الانقلابيون يرغمون سكان صنعاء على التظاهر

معظم ناشطي حزب {المؤتمر} قاطعوا رغم الضغوط

TT

الانقلابيون يرغمون سكان صنعاء على التظاهر

سخّرت ميليشيا جماعة الحوثيين الانقلابية جل أدوات البطش التي تملكها في المناطق التي تسيطر عليها من أجل إقامة مظاهرة في صنعاء أمس كان دعا إليها زعيمها، في مسعى منه لاستعراض القوة والتباهي بحجم مؤيديه، بعد أن انفرد بالسيطرة المطلقة على العاصمة اليمنية عقب تخلصه من الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
وفي هذا السياق، استنفرت الميليشيا الموالية لإيران كل عناصرها وأتباعها في المحافظات للحضور إلى المظاهرة نساء ورجالا وأطفالا، بعد أن أفتى معممو الجماعة بأن عدم المشاركة في المظاهرة يعد نوعا من «العصيان لأوامر الله»، وهي الفتوى التي تم تناقلها في صيغ شتى عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
كما استغلت الجماعة الانقلابية أموال اليمنيين التي نهبتها من مؤسسات الدولة للإنفاق على حشد المتظاهرين الذين استقدمتهم من المديريات والمحافظات الواقعة تحت سيطرتها، عبر توفير وسائل النقل وتقديم الوجبات وتوزيع المكافآت النقدية.
وأكدت مصادر محلية في محافظات المحويت وحجة وذمار لـ«الشرق الأوسط»، أن عناصر الجماعة وزعوا أموالا طائلة على آلاف من الموالين لهم من أجل الحضور إلى التظاهر في صنعاء، في حين كشفت مصادر مالية في شركة «يمن موبايل» المختلطة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص بأن عناصر الجماعة الذين يديرون الشركة صرفوا 100 مليون ريال لدعم المظاهرة (الدولار يساوي 480 ريالا).
وامتد بطش الميليشيات إلى التجار وملاك الشركات والأعمال التجارية لإجبارهم على تمويل المظاهرة، حيث أفاد رجال أعمال وملاك محلات لـ«الشرق الأوسط» بأنهم دفعوا مبالغ مالية لعناصر الجماعة تحت التهديد، تراوحت حسب نوع العمل التجاري وحجمه.
وفي السياق نفسه، أفادت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» بأن الجماعة أجبرت تلاميذ المدارس الحكومية والخاصة في صنعاء الذين حضروا للدراسة أمس على المشاركة في المظاهرة بالقوة، حيث تم نقلهم في حافلات إلى ميدان السبعين حيث مكان الاحتشاد، في حين كان أغلب أولياء الأمور قد منعوا أبناءهم من الدوام الدراسي خشية أن يتم إجبارهم على المشاركة.
وأكد موظفو المؤسسات الحكومية في صنعاء أن الجماعة أمرتهم تحت التهديد بالفصل من الوظيفة بالحضور إلى الفعالية، في حين أمرت عناصرها الذين يديرون هذه المؤسسات برصد أسماء المتخلفين، وبخاصة من العناصر الموالية لحزب «المؤتمر الشعبي».
وقبل يوم من المظاهرة دفعت الجماعة الحوثية بـ«الزينبيات» (المجندات الحوثيات) إلى أحياء العاصمة صنعاء للطواف على المنازل لإقناع النساء بالتظاهر مع الجماعة في ميدان السبعين، باعتبار ذلك أمرا واجبا يستحق المثوبة من الله، لأنه نوع من الجهاد في سبيله. بحسب ما أفاد به عدد من ربات البيوت لـ«الشرق الأوسط».
وإلى ذلك عقد قادة الجماعة لقاءات مكثفة قبل المظاهرة مع زعماء القبائل حول صنعاء ومع أعيان الأحياء في العاصمة وعقال الحارات لحملهم على التحشيد للمظاهرة، التي قدرت مصادر مالية بأن كلفتها فاقت نحو 100 مليار ريال يمني، وهو مبلغ يكفي لصرف رواتب الموظفين التي قطعتها الجماعة عنهم في مناطق سيطرتها منذ 18 شهرا.
وجندت الميليشيات أغلب سائقي حافلات النقل في صنعاء أمس لنقل أتباعها من نقاط التجمع التي حددتها لهم كما سخرت المطابع الحكومية التي سيطرت عليها لطبع عدد مهول من الملصقات والشعارات والأعلام لتوزيعها على المتظاهرين.
وخوفا من بطش الجماعة أغلقت أغلب المحلات في صنعاء أبوابها صباحا، ولزم ملاكها منازلهم حتى لا يتهموا بعصيان أوامر الميليشيا وزعيمها عبد الملك الحوثي الذي فرض على المواطنين التظاهر.
ورغم أن الجماعة أمرت قيادات حزب «المؤتمر» بحض أتباع الحزب على التظاهر عبر بيان رسمي بثه الموقع الرسمي للحزب قبل يومين، إلا أن أغلب ناشطي الحزب نفذوا حملات لمقاطعة المظاهرة عبر منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات التراسل الفوري، على خلفية العداء للميليشيات الذي تنامى في أوساط القاعدة الشعبية للحزب منذ مقتل زعيمه ومؤسسه الرئيس السابق علي صالح في ديسمبر (كانون الأول) الماضي على يد الجماعة.
وواكبت المظاهرة الحوثية مرور ثلاثة أعوام على إطلاق التحالف العربي الداعم للشرعية في اليمن «عاصفة الحزم»، في مسعى من الجماعة - كما يبدو - لإظهار التحدي للمجتمع الدولي والإصرار على الانقلاب الممول إيرانيا، إلى جانب محاولتها إيهام مبعوث الأمم المتحدة الجديد الموجود حاليا في صنعاء باتساع شعبيتها. وكان زعيم الميليشيا ألقى خطابا عشية المظاهرة، أبدى فيه عدم الندم على حجم المأساة الإنسانية التي طاولت ملايين اليمنيين بسبب الانقلاب الذي قاده على الشرعية تنفيذا للأجندة الإيرانية في المنطقة.
ولم يحمل خطاب الحوثي أي جديد يشير إلى تعقل محتمل، سوى ما اعتاد على تكراره في كل مناسبة من توزيع الشتائم في كل اتجاه، وتقديم جماعته الطائفية على أنها الفئة الوحيدة التي تدافع عن «إرادة الله ودينه»، أما ما عداها من القوى والتيارات اليمنية فلا يزالون في نظره مجرد «خونة ومنافقين وضالين وعملاء لأميركا وإسرائيل».
وعلى صعيد منفصل، زعمت الجماعة أمس أنها أطلقت نحو 50 ناشطا في حزب «المؤتمر» كانت اعتقلتهم قبل خمسة أيام أثناء قمعها لمظاهرة حاولت الاقتراب من منزل الرئيس السابق لوضع أكاليل الورد عند بوابته، في سياق إحيائهم لذكرى ميلاده.


