أفلام عربية من مهرجان مسقط الدولي

تتفاوت في رسائلها ومستوياتها

مشهد من فيلم «إلى آخر الزمان»
مشهد من فيلم «إلى آخر الزمان»
TT

أفلام عربية من مهرجان مسقط الدولي

مشهد من فيلم «إلى آخر الزمان»
مشهد من فيلم «إلى آخر الزمان»

انتهت الدورة العاشرة من مهرجان مسقط السينمائي الدولي التي أُقيمت بين السادس والعشرين والحادي والثلاثين من شهر مارس (آذار).
بموازاة المهرجانات العربية التي تقع في عدد كبير من الدول الممتدة من المغرب حتى منطقة الخليج العربي، يأتي المهرجان العماني كما لو كان أحدثها، فقد وُلد صغيراً وملبياً لحاجة أبناء السلطنة في تحقيق مناسبة سينمائية لخدمة الثقافة المحلية وأخذ يكبر قليلاً وبالتدريج في كل دورة، منذ الدورة الأولى سنة 2001 التي لم تبرمَج على أنها مهرجان فعلي بل على أساس أنها حدث فني يهدف إلى عروض أفلام مختلفة وغير جماهيرية. بعد ذلك انتقل من حدث يقع مرّة كل عامين إلى حدث سنوي وبذلك بلغ العاشرة من العمر في أكثر من 20 سنة.
لم يكن وارداً، من الأصل، إنجاز مهرجان كبير ولم يكن هناك داعٍ لذلك في الأساس. لهذا خط المهرجان لنفسه سبيلاً مختلفاً تميّز بالبساطة وبالإصرار لتأتي الدورة العاشرة، التي هي أكبر دوراته حجماً، وهي ما زالت تتحلى بهاتين الميزتين.
بلغ عدد الأفلام المعروضة 112 فيلماً من بينها 77 فيلماً في 6 مسابقات ما بين الروائي الطويل والتسجيلي الطويل والأفلام القصيرة بقسميها الروائي والتسجيلي، كما أن الأفلام العمانية روائية وتسجيلية.
مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، التي كنت أحد أعضاء لجنة تحكيمها، شملت 12 فيلماً مع غياب فيلم إيطالي أدت مفاوضات غير مجدية بين «الجمعية العمانية للسينما»، منظِّمة المهرجان وبين أصحابه الإيطاليين، إلى عدم وصوله.
من بين هذه الأفلام 10 عربية وفيلمان غير عربيين أحدهما من الفلبين والثاني من إيران، كلاهما سقط من الحسابات الفعلية عندما جلس أعضاء لجنة التحكيم، بقيادة أستاذ السينما الفرنسي فرنسوا غارسون ليتناقشوا الأفلام التي تستحق الجوائز الممنوحة.
- عن المرأة والغائب العائد
بدأت العروض بالفيلم اللبناني «نور» لخليل زعرور: دراما عاطفية تقع في بيئة مسيحية وتتمحور حول الفتاة الصغيرة نور التي تتصادق، منذ طفولتها وابن الجيران في القرية الجبلية التي تقع فيها الأحداث، مع صبي في مثل عمرها تقريباً. في سن الرابعة عشرة تلفت نظر أحد أبناء القرية فيطلب من والدته أن تخطبها له وهذه تتجه بهدايا ثمينة (وغصباً عنها لأنها تعتبر نفسها من طبقة أعلى اجتماعياً ومادياً من عائلة الفتاة) إلى أم نور وشقيقها اللذين يوافقان على هذا الزواج المبكر.
لكن نور ترفضه بالطبع ولو أنها في النهاية تحاط بالرغبات الضاغطة فتقبل وتتحول إلى زوجة يضربها الزوج (الذي يكبرها بنحو عقدين على الأقل) وتهينها والدته، ما يدفعها إلى التواصل مع صديق الطفولة من دون أن يؤدي ذلك إلى فعل الخيانة. وتنتهي الأحداث مأساوياً.
إنها الحكاية القديمة ذاتها التي امتدت شرقاً وغرباً حول الزواج بالغصب وليلة العرس التي تنتهي بالاغتصاب. لكن الشيء الوحيد الجديد هنا أن الأحداث تقع في كنف قرية مسيحية بينما اعتدنا مشاهدة أعمال ذات حكايات مشابهة تقع في بيئات مسلمة في أفلام مغربية أو جزائرية أو تونسية أو مصرية.
