برمجيات خبيثة تستهدف قطاع الرعاية الصحية والشركات الصيدلانية

ملتقى «كاسبرسكي لاب السنوي للأمن الإلكتروني» يكشف خفايا الهجمات

برمجيات خبيثة تستهدف قطاع الرعاية الصحية والشركات الصيدلانية
TT

برمجيات خبيثة تستهدف قطاع الرعاية الصحية والشركات الصيدلانية

برمجيات خبيثة تستهدف قطاع الرعاية الصحية والشركات الصيدلانية

عثر باحثون في شركة «كاسبرسكي لاب» المتخصصة بالأمن الرقمي، على أدلة تشير إلى ظهور توجيه عدد متزايد من الجهات التي تقف خلف التهديدات الإلكترونية المتقدمة نشاطاتها نحو مهاجمة قطاع الرعاية الصحية. ولاحظ الخبراء وجود البرمجية الخبيثة «PlugX» داخل أنظمة تقنية في شركات صيدلانية، هدفها سرقة تركيبات لأدوية ثمينة، فضلا عن معلومات تجارية خاصة.
وكشفت الشركة عن التفاصيل في ملتقاها السنوي للأمن الإلكتروني «Cyber Security Weekend» لمنطقة الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا، في مدينة إسطنبول التركية بين 11 و14 أبريل (نيسان) الجاري، الذي تحضره «الشرق الأوسط».

استهداف الشركات الصيدلانية

تُعتبر برمجية «PlugX» الخبيثة أداة معروفة للدخول إلى الأنظمة عن بعد، وعادة ما يتم نشرها عن طريق هجمات التصيد الموجه، واكتُشفت سابقا في هجمات موجهة شُنت على منظمات عسكرية وحكومية وسياسية. واستخدمت هذا الأداة من جهات ناطقة باللغة الصينية، تقف خلف عدد من التهديدات المستمرة المتقدمة، من بينها «Deep Panda»، و«NetTraveler» و«Winnti». ووُجد في عام 2013 أن مجموعة «Winnti»، المسؤولة عن هجمات استهدفت شركات في قطاع الألعاب عبر الإنترنت، تستخدم برمجية «PlugX» منذ مايو (أيار) 2012. ومن المثير للاهتمام أن «Winnti» كانت أيضاً حاضرة في هجمات شُنت على شركات صيدلانية هدفت إلى سرقة شهادات رقمية من معدات طبية ومصنعي برمجيات.
وتسمح «PlugX» للمهاجمين بتنفيذ عمليات خبيثة على الأنظمة، دون تصريح أو موافقة من المستخدم، مثل نسخ الملفات وتعديلها، وتسجيل الكلمات من لوحة المفاتيح، وسرقة كلمات المرور، وأخذ لقطات من شاشة المستخدم لرصد نشاطه. وتُستخدم «PlugX» لسرقة المعلومات الحساسة أو المربحة وتجميعها بشكل غير ملحوظ لأهداف خبيثة.
وفي هذا السياق، قال يوري ناميستنيكوف، الباحث الأمني في «كاسبرسكي لاب»، إن نقل المعلومات الطبية الخاصة والشخصية يتواصل من الملفات الورقية إلى أنماط رقمية داخل المؤسسات الطبية، وسط إهمال لأمن البنية التحتية التقنية في هذا القطاع، ما يغري المجرمين القابعين خلف التهديدات المستمرة المتقدمة، بمواصلة البحث عن معلومات تتعلق بأحدث التطورات في صناعة الأدوية والمعدات الطبية، الأمر الذي من شأنه أن يثير قلقا متزايدا لدى القطاع. وتتضمن بعض أبرز نتائج عام 2017 وجود برمجيات خبيثة على كومبيوترات وأجهزة خادمة في أكثر من 60 في المائة من الشركات الصيدلانية، وتصدرت الفلبين وفنزويلا وتايلاند لائحة الدول التي تعرضت الأنظمة في شركات صيدلانية فيها لهجمات.
ويقترح الخبراء على الشركات اتخاذ الإجراءات التالية للحفاظ على أمن أنظمتهم التقنية: إزالة كل العُقد الشبكية التي تتعامل مع بيانات طبية من البوابات العامة والبوابات المؤمنة، وتحديث النظم البرمجية المثبتة على كل العُقد، بما فيها الأجهزة الخادمة تلقائيا، من خلال أنظمة إدارة التصحيحات، وإجراء فصل بين الأجهزة على الشبكة، وتجنب ربط معدات طبية ثمينة بالشبكة المحلية الرئيسية، بالإضافة إلى استخدام حلول أمنية مثبتة مصممة للشركات، مع تقنيات مضادة للهجمات الموجهة، والاعتماد على المعلومات المتعلقة بالتهديدات، مثل «Threat Management and Defense Solution» القادرة على كشف الهجمات الموجهة المتقدمة، وإيقافها من خلال تحليل أي شذوذ في حركة البيانات عبر الشبكة، وتمكين فرق الأمن الإلكتروني من إلقاء نظرة فاحصة على الشبكة وأتمتة التعامل مع التهديدات.

