تعليق الإغاثة يؤرق الحوثيين اقتصادياً ومعنوياً

رغم تهديد الأمن الغذائي لملايين اليمنيين الخاضعين للجماعة

أنشأت الجماعة الحوثية هيئة استخباراتية لمراقبة أنشطة المنظمات الإغاثية والتحكم بها (إعلام حوثي)
أنشأت الجماعة الحوثية هيئة استخباراتية لمراقبة أنشطة المنظمات الإغاثية والتحكم بها (إعلام حوثي)
TT

تعليق الإغاثة يؤرق الحوثيين اقتصادياً ومعنوياً

أنشأت الجماعة الحوثية هيئة استخباراتية لمراقبة أنشطة المنظمات الإغاثية والتحكم بها (إعلام حوثي)
أنشأت الجماعة الحوثية هيئة استخباراتية لمراقبة أنشطة المنظمات الإغاثية والتحكم بها (إعلام حوثي)

برغم تضرر ملايين اليمنيين الخاضعين للجماعة الحوثية بسبب قرار تعليق المساعدات الإغاثية الأممية، يرى اقتصاديون أن الجماعة نفسها ستصاب بأضرار اقتصادية ومعنوية، خاصة أن عراقيلها كانت سببا في توقف المساعدات من قبل برنامج الأغذية العالمي.

وزعمت الجماعة الحوثية عبر قياداتها وكياناتها أن إيقاف برنامج المساعدات الغذائية في مناطق سيطرتها جاء عقابا لها على موقفها من الحرب في غزة ومساهمتها المزعومة في مساندة الفلسطينيين، وتقصد بذلك إطلاق الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية باتجاه أهداف إسرائيلية وأعمال القرصنة في البحر الأحمر.

عامل إغاثة في مركز تابع لبرنامج الأغذية العالمي في صنعاء حيث أوقف البرنامج تقديم المساعدات (الأمم المتحدة)

واتهم ما يعرف بـ«المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي» التابع للجماعة، برنامج الأغذية العالمي بتنفيذ قرارات سياسية أميركية وغربية بسبب موقف الجماعة المناصر للقضية الفلسطينية، نافياً ما ورد في إعلان البرنامج من عدم توافر الموارد اللازمة التي تمكنه من الاستمرار في توزيع المساعدات.

وبحسب مزاعم المجلس فإنه لم يحصل أي انخفاض في التمويلات، بل إن حجم الواصل منها هذا العام يزيد عما وصل منها العام الماضي، وإن برنامج الأغذية العالمي رفض الحلول كافة التي تقدمت بها الجماعة لاستمرار تقديم المساعدات الإنسانية، محذراً من تعرض ملايين اليمنيين للمجاعة والموت.

ويرى الباحث الاقتصادي اليمني رشيد الآنسي أن الجماعة الحوثية خسرت ورقة ابتزاز كانت تستخدمها لفرض شروطها المجحفة على المجتمع الدولي ومنظماته التي اضطرت للاستجابة لمطالبها بتحويل الأموال إلى مناطق سيطرتها وفي بنوك تحددها هي، إلى جانب إلزام المنظمات بصرف المساعدات بالعملة المحلية وبأسعار غير عادلة، ليذهب الفارق إلى خزائن الجماعة.

تقول المنظمات الدولية إن معظم اليمنيين يحتاجون إلى المساعدات من أجل البقاء على قيد الحياة (إ.ب.أ)

وينبه الآنسي في إفادة لـ«الشرق الأوسط» إلى أن وصول أموال المساعدات إلى مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يعزز من انتشار العملات الأجنبية وامتلاء أرصدة الجماعة بها لتمويل اقتصادها الذاتي، خصوصاً تجارة المشتقات النفطية التي أصبحت حكراً لها وقيادتها التي تملك سلسلة من الشركات التابعة لها داخلياً وخارجياً.

