الاستقرار السياسي دعم إقرار قمة اقتصادية في بيروت العام المقبل

حركة إنشاءات في بيروت كما بدت الشهر الجاري (أ.ب)
حركة إنشاءات في بيروت كما بدت الشهر الجاري (أ.ب)
TT

الاستقرار السياسي دعم إقرار قمة اقتصادية في بيروت العام المقبل

حركة إنشاءات في بيروت كما بدت الشهر الجاري (أ.ب)
حركة إنشاءات في بيروت كما بدت الشهر الجاري (أ.ب)

حمل اختيار بيروت لاستضافة «الدورة الرابعة للقمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية للعام 2019»، رسالة دعم عربي للبنان، ومؤشرا إيجابيا إلى البلاد التي نجحت في تجاوز الأزمات والتزمت «حماية الاستقرار وتحييد الخلافات ومنع تفاقمها»، بحسب ما قال وزير في الحكومة اللبنانية لـ«الشرق الأوسط»».
وجاء اختيار لبنان مقرا للقمة الاقتصادية القادمة، خلال مشاركته في القمة العربية التي عقدت في الظهران في المملكة العربية السعودية، أول من أمس، وشارك فيها الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري ووزراء آخرون.
وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني رائد خوري، أكد، أن إقرار قمة اقتصادية في بيروت «يحمل مؤشرات إيجابية على قرار عربي بدعم لبنان»، موضحاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن الاهتمام الدولي بدعم لبنان الذي تجسد في مؤتمر (سيدر) عبر منح لبنان التزامات مالية كبيرة وصلت إلى 11 مليار من دول عربية وأوروبية وصناديق دولية: «ينسحب على الدول العربية التي تمتلك نفس التوجه».
ويقول مسؤولون لبنانيون بأن الأداء السياسي اللبناني منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية، وتشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري، لجهة الحفاظ على الاستقرار والتعامل مع الأزمات والتعهد بالبحث في إيجاد حلول لازمات أخرى، كان محفزاً لجذب الاستثمارات والدعم الدولي للبنان، وضاعف الثقة الدولية بلبنان.
وقال خوري بأن هذا الأداء «حفز بلا شك على توفير دعم عربي ودولي للبنان»، لكنه شدد على أن وجود عون في موقعه «يمثل ضمانة للاستقرار، وأنه أثبت ذلك من خلال تجاوز الأزمات والتعامل معها، إلى جانب قوى سياسية أخرى تتعاون معه لحفظ الاستقرار الأمني والسياسي»، لافتاً إلى أن «وعي الأقطاب السياسيين ساهم في ذلك، فضلاً عن وجود قرار لدى جميع القوى السياسية بالالتزام بحماية هذا الاستقرار وتحييد الخلافات ومنع تفاقمها».
والقمة الاقتصادية والاجتماعية تبحث قضايا اقتصادية وتنموية واجتماعية تحدد مواضيعها مسبقاً. وجاء الإعلان عن عقد هذه القمة في بيروت في العام المقبل، بعد نحو عشرة أيام على انعقاد مؤتمر «سيدر» في باريس الذي أعلن خلاله عن منح لبنان أكثر من 11 مليار دولار على شكل هبات وقروض ميسرة لتنشيط الاقتصاد اللبناني وتعزيز الاستثمارات فيه.
وقال الخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة، بأن الالتزام اللبناني بالنأي بالنفس، وتعهد الرئيس اللبناني ميشال عون بالبحث بالاستراتيجية الدفاعية «أعطى مؤشرات على استقرار سياسي واقتصادي في البلاد، حفزت الدول العربية على عقد القمة الاقتصادية العربية في بيروت في العام المقبل»، واصفاً عقد القمة بأنه «لحظة مصيرية للانفتاح الاقتصادي على الدول العربية والتكامل معها اقتصاديا».
وقال عجاقة لـ«الشرق الأوسط»: «تمثل هذه الخطوة نوعاً من أنواع الانفتاح العربي على لبنان»، مشدداً على أن البناء على هذه الخطوة «مرهون بالاستقرار السياسي». وأوضح أن الاستثمارات الخليجية كانت تمثل الرافعة للاقتصاد اللبناني قبل سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري في العام 2011. وتراجعت نسب النمو الاقتصادي في لبنان بعد سحب الاستثمارات الخليجية بفعل الأزمات السياسية التي عصفت بلبنان في ذلك الوقت.
وإذ لفت إلى أن السوق العربية «سوق هائلة»، بالنظر إلى أن عدد السكان يتجاوز الـ300 مليون نسمة، دعا إلى اندماج أفقي بالاقتصادات العربية لتحقيق اندماج عامودي صلب بالأسواق العالمية، ويكون ذلك عبر تعاون اقتصادي تخصصي يزيد من النمو الاقتصادي، لافتاً إلى أن التخصص بالاقتصاد «يستفيد منه لبنان، إذ يتيح للدول العربية أن تستثمر بقطاع المياه اللبناني، مثلاً، كما يتيح لها الاستثمار في القطاع النفطي بعد دخول لبنان نادي الدول النفطية، وغيرها من القطاعات الاستثمارية المنتجة للطرفين».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.