الكشري... نزوة الغني وعكاز الفقير

طبق لم يعرفه المصريون إلا مع اندلاع الحرب العالمية الأولى

طبق شعبي لا يستغني عنه المصريون
طبق شعبي لا يستغني عنه المصريون
TT

الكشري... نزوة الغني وعكاز الفقير

طبق شعبي لا يستغني عنه المصريون
طبق شعبي لا يستغني عنه المصريون

متربع على عرش الأطعمة الشعبية المصرية، لا ينافسه في ذلك سوى الفول والطعمية، تجده بسهولة في كل شارع، وكل ميدان، بالجمهورية الممتدة من بحيرة ناصر في أعماق الجنوب حيث «أسوان»، وحتى ساحل البحر الأبيض المتوسط، على شواطئ الإسكندرية ودمياط، ورشيد. يُقدم في مطاعم شديدة الضيق، يضطر زائرها تناول الطعام أو الانتظار في أجواء حارة ومزدحمة بالطابق الأرضي بالمناطق الفقيرة والشعبية، بينما ينعم عشّاقه من المترفين والأثرياء في المناطق الراقية، بالجلوس في أماكن مكيفة الهواء، ومنمقة، ونظيفة جدا.
إنه طبق الكشري، الذي يتمتع بشهرة واسعة لدى كل فئات المجتمع المصري، عكاز الفقير ونزوة الغني. صار علامة تجارية مصرية شهيرة، تخطت شهرتها الحدود المصرية، وذاع صيتها في أوروبا والخليج، بعدما امتدت المطاعم المصرية إلى هناك. يتعجب متناولوه للمرة الأولى من الرائحة الأخاذة والشهية واللاذعة أيضا، ويدهش من كثرة الأصناف والتوابل والإضافات التي يتسابق المصريون في إضافتها.
سعر العلبة في المناطق الشعبية يبدأ بـ4 جنيهات، (السعر الرسمي للدولار ارتفع بأكثر من الضعف أمام الجنيه)، وفي الراقية بـ10 جنيهات، فيما لا يزيد ثمن الطبق الكبير في مطاعم النوع الأول عن 10 جنيهات، بينما يصل سعره في مطاعم المناطق الراقية إلى ثلاثين جنيها. وفق محمد السيد حسين، مهندس، من سكان وسط القاهرة، والذي سبق له تناول هذه الأكلة في أكثر من منطقة.
مكوناته الأساسية المختلفة من الأرز، والعدس، والثوم، والبصل، والتقلية، والصلصة، والمعكرونة والشعرية، تشبه الشخصية المصرية متعددة السمات والأشكال، والفئات، من النوبيين أصحاب البشرة السمراء، مرورا بالوجه القمحي الشهير، بالصعيد والدلتا، ومن الفلاحين والعمال، إلى المهندسين والعلماء والأطباء وكبار رجال الدولة.
مثل فئات المجتمع المصري، يعاني من تمييز طبقي، هو غالٍ وأنيق في الأحياء الراقية، لأن تناوله يكون أحيانا نوعا من الترف والمغامرة والتغيير، بينما هو طبق شعبي وأساسي في الأحياء الفقيرة، إذ يلجأ إليه الجوعى، لسد رمقهم مقابل جنيهات معدودة. كان بمثابة وجبة دسمة مشبعة «أيام العز»، قبل تعويم الجنيه المصري أمام الدولار (الدولار يعادل 17.6 جنيه مصري)، وانكمش قليلا بعد ارتفاع الأسعار ليتناسب مع المرحلة الاقتصادية الصعبة.
الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي، يرجع الاختلاف بين كشري الفقراء والأغنياء في مصر إلى «مستوى المحلات التي يقدم فيها الطبق الشهير، بجانب درجة النظافة ومدى جودة المكونات المستخدمة في الطبق».
وأضاف صادق لـ«الشرق الأوسط»، قائلا: «الأغنياء في مصر يقصدون محلات الكشري الفارهة بحثا عن تناول أطعمة مغايرة، لبرنامجهم اليومي، الذي يغلب فيه الاعتماد على الأسماك واللحوم، لكنهم لا يستطيعون الذهاب إلى عربة كشري، متواضعة بالشارع، أو محل كشري في منطقة شعبية لا تتوافر بها مقومات الجودة، أو النظافة أو الاستضافة المريحة والمكيفة، ورغم ذلك فإن تلك المطاعم «المتواضعة تكون مناسبة جدا للفئات المتوسطة والفقيرة، لأنه سيتناول وجبة غذائية متكاملة بـ5 جنيهات فقط».
في 16 يناير (كانون الثاني) الماضي، أرسل المركز الثقافي للتراث العربي بفرنسا طلبا رسميا لمنظمة اليونيسكو العالمية، يطالب فيه بضم طبق الكشري المصري إلى القائمة العالمية للتراث غير المادي، بعد إضافة البيتزا الإيطالية، والخبز الفرنسي في القائمة.
ودعا المركز الثقافي للتراث العربي بفرنسا، كل المؤسسات المصرية لدعم هذا الملف، خاصة أنه الطبق الأشهر في مصر والذي تنفرد به المائدة المصرية.
بعض الأبحاث التاريخية تؤكد أن الكشري ليس طبقا مصرياً، لأن المصريين لم يعرفوه إلا عند اندلاع الحرب العالمية الأولى، مع قدوم الجنود الهنود مع القوات البريطانية، الذين كانوا يطلقون عليه «كوتشري». وعرف المصريون هذه الوجبة بعد اختلاطهم بالجنود الهنود، حتى بدأت في الانتشار في أحياء القاهرة، ثم أضاف المصريون الصلصة الحمراء الحارة و«الدقة»، التي تتكون من مزيج من الثوم المهروس والخل والشطة الحمراء، كما أضافوا لها البصل المحمر، الذي يقومون برشه على وجه طبق الكشري بالإضافة إلى الحمص، حتى صار الكشري علامة من علامات المطبخ المصري في الشارع والمنزل على حد سواء.
على شرف طبق الكشري الأثير في المطاعم الكبرى، تقدم بجانبه أطباق أخرى، مثل المعكرونة، والأرز باللبن، والعاشوراء والفطائر، والهريسة، وتم إضافة تلك الزيادات في أسماء المحلات لتكون «كشري وحلواني».
يشار إلى أن العدس والأرز اللذين يعدان من أبرز مكونات الكشري المصري، قد ارتفعت أسعارهما في الآونة الأخيرة، مع ارتفاع معدلات الطلب عليه في موسم الشتاء، لا سيما أن السوق المحلية تعتمد على المنتج المستورد من العدس بنسبة كبيرة جدا، وفق تقدير مجدي الوليلي، نائب الشعبة العامة للمصدرين بالغرف التجارية المصرية، الذي أضاف أن «مصر تستورد منه ما يقرب من 300 ألف طن سنويا»، وأوضح أيضا أن سكان مصر يستهلكون نحو 3 ملايين طن ونصف من الأرز سنويا، وأن الإنتاج المحلي يغطي الاستهلاك ويتم تصدير بعض الكميات الفائضة منه إلى الخارج.