إيرادات ضخمة للجماعة

تستفيد الجماعة الحوثية من الدورة الاقتصادية من شراء المواد الغذائية بأموال المساعدات من مناطق سيطرتها، لتضاف لها إيرادات مختلفة من الضرائب والرسوم الجمركية إضافة إلى الأدوات التي تأخذها من التجار في مناطق سيطرتها، وفقاً للآنسي.

ويقول الآنسي إن المتضرر الأساسي من الخلاف بين الجماعة الحوثية والمنظمات الدولية هو المواطن اليمني القابع تحت حصار الجماعة، وإنه لن يكون هناك حل للخلاف سوى حزم المجتمع الدولي والضغط لعدم استخدام الحالة الإنسانية وسيلة للابتزاز وتجويع اليمنيين للحصول على امتيازات.

عاملة في مركز مساعدات غذائية في صنعاء (رويترز)

ويحذر من أن تصرفات الحوثيين سوف تضر باليمن كثيراً، فابتزاز المنظمات الدولية قد يؤدي إلى إيقاف برامج المساعدات وتحويلها إلى مناطق نزاعات مختلفة في العالم، أو قد يضطر المانحون إلى إيقاف مساعداتهم التي ستتطلب إعادتها وقتاً وجهداً كبيرين، مطالباً الحكومة الشرعية بالعمل بإيجابية في هذا الملف والتدخل بصورة فاعلة لإيصال المساعدات إلى المواطنين اليمنيين القابعين تحت سيطرة الجماعة.

ولم يُحْدِث إعلان برنامج الغذاء العالمي بإيقاف المساعدات ردودفعل شعبية ملحوظة، واقتصرت ردة الفعل على قيادات وأنصار الجماعة الحوثية الذين شنوا هجوماً على البرنامج، واتهموه بتنفيذ أجندة الولايات المتحدة وإسرائيل.

ورد محمد علي الحوثي، ابن عم زعيم الجماعة الحوثية، على قرار برنامج الأغذية العالمي محملاً إياه مسؤولية عدم صرف المساعدات لثلاث دورات قبل قراره الأخير بحسب ادعائه، واصفاً تعامل البرنامج مع مجلس إدارة المساعدات الحوثي بالابتزاز والتسييس.

سيطرة واستحواذ

سبق قرار البرنامج الأممي الأخير عقد لقاء بين مديرته الإقليمية كورين فلايشر، والممثل المقيم للبرنامج ريتشارد راجان مع محمد علي الحوثي ضمن المفاوضات من أجل تخفيض عدد المستفيدين من المساعدات الإنسانية لليمن، وهو اللقاء الذي طالب فيه الحوثي بتسليم المساعدات نقداً بمبرر توفير نفقات التشغيل والإيجارات وأرباح الصفقات.

مسن من النازحين في مدينة تعز يتلقى مساعدات إنسانية من برنامج الأغذية العالمي (أ.ف.ب)

ويرى صحافي يمني في إحدى المؤسسات الإعلامية العمومية التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية أن المجتمع لم يكترث للقرار كثيراً لأن الجماعة فشلت في تحريضه ضد البرنامج الأممي، لعدة أسباب، فمن جهة يعلم الغالبية أن الجماعة الحوثية تستغل المساعدات لصالحها مادياً ومعنوياً، وتفرض وصول جزء كبير منها إلى أنصارها.

ومن جهة أخرى، فإن المجتمع يعرف الأسباب الحقيقية لإيقاف المساعدات، ولا يصدق مزاعم الجماعة الحوثية التي حولت المساعدات إلى مصدر لإيرادات ضخمة، ومؤسسة لرعاية أنصارها إما بتوظيفهم في المجال الإغاثي أو منحهم سلالا غذائية متكاملة شهرياً، في حين لا يصل إلى المحتاجين سوى الفتات، طبقاً للصحافي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته.

ويضرب مثلاً بالسلال الغذائية التي توزع له ولزملائه في المؤسسة التي يعمل بها، حيث يتحصل الواحد منهم على سلة غذائية كل ثلاثة أشهر لا تكفيه لأكثر من أسبوع، بينما يتحصل أنصار الجماعة على أنواع المعونات كافة، ومن أكثر من مصدر، وتصلهم إلى منازلهم بشكل دوري ومنتظم.

يمنيون ينتظرون مساعدات الغذاء المقدمة من وكالة مونا الإغاثية في صنعاء (إ.ب.أ)

وتعمل الجماعة الحوثية على توجيه بعض السلال الغذائية المحدودة إلى الموظفين العموميين بديلا لرواتبهم المنقطعة منذ ثمانية أعوام، في حين يشرف ما يسمى «المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي» على عمل المنظمات الإغاثية، ويمارس الرقابة على كامل أنشطتها وتحركات موظفيها.

ويعد هذا المجلس هيئة استخباراتية أنشأتها الجماعة لمراقبة نشاط المنظمات الإغاثية والتحكم بمسار المساعدات وتحديد المستفيدين منها.


مقالات ذات صلة

غارات تستهدف الحوثيين... وغروندبرغ يطالبهم بإطلاق الموظفين الأمميين

العالم العربي واشنطن تقود تحالفاً لإضعاف قدرات الحوثيين على مهاجمة السفن (الجيش الأميركي)

غارات تستهدف الحوثيين... وغروندبرغ يطالبهم بإطلاق الموظفين الأمميين

بينما جدد المبعوث الأممي هانس غروندبرغ مطالبته للحوثيين بإطلاق سراح الموظفين الأمميين فوراً، تواصلت، الثلاثاء، الضربات الغربية لليوم الرابع على مواقع الجماعة.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الحوثيون متهمون بتصعيد انتهاكاتهم ضد اليمنيين (إ.ب.أ)

انقلابيو اليمن متهمون بارتكاب انتهاكات ضد أقارب المغتربين

صعّدت جماعة الحوثيين في اليمن من وتيرة انتهاكاتها بحق أقارب المغتربين لا سيما المنتمون منهم إلى محافظتي إب والضالع، وذلك ضمن استهداف الجماعة الممنهج للسكان.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الجماعة الحوثية وجدت في حرب غزة وسيلة إضافية لترهيب المعارضين لها (رويترز)

الحوثيون يرفضون إطلاق قيادات من «المؤتمر الشعبي»

بالتزامن مع الكشف عن وسائل تعذيب موحشة يتعرض لها المعتقلون بسجون مخابرات الجماعة الحوثية أكدت مصادر حقوقية استمرار الجماعة في رفض إطلاق قيادات «المؤتمر الشعبي»

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي دخان كثيف إثر استهداف مدينة الحديدة بغارات إسرائيلية رداً على هجوم صاروخي حوثي (إكس)

سفينة تبلغ عن انفجارات في محيطها قبالة الحديدة باليمن

قالت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية إن سفينة على بعد 70 ميلاً بحرياً جنوب غربي الحديدة باليمن أبلغت عن عدة انفجارات في محيطها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم العربي ممرضة في مدينة المخا تقيس محيط أعلى ذراع طفل للتحقق من تحسن حالته الصحية بعد تلقيه علاجاً لسوء التغذية (الأمم المتحدة)

سوء التغذية والشتاء يتربصان بأطفال اليمن والنازحين

يشهد اليمن زيادة في أعداد الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد الوخيم، في حين ينتظر النازحون، بسبب الحرب وتطرفات المناخ، شتاء قاسياً في ظل التردي الاقتصادي.

وضاح الجليل (عدن)

مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
TT

مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)

في بلدة عمشيت الساحلية الهادئة التي تبعد 45 دقيقة بالسيارة شمالي بيروت، استأنفت المدارس الحكومية أخيراً مهمتها التعليمية وسط عشرات الآلاف من النازحين الذين اتخذوا من بعض المدارس مأوى مؤقتاً.

