أثار إطلاق «مشروع خطة الطاقة الشمسية 2030» في السعودية اهتمام عدد من خبراء الطاقة في العالم، وبخاصة بعد الإعلان عن عزم المملكة إنتاج 200 غيغاواط من الطاقة الشمسية عام 2030، مؤكدين أن هذا المشروع سينقل المملكة من دولة متقدمة في تصدير النفط إلى دولة لتصدير الطاقة المستدامة؛ نظير ما تمتلكه من مقومات طبيعية تؤهلها لتأسيس صناعات صديقة للبيئة من خلال طاقات: الشمس، والرياح، وحبّات الرمال الغنية بمادة السيليكا.
وتتوافق أهداف هذا المشروع العالمي مع توقعات وكالة الطاقة الدولية في أن تكون الطاقة الشمسية أكبر مصدر للطاقة في العالم بحلول 2050، وكذلك مع استراتيجية «رؤية المملكة 2030» الرامية إلى تنويع الاقتصاد الوطني، وتحفيز الاستثمارات والصناعات غير النفطية، فضلاً عن تقليل سعر تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية، وإيجاد المزيد من الفرص الوظيفية لأبناء وبنات الوطن، منها 100 ألف وظيفة في مشروعات الطاقة الشمسية وحدها.
قصة استفادة المملكة من الطاقة الشمسية تعود إلى ما قبل 38 عاماً مضت، حينما دشن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، عام 1980 - عندما كان أميراً لمنطقة الرياض - محطة أبحاث مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بالعيينة، التي تعد أولى المحطات العلمية والإنتاجية للمملكة المعروفة باسم «مشروع القرية الشمسية» لتوفير الكهرباء بقدرة 350 كيلوواط إلى كل من: العيينة، والجبيلة، والهجرة المحاذية للرياض.
وعدّت القرية الشمسية أول محطة طاقة شمسية في المملكة نشأت بشراكة سعودية أميركية لإنتاج 350 كيلوواط من خلال استخدام المجمعات الكهروضوئية المركزة؛ مما جعلها تصبح نواة لجهود وطنية بحثية متطورة في تقنيات الطاقة المتجددة، وبخاصة أبحاث الطاقة الشمسية.
وعقب هذه التجربة تحوّل الاهتمام الوطني بالطاقة الشمسية عبر سنوات متعاقبة إلى منظور اقتصادي تمثّل في إطلاق مبادرة خادم الحرمين الشريفين، لتحلية المياه بالطاقة الشمسية عام 2010 التي وصفت بأنها أكبر مشروع لتحلية المياه في العالم، تم على ثلاث مراحل في مدينة الخفجي أقصى شمال شرقي المملكة.
ولم يكن التوجه الاستثماري للطاقة الشمسية في المملكة يسير على نطاق واسع، حيث أكدت «رؤية 2030»، أن المملكة لا تمتلك قطاعاً منافساً في مجال الطاقة المتجددّة في ظل توقع ارتفاع مستوى الاستهلاك المحلي للطاقة ثلاثة أضعاف بحلول عام 2030، وهو ما حدا بالأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع ورئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة السعودي، إلى فتح هذا الملف التنموي؛ إيماناً بأهميته النوعية للاقتصاد الوطني.
وذهبت استراتيجية «رؤية المملكة» في فكرتها لتنويع مصادر الاقتصاد الوطني إلى التنقيب في اقتصادات الثروات الطبيعية للمملكة مع الحفاظ على مكوناتها البيئية، مستهدفة إضافة 9.5 غيغاواط من الطاقة المتجددة إلى الإنتاج المحلّي بحلول عام 2023 كمرحلة أولى، علاوة على توطين نسبة كبيرة من العاملين في الطاقة المتجددة في مجالات: البحث، والتطوير، والتصنيع، وغيرها.
وفي سياق التوجه الوطني نحو استثمار الثروات الطبيعية، أعلن المهندس خالد الفالح، وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي، في 17 أبريل (نيسان) الماضي إطلاق مبادرة خادم الحرمين الشريفين، للطاقة المُتجددة، مع إطلاق وثائق مناقصات مشروع سكاكا للطاقة الشمسية بطاقة قدرها 300 ميغاواط، ومناقصة مشروع لطاقة الرياح طاقته 400 ميغاواط.
قصة التحول في هذا التوجه كانت تدور رحاها ما بين الرياض ونيويورك، حيث صاغ الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، مفردات تحوّل المملكة إلى عهد «مملكة الطاقة المستدامة» في غضون خمسة أشهر احتضنت خلالها الرياض في 23 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بداية وضع استراتيجية «مشروع خطة الطاقة الشمسية 2030» ما بين صندوق الاستثمارات العامة و«رؤية سوفت بنك»، بينما في 28 مارس (آذار) الماضي وقّع ولي العهد في نيويورك مع صندوق «رؤية سوفت بنك» مذكرة تفاهم لإنشاء خطة المشروع، في خطوة تعقبها أخرى لإنجاز المشروع في مطلع 2019، والبدء الأولي في إنتاج الطاقة الشمسية.
ويعد هذا المشروع إحدى خطوات ولي العهد السعودي الطموحة نحو تطبيق «رؤية المملكة»، التي أكدت أنها ستضع إطاراً قانونياً وتنظيمياً يسمح للقطاع الخاص بالملكية والاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة، وتوفير التمويل اللازم من خلال عقد شراكات بين القطاعين العام والخاص في مجال الصناعة لتحقيق التقدّم في هذه الصناعة، وتكوين قاعدة من المهارات التي تحتاج إليها مع ضمان تنافسية سوق الطاقة المتجددة من خلال تحرير سوق المحروقات تدريجياً.