مقالات ذات صلة

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

يوميات الشرق رهاب الموز قد يسبب أعراضاً خطيرة مثل القلق والغثيان (رويترز)

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

كشفت تقارير أن رهاب وزيرة سويدية من الموز دفع المسؤولين إلى الإصرار على أن تكون الغرف خالية من الفاكهة قبل أي اجتماع أو زيارة.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)
صحتك رجل يشتري الطعام في إحدى الأسواق الشعبية في بانكوك (إ.ب.أ)

دراسة: 3 خلايا عصبية فقط قد تدفعك إلى تناول الطعام

اكتشف باحثون أميركيون دائرة دماغية بسيطة بشكل مذهل تتكوّن من ثلاثة أنواع فقط من الخلايا العصبية تتحكم في حركات المضغ لدى الفئران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق خبراء ينصحون بتجنب الوجبات المالحة والدهنية في مبنى المطار (رويترز)

حتى في الدرجة الأولى... لماذا يجب عليك الامتناع عن تناول الطعام على متن الطائرات؟

كشف مدرب لياقة بدنية مؤخراً أنه لا يتناول الطعام مطلقاً على متن الطائرات، حتى إذا جلس في قسم الدرجة الأولى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق قطع من الجبن عُثر عليها ملفوفة حول رقبة امرأة (معهد الآثار الثقافية في شينغيانغ)

الأقدم في العالم... باحثون يكتشفون جبناً يعود إلى 3600 عام في مقبرة صينية

اكتشف العلماء أخيراً أقدم قطعة جبن في العالم، وُجدت ملقاة حول رقبة مومياء.

