يوم الثلاثاء، تناقلت وسائل الإعلام خبر وصول طائرة «خاصة» إلى مطار فنوكوفو في العاصمة الروسية موسكو آتية من واشنطن. وتبين أنها تعود إلى إحدى شركات ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الشرق الأوسط. وبحسب وسائل إعلام غربية كبرى، بما في ذلك «بوليتيكو» و«التايمز»، استخدم ترمب نفسه هذه الطائرة في رحلات عدة، عندما سافر إلى مؤتمر الجمهوريين المحافظين في أورلاندو عام 2021، وإعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام في باريس خلال ديسمبر (كانون الأول) 2024.
هذا الخبر بدا وكأنه صحيح، بدليل الإعلان الذي صدر، الأربعاء، بعد يوم واحد من وصول الطائرة، حين قال الرئيس ترمب إنه أجرى اتصالاً هاتفياً «مثمراً» بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واتصالاً «جيداً للغاية» بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وفي حين أفاد ترمب بأنه ناقش «أوكرانيا والشرق الأوسط ومواضيع أخرى مختلفة»، أضاف أنه كلّف فريقه الخاص، تحديداً وزير الخارجية ماركو روبيو، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية جون راتكليف، ومستشار الأمن القومي مايكل والتز، والمبعوث الخاص ستيف ويتكوف، لبدء المفاوضات مع الفريق الروسي. ومع هذا «الاختراق» الكبير، بدا أن ويتكوف، الملياردير والمطوّر العقاري والمستثمر، قد يكون، ليس فقط من بين أبرز الشخصيات التي لعبت وستلعب لاحقاً، دوراً كبيراً في منطقة الشرق الأوسط، بل وللعب أدوار تتجاوز بكثير المنطقة، لتشمل ملفات رئيسة في سياسات ترمب الخارجية.
وافد سياسي جديد
ويتكوف انضم، حتى قبل تولي ترمب منصبه رسمياً، إلى مباحثات وقف إطلاق النار في غزة، وشارك في الجولة النهائية من المفاوضات في أوائل يناير (كانون الثاني)، إلى جانب بريت ماكغورك، مبعوث الرئيس جو بايدن السابق إلى الشرق الأوسط. وكان ذلك تعاوناً نادراً بين إدارة أميركية منتهية ولايتها وإدارة جمهورية مقبلة. وأيضاً، بعد حضور ويتكوف المباحثات في العاصمة القطرية الدوحة، توجَّه الرجل إلى إسرائيل في محاولة عاجلة لإتمام اتفاق وقف إطلاق النار. ويوم 29 يناير، سافر إلى قطاع غزة الذي تحوَّلت مناطق كثيرة منه إلى أنقاض بعد 15 شهراً من الحرب الإسرائيلية عليه.
وحقاً، مع محاولة كل من الرئيس السابق جو بايدن والرئيس ترمب ادعاء الفضل في موافقة إسرائيل و«حماس» على اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، برز ويتكوف بوصفه وافداً سياسياً جديداً غير معروف نسبياً في فريق ترمب، كشخصية محورية في إبرام الاتفاق.
من جهة ثانية، يوم 7 يناير، أي قبل أسبوعين من توليه منصبه، طلب ترمب من ويتكوف، تقديم تحديث عن التقدم الذي أحرزه في المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس». ونسب إليه لاحقاً لعب دور رئيس في «إقناع» رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بتحقيق «اختراق» لتأمين وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، ليدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 19 يناير، عشية تنصيب ترمب لولاية ثانية في البيت الأبيض. وقيل إن تأكيدات ويتكوف أقنعت نتنياهو بقبول الصفقة، على الرغم من تهديدات اليمينيين المتشدّدين بالانسحاب من حكومته الائتلافية إذا مُرّرت. وذكرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أن ويتكوف «أوضح خلال الاجتماع مع نتنياهو بشكل لا لبس فيه أن ترمب يتوقّع منه الموافقة على الصفقة».
