روبوتات ارامكو السعودية ذكية وتعزز الكفاءة التشغيلية

تمكنت من إيجاد حلول لتراكم الغبار على الألواح الشمسية

مهندسان يجريان عملية صيانة لروبوت المياه الضحلة
مهندسان يجريان عملية صيانة لروبوت المياه الضحلة
TT

روبوتات ارامكو السعودية ذكية وتعزز الكفاءة التشغيلية

مهندسان يجريان عملية صيانة لروبوت المياه الضحلة
مهندسان يجريان عملية صيانة لروبوت المياه الضحلة

تواصل شركة «أرامكو السعودية» أبحاثها العلمية لتطوير أنشطتها التشغيلية من خلال حلول مبتكرة تواكب تقنيات الإنتاج والخدمات في مختلف قطاعاتها، وذلك في إطار التوسع التقني الذي يوفر كثيراً من المزايا التي تتعلق بالكفاءة والسلامة، ويرفع مستويات الموثوقية ويعزّز قدراتها في تطوير أعمالها.
وفيما تعمل جميع قطاعات وأقسام الشركة على تطوير أنشطتها ومواكبة التقنيات الذكية وصولاً إلى حلول مبتكرة، يجري مركز البحوث والتطوير في «أرامكو السعودية» بحثاً متطوراً، يتوقع أن يؤدي إلى تطور سريع في التقنية وتسويق الأنظمة الذكية التي تساند أعمال الشركة وتساعد في مراقبة سلامة المنشآت.
تساعد تلك التقنيات في التعامل مع التحديات القائمة والمتوقعة، إذ تُعتبر ضرورية لتحقيق كفاءة التشغيل وترشيد النفقات في الوقت الذي تساند مركز الشركة العالمي كمُنتج موثوق للزيت والغاز.
يتمثل الهدف الرئيسي الذي تسعى «أرامكو السعودية» لتحقيقه في التقليل من التكاليف السنوية للتآكل من خلال تركيز جهودها على ثلاث آليات رئيسة تتمثل في: التنبؤ بحدوث التآكل من خلال تطوير برامج متقدمة، والكشف عن التآكل واستشعاره، وأخيراً منع التآكل وتقليله من خلال استخدام المواد المتقدمة.
يعمل فريق الأنظمة الذكية في «أرامكو السعودية» على إيجاد حلول لتقنية الفحص المصممة لتلبية حاجات مرافق التشغيل في «أرامكو السعودية»، حيث يركز على مشاريع تشمل تطوير أجهزة ومعالجات ذكية يُمكن تطبيقها لضمان سلامة الموجودات، وذلك بالتعاون مع كبار الشركات والجامعات العالمية.
طور الفريق من خلال تركيزه على الروبوتات في السنوات الست الأخيرة أربع تقنيات فريدة تخدم برنامج الاستشعار والمراقبة.
عبر السنوات تضمن فريق الأنظمة الذكية اثنا عشر شخصاً، سبعة منهم من خريجي جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، ويمثلون عشر دول مختلفة.
درس معظم أعضاء الفريق هندسة الميكانيكا وأنظمة التحكم وذلك ضمن تخصصات الهندسة الميكانيكية، أو هندسة الكهرباء أو هندسة الإلكترونيات، مع التركيز على الروبوتات وأجهزة القياس والمجالات المشابهة الأخرى.
يقع مقر الفريق حالياً في مجمع البحوث بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية للاستفادة من قربه من مختبر الروبوتات والأنظمة الذكية والتحكم في الجامعة، واستخدام مرافقها مثل ورش العمل المركزية ومختبرات إعداد النماذج الأولية.
في ظل حاجة عمليات «أرامكو السعودية» لحلول تقنية مستدامة وذكية، طور باحثو الشركة «روبوت أرامكو السعودية» للفحص، وهو عبارة عن زاحف مغناطيسي روبوتي قادر على المعاينة وفحص الأنابيب باستخدام الموجات فوق الصوتية. يمكنه أيضاً استشعار تسرّب الغاز على الأسطح الفولاذية المرتفعة التي يصعب الوصول إليها.
يسهم «روبوت الفحص» في خفض الأخطار المحتملة ومدة المعاينة والتكاليف المترتبة على نصب السقالات المفردة المستخدمة في أعمال المعاينة.
«الروبوت» الذي يعمل لاسلكياً، مستقل، ويتيح مستويات متقدمة في مجال الخفة والبراعة أثناء التحرك على الأسطح الفولاذية ضمن نطاقٍ واسعٍ من المنحنيات، بما يجعله متفوقاً على نظرائه في السوق.
ولتسويق تقنية «روبوت أرامكو السعودية» للفحص، أُنشئت شركة جديدة في المملكة من خلال مشروع استثماري واتفاقية للترخيص، وتوجد حالياً ثلاث وحدات من «روبوت الفحص» في مختبر جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية.
نتج عن تصنيع «روبوت أرامكو السعودية» للفحص تقديم عشرة طلبات للحصول على «براءات اختراع»، وقد مُنح سبع براءات اختراع.
