خفوت «داعش» يُجدد طموح «القاعدة»

بعد تآكل «دولة البغدادي» وسقوط راياتها

تنظيم «القاعدة» عندما كان يصول ويجول في انتهاج الإرهاب والتطرف
تنظيم «القاعدة» عندما كان يصول ويجول في انتهاج الإرهاب والتطرف
TT

خفوت «داعش» يُجدد طموح «القاعدة»

تنظيم «القاعدة» عندما كان يصول ويجول في انتهاج الإرهاب والتطرف
تنظيم «القاعدة» عندما كان يصول ويجول في انتهاج الإرهاب والتطرف

«القاعدة» و«داعش» هما من سيتصدر المشهد الدموي خلال الفترة المقبلة، بعد سنوات من العنف رجحت كفة «الدواعش»، وسبقها صولات وجولات لـ«القاعدة» في انتهاج التطرف... فتنظيم «القاعدة» الذي قاد حركة «الجهاد العالمي» منذ نحو عقدين، ونفّذ عملية هزت أميركا في «11 سبتمبر» عام 2001، وكان في عِزّ قوته حينها، تعرض لمرحلة «خفوت» عززها ظهور تنظيم «داعش»، إلا أن الأخير دخل في مرحلة خسارة الأرض والنفوذ، وتساقطت راياته في العراق وسوريا، ولاذ جنوده الأكثر شهرة بالفرار. والسؤال الذي يطرح نفسه حالياً: هل يعني ذلك أن «القاعدة» لديها فرصة للعودة إلى المشهد من جديد؟
مختصون وباحثون في الحركات الأصولية بمصر أجابوا عن السؤال، بتأكيد أن التحركات الأخيرة لـ«القاعدة» تكشف طمعاً وطموحاً و«ألاعيب» في ذلك، خصوصاً أن التنظيم لمس انحسار نظيره «الداعشي» وفشل مشروعه، ما دفعه لتفسير هذا الفشل كانتصار لمشروع «القاعدة» القديم.
المختصون قالوا لـ«الشرق الأوسط» إنه على الرغم من أن أوروبا ترى أن تنظيم أيمن الظواهري فرصة للتخلص من «الدواعش»، فإن الغرب لن يسمح لـ«القاعدة» بتوسيع مناطق نفوذه، وسط تخوفات من استعادة التنظيم لعافيته وإمكانية التحول لكيان «داعشي» جديد.
وبحسب التقارير، لم تشهد السنوات الأخيرة أحداثاً إرهابية كبيرة تبنتها «القاعدة» في الدول الغربية، سوى تبنيها أحداث عنف طالت صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية عام 2015، وهي الصحيفة التي اعتادت تقديم صور مسيئة لسياسيين وشخصيات دينية، ما فُسر وقتها بمحاولة للفت النظر الدولي إلى تنظيم الظواهري. كما تبنَّت جماعة مختار بلمختار، فرع التنظيم في المغرب العربي، في يناير (كانون الثاني) 2016، عملية إرهابية في العاصمة البوركينابية واغادوغو، لحقها هجوم انتحاري على معسكر للجيش اليمني في محافظة لحج أغسطس (آب) من العام ذاته.
وطوال السنوات الماضية توقف نشاط «القاعدة» الإرهابي في الغرب؟ فسَّره مراقبون بأن «التنظيم خسر الكثير من كبار قادته الذين قتلوا بعد أن استهدفوا في كثير من العمليات، مما أعجز التنظيم الإرهابي عن مواصلة التخطيط والتنظيم لعملياته على المستوى الدولي... وكذلك لأن الأحداث الإقليمية في الشرق الأوسط جذبت أنظار التنظيم للتركيز عليها أكثر من الغرب... فضلاً عن تغيير أولويات (القاعدة) بعد ظهور (داعش) بوصفه تنظيماً متطرفاً مُنافساً يقوم بتنفيذ اعتداءات مماثلة في الغرب»... بالإضافة إلى أن بعض فروعه عبر العالم أعلنت انضمامها لـ«داعش» ومبايعة البغدادي، الذي استقطب أتباعاً وشباباً عبر العالم ذكوراً وإناثاً للالتحاق بالتنظيم.
العميد السيد عبد المحسن، الخبير الأمني، قال إن تنظيم «القاعدة» يتعامل مع الفترة الراهنة كفرصة للعودة إلى الواجهة من جديد، لكنه لن يتمكن من العودة إلى سابق عهده في المشهد «الجهادي»، بل سوف يشهد تحسناً نسبياً وليس طفرة، ولن يحقق ما فعله «داعش» في الغرب.
لكنَّ المراقبين شددوا على أن أميركا لن تسمح لـ«القاعدة» بتوسيع مناطق نفوذها، إلا في الحدود المرسومة لها... والغرب يرى بالفعل «القاعدة» فرصة للتخلص من «داعش»، لكنه يخشى من أن يستعيد «القاعدة» عافيته ويتحول إلى كيان «داعشي» جديد.