فنياً، يكتفي المخرج بقدر محدود من محاولة الإجادة فنياً. يقْدم على عمل لا يريد منه سوى إيصال حكاية لجمهور الحكايات تاركاً الموعظة في سياق الفيلم عوض أن تكون رأس حربته. يستفيد جيداً من مواقع التصوير ويسفر عن تصوير كامل للبيئة وشخصياتها من الكاهن الذي يشفق على نور مما يحدث معها، إلى الأم والشقيق اللذين يشعران بالذنب، إلى الزوج وأمّه اللذين يتعاملان مع نور كما لو كانت ملكية بلا روح.
فيلمان لبنانيان آخران تقدّما للتنافس في هذه المسابقة هما «من السماء» لوسام شرف، و«قصة مش مكتوبة» لفرح الهاشم (إنتاج مشترك مع الكويت). «من السماء» يتّبع حبكة شوهدت سابقاً لكن على نحو مختلف وفي نطاق السينما اللبنانية أكثر من سواها.
فمنذ فيلم غسان سلهب «أشباح بيروت»، سنة 1998، وربما من قبل ذلك، ترددت، في الأفلام اللبنانية، منظومة الظهور المفاجئ لرجل كان قد اعتُبر ميتاً. وهي كلها تتعامل مع الحرب في الخلفية. حدث جسيم وقع سابقاً وها هو الرجل الغائب يظهر فجأة بعدما تم اعتباره ميتاً أو مفقوداً إلى الأبد. لكن في فيلم وسام شرف هناك تناول كوميدي للموضوع يميّزه بالقدر الكافي عن سواه. كذلك أحداث لا تنوي سبر غور الحرب أو العودة إليها بل الانتقال إلى الحاضر، ولو أن هذا الحاضر يحمل تعاليمها. يتبنى المخرج هنا شخصياته سريعاً. هنا يفاجأ عمر بظهور أخيه سمير، الذي اعتُبر ميتاً، بعد 20 سنة من الغياب. ظهور الشقيق الأكبر يخلط أوراق أسرة مضعضعة، في الوقت الذي يبدأ فيه سمير بمعاينة حياة جديدة عليه.
سمير العائد ليست لديه حكايات بطولة يحكيها، والفضول لا يستولي على شقيقه عمر. الحاصل أن هناك رغبة لدى الشقيق العائد في الامتزاج بالمجتمع الجديد (الالتحاق بالعمل كحارس أمني لمغنية لامعة) من دون تغيير في دفة التصرفات ذاتها. هو لا يزال سمير الذي قد يلجأ إلى العنف في لحظة فشل في التواصل (مشهد اعتدائه على الجار). في مجاله الضيق يستعرض الفيلم وضع الحياة في بيروت. لا يدعي أنها نموذج، لكنها متوفرة وموجودة وعلى الشاشة تتبدى كما لو كانت حقيقية بما يكفي لاعتبار الفيلم صادقاً في منحاه. سيفقد الفيلم في ثلثه الأخير بعض زخمه ولن يجد نهاية مثلى، لكنه أكد حالته، وارتاح المخرج لمعالجة كوميدية غير مهدورة أو متكلفة.
أما «قصّة مش مكتوبة» فهو فيلم قائم بنوعه، يُسجَّل له أنه أكثر ذاتية من باقي الأفلام، كونه عملاً تجريبياً يذكّر بأفلام الفرنسية مرغريت دوراس (وإلى حدٍّ بأفلام السويسرية شانتال أكرمان): بالأبيض والأسود وقائم على مونتاج يلغي السرد الروائي ليقدم حكاية المخرجة وهي تحاول، مع رسام لبناني، بناء قصّة ما لفيلم تريد تحقيقه. النتيجة هي الفيلم الذي نراه عن فيلم لا يولَد.
ما تحاول المخرجة تحقيقه، وما يتحقق، شأنان مختلفان. هي تنوي تقديم فيلم عن تشتت وضياع ذاتيين بين مسائل مطروحة (تتوّجها مسألة الحياة لأي سبب والموت متى) والفيلم، تحت مطرقتها، يتحوّل إلى عرض لمجموعة كبيرة من الأسئلة التي تخفق في أن تبدو ملحّة لكونها قديمة الطرح في أشكال سينمائية مختلفة (من بينها ما هو تجريبي) ولأنها لا تفضي إلى أبعاد تزكّي ما فيها من طرح.
