي 12 : انتهى «كان»... فحطت سينما المسلسلات

«ديدبول 2» ضد «أفنجرز»... و«صولو» ضدهما معاً

TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان كان السينمائي 12 : انتهى «كان»... فحطت سينما المسلسلات

انتهى مهرجان «كان» بجوائزه وأتاح للهواة الالتفات إلى يوميات حياتهم المعتادة مرّة أخرى، بدأت تتراءى الآن إخفاقات البعض في تسجيل نجاح ما على شاشة أكبر مهرجانات الدنيا في مقابل عودة الحديث عن السينمات التي لا تحتاج لمهرجانات.
- أزقة وحوارات
في أيامه الأخيرة، وبعد أكثر من أسبوع على سلسلة من العروض المضجرة، نهض بمستوى عروضه وإن لم يكن بقيمتها الإجمالية. عرض فيلم نادين لبكي الجديد «كفرناحوم» الموزع بين حسنات وسيئات متساوية. من ناحية هو فيلم جيّـد في مستويات فنية لا تخترق سقف الإجادة، ومن ناحية أخرى هو فيلم يميل للادعاء والفبركة. يكفي تكبير صورة حي صغير ما ومعالجته كومبيوترياً ليبدو كما لو أنّ بيروت كلها عبارة عن أكواخ وزرائب.
هذا ورد في «مليونير العشوائيات» لداني بويد بشكل مقنّع كون أحداثه تقع في مدينة هندية، كل حي منها بحجم مدينة بيروت ذاتها. لكن عند لبكي الصورة مكبّـرة على لا شيء فعلي على الرّغم من أنّها ترجمت شعورها السينمائي بأنّ ذلك هو المطلوب لإيصال رسالة اجتماعية مناسبة.
فيلم «كفرناحوم»، على ذلك، عمل ناجح وشركة صوني كلاسيكس التي اشترت من لبكي فيلمها السابق، تحمّست واشترت حقوق الفيلم لأميركا الشمالية. لكن من بين الأفلام القليلة التي تلته في العروض، عملان آخران لهما الوقع ذاته: جيد في التشكيل وضعيف في المضمون.
أحدهما هو الفيلم التركي «شجرة الإجاص البري» لنوري بيلج شيلان وأحد الزملاء من النّقاد راهن على أنّه سيكون أفضل ما عرضه المهرجان في دورته. لكنّ النتيجة خاوية. دراما حول شاب يؤلف كتاباً (بعنوان الفيلم) وينشره بعد ساعتين ونيف من بدء الفيلم الذي تصل مدة عرضه إلى ثلاث ساعات. ما سبق ذلك هو مشاهد تقع (في معظمها) بالبلدة الصغيرة التي يقطن فيها مع والديه. هو لا يؤمن كثيراً بمستقبله وأقلّ من ذلك بحسنات أبيه والمحور العائلي يزداد ترسخاً مع استمرار الوضع في تكرار لا يؤدي إلى إضافات. مع كم من الحوار يملأ المسامع ولا يتوقف... عشر دقائق حوار... ربع ساعة حوار... وهناك مشهد حسبت دقائقه: 25 دقيقة حوار.
يحق للزّميل تفاؤله لأنّ شيلان كان نجماً من نجوم المهرجان الفرنسي أكثر من مرّة وهناك العديد من المعجبين به، لكن هذه هي ثمار الشجرة التي زرعها في هذه الدورة وكانت بلا طعم.
الفيلم الآخر «الرجل الذي قتل دون كيشوت» للأميركي الذي يعيش ويعمل في بريطانيا تيري غيليام. ردّد قبل العرض وبعده وربما خلاله أنّه أمضى 25 سنة في تحقيقه. عند مطلع الفيلم يذكر ذلك. يتفاءل المرء راغباً في مشاهدة عمل تجاوز كل المعيقات والمصاعب ومنح المخرج وقتاً طيباً لكي يسدّ ثغراته المحتملة. لكنّ غيليام الأمس لا يزال غيليام اليوم: مشاهد معجوقة ومشغولة ببعض الإتقان، لكن لا شيء داخلها (وداخل الفيلم بالتالي)، له روح قادرة على الوصول إلى ما بعد تيري غيليام ذاته.
- إنقاذ الكون
بعيداً عن كان، وفي العاصمة الإنتاجية الأولى هوليوود، لا شيء مما ورد أعلاه يهم. ملايين البشر يؤمون العروض التجارية وموسم الصيف يبدأ بثلاثة أفلام، اثنان منها ينجزان المتوقع من نجاحهما. الثالث سيهبط للعروض في أيام، لكنّ كل التوقعات هي أنّه سيلتهم الفيلمين الآخرين ويتبوأ مركزاً متقدماً بين كل ما سيعرض خلال هذا الموسم.
الثلاثة تنتمي إلى مسلسلات. النوع الذي يمكن لهوليوود المراهنة على أنّه سيملأ جيوب منتجيها بالمال وحب الحياة.
أولها وصولاً إلى الشاشات كان «أفنجرز: حرب أبدية» لأنطوني وجو روسو. انطلق مدوياً: 258 مليون دولار في أسبوعه الأولى. مليار و610 ملايين في عروضه العالمية حتى فجر يوم أمس. هذا يوازي ما أنجزه الجزء السابق «أفنجرز: عصر الترون» سنة 2015 وقريب من الفيلم الأول من السلسلة «ذا أفنجرز» (2012).
حسنة أكيدة في هذا الجزء هو أنّه لا يتعب من تكرار مشاهد القتال وفصول الحروب وبأفضل طريقة لاهثة ممكنة. المخرجان الشقيقان يؤكّدان على جوهر هذا النوع من الأفلام: مشاهد قتال متوالية لا يفصل بينها إلّا التحضير للمعركة التالية. تلك الاستراحات مملوءة بالشخصيات وتنوّعاتها إذ لدينا نحو 16 «سوبرهيرو» كل واحد يريد احتلال ركنه المتميز، ولو أنّ الصّف الأول محجوز لثلاثة منهم هم كابتن أميركا (كريس إيفانز) وثور (كريس همسوورث) وآيرون مان (روبرت داوني جونيور).
غالبية الباقين من مالئي الكراسي في حفل كهذا ومن بينهم توم هولاند وشادويك بوزمان وبندكت كمبرباتش.
المهمّـة كالعادة هي إنقاذ الكون بكامله.
وإذا كنت متابعاً جيداً لسينما الكوارث والرّعب والخيال العلمي والفانتازيا ستلحظ أنّ المهمّـة المذكورة كانت في حدود بلدات وسط أميركية صغيرة في الخمسينات، ثم اتسعت لتشمل مدناً كبيرة. هذا لم يكن كافياً فأصبح التهديد بالدمار والانطلاق للإنقاذ يخص كل الولايات المتحدة. ومع أنّه في كل مرّة يخرج الأبطال منتصرين وقد قضوا على العدو وشرّه، إلّا أنّ الأعداء يعودون وفي البال ما هو أكبر: ها هو كوكب الأرض بأسره في خطر أو عرضة لطوفان أو لنيازك طائشة.
هذا بدوره لم يعد كافياً ومنذ بضعة أعوام والحديث يتناول إنقاذ الكون بأسره. شيء مضحك لكنّه فعلي. 16 بطلاً خارق القوى والقدرات في مقابل شرير كبير واحد (اسمه ثانوس ويؤديه جوش برولِن) ينوي دمار الأرض وما يحيط بها.
- جمهور غير مخلص
بقي «أفنجرز: حرب أبدية» على قمة العروض الأميركية ثلاثة أسابيع ليخلفه هذا الأسبوع «ديدبول 2». الوحيد بين «السوبر هيروز» الذي يوفر، لجانب حركاته القتالية وقدراته الخارقة، بعض الفكاهة والهزل. ليس أنّها تصيب الهدف غالباً، لكنّها تحمل بعض التغييرات بالمقارنة مع الوجوه المكفهرة للأبطال الآخرين.
أنجز الجزء الأول محلياً 363 مليونا و070 ألفا و709 دولارات. وتمتع بإقبال عالمي أودى به إلى أكثر من 783 مليون دولار من الإيرادات. في المقابل ما يزال الجزء الثاني في مطلع عهده وأنجز للآن 425 مليون دولار عالمياً.
ما دفع هذا الناقد لكره الفيلم الأول يدفعه الآن لكره الجزء الثاني: ذلك التباهي بالذات الذي يحوّل بطله (رايان رينولدز) إلى أضحوكة وفزاعة في الوقت ذاته. القدرة على الفذلكة صوراً وحوارات وكمفهوم عام لحياة تبدو عبارة عن اسكتشات قصيرة. الحوارات هي لطشات لسانية بعضها يقصد الضحك وبعضها يقصد الإعلان عن الذات الفردية وكم تستحق إعجاب الجميع بها وبينهم الشخصية الأساسية ذاتها.
هنا مارفل (المؤسسة العملاقة التي وفرت هؤلاء الأبطال على الورق أولاً، والآن تنقلهم إلى الشاشة الكبيرة بأضخم صورة ممكنة) تسخر من نفسها ومن شخصيات أخرى ابتدعتها شركات أخرى (مثل شخصية «رجال إكس» لفوكس) ولا تبالي.
هذا لا بأس به على أساس لا شيء من هذه الأفلام لا يستأهل الضحك عليه، بما فيها هذا الفيلم. وعلى أساس أنّ الجمهور لم يعد مخلصاً لأبطال معينين ولا لمن يمثلهم على الشاشة. لكنّ «ديدبول 2» كما سابقه، قريب الشبه بشخص يلقي نكاتاً لا تثير الضحك ثم يصرّ على تكرارها.
حين وصول «صولو: حكاية من ستار وورز» سينسى الجمهور الكاسح كلا الفيلمين كما ترجح التقديرات. هذا الفيلم ينتمي مثل كل ما ذكرناه من أفلام القوى الخارقة والخيال العلمي إلى مسلسل سينمائي معروف. لكنّه على المتوفر من مسلسلات أخرى، هو الوحيد الذي استند، منذ بدايته، إلى كتابة وتأليف غير مستمدين من حكايات منشورة على نحو أو آخر.
- فعل أمومة
كذلك هو المسلسل الأقدم بينها جميعاً كون جورج لوكاس ابتدع الفيلم الأول في أواخر السبعينات. لكن كما لو كان شجرة باسقة يتم قضم أحد غصونها لزرعه وتحويله إلى شجرة أخرى. فصولو هو شخص واحد من شخصيات «ستار وورز» كان هاريسون فورد مثله سابقاً في الحلقات الثلاث الأولى (وعاد إليه كضيف شرف لاحقاً سنة 2015) والآن يلعب دور هذا المغامر ألدن إرنرايتش.
ألدن من؟ قد تسأل. ألدن إرنرايتش. لا يهم إنّه ليس معروفاً إلّا لمن لاحظه في «مرحى يا قيصر» (2016)، أو في «القواعد لا تطبق» (2016)، فحتى هاريسون فورد لم يكن معروفاً عندما لعب لجانب كاري فيشر ومارك هاميل بطولة «ستار وورز».
ليس أنّ كل الأفلام المعروضة مع مطلع موسم الصيف هي من هذا النوع الجانح صوب الأكشن والمغامرة و«تعالوا لأريكم العجائب»، بل هناك أفلام ذات بطولات إنسانية ويقوم بتمثيلها بشر وليس بيكسلز.
هناك الفيلم التشويقي المتمثل في «اقتحام» (Breaking In) لجيمس ماكتيغ وهو أفضلها: حكاية أم (غبريال يونيون) التي تسعى لاستعادة ابنها المخطوف بكل ما تملكه من عناد وعاطفة أمومة.
هناك الفيلم الكوميدي «حياة الحفل» (Life of the Party) لبن فالكوني حيث - وفي واحدة من تلك الخروقات للعادة - تقرر الأم ماليسا ماكارثي حضور دروس ابنتها الشّابة في الصف ذاته، لأنّها الطريقة التي ستعالج بها الكآبة بعدما تركها زوجها لأخرى.
ثم هناك الفيلم الاحتفائي بالشخصيات التي تجاوزت سنوات منتصف العمر (والبعض يقول سنوات ما بعد ذلك أيضاً)، وهو «نادي الكتاب» وهن أربع ممثلات محدّدات هن جين فوندا (80 سنة)، دايان كيتون (72 سنة)، كانديس برغن (أصغر من كتون بأربعة أشهر) وماري ستينبرغن (65 سنة). لجانب هؤلاء الممثلات بضعة رجال من الذين عاشوا ردحاً على الشاشة أيضاً مثل آندي غارسيا وكريغ ت. نلسون ورتشارد دريفوس وإد بكلي جونيور.

- أفلام موسم الصيف 2018
سبعة أفلام أخرى ذات ضخامة إنتاجية (وضحالة فكرية؟) قادمة في الطريق لتشبع نهم الهواة.
The Incredibles 2
رسوم متحركة من النوع غير البريء عن تلك العائلة التي تعيش في فقاعتها الخاصة مع شخصياتها الغريبة.
Jurassic World‪:‬ Fallen Kingdom
الديناصورات ضد البشر والبشر ضد بعضهم البعض في هذا الجزء الجديد من المسلسل الذي ينتجه ستيفن سبيلبرغ لكل الأعمار.
The First Purge
مرادف للفيلم الناجح The Purge وفيه نظرة على عالم مستقبلي باتت فيه الجريمة معفاة من العقاب.
The Ant‪ - ‬Man and the Wasp
من ابتداعات مارفل العديدة هذا الجزء الثاني من «الرجل النملة» (في كل شيء ما عدا ضخامة الإنتاج). الجزء الأول حقق نجاحاً كبيراً بالطبع.
Skyscraper
هذا ليس جزءاً لشيء لكن من يدري، قد يكون فاتحة. دواين جونسون مقاتل ينتقل من العراق إلى الصّين في مهمة لإنقاذ العالم مرة أخرى.
Mission Impossible‪ - ‬ Fallout
عودة توم كروز (55 سنة) إلى بطولة تلك الحلقات التي يتصدّى فيها لمهام تبدأ مستحيلة ثم تذوب تدريجياً بعد كل مشهد جديد.
Ocean‪’‬s 8
عوض جورج كلوني ومات دامون وبراد بت ودون شيدل، سنشاهد ساندرا بولوك وكايت بلانشت وسارا بولسون وريحانا وهن يخططن للسرقة الكبرى.


مقالات ذات صلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».