وقال عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «الضربات التي تلقاها (داعش) في سوريا والعراق، جعلت (القاعدة) يحاول أن يرث الإرث الداعشي، خصوصاً أن هناك أكثر من إصدار مرئي للظواهري يهاجم فيه (داعش) وزعيمه أبو بكر البغدادي، وأنهما (أي داعش والبغدادي) يسعيان لشق صف المسلمين، وأنهم صاروا أسوأ من (الخوارج) فلم يكتفوا بتكفير المسلمين بما ليس بمُكفر، بل كفروا العلماء والصالحين والمجاهدين».
يُذكر أن الظواهري انتقد البغدادي في تسجيلات صوتية كثيرة، وقال: «نحن (أي في القاعدة) لا نرى البغدادي كشخص جدير بالخلافة (المزعومة)»، واستغرب قيامه بتنصيب نفسه كخليفة بدعم من بعض الأشخاص «غير المعروفين»، وأنه دعا لما سماه «الدولة الإسلامية» من خلال «القوة والتفجيرات والسيارات المفخخة عوضاً عن ترغيب الناس وتخييرهم».
وقال الخبراء إن هجوم الظواهري على البغدادي عزز الخلاف بين «القاعدة» و«داعش» منذ الإعلان عن دولة «الخلافة المزعومة» في 2014، إذ كان زعيم «داعش» ومن معه يرون أن فرض «دولة» بالقوة هو الخيار الوحيد لتنفيذ حلم «الإسلاميين» في دولة... فيما كان يرى تنظيم «القاعدة» أن طرح فكرة «الدولة الإسلامية» في الظروف الدولية الحالية يضر بالفكرة وسيكون مصيرها الفشل.
يُشار إلى أنه قبل عام 2014 كان ينظر إلى «القاعدة» بوصفها التهديد المتطرف الأكبر ضد الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين استناداً إلى تاريخ التنظيم الحافل بالتخطيط والدعم للاعتداءات الإرهابية، لكن عند ظهور «داعش» بات المنافس لـ«القاعدة»... وشهدت الفترة ما بين عامي 2015 و2017 رقماً قياسياً للعمليات الإرهابية في أوروبا وتبنى جميعها «داعش» وليس «القاعدة».
من جهته، أكد الدكتور خالد الزعفراني، الخبير في الحركات الأصولية، أن انهيار «القاعدة» خلال السنوات الماضية ليس سببه موت مؤسس التنظيم أسامة بن لادن (الذي ورث الظواهري قيادة «القاعدة» إثر مقتله في باكستان عام 2011)، لكن هذا هو حال التنظيمات التكفيرية منذ نشأتها، تنتهي من خلال حدوث اختلافات فكرية بين قياداتها، وانشقاقها إلى كيانات صغيرة متصارعة أكثر تطرفاً، مشيراً إلى أن أغلب قيادات «القاعدة» انشقت عنه، كما حدث في العراق وسوريا.
وانفرط العقد بين تنظيمي «القاعدة» و«داعش» مع اندلاع الصراع في سوريا عام 2011 عندما قرر البغدادي توسيع نشاطه ليشمل الأراضي السورية. فأرسل عدداً من مقاتليه لإقامة موطئ قدم لهم هناك... وفي بداية الأمر رحب الظواهري بدخول «داعش» معترك القتال ضد النظام في سوريا، إلا أنه كان يحبذ الاحتفاظ بـ«جبهة النصرة» (فرع «القاعدة» في سوريا) ككيان مستقل بقيادة سوريا منفصلة عن التنظيم المقبل من العراق.
غير أن قيادة «داعش» رأت أن التنظيم الذي يقوده الظواهري أفرط في التركيز على القتال في سوريا وتجاهل العراق. وظل الخلاف قائماً بين القيادتين حتى عام 2013 حين أصدر الظواهري أمره للبغدادي بالامتثال، غير أن الأخير رفض وأعلن من جانب واحد وضع «جبهة النصرة» تحت قيادته العراقية... وفي مطلع عام 2014 اندلع القتال بين التنظيمين، وعلى أثره أنهى الظواهري رسمياً علاقات «القاعدة» بـ«داعش» التي أعادت تسمية نفسها بـ«الدولة» في العراق والشام... وسعى «داعش» إلى التركيز على العدو المحلي في المجتمع الإسلامي قبل الخارجي بالقضاء على كل من يخالفه فكرياً ودينياً، بينما أنكفأ «القاعدة» إلى الداخل.