المخرجة تتحدّث عن نفسها وتُعنى بها أكثر مما تٌعنى بفيلمها. ليس لأنها تظهر في كل لقطة (ولو أنها تظهر في لقطات كثيرة)، بل لأنها تطرح أسئلتها كما لو كانت جديدة تماماً وخاصّة بها وحدها فقط. لذا فإن معاناة المخرجة المتبدية في الشخصية التي تقوم بها والتي تشمل القلق والوحدة والهواجس وعناء الذاكرة، لا تفضي إلى طرح مفيد بل إلى أسئلة لا تلقى إجابات. زِدْ على ذلك، أن الفيلم باستخدامه شخصيات حقيقية لا تمثل (من بينها والدة الفتاة التي تتحدث إلى الرسام وتسأله لماذا لم يتزوّج بعد) ليس روائياً إلا بمقدار أن هناك خيطاً من حكاية تريد أن تتبلور لكن من دون أحداث. هو تسجيلي بصفة تجريب كان من حقّه أن يُكتب أفضل ويتم تنفيذه بمعرفة سليمة.
- حدث ذات مقبرة
لكن الموت صفة متلازمة لعدد لا بأس به من الأفلام العربية المعروضة (ولعدد أكبر يتوارد في المهرجانات العربية الأخرى). هناك ذلك التشاؤم مما هو موجود في عالمنا الحاضر وترقب لموت آتٍ من دون ربيع أو صيف.
يجسّد الفيلم الجزائري «حتى آخر الزمان» للمخرجة ياسمين شويخة هذا الموضوع على نحو راصد: يبدأ ببطلته جوهر (جميلة عراس) وهي تجلس في الحافلة التي تنقلها إلى بلدة صغيرة اسمها «سيدي بوقبور». هناك تم دفن شقيقتها التي لم ترها منذ زمن بعيد وهي الآن في سبيلها لكي تحجز لنفسها قبراً قريباً منها.
يشرف على المقبرة العجوز «علي» الذي يدل «جوهر» على البيت الذي عاشت فيه أختها في البلدة. مكان قشيب خالٍ من الضروريات لكنه مناسب لكي تنتظر موتها فيه. الأمور تتغير عندما تتعرف إلى محيطها الجديد وتكتشف أن شقيقتها لم تكن المرأة السيئة كما أُذيع عنها، ثم تجد أن علي (يؤديه جيلالي بوجمعة) يحبها ويطلب الزواج منها. حين ترفضه يترك المكان بحثاً عن حياة أخرى في مكان آخر.
النهاية مستعجلة لكن ما يسبقها جيد من نواحٍ كثيرة. هو فيلم عن الحب بعد فقدان الرغبة في الحياة ثم عبثية خسارته بعدما دنا. هناك معايشة رطبة ومشبّعة بالأجواء الريفية وتمثيل صادق من قِبل الجميع ومتآلف مع الطبيعة القروية.
الإلمام بالمكان (تم التصوير في ضواحي بلدة قوارة، في منطقة اسمها سبع قباب) يلبّي حاجة الفيلم، كما مشاهديه، للإلمام بالمكان ومن يعيش فيه. المخرجة لأول مرّة تحيط جيداً بالمكان وتوزّع الدراما في شخصياته بقدرة متوازنة ومثيرة للاهتمام. كل واحدة من هذه الشخصيات المذكورة (وفوقها رجل دين ومحمود، ابن علي، من زواج سابق) وفتاة شابّة متحررة يطلب محمود الزواج منها فتوافق. هذا يشجع علي على الطلب نفسه، لكن جوهر التي خسرت فرص حياة أفضل سابقاً ترضى بأن تخسر هذه الفرصة ولو أن السبب غير مبرر على نحو كافٍ. وما تجيد المخرجة فعله هو تحريك الأحداث على نحو يحفظ الرواية عوض أن تعمد، إلى ما يعمد إليه كثيرون، من أسلوب يبدو أكثر حباً بالسينما التسجيلية منه للسينما الروائية.
يأتي الموت في أفلام المسابقة بعدة وجوه. وفي فيلم رشيد مشهراوي الجديد «كتابة على الثلج» هو مناط بحالة الذعر التي يولّدها القصف الإسرائيلي على غزة في الحرب الأخيرة التي دارت هناك.