التصويت عبر الإنترنت

وعلى صعيد آخر، ومع انتشار التصويت عبر الإنترنت (مثل الحكومات، والمؤسسات التعليمية، والمنظمات غير الحكومية، والبلديات)، فقد تكون المخاطر المترتبة على إجراء الاختيارات الحرجة عبر الإنترنت عالية، حيث يفسح التصويت عبر الإنترنت المجال أمام مجرمي الإنترنت للتلاعب في النتائج. وفي هذا السياق، أعلنت حاضنة الأعمال التابعة لشركة «كاسبرسكي لاب» خلال فعاليات المؤتمر، عن ابتكار منصة تصويت عبر الإنترنت قابلة للتعديل حسب احتياجات الشركات والمجتمعات والمنظمات غير التجارية. ويستند هذا الحل على تقنية «بلوك تشين» (Blockchain) ويتم تأمينه بخوارزميات تشفير شفافة، (الخوارزمية هي نهج سير عمل ما لتحقيق الهدف المرغوب). ويهدف هذا الحل إلى تزويد المجتمعات بالقدرة على إجراء تصويت آمن ومجهول الهوية عبر الإنترنت، مع نتائج لا يمكن تغييرها أو التلاعب بها من قبل المشاركين أو المنظمين.
وأطلق اسم «Polys» على هذه التقنية، وهي تستند على مبدأ العقود الذكية التي يُمكن إبرامها على منصة «إيثيريوم» (Ethereum) التي يشار إليها أحيانا بـ«بلوك تشين 2.0»، وهي منصة عامة مفتوحة المصدر للحوسبة الموزعة، تعتمد على تقنية «بلوك تشين»، وتقوم بوظيفة إبرام العقود الذكية التي تسهل إبرام عقد على الإنترنت يحاكي العقود التقليدية، مع إتاحة عنصري الأمن والثقة. وتسمح هذه المنصة بالتحقق من عمليات التصويت وتسجيل الأصوات بطريقة لا مركزية. وتتمثل الميزة الرئيسية لها في إمكانية التحقق من دقة تنفيذ التصويت من قبل المشاركين في الشبكة، بسبب الطبيعة اللامركزية الموزعة لتقنية «بلوك تشين»، إذ لا يتم تخزين بيانات التصويت على الأجهزة الخادمة بتاتا، وإنما في كتل معلوماتية موزعة على الكومبيوترات الخاصة بكل المشاركين في الشبكة، التي يتطلب تعديلها اختراق جميع الأجهزة والوصول إلى مجموعات البيانات الفردية. كما تسمح هذه التقنية للناخب بالتحقق بسهولة مما إذا تم تسجيل تصويته بشكل صحيح، في حين يتم إظهار أي تلاعب في الأصوات بشكل تلقائي حال حدوثه، ولا يتطلب النظام الجديد أي موارد إضافية أو الحاجة لحضور الموظفين شخصيا.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».