إلا أن انتهاء «داعش» الذي تآكلت «دولته المزعومة» عقب الانتصارات الواسعة التي حققتها القوات المتعاونة بقيادة أميركا، دفع كثيراً من «الجهاديين» لفقد انبهارهم بـ«داعش»، وهو ما يعني نجاحاً ضمنياً لتصور «القاعدة» عن «الدولة الإسلامية»... وفي سبيل ذلك تسعى «القاعدة» لاستعادة صدارتها للتنظيمات الإرهابية.
وقال مراقبون، عكست تصريحات قادة «داعش» زيادة وتيرة استهداف الغرب بعد انشقاقه عن «القاعدة». وأظهر بحث أعده كول بونزيل، الباحث الأميركي في شؤون التطرف الإسلامي، أنه منذ عام 2014 شرع قادة «داعش» في الدعوة بانتظام في تصريحاتهم العلنية إلى شن اعتداءات على الغرب وصلت لـ12 اعتداء... وحدث تغيير في أسلوب تصريحات قيادات «داعش»، ففي مايو (أيار) 2012، وقبل فترة طويلة من الانفصال الرسمي بين «القاعدة» وفرعها في العراق، صرح أبو محمد العدناني، المتحدث السابق باسم التنظيم، بأن «عدوك الأول هو الشيعة، وبعدهم يأتي اليهود ثم الصليبيين». وبعد أقل من عامين وتحديداً في مارس (آذار) 2014، تساءل العدناني قائلاً: «من العدو اللدود للولايات المتحدة؟ من يقلق مضاجعهم؟ من يهددهم؟ الإجابة بلا شك (المجاهدون)... أليست (داعش) في أول قائمة (المجاهدين) تلك؟». وبعد ذلك بأربعة شهور دعا البغدادي إلى شن هجمات على «الصليبين الغربيين». وفي سبتمبر 2014 أفتى البغدادي بقتل أي أميركي أو أوروبي خصوصاً الفرنسيين، أو مواطني الدول المشاركة في التحالف الدولي ضد «داعش».
ويشار إلى أن الظواهري أكد في إحدى كلماته المسجلة الأخيرة أن التنظيم لا يزال يعتبر أميركا العدو الأول الأولى بـ«الجهاد»، وتلقت أميركا هذه الكلمات كمؤشر على استعادة «القاعدة» شوكتها متذكرة أحداث 11 سبتمبر.
لكن الزعفراني قال إن تنظيم «القاعدة» قام خلال الفترة الماضية بإطلاق تصريحات عن عمل تفجيرات في أوروبا وأميركا دون أن يكون لها أي أثر فعلي على الأرض.
وتعرض «داعش» خلال الأشهر الماضية، إلى خسائر متلاحقة على يد القوات العراقية التي يساندها الحشد الشعبي والمقاتلون العشائريون والبيشمركة في غرب وشمال العراق، بعد أن تراجعت قدراته القتالية في تلك المناطق التي فقد السيطرة عليها، إلى جانب استهداف أبرز رموزه وقادته.
وأعلن الجيش العراقي تحرير الفلوجة بالكامل، التي كانت تحت سيطرة التنظيم منذ يناير 2014، وتحرير الرمادي، التي كانت تحت سيطرة التنظيم منذ مايو عام 2015. كما طردت القوات العراقية «داعش» في أغسطس الماضي من القيادة، ثم الموصل آخر معاقل التنظيم الرئيسية.
وأشار مراقبون إلى أن «هناك انتقالاً الآن من تنظيم (داعش) إلى (القاعدة)، ومن دخلوا (داعش) يقفزون من سفينتها إلى سفينة (القاعدة)».
وقال أحمد بان، الخبير في الحركات الأصولية، إن «طبيعة التيارات والجماعات المتشددة حدوث تشظٍّ وخلافات وصراعات داخلية بينها تحت لافتات التكفير المُتبادل، فـ(داعش) كان تطوراً طبيعياً لـ(القاعدة)، وحاول التهامها في مرحلة من المراحل، و(داعش) بدأ فكرة التكفير داخله بين (الحازميين)».


مقالات ذات صلة

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

أفريقيا أنصار مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي يحضرون مسيرة حاشدة في أثناء فرز نتائج الانتخابات الرئاسية (إ.ب.أ)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

مباحثات جرت، الجمعة، بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل»

الشيخ محمد (نواكشوط)
شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.