«روبوت الفحص» والمراقبة في المياه الضحلة، نظام روبوتي مزوّد بتقنيات فحص مدمجة يمكن تشغيله عن بُعد في المياه الضحلة، وذلك لتعزيز سرعة وكفاءة وسلامة فحص خطوط الأنابيب.
هذه التقنية المتطورة تعتبر نوعا من الابتكار المهم للتعامل مع التحديات الجوهرية التي تواجه «أرامكو السعودية» ضمن أعمالها الواسعة.
وينطوي فحص الأنابيب في المياه الضحلة على مصاعب، حيث يُجري أعمال الفحص غواصون يرتبطون بسفينة الإسناد أو سفن مساندة الغواصين بكابل، وهو يستخدم للتزويد بالهواء وكوسيلة للاتصال مع الغواص ولنقل إرسال مرئي مباشر عبر الكاميرا. ومن شأن استخدام روبوت الفحص والمراقبة في المياه الضحلة الاستغناء عن الغواصين، وجعل عملية الفحص أكثر سلامة وسرعة.
ويكون الإبحار عن طريق «سفن مساندة الغواصين» في المياه الضحلة صعباً، وأحياناً مستحيلاً، بسبب خطر التعرض للاصطدام بقاع البحر أو العوائق تحت المياه. لذلك تُستخدم طرق بديلة لفحص الأنابيب في المياه الضحلة، بما في ذلك استخدام القوارب الصغيرة.
وتُعد تلك الطرق بطيئة جداً مقارنة بالفحص في المياه الأكثر عمقاً. ويُتيح روبوت الفحص والمراقبة في المياه الضحلة المجال لفحص الأنابيب بطريقة آمنة وسريعة وأكثر فعالية، واستخدامه يقلّل كثيراً من الوقت والتكلفة نتيجة لعمليات الفحص في المياه الضحلة.
صمّم روبوت الفحص والمراقبة في المياه الضحلة، وطُور وجُرّب ميدانياً خلال أقل من سنتين ممّا أدّى إلى نشر استخدامه قبل الموعد المحدد بخمسة أشهر.
وحصل الروبوت على جائزة التميز في «أرامكو السعودية» أخيراً لدوره في تعزيز مركز الشركة والمملكة كرائدين في التقنيات الابتكارية. ونتج عن ابتكاره 11 براءة اختراع، وهو محميّ بسبع براءات اختراع.
تعتبر الألواح الشمسية مصدراً اقتصادياً ومستداماً ومتجدداً وموثوقاً للطاقة، لذا ينبغي أن تحظى بعناية وصيانة دورية مستمرة، إذ يمكن لتراكم الغبار على هذه الألواح أن يؤدي إلى تأثير كبير على كفاءتها.
يمكن لتراكم الغبار أن يؤدي إلى تخفيض الكفاءة بنسبة 2 في المائة أو أكثر أسبوعياً، ويمكن لعاصفة غبار أن تخفض فعالية الألواح الشمسية بنسبة 40 في المائة. لذلك ومن أجل تعظيم ربحية وإنتاجية محطة الطاقة الشمسية، من الضروري التقليل من تراكم الغبار والشوائب.
في إطار إيجاد حلول علمية لذلك، ابتكر فريق الأنظمة الذكية بـ«أرامكو السعودية» تقنية روبوتية لتخفيف كمية الغبار، وهي تقنية منخفضة التكلفة للتقليل من الأثر السلبي للغبار على إنتاجية الألواح الشمسية. بعد سنتين توصلت الأبحاث والتجارب على النماذج الأولية إلى حل يتمثل في تقنية آلية للتنظيف الجاف في مواعيد محددة أو عند الطلب.
هذه التقنية جاهزة حالياً لمساعدة الشركة والمملكة لجني الأرباح الكاملة من نشر استخدام الطاقة الشمسية على نطاقٍ واسعٍ في المنطقة من خلال تطبيق تقنية تخفيف آثار الغبار آلياً.
وأثبتت الأبحاث الرئيسة التي أُجريت خلال المشروع، أنّ التنظيف الجاف للألواح الشمسية باستخدام هذه التقنية، التي نتج عن ابتكارها تقديم أربع براءات اختراع لا تؤثر سلباً على أداء الألواح الشمسية.
نتيجةً لذلك صدرت نشرتان علميتان مؤثرتان من شأنهما مساعدة صناعة الطاقة الشمسية في أن تصبح أكثر كفاءة وفعالية في المناطق القاحلة بالسعودية.
قبل إجراء هذا البحث، كانت الألواح الشمسية تُنظّف يدوياً، وهو أمر مكلف ويؤدي إلى استخدام كميات كبيرة من المياه، ويمكن أن يلحق الضرر بها.
ثبت أن هذه التقنية تحافظ على أكثر من 99 في المائة من الأداء، ممّا نتج عنه زيادة في توليد الطاقة بنسبة 1 في المائة على الأقل أسبوعياً مقارنة بالتنظيف بالمياه المقطرة واستخدام الأيدي العاملة، ممّا يعني أن هناك زيادة مباشرة في إنتاج محطة الطاقة الشمسية بنسبة 1 في المائة من خلال التحوّل من الأسلوب الحالي إلى تقنيات تخفيف الغبار آلياً، وذلك يؤدي أيضاً إلى تخفيض تكلفة التشغيل.
نتج عن نجاح تقنية تخفيف الغبار آلياً، التقدم بطلب الحصول على أربع براءات اختراع، فيما تعمل شركة محلية حالياً على ترخيص هذه التقنية وتسويقها.