يفتح المخرج رشيد مشهراوي فيلمه على القصف والتدمير الإسرائيليين وهروع الفلسطينيين في كل مكان طالبي الأمان خلال حرب غزة، 2014، ثم ينتقل إلى داخل بيت ويقفل بابه على زوجٍ وزوجته و3 أفراد لجأوا إلى ذلك البيت هرباً من القصف للاحتماء به. الزوج (الممثل السوري غسان مسعود) رجل متقدم في السن خبر الحياة السياسية حتى ملّ منها وغاص في الزمن عبر الاعتناء بعدد كبير من الساعات التي يملكها وغالبها توقف عن العمل. الزوجة (الفلسطينية عرين عُمَري) هي ربة بيت كانت تفضل لو أنها لجأت مع زوجها إلى الأمان في منطقة أخرى. أما المقتحمون عليهما الدار فهم المسعفة التي تعمل للهلال الأحمر الفلسطيني (يُمنى مروان) والجريح (رمزي مقدسي) والمنتمي إلى فصيلة دينية (المصري عمرو واكد بلهجة فلسطينية شبه كاملة).
ما يحدث لساعة ونصف الساعة هو ما يمكن أن يحدث لأي مجموعة متناقضة من البشر تجد نفسها حبيسة منزل واحد. الخلافات بين المعتدلين والمتطرف تتصاعد. وهذا الأخير يرتاب بحقيقة الجريح الفلسطيني ويهاجم المسعفة الفلسطينية التي ترفض، والباقون، محاولته هيمنته على الجميع. في حين أن تجهيز الدراما لتدور في مكان واحد ليس جديداً، إلا أن المخرج لديه الوقت الكافي لتأسيس شخصياته وجعلها تتداول موجزاً للأوضاع المتناقضة التي تعايشها. لكن حتى هذا النجاح الجزئي كان يحتاج إلى تفاعل أكثر حدّة ينتج عن حدثٍ ما مفقود داخل المكان، علاوة على مشاهد التحدي بين كل فرد والآخر.
- الكويت والعراق
الفيلم الآخر هو كويتي عنوانه «سرب حمام» لرمضان خصرو. فيلم بموضوع كان يستحق، أيضاً، عملاً أفضل بكثير مما ارتسم على الشاشة. أحداثه تقع في الأيام الأخيرة لبدء دحر الاحتلال العراقي من شوارع مدينة الكويت. أبطاله مجموعة من المدافعين عن الوطن الذين يبذلون كل جهودهم لأداء هذه المهمّة دون خوف وتلكؤ وتحت إمرة قائد شجاع لكن ليس لديه الكثير من الكلمات الجديدة يقولها في مشاهده، بل يعيد إلقاءها من مشهد لآخر.
هو عن مجموعة من المناضلين يقودهم أكبرهم سناً (داوود حسين) الذي يخطط لأن يدافع ورجاله عن الحي حال يبدأ تحرك قوات التحالف التي ستجبر القوات العراقية على الانسحاب، وهذه قد تبدأ عملية غزو البيوت ودخول الشوارع الداخلية للحي لتعيث قتلاً وتدميراً قبل انسحابها الكامل. لكن المجموعة تجد نفسها محاصرة في بيتها بعدما أطلقت النار على دورية وانكشف وضعها، وما تلبث القيادة أن تبعث بفوج من الجنود لاقتحام ذلك البيت، ما يجبر المناضلين على النزوح إلى بيت قريب آخر والاشتباك مع العراقيين منه.
الوضع ميؤوس منه، كذلك الفيلم بسبب أن المخرج يرسم شخصياته هذه بكل لون نمطي ممكن. هؤلاء أبطال لأنهم كويتيون وهذا يكفي. الأعداء أشرار لأنهم عراقيون، وهذا أيضاً كافٍ. هذا لا يخلق على الشاشة سوى مشاهد تتعاطى والحس المباشر للمشاهدين من دون عمق. يتوخى المخرج من المشاهد أن يتفاعل مع ما يراه، لكن التفاعل سيكون محدوداً بمن يعيشون التاريخ بمشاعرهم العفوية وليس بأفكارهم وببسالة قضيتهم. في «سرب حمام» (تبدأ القصة بحكاية ترويها امرأة لابنها لا نتبين صلتها بما سيقع) هناك خُطب عالية النبرة ومواقف مسرحية لا ينقصها إلا إسدال الستارة من حين لآخر. والحوار المتكرر لا يحمل جديداً ولا يحتاج إليه الفيلم الذي لولا ذلك الحوار لأصبح أفضل قليلاً. من منتصف الفيلم يبدأ المخرج وضع عناوين زمنية على الشاشة تبدأ من الساعة الثانية بعد الظهر. أمر لافت ليس لأنه غير ضروري في الأصل فقط، بل لأن توقيت الأحداث لم يبدأ قبل ذلك.


مقالات ذات صلة

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».