مسلمو الهند يستعدون لاستقبال شهر رمضان والاحتفاء به

أسواق دلهي القديمة تكتظّ بالمتسوقين لشراء بُسُط الصلاة والتمور

 المسجد الجامع في العاصمة نيودلهي الذي يرجع تاريخه إلى القرن السابع عشر
المسجد الجامع في العاصمة نيودلهي الذي يرجع تاريخه إلى القرن السابع عشر
TT

مسلمو الهند يستعدون لاستقبال شهر رمضان والاحتفاء به

 المسجد الجامع في العاصمة نيودلهي الذي يرجع تاريخه إلى القرن السابع عشر
المسجد الجامع في العاصمة نيودلهي الذي يرجع تاريخه إلى القرن السابع عشر

مع اقتراب حلول شهر رمضان الكريم، يجهز المسلمون الهنود أنفسهم وأرواحهم لاستقباله والاحتفاء به. وتتوقّف بدايته على رؤية الهلال الجديد، ومن المتوقع مشاهدته في 15 أو 16 مايو (أيار) الحالي. في دلهي امتلأت أسواقها بالمتسوقين الذين يبتاعون بُسُط الصلاة وأغطية الرأس والمسابح والتمور والشعرية وأنواع التوابل والعطارة، وغيرها من المواد الضرورية.
تحضيرا لشهر رمضان، زُينت المساجد في جميع أرجاء البلاد، وتتخذ الترتيبات اللازمة حاليا لمواجهة الاندفاع الكبير للمسلمين الذين يحرصون على أداء صلاة العشاء والتراويح في المساجد. وتثير الأسواق المزدحمة والمبهرة، والمحلات المضاءة، والترانيم الدينية التي تنطلق من الفنادق والمطاعم، إلى جانب صياح الباعة الجائلين، مناخاً كرنفاليا بديعا في البلاد.
وقد بلغت الاستعدادات لشهر رمضان ذروتها في العهد الأخير للإمبراطورية المغولية الحاكمة للهند، في المدن الهندية الكبيرة مثل العاصمة دلهي، وحيدر آباد، ولوكناو، وبهوبال، وغيرها من المدن ذات العدد الكبير من السكان المسلمين. إذ تعتبر الهند ثاني دولة على مستوى العالم من حيث عدد المسلمين.
ويعتبر المسجد الجامع في العاصمة نيودلهي الذي يرجع تاريخه إلى القرن السابع عشر، أحد أكبر المساجد في البلاد مع سعة استيعابية تبلغ 25 ألف مصلّ، كما أنّه يضمّ بعض المخطوطات القديمة النادرة، ولقد غُسل المسجد وزُيّن لاستقبال الشهر الفضيل. ويمكن الاستماع إلى تلاوة القرآن وغيره من الدروس والمواعظ الدينية من داخل المسجد الذي يتحوّل إلى الوجهة الأولى للصلاة والإفطار في رمضان بدلهي القديمة، ذات الأغلبية المسلمة كما هو الحال دائما، وكانت عاصمة عهد المغول القدامى، وعُرفت وقتذاك باسم شاهان أباد.
خلال شهر رمضان تباع أنواع كثيرة من التمور بالجملة والتجزئة. وهناك نحو 30 نوعاً من التمور المستوردة من الأردن وإيران والعراق وتونس والسعودية والجزائر. يقول التجار إنّه من بين 400 شاحنة تمور مستوردة هذا العام هناك 75 في المائة تقريبا من الأصناف العادية والبقية من الأصناف عالية الثمن.
ويقول محمد فائز، أحد تجار التمور إنّ صنف (الخاجور الأسود) هو المفضل لدى كثير من الزبائن في هذه الأيام. كما أن هناك الزبائن الذين يفضلون شراء التمور المستوردة من بلدان أخرى: «في كل عام، أطلب استيراد مختلف أصناف التمر من الخاجور من السعودية وإيران، وغير ذلك من أصناف العجوة والمجوج وطيبة وكالمي والمبروم».
ومن المتوقع أن تنخفض أسعار التمور بواقع 15 في المائة خلال العام الحالي بسبب وفرة المحاصيل في الشرق الأوسط.