السلام من خلال القوة
كارولين ليفيت، الناطقة الجديدة باسم البيت الأبيض، كتبت على منصة «إكس» (تويتر سابقاً): «دعونا نكون واضحين: لم يكن من الممكن التوصل إلى هذه الصفقة لولا اليد القوية للرئيس ترمب ومبعوثه الخاص ويتكوف. مرة أخرى، يسود السلام من خلال القوة».
الحقيقة، مع أن ويتكوف يُعدّ «مبتدئاً» تماماً في عالم الدبلوماسية، عيّنه ترمب مبعوثاً خاصاً إلى الشرق الأوسط بعد أسبوع واحد فقط من انتخابه، وهو ما يعكس العلاقة الوثيقة بين الرجلين. بيد أن افتقار ويتكوف إلى الخبرة في السياسة الخارجية، دفع البعض لاعتبار اختياره لشغل منصب دبلوماسي خطوة غير تقليدية، لكن الرجل ما لبث أن غداً معروفاً كمفاوض موهوب لا يخشى التعبير عن رأيه، مثل رئيسه ترمب.
وفي مقال نشرته مجلة «فورين بوليسي»، كتب ستيفن كوك، الخبير في «مجلس العلاقات الخارجية»» أن افتقار ويتكوف إلى الخبرة الدبلوماسية «يمكن أن يكون ميزة، وهذا يمنحه منظوراً جديداً». غير أنه أردف: «لكن الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني ليس صفقة عقارية». وعلّق دبلوماسي إسرائيلي كبير لصحيفة «هآرتس» قائلاً: «ويتكوف ليس دبلوماسياً. إنه لا يتكلّم مثل الدبلوماسيين، وليس لديه أي اهتمام بالآداب الدبلوماسية والبروتوكولات الدبلوماسية... إنه رجل أعمال يريد التوصل إلى اتفاق بسرعة ويمضي قدماً بشكل عدواني غير عادي».
سيرته الشخصية
ولد ستيفن «ستيف» تشارلز ويتكوف يوم 15 مارس (آذار) 1957، وهو ملياردير أميركي يهودي، ومستثمر ومطوّر عقارات ومحامٍ ومؤسس ورئيس مجموعة ويتكوف. ومثل ترمب، يتحدر ويتكوف من مدينة نيويورك، وانتقل مثله إلى ولاية فلوريدا في السنوات الأخيرة. وبسبب صداقتهما القوية، وشراكتهما الدائمة في لعب الغولف، خدم ويتكوف في مجموعة «صناعة النهضة الاقتصادية الأميركية العظيمة» في إدارة ترمب الأولى، لمكافحة التأثير الاقتصادي لجائحة «كوفيد - 19». واختير لرئاسة لجنة تنصيبه في ولايته الثانية، وتولّى تقديمه في التجمّع الاحتفالي بعد تنصيبه في 20 من الشهر الماضي.
يوم 15 سبتمبر (أيلول) 2024، كان ويتكوف يلعب الغولف مع ترمب في نادي ترمب الدولي للغولف بمدينة ويست بالم بيتش في ولاية فلوريدا، عندما حاول رايان ويسلي روث اغتيال ترمب. ولقد أطلق ضابط من الخدمة السرّية النار على المسلح، الذي فرّ في سيارة وألقي القبض عليه لاحقاً.
مطوّر عقاري
بدأ ستيف ويتكوف حياته المهنية محامياً عقارياً، قبل أن ينتقل إلى الاستثمار والتطوير العقاري. وتشمل عمليات الاستحواذ البارزة التي نفذها في نيويورك، مبنى «الديلي نيوز» التاريخي في حي إيست ميدتاون بمانهاتن، ومبنى «وولوورث»، وفندق «بارك لين» وبرج «مايدن لاين 33» الذي أجّر 13 طابقاً منه لـ«الاحتياطي الفيدرالي» (البنك المركزي الأميركي) في نيويورك لمدة 25 سنة. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، ذكرت صحيفة «الوول ستريت جورنال»، أن «أقرانه في عالم العقارات يصفونه دائماً بأنه ذكي ولطيف ومفاوض موهوب».
