كيف فازت الأفلام التي لم تستحق بدبب برلين الأولى؟

«الشرق الأوسط» في مهرجان برلين الدولي 7 : «لا تلمسني» الروماني قطف «الذهبية»

لقطة من «لا تلمسني» - اللحظات الأولى لحفل الختام
لقطة من «لا تلمسني» - اللحظات الأولى لحفل الختام
TT

كيف فازت الأفلام التي لم تستحق بدبب برلين الأولى؟

لقطة من «لا تلمسني» - اللحظات الأولى لحفل الختام
لقطة من «لا تلمسني» - اللحظات الأولى لحفل الختام

في أحد مشاهد «لا تلمسني» (Touch Me Not) يحاول رجل بدين كث شعر الرأس والوجه استخراج الغضب الكامن في ذات لورا بنسون. يحاورها ويستمع لها ثم يحاورها ويستمع لها من جديد، وبصبر حيناً، وبضيق صدر حيناً آخر. هو ليس طبيباً ولا يمثل جمعية إغاثة بل «شافٍ جنسي» (Sexual Healer). مهمته، كما يقترح لقبه، مساعدة الناس على الشفاء من مشاكلهم الجنسية. شيء كان الطبيب يقوم به سابقاً إما بعلاج بدني أو نفسي، والآن هناك هذا الرجل الذي هو لا ريب من نتاج عالمنا اليوم. وما يأتي به من تشخيص لا قيمة له على الشاشة، لكنه، والمشهد بذاته، محتفى به في فيلم أنيدا بنتليلي هذا الذي يحمل هوية رومانية مع مساهمات تشيكية وألمانية.
لورا بنسون، بدورها، امرأة في نحو الخمسين من العمر ما زال لديها ريب في قدراتها العاطفية، وتعاني من أن لا تفهم إشارات جسدها الآن، لكنها تكتشف أنها كانت دوماً على غير قدرة فهم ما تريده وكيف تحصل عليه في إطار علاقاتها العاطفية. من خلال هاتين الشخصيتين وشخصيات أخرى ملازمة تتوزع في أدوار قريبة وأخرى بعيدة، توحي المخرجة الرومانية بعالم من العلاقات الاجتماعية التي تتشابك خطوطها من دون فعل عاطفي فعال. الحاجة الجنسية هي التي تقرر وهذه الحاجة بدورها غير واضحة، وبالتالي لا ندري ما قيمتها ولا أهمية ما تقرره.
على ذلك، وبصرف النظر عن مستواه المتوسط كعمل متسابق، هذا الفيلم الموصوف بالجريء هو من قبض على تمثال الدب الذهبي في نهاية حفل توزيع الجوائز يوم أول من أمس (السبت). أمر أثار استغراب عديدين كانوا ما زالوا يأملون أن تعدل لجنة التحكيم عن منح جوائزها لأفضل فيلم تقوم على العمق وليس الظواهر.
هذا لم يحدث، ولجنة التحكيم برئاسة المخرج الألماني توم تيكفر، قررت أن العري لنصف مشاهد الفيلم، والحديث عن الأمور الجنسية بأسلوب عمل محتار في انتمائه بين ما هو درامي وما هو تسجيلي، ثم ما هو مفتوح على الاحتمالين، كافٍ لمنحه التقدير الأعلى. وهكذا كان والمخرجة أدينا بنتيلي كانت أول المتفاجئين. الثاني هو كاتب هذه السطور الذي كان يعتقد أن الفيلمين الوحيدين اللذين يستحقان الدب الذهبي هما الأميركي «جزيرة الكلاب» (الذي لم نتوقع له الفوز على أي حال كونه فيلم أنيميشن أساساً) والفيلم الروسي «دوفالاتوف» الجيد والرصين تقنياً وفنياً. هذا مع قبول احتمال وصول الفيلم الآتي من باراغواي بعنوان «الوريثتان» إلى تلك الجائزة كونه عملاً جيداً مصنوعاً بتمعن وبذل في المعالجة الطبيعية وشبه الواقعية لحياة بطلته.
لكن ما حدث هو أن هذه الأفلام قدّر لها أن تكتفي بجوائز خلفية: «دوفالاتوف» فاز بجائزة التصاميم الإنتاجية والديكوراتية. وخرجت آنا برون، بطلة «الوريثتان» بجائزة تستحقها كأفضل ممثلة، بينما خرج الفيلم ذاته بجائزة تُمنح كل سنة باسم مؤسس المهرجان ألفرد باور. أما فيلم «جزيرة الكلاب» فوصل إلى مستوى جائزة أفضل مخرج التي لم يستطع المخرج وس أندسون تسلمها فناب عنه الممثل بل موراي الذي له دور صوتي في هذا الفيلم الأنيميشن الطويل.
بذلك، توزيع هذه الجوائز على ما تقدم ذكره لم يكن، في الواقع، سوى تمهيد لوصول فيلم «لا تلمسني» إلى خطف الجائزة الأولى عنوة عن أفلام أخرى أفضل منه.
عملياً، ليس هناك ما يمكن إضافته فوق ما سبق لنا أن كتبناه حول معظم هذه الأفلام في تقارير سابقة. لكن ما يمكن تداوله هو أن الأفلام التسعة عشر التي دخلت السباق (من أصل 25 فيلماً تم تقديمها رسمياً) شكلت الوجه الأمامي لدورة غير متميّزة بفيلم واحد، بل بتيار من الأعمال التي اكتسبت جاذبيتها من خلال طرحها غير الكلاسيكي لما تقدّمه. في ذلك الشأن فإن تدخل المخرج الألماني تيكفر لتحبيذ فوز «وجه» و«لا تلمسني» يمكن أن يُترجم إلى نوع من الفرض كونه يميل إلى النوع غير الكلاسيكي من الأعمال.
لا علم لأحد كيف وجّه أعضاء لجنته لقبول آرائه (ربما مستفيداً بأنه المخرج السينمائي الوحيد في اللجنة) لكن عندما يقف رئيس المهرجان على منصة الحفل الختامي ليقول: إن دور المهرجان يكمن في اكتشاف سينما المستقبل، فإن التوقع الوحيد هو مثل هذه النتائج الخفيفة.
تيكفر، في الحقيقة، أقدم على هذا النحو من المعالجات المتجددة في أفلامه الأولى، خصوصاً في «اركضي لولا، اركضي» قبل عشرين سنة، الفيلم الذي شارك في مسابقة مهرجان فنيسيا آنذاك من دون نجاح، لكنه التقط سبع جوائز من جوائز «الفيلم الألماني» (الجوائز السنوية الوطنية) والعديد من جوائز شعبية ونقدية. هذا قبل أن يفقد المخرج بريقه ويمضي صوب وضع غير مكتمل في أي اتجاه. فيلمه الأخير مع توم هانكس «صورة ثلاثية للملك» (A Hologram for the King)، كان تعبيراً عن خطوة تراجع صوب سرد تقليدي في فيلم مر من دون أن يثير اهتمام أحد. سرد لم يقدم لمخرجه الألماني أي خدمة، لا على جانب السينما الجديدة التي بدأ بها تيكفر مسيرته، ولا على صعيد السينما التقليدية التي آل المخرج إليها في هذا العمل.
إذ قام تيكفر باستبعاد أي فيلم يحمل جينات السينما الرصينة والمصنوعة بإشراك عناصر الفيلم الأولى في تأليف نتيجته، كما الحال مع أفضل هذه الأفلام وهي «جزيرة الكلاب» و«دوفالاتوف» و«الوريثتان» حتى خلا الجو لأفلام تبحث عن الصدمة عبر الكاميرا وليس عبر فنها، وهذا ما أوصل فيلمين واهنين إلى سدة النجاح.