مقالات ذات صلة

روبوتات أمنية في متاجر أميركية

علوم روبوتات أمنية في متاجر أميركية

روبوتات أمنية في متاجر أميركية

فوجئ زبائن متاجر «لويز» في فيلادلفيا بمشهدٍ غير متوقّع في مساحة ركن السيّارات الشهر الماضي، لروبوت بطول 1.5 متر، بيضاوي الشكل، يصدر أصواتاً غريبة وهو يتجوّل على الرصيف لتنفيذ مهمّته الأمنية. أطلق البعض عليه اسم «الروبوت النمّام» «snitchBOT». تشكّل روبوتات «كي 5» K5 المستقلة ذاتياً، الأمنية المخصصة للمساحات الخارجية، التي طوّرتها شركة «كنايت سكوب» الأمنية في وادي سيليكون، جزءاً من مشروع تجريبي «لتعزيز الأمن والسلامة في مواقعنا»، حسبما كشف لاري كوستيلّو، مدير التواصل المؤسساتي في «لويز».

يوميات الشرق «كلاب روبوتات» تنضم مرة أخرى لشرطة نيويورك

«كلاب روبوتات» تنضم مرة أخرى لشرطة نيويورك

كشف مسؤولو مدينة نيويورك النقاب، أمس (الثلاثاء)، عن 3 أجهزة جديدة عالية التقنية تابعة للشرطة، بما في ذلك كلب «روبوت»، سبق أن وصفه منتقدون بأنه «مخيف» عندما انضم لأول مرة إلى مجموعة من قوات الشرطة قبل عامين ونصف عام، قبل الاستغناء عنه فيما بعد. ووفقاً لوكالة أنباء «أسوشيتد برس»، فقد قال مفوض الشرطة كيشانت سيويل، خلال مؤتمر صحافي في «تايمز سكوير» حضره عمدة نيويورك إريك آدامز ومسؤولون آخرون، إنه بالإضافة إلى الكلب الروبوت الملقب بـ«ديغ دوغ Digidog»، فإن الأجهزة الجديدة تتضمن أيضاً جهاز تعقب «GPS» للسيارات المسروقة وروبوتاً أمنياً مخروطي الشكل. وقال العمدة إريك آدامز، وهو ديمقراطي وضابط شرطة سابق