مقالات ذات صلة

سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

خاص الرئيس اليمني رشاد العليمي خلال استقبال سابق للسفيرة عبدة شريف (سبأ)

سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

تكشف السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبدة شريف، عن تحضيرات لعقد «مؤتمر دولي في نيويورك مطلع العام الحالي لحشد الدعم سياسياً واقتصادياً للحكومة اليمنية ومؤسساتها».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

أظهرت بيانات حديثة، وزَّعتها الأمم المتحدة، تراجعَ مستوى دخل الأسر في اليمن خلال الشهر الأخير مقارنة بسابقه، لكنه كان أكثر شدة في مناطق سيطرة الحوثيين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

ضاعفت الجماعة الحوثية من استهدافها الأكاديميين اليمنيين، وإخضاعهم لأنشطتها التعبوية، في حين تكشف تقارير عن انتهاكات خطيرة طالتهم وأجبرتهم على طلب الهجرة.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ومحافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان خلال زيارة سابقة للجبهات في مأرب (سبأ)

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

أكدت القوات المسلحة اليمنية قدرة هذه القوات على مواجهة جماعة الحوثي وتأمين البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية وفي مقدمتها مضيق باب المندب الاستراتيجي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي العام الماضي كان قاسياً على اليمنيين وتضاعفت معاناتهم خلاله (أ.ف.ب)

اليمنيون يودّعون عاماً حافلاً بالانتهاكات والمعاناة الإنسانية

شهد اليمن خلال العام الماضي انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، وتسببت مواجهات البحر الأحمر والممارسات الحوثية في المزيد من المعاناة للسكان والإضرار بمعيشتهم وأمنهم.

وضاح الجليل (عدن)

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.