وحسب «رويترز»، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إنه مع تصاعد الصراع بين إسرائيل و«حزب الله» في سبتمبر (أيلول) لحق الدمار بمئات المدارس في لبنان أو اضطرت لغلق أبوابها بسبب الأضرار أو المخاوف الأمنية.

وقالت وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية إنه تم تحويل 505 مدارس من بين نحو 1250 مدرسة حكومية في لبنان إلى ملاجئ مؤقتة لبعض النازحين الذين يبلغ عددهم 840 ألف شخص.

وبدأت الوزارة، الشهر الماضي، إعادة فتح المدارس على مراحل، مما سمح بعودة 175 ألف طالب منهم 38 ألف نازح إلى بيئة تعليمية لا تزال بعيدةً عن وضعها الطبيعي.

وفي مدرسة عمشيت الثانوية الحكومية، التي تضم الآن 300 طالب مسجل ويُتوقع انضمام المزيد منهم مع استمرار وصول العائلات النازحة، تحولت المساحات المألوفة ذات يوم إلى مكان مخصص لاستيعاب الواقع الجديد.

وقال مدير المدرسة، أنطوان عبد الله زخيا، إنه قبل شهرين ونصف الشهر اختيرت المدرسة كملجأ.

واليوم، تتدلى الملابس المغسولة من نوافذ الفصول الدراسية، وتملأ السيارات ساحة اللعب التي كانت ذات يوم منطقةً صاخبة، والممرات التي كان يتردد فيها صوت ضحكات التلاميذ أصبحت الآن استراحةً للعائلات التي تبحث عن ملجأ.

وأعربت فادية يحفوفي، وهي نازحة تعيش مؤقتاً في المدرسة، عن امتنانها الممزوج بالشوق. وقالت: «بالطبع، نتمنى العودة إلى منازلنا. لا أحد يشعر بالراحة إلا في المنزل».

كما أعربت زينة شكر، وهي أم نازحة أخرى، عن قلقها على تعليم أطفالها.

وقالت: «كان هذا العام غير عادل. بعض الأطفال يدرسون بينما لا يدرس آخرون. إما أن يدرس الجميع، أو يجب تأجيل العام الدراسي».

التعليم لن يتوقف

قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن الخطة المرحلية لاستئناف الدراسة ستشمل تسجيل 175 ألف طالب من بينهم 38 ألف طفل نازح في 350 مدرسة عامة غير مستخدمة كملاجئ. وقال وزير التربية والتعليم العالي، عباس الحلبي، لـ«رويترز»: «العملية التعليمية هي أحد مظاهر مقاومة العدوان الذي يواجهه لبنان». وأضاف الحلبي أن قرار استئناف العام الدراسي كان صعباً لأن العديد من الطلاب والمدرسين النازحين لم يكونوا مستعدين نفسياً للعودة إلى المدرسة. وفي مبنى مجاور في مدرسة عمشيت الثانوية الرسمية، يتأقلم المعلمون والطلاب مع أسبوع مضغوط مدته 3 أيام ويشمل كل يوم 7 حصص دراسية لزيادة وقت التعلم إلى أقصى حد.

ولا تزال نور قزحيا (16 عاماً)، وهي من سكان عمشيت، متفائلة. وقالت: «لبنان في حالة حرب، لكن التعليم لن يتوقف. سنواصل السعي لتحقيق أحلامنا». ويتأقلم المعلمون مع الظروف الصعبة. وقال باتريك صقر وهو مدرس فيزياء (38 عاماً): «الجميع مرهقون ذهنياً... في نهاية المطاف، هذه الحرب تطولنا جميعاً». وبالنسبة لأحمد علي الحاج حسن (17 عاماً) النازح من منطقة البقاع، يمثل الأسبوع الدراسي الذي يدوم 3 أيام تحدياً لكنه ليس عائقاً. وقال: «هذه هي الظروف. يمكننا أن ندرس رغم وجودها».