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق دراسة: الأحكام الأخلاقية لـ«تشات جي بي تي» تؤثر على أفعال البشر

دراسة: الأحكام الأخلاقية لـ«تشات جي بي تي» تؤثر على أفعال البشر

كشفت دراسة لباحثين من جامعة «إنغولشتات» التقنية بألمانيا، نشرت الخميس في دورية «ساينتفيك ريبورتيز»، أن ردود الفعل البشرية على المعضلات الأخلاقية، يمكن أن تتأثر ببيانات مكتوبة بواسطة برنامج الدردشة الآلي للذكاء الاصطناعي «تشات جي بي تي». وسأل الفريق البحثي برئاسة سيباستيان كروغل، الأستاذ بكلية علوم الكومبيوتر بالجامعة، برنامج «تشات جي بي تي»، مرات عدة عما إذا كان من الصواب التضحية بحياة شخص واحد من أجل إنقاذ حياة خمسة آخرين، ووجدوا أن التطبيق أيد أحيانا التضحية بحياة واحد من أجل خمسة، وكان في أحيان أخرى ضدها، ولم يظهر انحيازاً محدداً تجاه هذا الموقف الأخلاقي. وطلب الباحثون بعد ذلك من 767 مشاركا

حازم بدر (القاهرة)
يوميات الشرق «غوغل» تطلق «بارد»... منافسها الجديد في مجال الذكاء الاصطناعي

«غوغل» تطلق «بارد»... منافسها الجديد في مجال الذكاء الاصطناعي

سيتيح عملاق الإنترنت «غوغل» للمستخدمين الوصول إلى روبوت الدردشة بعد سنوات من التطوير الحذر، في استلحاق للظهور الأول لمنافستيها «أوبن إيه آي Open.A.I» و«مايكروسوفت Microsoft»، وفق تقرير نشرته اليوم صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية. لأكثر من ثلاثة أشهر، راقب المسؤولون التنفيذيون في «غوغل» مشروعات في «مايكروسوفت» وشركة ناشئة في سان فرنسيسكو تسمى «أوبن إيه آي» تعمل على تأجيج خيال الجمهور بقدرات الذكاء الاصطناعي. لكن اليوم (الثلاثاء)، لم تعد «غوغل» على الهامش، عندما أصدرت روبوت محادثة يسمى «بارد إيه آي Bard.A.I»، وقال مسؤولون تنفيذيون في «غوغل» إن روبوت الدردشة سيكون متاحاً لعدد محدود من المستخدمين

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الروبوتات قد تحسّن السلامة العقلية للبشر

الروبوتات قد تحسّن السلامة العقلية للبشر

كشفت دراسة حديثة عن أن الناس تربطهم علاقة شخصية أكثر بالروبوتات الشبيهة بالألعاب مقارنةً بالروبوتات الشبيهة بالبشر، حسب «سكاي نيوز». ووجد بحث أجراه فريق من جامعة كامبريدج أن الأشخاص الذين تفاعلوا مع الروبوتات التي تشبه الألعاب شعروا بتواصل أكبر مقارنةً بالروبوتات الشبيهة بالإنسان وأنه يمكن للروبوتات في مكان العمل تحسين الصحة العقلية فقط حال بدت صحيحة. وكان 26 موظفاً قد شاركوا في جلسات السلامة العقلية الأسبوعية التي يقودها الروبوت على مدار أربعة أسابيع. وفي حين تميزت الروبوتات بأصوات متطابقة وتعبيرات وجه ونصوص تستخدمها في أثناء الجلسات، فقد أثّر مظهرها الجسدي على كيفية تفاعل الناس معها ومدى فاع

«الشرق الأوسط» (لندن)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».