خفوت «داعش» يُجدد طموح «القاعدة»

بعد تآكل «دولة البغدادي» وسقوط راياتها

تنظيم «القاعدة» عندما كان يصول ويجول في انتهاج الإرهاب والتطرف
تنظيم «القاعدة» عندما كان يصول ويجول في انتهاج الإرهاب والتطرف
TT

خفوت «داعش» يُجدد طموح «القاعدة»

تنظيم «القاعدة» عندما كان يصول ويجول في انتهاج الإرهاب والتطرف
تنظيم «القاعدة» عندما كان يصول ويجول في انتهاج الإرهاب والتطرف

«القاعدة» و«داعش» هما من سيتصدر المشهد الدموي خلال الفترة المقبلة، بعد سنوات من العنف رجحت كفة «الدواعش»، وسبقها صولات وجولات لـ«القاعدة» في انتهاج التطرف... فتنظيم «القاعدة» الذي قاد حركة «الجهاد العالمي» منذ نحو عقدين، ونفّذ عملية هزت أميركا في «11 سبتمبر» عام 2001، وكان في عِزّ قوته حينها، تعرض لمرحلة «خفوت» عززها ظهور تنظيم «داعش»، إلا أن الأخير دخل في مرحلة خسارة الأرض والنفوذ، وتساقطت راياته في العراق وسوريا، ولاذ جنوده الأكثر شهرة بالفرار. والسؤال الذي يطرح نفسه حالياً: هل يعني ذلك أن «القاعدة» لديها فرصة للعودة إلى المشهد من جديد؟
مختصون وباحثون في الحركات الأصولية بمصر أجابوا عن السؤال، بتأكيد أن التحركات الأخيرة لـ«القاعدة» تكشف طمعاً وطموحاً و«ألاعيب» في ذلك، خصوصاً أن التنظيم لمس انحسار نظيره «الداعشي» وفشل مشروعه، ما دفعه لتفسير هذا الفشل كانتصار لمشروع «القاعدة» القديم.
المختصون قالوا لـ«الشرق الأوسط» إنه على الرغم من أن أوروبا ترى أن تنظيم أيمن الظواهري فرصة للتخلص من «الدواعش»، فإن الغرب لن يسمح لـ«القاعدة» بتوسيع مناطق نفوذه، وسط تخوفات من استعادة التنظيم لعافيته وإمكانية التحول لكيان «داعشي» جديد.
وبحسب التقارير، لم تشهد السنوات الأخيرة أحداثاً إرهابية كبيرة تبنتها «القاعدة» في الدول الغربية، سوى تبنيها أحداث عنف طالت صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية عام 2015، وهي الصحيفة التي اعتادت تقديم صور مسيئة لسياسيين وشخصيات دينية، ما فُسر وقتها بمحاولة للفت النظر الدولي إلى تنظيم الظواهري. كما تبنَّت جماعة مختار بلمختار، فرع التنظيم في المغرب العربي، في يناير (كانون الثاني) 2016، عملية إرهابية في العاصمة البوركينابية واغادوغو، لحقها هجوم انتحاري على معسكر للجيش اليمني في محافظة لحج أغسطس (آب) من العام ذاته.
وطوال السنوات الماضية توقف نشاط «القاعدة» الإرهابي في الغرب؟ فسَّره مراقبون بأن «التنظيم خسر الكثير من كبار قادته الذين قتلوا بعد أن استهدفوا في كثير من العمليات، مما أعجز التنظيم الإرهابي عن مواصلة التخطيط والتنظيم لعملياته على المستوى الدولي... وكذلك لأن الأحداث الإقليمية في الشرق الأوسط جذبت أنظار التنظيم للتركيز عليها أكثر من الغرب... فضلاً عن تغيير أولويات (القاعدة) بعد ظهور (داعش) بوصفه تنظيماً متطرفاً مُنافساً يقوم بتنفيذ اعتداءات مماثلة في الغرب»... بالإضافة إلى أن بعض فروعه عبر العالم أعلنت انضمامها لـ«داعش» ومبايعة البغدادي، الذي استقطب أتباعاً وشباباً عبر العالم ذكوراً وإناثاً للالتحاق بالتنظيم.
العميد السيد عبد المحسن، الخبير الأمني، قال إن تنظيم «القاعدة» يتعامل مع الفترة الراهنة كفرصة للعودة إلى الواجهة من جديد، لكنه لن يتمكن من العودة إلى سابق عهده في المشهد «الجهادي»، بل سوف يشهد تحسناً نسبياً وليس طفرة، ولن يحقق ما فعله «داعش» في الغرب.
لكنَّ المراقبين شددوا على أن أميركا لن تسمح لـ«القاعدة» بتوسيع مناطق نفوذها، إلا في الحدود المرسومة لها... والغرب يرى بالفعل «القاعدة» فرصة للتخلص من «داعش»، لكنه يخشى من أن يستعيد «القاعدة» عافيته ويتحول إلى كيان «داعشي» جديد.
