حقيبة يد يعادل ثمنها سعر منزل في بريطانيا

مصنوعة من جلد التماسيح ومزينة بالذهب الأبيض والألماس

كريس جينر وكيم كارداشيان تحملان حقائب اليد الفاخرة - توم فورد جلب الإكسسوارات الراقية لحقيبة «غوتشي» - حقيبة يد جلدية بيضاء نادرة من ماركة «هيمالايا بيركين»
كريس جينر وكيم كارداشيان تحملان حقائب اليد الفاخرة - توم فورد جلب الإكسسوارات الراقية لحقيبة «غوتشي» - حقيبة يد جلدية بيضاء نادرة من ماركة «هيمالايا بيركين»
TT

حقيبة يد يعادل ثمنها سعر منزل في بريطانيا

كريس جينر وكيم كارداشيان تحملان حقائب اليد الفاخرة - توم فورد جلب الإكسسوارات الراقية لحقيبة «غوتشي» - حقيبة يد جلدية بيضاء نادرة من ماركة «هيمالايا بيركين»
كريس جينر وكيم كارداشيان تحملان حقائب اليد الفاخرة - توم فورد جلب الإكسسوارات الراقية لحقيبة «غوتشي» - حقيبة يد جلدية بيضاء نادرة من ماركة «هيمالايا بيركين»

ماذا لو أنك دفعت 380 ألف دولار أميركي (279 ألف جنيه إسترليني) لشراء حقيبة يد مستعملة؟ في الحقيقة، بهذا المبلغ تستطيع شراء منزل في إنجلترا، حيث يبلغ متوسط سعر الشقة السكنية 223 إلى 285 جنيهاً إسترلينياً، وسيتبقى معك كثير من فارق سعر الحقيبة.
المفاجأة أن شخصاً ما دفع هذا المبلغ العام الماضي في شراء حقيبة يد جلدية بيضاء نادرة ماركة «هيمالايا بيركين» 2014 من إنتاج شركة «هيرميس» الشهيرة.
الحقيبة مصنوعة من جلد التماسيح مزينة بالذهب الأبيض عيار 18 وحبات الألماس المزركشة. ورغم أن مبلغ 279 ألف جنيه إسترليني يُعد رقماً قياسياً لمثل هذه الحقائب الفاخرة، فإنه يُعَدّ متواضعا مقارنة بغيرها من الحقائب التي سبق استخدامها من قبل المشاهير، حسب موقع «بي بي سي» الإنجليزي.
ويعود السبب في انتشار موضة اقتناء حقائب يد المشاهير إلى الأميرة غريس، أميرة موناكو، التي كانت تحمل في يدها حقيبة يد طراز «هيرميس ساك» لتخفي به حملها من كاميرات مصوري «باباراتزي» المتطفلين.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت حقائب اليد باهظة الثمن منتشرة بين المشاهير، خصوصاً نجوم تلفزيون الواقع مثل كيم كارداشيان ووالدتها كريس جينر.
وبحسب القائمين على دار مزادات «كريستيز»، فإن إجمالي المبيعات بسوق حقائب اليد المستعملة التي تعود إلى المشاهير قفزت من 5.1 مليون جنيه إسترليني عام 2011 إلى 26 مليون جنيه إسترليني عام 2016، فيما تقدر دار مزادات «هريتيدج أوكشنز» حجم مبيعاتها من الحقائب الفاخرة عالمياً ما بين 75 مليون إلى 100 مليون دولار سنوياً قابلة للزيادة.
ومن الناحية الاستثمارية، تستطيع هذه الأصول كسب عائدات كبيرة. فبحسب بنك «جيفاري الاستثماري»، بعض حقائب اليد الفاخرة تجني عائدات 30 في المائة سنويّاً. فحقائب اليد التي تنتجها شركة «هيرميس» الفرنسية المعروفة بإنتاجها الفاخر، هي الأكثر رواجاً بين عشاق هذا النوع من المقتنيات.
وقد أفادت راشيل كوفسكي، اختصاصية حقائب اليد والإكسسوارات بدار مزادات «كريسيتيز»، بأن «حقائب يد (هيرميز) استمرَّت تُنتَج بالشكل ذاته، وبالخامات ذاتها، لعقود طويلة، فيما تغيرت أشكال باقي الطرز خلال القرن الأخير».
أضافت راشيل أن حقائب اليد الأكثر شهرة وهي «كيلي»، و«بيريكين» التي صنعت للمطربة والممثلة جين بريكين، وحقيبة «كونستانس» التي حملت اسم الطفل الخامس لمصممة شركة «هيرميس»، كاثرين تشايليت، استمرت على حالها من دون تغيير.
غير أنه، وفق جيفريس «على مدار 10 - 20 عاماً الماضية، اتجه منتجو الطرز العالمية إلى رفع سقف أسعار حقائب اليد وإلى استخدام خامات أرقى، وذلك بغرض تقليل هيمنة شركة (هيرميز) على سوق الحقائب الفاخرة».
وأفادت دار مزادات «هيريتيدج أوكشنز» بأن «حقائب ماركة (شانيل)، بالإضافة إلى ماركة (هيرميز) هما الأكثر ظهوراً في أيدي مشاهير العالم، حسبما أظهرت الصور التي التقطها مصورو الباباراتزي».
وأضافت كوفسكي أن الفضل يعود لمصممين اثنين تألقا في تسعينات القرن الماضي، وكان لهما الفضل في انتشار صيحة حقائب يد المشاهير، وهما توم فورد بشركة الموضة «غوتشي»، ومارك جاكوبز بشركة «لويس فيتون». فبفضل هذين المصممين، وبفضل حلقات مسلسل «سيكس أند ذا سيتي»، أخذت صيحة حقائب اليد الفاخرة في الانتشار. وكان لانتشار تلك الصيحة معنى آخر، وهو أن عالم المزادات المخيف قد فتح أبوابه أمام نوع جديد من الزبائن.
فبحسب السيدة كوفسكي: «لحقائب اليد جاذبية خاصة لأنها تمثل نمطاً مريحاً لغالبية الزبائن، مقارنة بغيرها من الفنون، سواء المزخرفة أو الخالية من الزخرفة»، مضيفة أن «حقائب اليد من المقتنيات التي يسهل الوصول إليها أكثر من غيرها بدار مزادات (كريستيز)، بسبب انخفاض سعر المعروض منها، بحسب ما عكسته الأرقام التي تقول إن 40 في المائة من إجمالي المشترين الذين ابتاعوا 712 حقيبة من هذه الفئة كانوا من المستجدين على دار المزادات».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)