وقال وسيم خان: «لقد اشترينا هذا العام أصنافا مختلفة من التمر. وفي حين أن صنف كيامي الإيراني هو المفضل عندي، فإن صنف التمر السكري هو المفضل لدى عائلتي. ونظراً لأنّنا نفطر في رمضان على التمر، فإنّ الكثير من المسلمين يحبون الإفطار على الفاكهة في رمضان».
وللمرة الأولى تتوافر التمور الكويتية منزوعة النوى والمحشوة باللوز والمغمورة بالشوكولاته. ويبلغ سعرها نحو 4 آلاف روبية للكيلوغرام الواحد، وتتوافر هذه التمور ذات الجودة العالية في بعض المتاجر المعدودة في المدينة.
سناء خان إحدى زبائن شراء التمور تقول: «نظرا لازدحام الأسواق في ليلة رؤية هلال شهر رمضان، فقد قررت أن نشتري مخزون الشهر بأكمله من التمور والطحين والعصائر مسبقا».
ويعتبر شهر رمضان مرادفا للصفاء الروحي والإخلاص التام للتعاليم الإلهية، ويشهد زيادة كبيرة في مبيعات الكتب والمطبوعات الدينية، وغيرها من المواد ذات الصلة بالدين الإسلامي مثل أغطية الرأس والمسبحة التي تستخدم بعد أداء الصلوات. ويقول قمر الحسن، وهو أحد أصحاب المتاجر التي تبيع تلك اللوازم: «هذا هو موسم الذروة بالنسبة إلى جميع الذين يعملون في مبيعات المواد واللوازم الإسلامية».
ويتوفر سجاد الصلاة في مجموعة متنوعة ومختلفة من الألوان والأنسجة والتصاميم الجميلة. والأفضل من ذلك أن هذه السجاجيد - وهي جزء رئيسي من العبادات في الإسلام - يمكن العثور عليها من أية بلد من اختيارك، سواء كانت من إنتاج السعودية أو تركيا أو إيران أو حتى بلجيكا، وهي تأتي في ظلال مختلف الألوان الأحمر والأزرق والرمادي والبيج.
ويقول اعتماد بخاري، أحد البائعين في السوق: «إنّها مليئة بالزخارف الإسلامية والفنون الجميلة، والتصاميم الهندسية الرائعة، والزهور، وأشكال الأرابيسك. وهي توفر راحة البصر والنفس اللازمتين أثناء الصلاة إلى جانب راحة القدمين من خلال الملمس المخملي الناعم».
ويقول أحد أقدم أصحاب متاجر الكتب الدينية في المدينة إنّ مبيعات سجاد الصلاة المستوردة من تركيا هي الأعلى. وهي متوفرة في خمسة ألوان مختلفة، ويفضلها الناس لأنّها فريدة ومتميزة في كل شيء.
وإلى جانب ذلك، هناك المسابح البلورية المتلألئة الواردة من مكة المكرمة وقد باتت من علامات قدوم شهر رمضان وهي مفضلة بكثرة لدى الفتيان والشباب.
وبالنسبة للمسلمين فإنّ شهر رمضان يعتبر الفرصة السنوية الرائعة لجميع الفضائل الدينية مثل تلاوة القرآن بأكثر عدد ممكن من المرات خلال الشهر. ولتذكير المرء بعدد مرات التسبيح هناك آلة للعد مستوردة خصيصا لذلك الغرض من تايوان يصل العدد فيها إلى 9999 مرة، وهي تعمل بزر ضاغط على جانب الآلة.
يقول عصمت زيدي: «تسهل آلة التسبيح الرقمية من تكرار الدعوات. ولقد زاد قدوم شهر رمضان من مبيعات مجموعة متنوعة من أغطية الرأس المستوردة من مختلف البلدان حول العالم، وهي متوفرة هنا في السوق المحلية من الصين وإندونيسيا وتركيا والسودان وباكستان. ويرجع تقليد ارتداء غطاء الرأس أثناء الصلاة إلى العهد المغولي في البلاد والإمبراطور محي الدين محمد أورنكزيب الذي غزل بيديه غطاء رأسه الخاص به وقدمها إلى المسلمين في شبه القارة الهندية. وهناك كثير من أنواع أغطية الرأس البيضاء متعددة الألوان والمصنوعة من الكروشيه والمطرزة، والمشهورة بين المسلمين في كل أنحاء العالم».
