بعد الموازنة... الأكراد يبحثون آخر خياراتهم الصعبة مع بغداد

تفرق شملهم بعدما كان تحالفهم الموحد «صانع الملوك»

TT

بعد الموازنة... الأكراد يبحثون آخر خياراتهم الصعبة مع بغداد

بتمرير الموازنة بالأغلبية (الشيعية - العربية السنية) وبغياب الكرد يكون المكون الكردي يوشك على فقدان آخر خياراته وأخطرها. فالكرد كانوا طوال السنوات الأربع عشرة الماضية بيضة القبان على صعيد كل مخرجات العملية السياسية، بينما كان تحالفهم الموحد حتى قبل أقل من سنتين في البرلمان العراقي «صانع الملوك»، كما لا يمر قانون أو تشريع دون أن تكون للكرد بصمة فيه.
كما بدأ التحالف الكردي - الشيعي التاريخي، مثلما كان يوصف، يترنح منذ أربع سنوات رغم محاولات «ترقيعه» من قبل هذا الطرف أو ذاك حتى أطاح استفتاء كردستان في الخامس والعشرين من سبتمبر (أيلول) العام الماضي بنصفه، بينما أكمل دخول القوات العراقية كركوك والسيطرة على المناطق المتنازع عليها في السادس عشر من شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه نصفه الثاني. ثم تعدى الأمر على صعيد الصلة بين الطرفين (بغداد وأربيل) ليصل إلى المطارات والمنافذ الحدودية. بينما يبدو واضحاً بالنسبة لكل المراقبين والمتابعين للشأن السياسي العراقي أن بغداد تمكنت من اللعب على التناقضات الكردية التي مثلها جبهتان عريضتان، الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني الذي يهيمن على أربيل ودهوك، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس الراحل جلال طالباني وحركة التغيير.
وبينما لا يزال حزب بارزاني موحداً، فإن الاتحاد الوطني شهد انقسامات عدة كسبت بغداد أطرافاً منها، بينما بقيت حركة التغيير (كوران) تلتزم جانب المعارضة مع موقف يكاد يكون إيجابياً مع بغداد، في حين استمر التشنج بين بغداد وحكومة إقليم كردستان على الأقل بجناحها المسيطر، وهو الحزب الديمقراطي الكردستاني.
لكن الموازنة التي تمكّن البرلمان العراقي، الذي يهيمن عليه التحالف الوطني (الشيعي) الحليف السابق للأكراد، من تمريرها بموافقة سنية، وإن بدت خجولة، أعادت فتح ملف العلاقة بين الكرد والعرب، وبين بغداد وأربيل، وبين حكومة الإقليم والحكومة الفيدرالية. وبسبب هذا التناقض الذي لا تزال بغداد تستفيد منه، عدّ النائب عن الجماعة الإسلامية الكردستانية زانا سعيد، أن سياسة الحكومة الاتحادية تجاه الكرد تصب في مصلحة الحزب الديمقراطي الكردستاني. سعيد أضاف: إن «كل ما جرى في مجلس النواب حول التصويت على فقرات الموازنة والشروط التي وضعت للإقليم تصب في النهاية لمصلحة سياسة الحزب الديمقراطي الكردستاني». وأضاف: «إننا سنتوجه للشعب الكردي بهذه الموازنة التي تؤكد قطع أرزاقهم؛ مما يدفعنا للذهاب بعيداً عن العراق».
في السياق نفسه، تؤكد ريزان شيخ دلير، عضو البرلمان العراقي عن الاتحاد الوطني الكردستاني، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «ما حصل داخل البرلمان ليس مجرد تمرير قانون يمكن أن تمر أمثاله بالأغلبية أو التوافق، بل ما حصل كان عقوبة مدبرة للشعب الكردي من قبل شركائنا، وهو ما يعني أنهم لم يعودوا يريدوننا شركاء لهم في عراق اليوم؛ لأنك كيف يمكن أن تسكت على عقوبة جماعية ضد شعب كامل».
وحول الموقف الذي يمكن أن تتخذه القيادات الكردستانية وحكومة الإقليم في أربيل، قالت الشيخ دلير: إن «الأمر في غاية الصعوبة، حيث إننا كنواب كرد قلنا كلمتنا، وبقي الأمر بيد القيادة الكردية، التي لا أتوقع أن موقفها سيكون قوياً بمن فيهم رئيس الجمهورية (فؤاد معصوم) الذي لا دور له في الأمر»، مبينة أن «الشعب الكردي يشاهد ما يجري، وبالتالي كيف يمكن له أن يصوّت لنا حين لا نتخذ موقفاً صارماً». وأوضحت أن «هناك طرفاً إقليمياً، وأقولها بصراحة الأتراك ضغطوا بهذا الاتجاه لفرض المزيد من العقوبات على الشعب الكردي؛ لأن ما حصل بمثابة انقلاب كامل على الدستور وفض للشراكة».
من جانبه، يؤكد شوان محمد طه، مسؤول الفرع الخامس للحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد والنائب السابق في البرلمان العراقي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «ما حصل أمر يتعدى الموازنة، بل هو استهداف للكرد؛ لأنه لو كان الأمر يتعلق بعدم وجود مبالغ مالية فإن النسبة تكبر أو تصغر ليست هي المشكلة، بل إن بغداد باتت تتعامل مع إقليم كردستان كمحافظات شمالية، وهذا مخالف للدستور». ورداً على سؤال عما إذا كان ما حصل سوف يوحّد الكرد رغم خلافاتهم؟ يقول طه: إن «الكرد منقسمون كأحزاب وكقوى سياسية، لكنهم ككرد لا يمكنهم المساومة على مصيرهم، حيث إن رسالة بغداد وصلت لكل كردي، سواء كان معارضاً أو موالياً، ولم تبقِ بغداد لنا أي خيار آخر، حيث بات الأمر مسألة وجود لا قضية نسبة موازنة».
في السياق ذاته، يرى الدكتور عبد الحكيم خسرو، أستاذ العلوم السياسية في جامعة صلاح الدين في أربيل في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «النظام السياسي الحالي في العراق وصل إلى نهاية مسدودة»، مبيناً أن «احتساب نظام المقاعد على أساس الدوائر المتعددة حسم مسألة الأغلبية الشيعية مع عدم تشريع قانون مجلس الاتحاد الذي يملك حق الفيتو يدل أن هناك مقدمات باتجاه الأغلبية الطائفية، وقد كان الموقف من الاستفتاء بمثابة مقدمة لما حصل فيما بعد». وأوضح خسرو، أن «المواطن الكردي لم يشعر بشيء جديد ما دامت العقوبات مستمرة منذ سنوات، لكن ما يمكن أن يحصل هو إعادة نظر للكثير من الإجراءات من قبل حكومة الإقليم، بمن في ذلك إعادة هيكلة الاقتصاد لمواجهة المستقبل». وحول ما إذا كان الانقسام الكردي سيقلل خيارات الكرد، قال خسرو: إن «الانقسام الكردي سوف يلقي بظلاله بالتأكيد، حيث لا يوجد موقف كردي موحد، بالإضافة إلى أن بغداد استخدمت سياسة لي الأذرع مع الأكراد؛ وهو ما شل حركة الكرد في القيام بشيء أساسي، حيث إن هذا الانقسام يحد كثيراً من الخيارات الكردية».
من جانبها، أكدت النائبة الكردية المعارضة سروة عبد الواحد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «إقرار الموازنة من دون موافقة الكرد سابقة خطيرة، وهي بمثابة الخطوة الأولى لإنهاء الشراكة». وأضافت عبد الواحد: إن «من الصعوبة التعامل مع هذا الوضع بين بغداد والكرد ما لم يتم إصلاح البيت الكردي أولاً، والقضاء على الفساد في الإقليم». واستبعدت عبد الواحد أن «يقوم الكرد بمقاطعة بغداد؛ لأن هذه الخطوة لن تكون حكيمة، بل الأصح هو المزيد من الحوارات».



1.3 مليون يمني يستفيدون من المساعدات الأميركية

جانب من عملية تحميل الدقيق في ميناء الحديدة اليمني الخاضع للحوثيين (أ.ف.ب)
جانب من عملية تحميل الدقيق في ميناء الحديدة اليمني الخاضع للحوثيين (أ.ف.ب)
TT

1.3 مليون يمني يستفيدون من المساعدات الأميركية

جانب من عملية تحميل الدقيق في ميناء الحديدة اليمني الخاضع للحوثيين (أ.ف.ب)
جانب من عملية تحميل الدقيق في ميناء الحديدة اليمني الخاضع للحوثيين (أ.ف.ب)

تعهدت الوكالة الأميركية للتنمية الاستمرار في توزيع المساعدات لليمن بما في ذلك المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين الذي صعدوا من حملات الاعتقال ضد الموظفين في المنظمات الدولية والوكالات الأممية.

وذكرت الوكالة أنها قدمت عبر الشركاء المساعدات لأكثر من مليون وثلاثمائة ألف يمني، وسط ازدياد الاستهلاك الكافي للغذاء جراء تدهور الاقتصاد وتضاؤل فرص العيش.

الأزمة الإنسانية في اليمن تتصاعد بسبب الصراع ونقص التمويل الإغاثي (إ.ب.أ)

وفي تقرير حديث ذكرت الوكالة أن شركاءها واصلوا توزيع المساعدات الغذائية الطارئة، بما في ذلك السلع من مصادر أميركية، والنقد والقسائم للأفراد لشراء المواد الغذائية في الأسواق المحلية، حيث قدمت إحدى المنظمات غير الحكومية الشريكة توزيعات نقدية لما يقرب من 6 آلاف و800 أسرة من أسر المجتمع المضيف، ونحو ألفي أسرة نازحة داخلياً، وخصصت هذه المبالغ لشراء الطعام.

وفي المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية وزعت الوكالة مساعدات للسكان في محافظات أبين والضالع ولحج، بالإضافة إلى أكثر من ألف و800 أسرة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في محافظتي الجوف ومأرب خلال شهر أبريل (نيسان).

وبيّنت الوكالة أنها تقدم الدعم شهرياً من خلال المساعدة الغذائية الطارئة التي تقدمها حكومة الولايات المتحدة استجابة لانعدام الأمن الغذائي، حيث يقوم شركاء الوكالة بتوزيع المساعدات الغذائية غير المشروطة، التي تعادل المساعدات الغذائية الصغيرة، المصممة لتلبية ما لا يقل عن 80 في المائة من احتياجات الأسر الضعيفة من السعرات الحرارية.

إضافة إلى ذلك، يقوم الشركاء بحسب التقرير بتوزيع مساعدات نقدية متعددة الأغراض، والتي تشمل مبلغ التمويل الأصغر، بالإضافة إلى الأموال النقدية لتغطية التكاليف الأخرى - بما في ذلك المأوى ومواد النظافة - في جميع أنحاء اليمن لدعم انعدام الأمن الغذائي، وتحسين القوة الشرائية على مستوى الأسرة.

دعم متنوع

بينما يبقى برنامج المساعدة الغذائية العامة التابع لبرنامج الأغذية العالمي متوقفاً عن العمل مؤقتاً في مناطق سيطرة الحوثيين، يواصل شركاء الوكالة الأميركية من المنظمات غير الحكومية توزيع المساعدات الغذائية وغيرها من أشكال الدعم متعدد القطاعات، مثل المساعدات النقدية والغذائية متعددة الأغراض، على الأسر الضعيفة في مناطق سيطرة الحوثيين.

عامل إغاثة بمركز تابع لبرنامج الأغذية العالمي في صنعاء حيث أوقف البرنامج تقديم المساعدات (الأمم المتحدة)

كما يقدمون خدمات الرعاية الصحية الأولية جنباً إلى جنب مع برامج التغذية والمياه والصرف الصحي والنظافة الصحية من خلال المرافق الصحية الثابتة والفرق الطبية المتنقلة التي تخدم المناطق التي يصعب الوصول إليها في جميع أنحاء البلاد.

وقالت الوكالة إنه وبدعم من حكومة الولايات المتحدة، توفر المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وثلاث منظمات غير حكومية المساعدات المالية متعددة الأغراض للأسر المتضررة من النزاع في اليمن لتلبية احتياجاتها الأساسية، والحد من استخدام استراتيجيات التكيف السلبية، مع دعم الأسواق المحلية أيضاً. ومن خلال توفير المساعدات المالية متعددة الأغراض، كما أنها وشركاءها يواصلون مراقبة الوضع في اليمن بالتنسيق مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة.