ويمكن لهذا المشروع العالمي أن يسهم في زيادة توليد الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية التي من شأنها أيضاً أن تفتح قنوات اقتصادية واستثمارية جديدة في المملكة، إضافة إلى توفير الكثير من فرص التوظيف، والتدريب، والاستثمار للأفراد والشركات.
إلى ذلك، نوّه الأمير الدكتور تركي بن سعود بن محمد، رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، بجهود ولي العهد في توقيع مذكرة التفاهم لإنشاء خطة الطاقة الشمسية 2030 كخطوة أولى نحو إنتاج 200 غيغاواط عام 2030، مبيناً أنها تأتي في إطار اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين، بتنمية الوطن والاستفادة من ثرواته الطبيعية بما يعود خيرها على صالح أبناء وبنات الوطن.
وقال الأمير تركي بن سعود، في حديث نقلته وكالة الأنباء السعودية: «إن احتياجات المملكة من الطاقة حالياً تعادل 75 غيغاواط، ومشروع خطة الطاقة الشمسية 2030 سيمكّن المملكة من تصدير الفائض منها عبر الشبكات الكهربائية المترابطة، وتعد بذلك طاقة بديلة لطاقة النفط في المملكة».
وأوضح الأمير الدكتور تركي بن سعود، أن المملكة تضم مساحات شاسعة يمكن استثمارها لبناء محطات إنتاج طاقة شمسية ضخمة، مشيراً إلى أن استخدام 7.5 في المائة من مساحة المملكة لمشروعات الطاقة الشمسية يكفي لسد احتياج العالم من الطاقة.
وأشار رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، إلى «أن خطة الطاقة الشمسية 2030 لها الكثير من الجوانب الإيجابية، أجلّها تخفيض تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية للإسهام في استخدامات تحلية المياه المالحة لأغراض الزراعة، وستعمل هذه الخطوة على سد احتياج المملكة من الطاقة في الزراعة الذي يقدر بنحو 20 غيغاواط».
وبيّن الأمير تركي بن سعود، أن من المقومات الأساسية التي تتمتع بها المملكة، الكميات الهائلة من الرمال الغنية بمادة السيليكا التي يمكن تحويلها إلى سيليكون عالي النقاوة، وهو المادة الأساسية في إنتاج الخلايا الشمسية، والتكامل مع مجال التعدين، وذلك باستخدام مخلفات الفوسفات في المناجم، لإنتاج كميات أخرى من مادة السليكون.
وأضاف الأمير الدكتور تركي بن سعود: «إن المراكز البحثية في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية وجامعات المملكة تبذل جهوداً بحثية متميزة في توطين وتطوير الكثير من التقنيات لتغطية سلسلة القيمة لصناعة الطاقة الشمسية ابتداءً من تطوير الخلايا والألواح الشمسية، وانتهاءً ببناء المحطات الشمسية، علاوة على ما تملكه من قدرات وخبرات علمية وطنية، وبنية تحتية متقدمة تعزز من وصولها إلى الريادة في مجال صناعة الطاقة الشمسية».
واستشهد الأمير الدكتور تركي بن سعود، في ذلك المجال، بجهود معهد بحوث المياه والطاقة في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية؛ إذ يقوم بإجراء الكثير من البحوث للتوصل إلى حلول تقنية مبتكرة لإنتاج الطاقة الشمسية بكفاءة اقتصادية عالية، واستغلال مصادر الطاقة مع حماية البيئة من نتائج استخدامها، وإيجاد مصادر بديلة للطاقة عن طريق تطوير تقنيات تخزين الطاقة المتجددة.
وأوضح الأمير تركي بن سعود، أن المعهد يقدم حلول توفير الطاقة للمناطق النائية، ويعمل على تحسين تقنيات الطاقة لتلائم الظروف البيئية القاسية في المملكة، علاوة على إجراء الكثير من البحوث في مجالات الاحتراق والمحركات، وتطبيقات البلازما، وخلايا الوقود والبطاريات، وتقنية السيارات. وأضاف: «عمل المعهد على تنفيذ 23 مشروعاً تتعلق بمصادر الطاقة الشمسية، منها مشروع إنشاء (مختبر موثوقية الألواح الشمسية الكهروضوئية) وهو الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا القادر على اختبار منتجات الطاقة الشمسيّة الكهروضوئية تحت مواصفات الاختبارات العالمية، وأصبح عام 2017 مختبراً معتمداً من الجهات ذات العلاقة في دول الخليج العربي، ويعد معملاً وطنياً يشترك في اختبارات الكفاءة والسلامة المطلوبة من قِبل الهيئة لمنتجات الألواح الشمسيّة التي تدخل السوق السعودية».
واستطرد الأمير تركي بن سعود «في عام 2010 أنشأت المدينة أول خط إنتاج للألواح الشمسية بطاقة إنتاجية قدرها 14 ميغاواط لكل سنة، وتم الحصول على شهادة (الأيزو 9001) لتطبيق معايير إدارة الجودة في المصنع، كما تم تأهيل المنتج والحصول على الاعتماد الدولي لأداء وسلامة المنتج، بينما في عام 2016 بنت المدينة خط إنتاج بسعة 100 ميغاواط في السنة بأحدث الوسائل الأوتوماتيكيّة التي تستخدم في العالم لإنتاج الألواح الشمسيّة العالية الجودة.
«مشروع الطاقة الشمسية 2030»... السعودية في صدارة الدول المصدرة لها
تمتلك مقومات طبيعية تؤهلها لتأسيس صناعات صديقة للبيئة
«مشروع الطاقة الشمسية 2030»... السعودية في صدارة الدول المصدرة لها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة