الأسر اليمنية استنفدت بيع مدخراتها للحصول على الطعام

200 ألف طفل فقدوا العلاج الأممي لسوء التغذية

باعت معظم الأسر اليمنية كل مدخراتها لتلبية احتياجاتها الغذائية (الأمم المتحدة)
باعت معظم الأسر اليمنية كل مدخراتها لتلبية احتياجاتها الغذائية (الأمم المتحدة)
TT

الأسر اليمنية استنفدت بيع مدخراتها للحصول على الطعام

باعت معظم الأسر اليمنية كل مدخراتها لتلبية احتياجاتها الغذائية (الأمم المتحدة)
باعت معظم الأسر اليمنية كل مدخراتها لتلبية احتياجاتها الغذائية (الأمم المتحدة)

«لم يعد لدينا ما نبيعه لتوفير احتياجات أسرتنا من الغذاء». بهذه العبارة تلخص المعلمة اليمنية سمية الوضع المعيشي لملايين السكان في مناطق سيطرة الحوثيين.

تدهوُر المعيشة الذي عبّرت عنه سمية، جاء مع فقدان أكثر من 9 ملايين شخص المساعدات التي كانت تقدَّم من برنامج الغذاء العالمي منذ مطلع الشهر الحالي بسبب عدم التوصل إلى اتفاق مع الحوثيين حول إدارة المساعدات وقوائم المستحقين.

3.5 مليون يمني يعانون من سوء التغذية الحاد (الأمم المتحدة)

تقول سمية وهي في العقد الرابع من العمر إن الأسرة قلصت عدد الوجبات اليومية إلى وجبتين؛ حتى يستطيعوا مواجهة شدة الوضع، لكن مع ذلك فإنه وأثناء الوجبة تعطى الأولوية للصغار في الأكل كي يشبعوا.

وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «خلال الأشهر الماضية بعت ما تبقى معي من ذهب بعد أن باعت والدتي جواهرها من قبل، ولم يتبق لدينا ما نبيع». وتصرخ داعية الله أن ينتقم ممن جعلوا حياة الأسرة لا تطاق. مؤكدة أن الجميع يواجهون الظلم والقهر والجوع على أيدي جماعة تتلذذ بمآسيهم وآلامهم؛ في إشارة إلى الحوثيين.

انعدام الأمن الغذائي

حالة عائلة سمية تمثل نموذجاً صغيراً لنحو نصف سكان اليمن الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي بسبب الحرب التي أشعلها الحوثيون، وتأتي مع تأكيد برنامج الأغذية العالمي في تقرير جديد أن أكثر من 200 ألف طفل في البلاد فقدوا علاج سوء التغذية منذ بداية شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي بسبب تقليص المساعدات نتيجة العجز في التمويل.

البرنامج، وبعد أيام من قراره تعليق توزيع المساعدات بشكل كامل في مناطق سيطرة الحوثيين، على خلفية الخلاف مع الجماعة حول إدارة المساعدات وقوائم المستحقين لها، ذكر أن 30 في المائة من الأطفال الذين يعانون سوء التغذية فقدوا علاج سوء التغذية الحاد والمعتدل والمنقذ للحياة، وبلغ عددهم 202 ألف طفل.

تتهم الجماعة الحوثية بتجيير المساعدات الأممية لمصلحة عناصرها (إ.ب.أ)

وبيّن البرنامج أن 7.8 مليون شخص حصلوا على مساعداته خلال دورة أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في حين أن 17 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي.

وطبقاً لهذه البيانات فإن 6.1 مليون شخص يعيشون في حالات الطوارئ الرابعة من التصنيف الدولي للأمن الغذائي، و3.5 مليون شخص يعانون من سوء التغذية الحاد، ولا يزال البرنامج يواجه نقصاً حاداً في التمويل، حيث جرى تمويله بنسبة 11 في المائة فقط لفترة الأشهر الستة من الآن وحتى مايو (أيار) المقبل.

وبيَّن التقرير أن الاستهلاك الغذائي غير الكافي ارتفع بنسبة نقطتين مئويتين «وصل إلى 47 في المائة»، كما أرسل برنامج الأغذية العالمي مساعدات غذائية تكفي لـ 434 ألف طفل وامرأة وفتاة حامل ومرضعة، كما ساعد ما يقدر بنحو 7.8 مليون شخص في أنشطته خلال الشهر نفسه.

ووفق ما ذكره البرنامج فقد ساعد 1.7 مليون تلميذ في أكتوبر الماضي في إطار برنامج التغذية المدرسية؛ حيث جرى تنفيذ التغذية المدرسية في 4382 مدرسة موزعة على 84 مديرية في 19 محافظة، كما قدم وجبات طازجة لـ 26800 تلميذ في 13 مدرسة في مدينة عدن، و11 مدرسة في مدينة صنعاء.

البرنامج قال إن آلية الاستجابة السريعة التابعة لصندوق الأمم المتحدة للسكان وبرنامج الأغذية العالمي و«اليونيسف»، ساعدت 24600 شخص، ويشمل تلك الأسر المتضررة من الكوارث الطبيعية والنزوح الناجم عن الصراع.

تبعات تغير المناخ

ومن جهته، ذكر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن 170 ألف يمني، أغلبهم من النازحين، تضرروا من التغيرات المناخية القاسية التي شهدتها البلاد منذ بداية العام الحالي بما فيها الأمطار والفيضانات.

200 ألف طفل في اليمن فقدوا أدوية علاج سوء التغذية (فيسبوك)

وقال الصندوق إن الظروف الجوية القاسية أدت إلى تضرر 24396 أسرة تتألف من 170772 شخصاً في جميع أنحاء اليمن خلال الـ11 شهراً الماضية، وأغلب هؤلاء يعيشون في مناطق يصعب الوصول إليها، وتستضيف نازحين.

ووفق ما جاء في تقرير الصندوق فإن الاستجابة السريعة وسّعت نطاق وجودها التشغيلي في 20 محافظة تأثرت بشدة بهذه الظروف المناخية القاسية، وقدمت المساعدة المنقذة للحياة للمتضررين.

وأوضح الصندوق أن هذه الآلية تمكنت من الوصول إلى أكثر من 300 ألف شخص تضرروا إما بسبب التغيرات المناخية، وإما بسبب النزاع المسلح المتواصل، مؤكداً أن 65 في المائة من الذين تلقوا المساعدة كانوا من المتضررين المباشرين بالأمطار والفيضانات والظروف الجوية القاسية.


مقالات ذات صلة

يمنيون يتطلّعون إلى انفراجة في محادثات الأسرى والمحتجَزين

العالم العربي الحوثيون اختطفوا الآلاف من المدنيين لمبادلتهم بمقاتلين قُبض عليهم في الجبهات (رويترز)

يمنيون يتطلّعون إلى انفراجة في محادثات الأسرى والمحتجَزين

يتطلّع اليمنيون إلى أن تؤدي جولة المحادثات الحالية في مسقط إلى تحريك عجلة السلام من جديد رغم استباق الحوثيين بجملة من الممارسات التصعيدية.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي الجماعة الحوثية تمنع تداول الأوراق النقدية التي أصدرها البنك المركزي اليمني (أ.ف.ب)

«المركزي اليمني» يستعد لإجراءات أشد قسوة بحق البنوك المخالفة

البنك المركزي اليمني بصدد الإعداد لقرار أشد قسوة يمكن اتخاذه في أي لحظة ضد البنوك التجارية المخالفة تعليماته وقراراته في مناطق سيطرة الحوثيين.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي طائرة مقاتلة على سطح حاملة طائرات أميركية في البحر الأحمر (أ.ب)

واشنطن تدمر 7 مسيّرات... والحوثيون يتبنون هجمات بحرية دون أضرار

أعلن جيش الأميركي، السبت، تدمير سبع طائرات حوثية من دون طيار ومحطة تحكم أرضية، فيما تبنت الجماعة الموالية لإيران أربع هجمات في البحرين الأحمر والمتوسط.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي مقاولة يمنية في محافظة لحج تقف بجوار مشروع القناة المائية الذي أنجزته رفقة زميلتين لها (منظمة العمل الدولية)

يمنيات يجابهن صعوبة العيش بمشاريع صغيرة

تمنح برامج دعم المشروعات الصغيرة الموجهة من منظمات وجهات دولية النساء اليمنيات فرصاً لتجاوز الأزمة المعيشية والاقتصادية ومنافسة الذكور في العمل

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي مجلس القيادة الرئاسي اليمني خلال اجتماع سابق (سبأ)

«الرئاسي اليمني»: احتجاز الحوثيين الطائرات «عملية إرهابية مكتملة الأركان»

وصف مجلس القيادة الرئاسي اليمني احتجاز الحوثيين ثلاث طائرات في صنعاء بـ«العملية الإرهابية مكتملة الأركان» مجدداً دعمه لتدابير البنك المركزي لحماية الاقتصاد

علي ربيع (عدن)

يمنيون يتطلّعون إلى انفراجة في محادثات الأسرى والمحتجَزين

تعنّت الحوثيين أفشل جولات سابقة من المحادثات برعاية «الأمم المتحدة» و«الصليب الأحمر» (إكس)
تعنّت الحوثيين أفشل جولات سابقة من المحادثات برعاية «الأمم المتحدة» و«الصليب الأحمر» (إكس)
TT

يمنيون يتطلّعون إلى انفراجة في محادثات الأسرى والمحتجَزين

تعنّت الحوثيين أفشل جولات سابقة من المحادثات برعاية «الأمم المتحدة» و«الصليب الأحمر» (إكس)
تعنّت الحوثيين أفشل جولات سابقة من المحادثات برعاية «الأمم المتحدة» و«الصليب الأحمر» (إكس)

بعد نصف عام على إفشال الحوثيين التوقيع على خريطة السلام التي أعلنتها الأمم المتحدة، وكانت حصيلة جهود سعودية وعُمانية، يتطلّع اليمنيون إلى أن تؤدي جولة المحادثات الحالية، التي بدأت الأحد، في العاصمة العُمانية مسقط، إلى تحريك عجلة السلام من جديد، رغم استباق الحوثيين بجملة من الممارسات التصعيدية.

وإن كانت جولة المحادثات الحالية ستقتصر على البحث في ملف الأسرى والمعتقلين، إلا أنها في حال نجحت كما يتمنى الكثيرون ستشكّل دافعاً لعملية السلام التي تعثّرت مع اختيار الحوثيين مهاجمة حركة الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، في خطوة جعلت المجتمع الدولي يعارض المُضي في تنفيذ خريطة الطريق قبل أن تتوقف تلك الهجمات.

الحوثيون اختطفوا الآلاف من المدنيين لمبادلتهم بمقاتلين قُبض عليهم في الجبهات (رويترز)

كما تكتسب هذه الجولة أهمية خاصة؛ لأنها تأتي بعد فترة تعثّر طويلة لهذا الملف نتيجة تراجع الحوثيين عن التزامهم في كل مرة الكشف عن مصير جميع المختطفين والأسرى، وفي مقدمتهم القيادي في حزب الإصلاح، محمد قحطان، وذهابهم نحو المطالبة بأسماءٍ مجهول مصيرها.

وفي حين تمسّك الجانب الحكومي بضرورة تنفيذ كل الالتزامات، وربط المشاركة في أيّ محادثات بذلك، فإنه تلقّى تعليمات رئاسية بالذهاب إلى العاصمة العُمانية مسقط.

وتأتي هذه المحادثات في وقت تسيطر فيه حالة من الإحباط على المشهد العام في اليمن نتيجة تعثّر عملية السلام، بما تتضمّنه من جوانب اقتصادية وإنسانية، خصوصاً صرف مرتبات الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين، والمقطوعة منذ ثمانية أعوام، والذهاب نحو معالجة الملف الاقتصادي والانقسام المالي.

ومع ذلك فإن نجاح الجهود التي بُذلت أخيراً، وأدّت إلى فتح الطريق الذي يربط ضاحية الحوبان بوسط مدينة تعز، وفتح طريق مأرب – البيضاء - صنعاء، أعادت إحياء آمال السلام، وزادت من الثقة بقدرة الوسطاء على تحقيق اختراق جديد في جدار الأزمة، وفي ظل الأوضاع التي تعيشها المنطقة بشكل عام.

باب الأمل

يرى محمود عبد الله، وهو موظف حكومي، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن لقاء الجانب الحكومي والحوثيين في ظل هذه الظروف، وتصاعد المواجهة الاقتصادية، يفتح باب الأمل لإمكانية استئناف مسار السلام، وأن البلاد ستتجنب عودة المواجهات العسكرية، خصوصاً أن الهجمات التي ينفّذها الحوثيون بشكل شبه يومي على مواقع القوات الحكومية في محافظة تعز تعكس استعداد الجماعة للتصعيد العسكري.

قبل عام أُبرمت آخر صفقة لتبادل الأسرى والمعتقلين بين الحكومة والحوثيين (إعلام محلي)

ويعتقد محمود أن عودة القتال ستكون كارثيةً وأسوأ من ذي قبل، إلا أنه يراهن على الجهود السعودية والعُمانية في تقريب وجهات النظر، وتحقيق تقدّم في هذا الجانب؛ لأن الوقائع أثبتت أن الدولتين أكثر قدرةً وفاعلية من «الأمم المتحدة» في وضع أسس فعلية لعملية السلام.

ويتفق رضوان صالح، وهو مدرس في مناطق الحوثيين، مع محمود، ويرى أن عودة اللقاءات بين الجانب الحكومي والحوثيين مؤشر جيد، على أن الجانبين ملتزمان بالتهدئة التي أُبرمت قبل أكثر من عامين.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» يتمنّى صالح أن يواصل الوسطاء جهودهم، وأن تتوسّع المحادثات لتشمل الملف الاقتصادي؛ لأنه الأكثر تأثيراً في واقع الناس اليوم، ولأن المعركة الاقتصادية الأخيرة ألقت بظلالها على حياة الناس، وضاعفت من معاناتهم.

وخلافاً لهذه التطلّعات يُظهر عبد الباقي محمد، وهو موظف في القطاع الخاص، تشاؤمه من إمكانية نجاح هذه المحادثات بسبب ممارسات الحوثيين التي لا تُطمئِن، مستدلاً على ذلك بحادثة احتجاز 4 طائرات للخطوط الجوية اليمنية قبل أيام من موعد المحادثات.

ومع تمنّي عبد الباقي نجاح أي جهد لتعزيز السلام، إلا إنه يعتقد أن الموقف المتعنّت للحوثيين في ملف الأسرى، وتصلّب الجانب الحكومي، قد يؤديان إلى فشل هذه الجولة.

تنديد حقوقي

استبقت 30 منظمة حقوقية يمنية جولة المحادثات وأصدرت بياناً مشتركاً، اتهمت فيه «الأمم المتحدة» بالتهاون في قضية السياسي المختطَف والمغيّب في سجون الحوثيين منذ تسع سنوات، محمد قحطان، وملف المخفيين قسراً في اليمن بشكل عام، دون الكشف عن مصيره، أو السماح لأسرته بزيارته أو التواصل معه.

مجلس القيادة الرئاسي اليمني يساند جهود إنهاء معاناة المختطفين والمحتجزين (سبأ)

البيان ندّد «بشدة» بهذه الجريمة المستمرة، وقال إن الاختفاء القسري يشكّل انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان، ويمثّل جريمة ضد الإنسانية وفقاً للمادة 7 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

وانتقدت هذه المنظمات «الأمم المتحدة» ومبعوثها الخاص إلى اليمن؛ لأنها لم تستخدم أدواتها للضغط على الحوثيين في قضية المخفيين قسراً، وعلى رأسهم السياسي قحطان، المشمول بقرار «مجلس الأمن» رقم 2216، ورأت أن ذلك يعكس تهاوناً في معالجة ملف المخفيين قسراً، وعدم إعطائه الأولوية المستحَقة في جولات التفاوض السابقة.

ودعت المنظمات الحوثيين إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن القيادي في حزب «الإصلاح»، محمد قحطان، وجميع المختطَفين والمخفيين، وفتح تحقيق مستقل ونزيه في جميع حالات الاختفاء القسري لدى جميع الأطراف، وتقديم الجناة إلى العدالة؛ لضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات.

وناشد مبعوث «الأمم المتحدة»، هانس غروندبرغ، المجتمع الدولي تضمين ملف المخفيين قسراً أجندة المفاوضات الحالية، والعمل بجدية لضمان إطلاق سراحهم.

المنظمات الحقوقية الموقّعة على البيان دعت مجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية إلى الاضطلاع بدورهما القانوني والإنساني والأخلاقي، والعمل على تحرير جميع المخفيين قسراً، والمحتجَزين في جميع المناطق اليمنية.