وُلد ويتكوف في حي برونكس النيويوكي الشهير، حيث تعيش غالبية يهودية، ونشأ في منطقة بالدوين هاربور، ثم في أولد ويستبري بنيويورك. وعلى الصعيد العائلي، والدته اسمها لويس ووالده اسمه مارتن ويتكوف، كان صانع معاطف نسائية في مدينة نيويورك.
ولقد تزوج ويتكوف من لورين جيل رابابورت، التي كانت آنذاك شريكة في شركة للمحاماة في مانهاتن، وأنجبا ثلاثة أبناء؛ تُوفي أحدهم ويدعى أندرو (22 سنة) عام 2011 بسبب جرعة زائدة من عقار «أوكسيكونتين» الطبي في كاليفورنيا. بينما ابنهما زاك هو أحد مؤسسي شركة «وورلد ليبرتي فاينانشال» للعملات المشفّرة، وابنهما ألكسندر هو الرئيس التنفيذي المشارك لـ«مجموعة ويتكوف». وللعلم، عام 2019، انتقل ويتكوف من مدينة نيويورك إلى فلوريدا، واستقر في ميامي بيتش.
أما على الصعيد الدراسي فقد حصل ستيف ويتكوف على درجة البكالوريوس من جامعة هوفسترا (نيويورك) عام 1980، ثم في عام 1983 تخرّج فيها مجازاً في الحقوق. ومن ثم، بعد التخرّج في كلية الحقوق، عمل ويتكوف في شركة «دراير آند تراوب» للمحاماة العقارية في مدينة نيويورك، حيث كان دونالد ترمب أحد عملائه. وصار الرجلان صديقين في أحد مطاعم المدينة بعدما عملا معاً في صفقة تجارية. وانتقل ويتكوف لاحقاً إلى شركة «روزنمان آند كولين» للمحاماة أيضاً في نيويورك، حتى عام 1986.
تأسيس مجموعته العقارية
بعدما شارك ويتكوف عام 1985 في تأسيس شركة مع زميله لاري غلوك، محامي العقارات في شركة «دراير آند تراوب»، سمياها «ستيلار» (الأحرف الأولى من اسميهما ستيف ولاري)، غيّرا حياتهما المهنية من ممارسة القانون إلى امتلاك وإدارة العقارات. وقاما بشراء مبانًٍ سكنية رخيصة تحتاج إلى ترميم في نيويورك، وبالذات، في مناطق واشنطن هايتس ووسط مانهاتن، وشمال غربي برونكس. وفي مرحلة ما، امتلكا 85 مبنى تضم أكثر من 3000 شقة، وجمعا محفظة صغيرة من المباني.
وفي عام 1997، غادر ويتكوف شركة «ستيلار»، وأسس وغدا رئيساً ومديراً تنفيذياً لمجموعة «ويتكوف غروب» الخاصة ومقرها في مدينة نيويورك. وتوسع في البناء السكني وإعادة التأهيل، لتشمل نشاطاته عمليات شراء العقارات في مدن شيكاغو ودالاس وفيلادلفيا ولندن. وبحلول أكتوبر (تشرين الأول) 1998، كانت مجموعة ويتكوف تدير 11 مليون قدم مربع من العقارات التجارية والتجزئة، وكانت تمتلك حصة ملكية في 7500 شقة وعدد من معاملات تطوير الأراضي والفنادق. وبدءًا من عام 2014، كان يمتلك 30 عقاراً في الولايات المتحدة وبريطانيا، لترتفع عام 2019، إلى ما يقرب من 50 عقاراً في الولايات المتحدة وعلى الصعيد الدولي. مع أن ويتكوف يُعدّ «مبتدئاً» تماماً في عالم الدبلوماسية عيّنه ترمب مبعوثاً خاصاً إلى الشرق الأوسط بعد أسبوع واحد فقط من انتخابه