يقول الشيخ عمران صاحب أحد المتاجر في سوق المدينة: «يفضل الناس أثناء شهر رمضان ارتداء أغطية الرأس على مدار اليوم، كما أنّهم يبحثون عن الغطاء الذي يناسبهم بشكل جيد».
وبالإضافة إلى ذلك، يبيع أصحاب المتاجر مختلف أنواع العطور الطبيعية المصنوعة من مزيج من الأعشاب والزهور التي تلقى رواجا كبيرا بين الناس أثناء شهر رمضان. ويفيد موكول غاندي أحد أصحاب متاجر العطور في المدينة: «هناك عطور مشهورة مثل خشب الصندل والياسمين والورود التي تشهد مبيعات جيدة هذه الأيام».
ومع ذلك، لا يزال الطعام هو أبرز ما يميز قدوم شهر رمضان، وليس فقط لدى السكان المحليين وإنما لدى سكان دلهي من كل أرجاء المدينة الذين يحتشدون لتذوق مختلف الأطباق المتقنة الطهي التي يحتارون في الاختيار بينها.
كما يعتبر رمضان أيضا شهر الاحتفال، ومن ثم تنشغل المطاعم باتخاذ مختلف الترتيبات اللازمة لتلبية طلبات الزبائن المتزايدة مع بداية الشهر الفضيل. يقول شعيب مبين من أحد أشهر المطاعم النباتية غير البعيدة عن المسجد الجامع في دلهي: «يزداد نشاط الجدول الزمني لإعداد الوجبات في شهر رمضان ونقسّم العمل على مناوبتين من التاسعة صباحا حتى الرابعة صباحا في اليوم التالي حيث يتعين علينا إعداد ما يقرب من ضعف الطعام المعتاد مقارنة بالأيام العادية الأخرى، ولهذا عيّنت فريقا من العمال الإضافيين للمساعدة خلال هذا الشهر».
ويقول محمد شاهان مالك أحد متاجر الحلوى في دلهي القديمة: «لا يأكل كوشال سينغ الذي يعمل لدينا في المتجر منذ 16 عاما، أي شيء مطلقا طوال اليوم. ولدينا عمال هندوس مثله تماما من الذين يتابعون عملهم أمام الأفران الأرضية في المتجر، إنهم لا يأكلون شيئا ويتركون وجباتهم الغذائية طيلة النهار احتراما لمشاعرنا. وعندما يحتاجون لتناول الغذاء أو شرب الماء فإنهم يذهبون إلى خلفية المتجر بعيدا عن الأنظار لأجل ذلك».
وبالنسبة إلى كوشال سينغ فإنّ الأمر لا يتعلق بالدين وإنما بالإنسانية واحترام الآخرين، وقال عن ذلك بكل فخر: «كيف يمكنني الأكل أو الشرب في الوقت الذي يمتنع فيه زميلي في العمل عن الأكل والشرب طوال اليوم. إنني لست ساديا، بل أحترم كل الأديان الأخرى وأقدرها تماما».
وتعتقد ميرفا رام أن مدينة دلهي القديمة هي أكثر المناطق علمانية في العاصمة، وهي تقول: «إن المعبر الذي يمر أمام المسجد الجامع في دلهي القديمة معروف باسم الممر العلماني. إنّنا نحتفل بكل الأعياد لكل الديانات هنا في كل عام. وتلك الأعياد تزيد من تقارب المسلمين والهندوس من بعضهم بعضا هنا. طالما نستطيع العيش والعمل سويا فلما لا يحترم بعضنا معتقدات الآخر والاحتفال بأعياد بعضنا بعضا أيضا».
ويشهد طريق محمد علي في مومباي، ومسجد شارمينار، ومسجد مكة في حيدر أباد، وسوق دالماندي في لوكناو احتفالات مماثلة خلال شهر رمضان بأكمله مع كل مكان منها يقدم مجموعة خاصة من الأطعمة والمشروبات التي يفضلها المسلمون وغير المسلمين وبصورة كبيرة.
ويقول المواطن سيد ظفر الذي يتسوق برفقة زوجته وأطفاله في دلهي القديمة: «في كل عام قبل شهر رمضان ننطلق إلى المتاجر المفضلة عندنا لشراء التمور والعصائر والفواكه المختلفة. وهذا يوفر علينا مجهود الشراء في الأسواق المزدحمة خلال الشهر نفسه».


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».