«الشرق الأوسط» (بكين)
يوميات الشرق التفوُّق هو الأثر أيضاً (أ.ف.ب)

الشيف دانييل هوم... أرقى الأطباق قد تكون حليفة في حماية كوكبنا

دانييل هوم أكثر من مجرّد كونه واحداً من أكثر الطهاة الموهوبين في العالم، فهو أيضاً من المدافعين المتحمّسين عن التغذية المستدامة، وراهن بمسيرته على معتقداته.

«الشرق الأوسط» (باريس)

حلويات خطيرة لا يطلبها طهاة المعجنات أبداً في المطاعم

صندوق من الكعك والكعك المحلى من إنتاج شركة «غريغز سويت تريتس» في نيوكاسل أبون تاين - بريطانيا (رويترز)
صندوق من الكعك والكعك المحلى من إنتاج شركة «غريغز سويت تريتس» في نيوكاسل أبون تاين - بريطانيا (رويترز)
TT

حلويات خطيرة لا يطلبها طهاة المعجنات أبداً في المطاعم

صندوق من الكعك والكعك المحلى من إنتاج شركة «غريغز سويت تريتس» في نيوكاسل أبون تاين - بريطانيا (رويترز)
صندوق من الكعك والكعك المحلى من إنتاج شركة «غريغز سويت تريتس» في نيوكاسل أبون تاين - بريطانيا (رويترز)

في بعض المطاعم والمقاهي، توجد بعض الخيارات الاحتياطية التي تجعل طهاة المعجنات حذرين من إنفاق أموالهم عليها؛ لأنها علي الأرجح خيار مخيب للآمال. على سبيل المثال، قالت أميليا جايست، طاهية المعجنات في The Lodge at Flathead Lake، وهي مزرعة شاملة في مونتانا الأميركية: «إذا كان المطعم جزءاً من سلسلة، فسأقرر أن معظم الحلويات يتم صنعها في مطبخ تجاري خارج الموقع»، وفقاً لما ذكرته لصحيفة «هاف بوست» الأميركية.

يرجع هذا إلى أن هذه المطاعم المملوكة للشركات تحتاج إلى تقديم خدمات ترضي الجماهير؛ وهو ما يؤدي عادة إلى اختيار آمن وتقليدي للغاية، وفقاً لريكي سوسيدو، رئيس الطهاة التنفيذي للحلويات في مطعم Pata Negra Mezcaleria في أتلانتا.

وقال سوسيدو: «عندما يكون الأمر عبارة عن كعكة براوني على طبق، وشريحة من الكعكة، وكريمة بروليه، وربما بعض الكريمة المخفوقة»، فهذه هي إشارة لتخطي الطبق.

وإذا رأيت كعكة معروضة مع خطوط قطع واضحة وموحدة تماماً، فمن المرجح أن تكون من مخبز جملة متخصص ولم تُعدّ بشكل طازج.

مع ذلك، قالت كلوديا مارتينيز، رئيسة الطهاة للحلويات في مطعم Miller Union الحائز نجمة ميشلان في أتلانتا: «إذا كان مطعماً صغيراً في منتصف الطريق، فقد تعلمت أنه عادةً لا يتم تصنيعه داخلياً؛ لأن معظم المطاعم لا تستطيع تحمل تكلفة وجود طاهي حلويات على قائمة الرواتب».

واتفق طهاة المعجنات على أن هناك علامات تحذيرية عن النظر في قائمة الحلوى، ولماذا يتخطون بعض الأصناف.

كعكة الجبن

بالنسبة لمارتينيز، فإن كعكة الجبن الكلاسيكية هي واحدة من أكبر المؤشرات على أنها قد تكون في سوق شعبية أو مطعم يجذب السياح.

من جانبه، جوس كاسترو، طاهي المعجنات، قال: «أتذكر أنني ذهبت إلى مطعم مشهور بكعكات الجبن واشتريت كعكة كاملة وقيل لي أن أنتظر ساعتين على الأقل حتى تذوب؛ لأنها تصل إليهم مجمدة»؛ وهو ما يؤكد بلا شك أنها لم تُصنع طازجة في المنزل بواسطة طاهي معجنات.

قد تقدم المطاعم التي يعمل بها طهاة معجنات تفسيرات راقية للطبق المفضل التقليدي من قبل قاعدة عريضة من الجمهور، واعترف جايست: «إذا تم صنع كعكة الجبن في المنزل أو بواسطة مخبز محلي، فمن الصعب عليّ أن أقول لا!» لكن هذا لا يزال اختياراً غير آمن.

وقال سوسيدو: «خلال تجربتين مختلفتين، أعطوني كعكة جبن فاسدة، وربما نسوا السكر في إحداهما!». ومنذ ذلك الحين، أصبح لا يثق في كعكات الجبن.

كريمة بروليه

قالت دانييلا ليا رادا، رئيسة الطهاة في مطاعم هيلتون اتلانتا: «كريمة بروليه هي الحلوى التي لا أطلبها أبداً». وتضيف: «تستخدم معظم المطاعم قاعدة مسحوقة لصنعها، كما تستخدم الفانيليا المقلدة لتقليل التكلفة وإخفاء زيف قاعدة المسحوق. وعادة ما تكون مطبوخة أكثر من اللازم وحبيبية، ولا يتم حرقها بشكل صحيح أبداً ويتم تزيينها بنسبة 99 في المائة بالفراولة، وهو أمر قديم الطراز للغاية».

كعكات براونيز

قالت جايست: «البراونيز من الحلويات التي أعطيها صفراً؛ لأنها في الغالب مصنوعة تجارياً»، وأشارت إلى أنه من السهل وغير المكلف شراء مزيج كعكات براونيز لخبزها في المنزل للحصول على نتائج أفضل. تقترح إضافة رقائق شوكولاته إضافية أو طبقة من زبدة الفول السوداني لجعلها أكثر روعة.

مولتن كيك

تأخذ ليا رادا الشوكولاته على محمل الجد؛ ولهذا السبب، لن تطلب كعكة الحمم البركانية المذابة (المولتن كيك) أبداً. قالت: «عادةً ما تكون مصنوعة من الشوكولاته الرخيصة ذات النسبة العالية من السكر».

قالت كاريليس فاسكيز، رئيسة الطهاة في فندق فورث أتلانتا إنها «تميل إلى مذاق معززات النكهة الاصطناعية».

وقالت مارتينيز بشأن شكاوى الجودة: «البراونيز تُنتج دائماً بكميات كبيرة وتُباع بتكلفة عالية؛ مما يجعلها ذات قيمة رديئة».

الفطائر

لا يوجد شيء جميل مثل الفطائر الطازجة المخبوزة، لكن لسوء الحظ، لا يثق الكثير من طهاة المعجنات في تلك التي تظهر في قوائم الحلوى ويستشهدون بها باعتبارها الحلويات الأكثر شيوعاً التي تتم الاستعانة بمصنعات ومخابز جملة تجارية لإعدادها.

قالت جايست: «يتم الحصول على الفطائر دائماً بشكل تجاري؛ لأنها رائعة للمطاعم وفي متناول اليد نظراً لسهولة تخزينها والحفاظ عليها طازجة في الفريزر». بالإضافة إلى ذلك، «تشتريها المطاعم بتكلفة منخفضة وتفرض مبلغاً جنونياً لبيعها إلى الزبون»، كما قال كاسترو.

ويتجنب الطهاة في العادة فطيرة الليمون والكرز؛ لأن «تلك الفطائر عادة ما تعتمد على معزز النكهة بدلاً من الفاكهة الحقيقية».

وتصف الطاهية مارتينيز فطيرة الليمون بأنها «مخيبة للآمال، وتفتقر إلى الإبداع، وحلوة للغاية وعادة ما تكون مجمدة»، وقالت ليا رادا إنها تنفر من «القشرة الناعمة، وكريمة الليمون الحلوة للغاية». بالنسبة لجيست، «إنها ببساطة ليست شيئاً يجب اختياره إذا كنت ترغب في تناول منتجات طازجة من الصفر».

الحلويات المزينة بشكل سيئ

الجميع يحبون ملعقة كبيرة من الكريمة المخفوقة... أليس كذلك؟ على ما يبدو، هذا اختيار خاطئ، وفقاً لهيئة طهاة المعجنات الأميركية.

وكشفت مارتينيز: «كريمة مخفوقة على شكل نجمة مع زينة النعناع، ​​وفراولة مقطعة مثل الوردة، هذه علامات على أن الحلوى ربما تم توفيرها من قِبل مخبز تجاري».

تلك التفاصيل التي توضح أن الحلوى لم يحضّرها شخص لديه خبرة احترافية في مجال الحلويات.