نقص الغذاء

أكد تقرير الوكالة الأميركية استمرار ازدياد الاستهلاك غير الكافي للغذاء في جميع أنحاء اليمن نتيجة تدهور الظروف الاقتصادية، ومحدودية فرص كسب العيش، والتوقف المستمر للمساعدات الغذائية العامة التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في مناطق سيطرة الحوثيين، إذ أدى ذلك إلى ضعف مستويات استهلاك الغذاء وارتفاع مستويات الحرمان.

وبحسب بيانات الوكالة، فإن مناطق سيطرة الحوثيين تعاني من عدم كفاية مستويات استهلاك الغذاء، وعلاوة على ذلك، ارتفع معدل عدم كفاية استهلاك الغذاء على الصعيد الوطني من 51 في المائة في أبريل إلى 58 في المائة في مايو (أيار) الماضي.

الدعم الأميركي يصل عبر الأمم المتحدة أو الشركاء المحليين إلى مناطق سيطرة الحوثيين (الأمم المتحدة)

ومع تأكيد الوكالة على ارتفاع مستويات انعدام الأمن في جميع أنحاء اليمن، نبهت إلى تفاقم هذا الاتجاه بشكل ملحوظ في مناطق الحوثيين، حيث ارتفع بنسبة 78 في المائة على أساس سنوي، مقارنة بزيادة قدرها 52 في المائة في مناطق سيطرة الحكومة.

الوكالة وهي الذراع الإنسانية للحكومة الأميركية جزمت بأن المساعدات الإنسانية ما زالت تلعب دوراً حاسماً في تخفيف انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء اليمن، حيث يحد ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وانخفاض قيمة الريال اليمني من قدرة الأسر على شراء المواد الغذائية الأساسية في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية.

وقالت إن انخفاض القوة الشرائية أدى إلى عدم قدرة الأسر على توفير المواد الغذائية الأساسية، رغم توفرها في الأسواق، وزيادة الحجم الإجمالي للواردات الغذائية التي تصل عبر الموانئ البحرية اليمنية بنسبة 22 في المائة خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2024 مقارنة بالعام الماضي.

تدهور الصحة

يفيد التقرير الأميركي بأن ما يقرب من عشر سنوات من الصراع في اليمن أدت إلى زيادة تفشي الأمراض، بما في ذلك الخناق والحصبة وشلل الأطفال، والأمراض المنقولة مثل حمى الضنك والملاريا. ونتيجة لذلك، تواجه البلاد عودة ظهور وارتفاع في الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، وخاصة بين الأطفال.

النزوح والتدهور الاقتصادي وانخفاض الدخل والظروف المعيشية المكتظة في مخيمات النازحين، إلى جانب النظام الصحي المثقل وانخفاض معدلات التحصين، أسهمت، وفق التقرير، في عودة ظهور الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات.

مناطق سيطرة الحوثيين تعاني من عدم كفاية مستويات استهلاك الغذاء (الأمم المتحدة)

وأوضح أن تكلفة سلة الغذاء الدنيا - التي تحتوي على الحد الأدنى من متطلبات الأسرة من السعرات الحرارية لمدة شهر واحد وتشمل الفاصولياء والزيت والأرز والملح والسكر والقمح - وصلت إلى نحو 70 دولاراً أي أعلى بنسبة 13 في المائة عن العام الماضي.

وتناولت الوكالة الأميركية في تقريرها احتجاز الحوثيين العاملين في المجال الإنساني، ومن بينهم موظفون سابقون لدى مكتب الوكالة نفسها والسفارة الأميركية في صنعاء.

ومنذ يونيو (حزيران) اعتقل الحوثيون - وفق الوكالة - ما لا يقل عن 13 من موظفي المنظمات التابعة للأمم المتحدة، ورجح التقرير أن يكون عدد موظفي المنظمات غير الحكومية المحتجزين أخيراً أعلى بكثير من العدد المعلن، حيث إن المنظمات غير الحكومية الوطنية أقل عرضة للإبلاغ عن احتجاز الموظفين بسبب المخاوف الأمنية المتعلقة بالانتماءات للأمم المتحدة.