الفائزون بدبب الدورة الـ68

> الدب الذهبي: Touch Me Not
إخراج: أدينا بنتيلي (رومانيا)
> الدب الفضي (جائزة لجنة التحكيم الخاصة): Mug
إخراج: مالغورشاتا سيموفسكا (بولندا)
> الدب الفضي (جائزة ألفرد باور): The Heiresses
إخراج: مارسيلو مارتنيزي (باراغواي).
> الدب الفضي لأفضل مخرج: وس أندرسن
عن فيلمه «Isle of Dogs» (الولايات المتحدة).
> الدب الفضي لأفضل ممثلة: آنا برون
عن دورها في «The Heiresses» (باراغواي).
> الدب الفضي لأفضل ممثل: أنطوني باجون
‫عن دوره في The Prayer»» (فرنسا)‬
> أفضل سيناريو: مانويل ألكالا وألونسو رويزبالسيوس
عن Museum»» (المكسيك).
> أفضل إسهام فني مميز: إلينا أوكوبنايا
عن «Dovlatov» (روسيا)


مقالات ذات صلة

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)
يوميات الشرق طاقم فيلم «سكر» على السجادة الحمراء (البحر الأحمر السينمائي)

«سكر»... فيلم للأطفال ينثر البهجة في «البحر الأحمر السينمائي»

استعراضات مبهجة وأغنيات وموسيقى حالمة، وديكورات تُعيد مشاهديها إلى أزمان متباينة، حملها الجزء الثاني من الفيلم الغنائي «سكر».

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق ‎⁨رولا دخيل الله ومصطفى شحاته خلال الحديث لـ«الشرق الأوسط»⁩

«سلمى وقمر»... قصة حقيقية لسائق سوداني اندمج في عائلة سعودية

المفاجأة جاءت مع نهاية الفيلم، ليكتشف الجمهور أن «سلمى وقمر» مستلهمٌ من قصة حقيقية. وأهدت المخرجة عهد كامل الفيلم إلى سائقها السوداني محيي الدين.

إيمان الخطاف (جدة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».