وقال عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «الضربات التي تلقاها (داعش) في سوريا والعراق، جعلت (القاعدة) يحاول أن يرث الإرث الداعشي، خصوصاً أن هناك أكثر من إصدار مرئي للظواهري يهاجم فيه (داعش) وزعيمه أبو بكر البغدادي، وأنهما (أي داعش والبغدادي) يسعيان لشق صف المسلمين، وأنهم صاروا أسوأ من (الخوارج) فلم يكتفوا بتكفير المسلمين بما ليس بمُكفر، بل كفروا العلماء والصالحين والمجاهدين».
يُذكر أن الظواهري انتقد البغدادي في تسجيلات صوتية كثيرة، وقال: «نحن (أي في القاعدة) لا نرى البغدادي كشخص جدير بالخلافة (المزعومة)»، واستغرب قيامه بتنصيب نفسه كخليفة بدعم من بعض الأشخاص «غير المعروفين»، وأنه دعا لما سماه «الدولة الإسلامية» من خلال «القوة والتفجيرات والسيارات المفخخة عوضاً عن ترغيب الناس وتخييرهم».
وقال الخبراء إن هجوم الظواهري على البغدادي عزز الخلاف بين «القاعدة» و«داعش» منذ الإعلان عن دولة «الخلافة المزعومة» في 2014، إذ كان زعيم «داعش» ومن معه يرون أن فرض «دولة» بالقوة هو الخيار الوحيد لتنفيذ حلم «الإسلاميين» في دولة... فيما كان يرى تنظيم «القاعدة» أن طرح فكرة «الدولة الإسلامية» في الظروف الدولية الحالية يضر بالفكرة وسيكون مصيرها الفشل.
يُشار إلى أنه قبل عام 2014 كان ينظر إلى «القاعدة» بوصفها التهديد المتطرف الأكبر ضد الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين استناداً إلى تاريخ التنظيم الحافل بالتخطيط والدعم للاعتداءات الإرهابية، لكن عند ظهور «داعش» بات المنافس لـ«القاعدة»... وشهدت الفترة ما بين عامي 2015 و2017 رقماً قياسياً للعمليات الإرهابية في أوروبا وتبنى جميعها «داعش» وليس «القاعدة».
من جهته، أكد الدكتور خالد الزعفراني، الخبير في الحركات الأصولية، أن انهيار «القاعدة» خلال السنوات الماضية ليس سببه موت مؤسس التنظيم أسامة بن لادن (الذي ورث الظواهري قيادة «القاعدة» إثر مقتله في باكستان عام 2011)، لكن هذا هو حال التنظيمات التكفيرية منذ نشأتها، تنتهي من خلال حدوث اختلافات فكرية بين قياداتها، وانشقاقها إلى كيانات صغيرة متصارعة أكثر تطرفاً، مشيراً إلى أن أغلب قيادات «القاعدة» انشقت عنه، كما حدث في العراق وسوريا.
وانفرط العقد بين تنظيمي «القاعدة» و«داعش» مع اندلاع الصراع في سوريا عام 2011 عندما قرر البغدادي توسيع نشاطه ليشمل الأراضي السورية. فأرسل عدداً من مقاتليه لإقامة موطئ قدم لهم هناك... وفي بداية الأمر رحب الظواهري بدخول «داعش» معترك القتال ضد النظام في سوريا، إلا أنه كان يحبذ الاحتفاظ بـ«جبهة النصرة» (فرع «القاعدة» في سوريا) ككيان مستقل بقيادة سوريا منفصلة عن التنظيم المقبل من العراق.
غير أن قيادة «داعش» رأت أن التنظيم الذي يقوده الظواهري أفرط في التركيز على القتال في سوريا وتجاهل العراق. وظل الخلاف قائماً بين القيادتين حتى عام 2013 حين أصدر الظواهري أمره للبغدادي بالامتثال، غير أن الأخير رفض وأعلن من جانب واحد وضع «جبهة النصرة» تحت قيادته العراقية... وفي مطلع عام 2014 اندلع القتال بين التنظيمين، وعلى أثره أنهى الظواهري رسمياً علاقات «القاعدة» بـ«داعش» التي أعادت تسمية نفسها بـ«الدولة» في العراق والشام... وسعى «داعش» إلى التركيز على العدو المحلي في المجتمع الإسلامي قبل الخارجي بالقضاء على كل من يخالفه فكرياً ودينياً، بينما أنكفأ «القاعدة» إلى الداخل.
إلا أن انتهاء «داعش» الذي تآكلت «دولته المزعومة» عقب الانتصارات الواسعة التي حققتها القوات المتعاونة بقيادة أميركا، دفع كثيراً من «الجهاديين» لفقد انبهارهم بـ«داعش»، وهو ما يعني نجاحاً ضمنياً لتصور «القاعدة» عن «الدولة الإسلامية»... وفي سبيل ذلك تسعى «القاعدة» لاستعادة صدارتها للتنظيمات الإرهابية.
وقال مراقبون، عكست تصريحات قادة «داعش» زيادة وتيرة استهداف الغرب بعد انشقاقه عن «القاعدة». وأظهر بحث أعده كول بونزيل، الباحث الأميركي في شؤون التطرف الإسلامي، أنه منذ عام 2014 شرع قادة «داعش» في الدعوة بانتظام في تصريحاتهم العلنية إلى شن اعتداءات على الغرب وصلت لـ12 اعتداء... وحدث تغيير في أسلوب تصريحات قيادات «داعش»، ففي مايو (أيار) 2012، وقبل فترة طويلة من الانفصال الرسمي بين «القاعدة» وفرعها في العراق، صرح أبو محمد العدناني، المتحدث السابق باسم التنظيم، بأن «عدوك الأول هو الشيعة، وبعدهم يأتي اليهود ثم الصليبيين». وبعد أقل من عامين وتحديداً في مارس (آذار) 2014، تساءل العدناني قائلاً: «من العدو اللدود للولايات المتحدة؟ من يقلق مضاجعهم؟ من يهددهم؟ الإجابة بلا شك (المجاهدون)... أليست (داعش) في أول قائمة (المجاهدين) تلك؟». وبعد ذلك بأربعة شهور دعا البغدادي إلى شن هجمات على «الصليبين الغربيين». وفي سبتمبر 2014 أفتى البغدادي بقتل أي أميركي أو أوروبي خصوصاً الفرنسيين، أو مواطني الدول المشاركة في التحالف الدولي ضد «داعش».
ويشار إلى أن الظواهري أكد في إحدى كلماته المسجلة الأخيرة أن التنظيم لا يزال يعتبر أميركا العدو الأول الأولى بـ«الجهاد»، وتلقت أميركا هذه الكلمات كمؤشر على استعادة «القاعدة» شوكتها متذكرة أحداث 11 سبتمبر.
لكن الزعفراني قال إن تنظيم «القاعدة» قام خلال الفترة الماضية بإطلاق تصريحات عن عمل تفجيرات في أوروبا وأميركا دون أن يكون لها أي أثر فعلي على الأرض.
وتعرض «داعش» خلال الأشهر الماضية، إلى خسائر متلاحقة على يد القوات العراقية التي يساندها الحشد الشعبي والمقاتلون العشائريون والبيشمركة في غرب وشمال العراق، بعد أن تراجعت قدراته القتالية في تلك المناطق التي فقد السيطرة عليها، إلى جانب استهداف أبرز رموزه وقادته.
وأعلن الجيش العراقي تحرير الفلوجة بالكامل، التي كانت تحت سيطرة التنظيم منذ يناير 2014، وتحرير الرمادي، التي كانت تحت سيطرة التنظيم منذ مايو عام 2015. كما طردت القوات العراقية «داعش» في أغسطس الماضي من القيادة، ثم الموصل آخر معاقل التنظيم الرئيسية.
وأشار مراقبون إلى أن «هناك انتقالاً الآن من تنظيم (داعش) إلى (القاعدة)، ومن دخلوا (داعش) يقفزون من سفينتها إلى سفينة (القاعدة)».
وقال أحمد بان، الخبير في الحركات الأصولية، إن «طبيعة التيارات والجماعات المتشددة حدوث تشظٍّ وخلافات وصراعات داخلية بينها تحت لافتات التكفير المُتبادل، فـ(داعش) كان تطوراً طبيعياً لـ(القاعدة)، وحاول التهامها في مرحلة من المراحل، و(داعش) بدأ فكرة التكفير داخله بين (الحازميين)».


مقالات ذات صلة

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

أفريقيا أنصار مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي يحضرون مسيرة حاشدة في أثناء فرز نتائج الانتخابات الرئاسية (إ.ب.أ)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

مباحثات جرت، الجمعة، بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل»

الشيخ محمد (نواكشوط)
شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».