مدينة بني ملال للباحثين عن جمال الطبيعة والهدوء وسط المغرب

جولة في عين أسردون الساحرة

عين أسردون من أهم معالم المدينة السياحية والترفيهية
عين أسردون من أهم معالم المدينة السياحية والترفيهية
TT

مدينة بني ملال للباحثين عن جمال الطبيعة والهدوء وسط المغرب

عين أسردون من أهم معالم المدينة السياحية والترفيهية
عين أسردون من أهم معالم المدينة السياحية والترفيهية

ليست مدينة ساحلية على المحيط الأطلسي أو البحر المتوسط، تحظى بسمعة وشهرة كبيرة داخل المغرب وخارجها، لكنها مدينة داخلية تتوسط المملكة الواقعة في أقصى شمال غربي القارة الأفريقية، إنها مدينة بني ملال، التي تزينها الجبال الشاهقة، وعيون المياه العذبة الطبيعية، والوديان الخضراء الواسعة المزروعة بأشجار الزيتون، التي تخطف الأبصار من الوهلة الأولى. بني ملال، مدينة قديمة يجتمع فيها التراث والتاريخ، مع الجمال الطبيعي، حيث استطاعت أخيرا جذب آلاف السياح الباحثين عن الطبيعة الخلابة والهدوء، وتتمتع بمناخ صحي معظم شهور السنة نظرا لكثافة الأشجار بمحيط المدينة، وأعلى مرتفعات بعض أجزاء سلسلة جبال الأطلس.
تبعد بني ملال نحو 200 كيلومتر، عن مدينة الدار البيضاء (العاصمة الاقتصادية والتجارية للمغرب)، وللوصول إلى بني ملال، من تلك المدينة الكبيرة المعروفة أيضا باسم «كازابلانكا»، من الممكن أن يسلك الزائرون طريقين، الأول الطريق «السيّار»، كما يطلقون عليه في المغرب، وهو طريق سريع وجديد، ومراقب بشكل جيد من قبل عناصر الشرطة والمرور، لمراقبة تجاوز السرعات المقررة، وهو طريق اقتصادي برسوم مادية، بينما يوجد طريق «وطني» آخر، دون رسوم مالية، يمر من مدن وقرى كثيرة، وهو ملاذ جيد للمسافرين والمواطنين غير الراغبين في دفع رسوم الطريق «السيّار»، التي تزيد عن 50 درهما للسيارة الواحدة في اتجاه واحد.

الطريق إلى بني ملال

من محطة «أولاد زيان» للحافلات، غادرت مدينة الدار البيضاء، متوجها إلى مدينة بني ملال... معظم الحافلات الموجودة بالمحطة تتبع القطاع الخاص، والأتوبيسات جيدة ونظيفة. ويبلغ ثمن التذكرة الواحدة لبني ملال 60 درهما مغربيا نحو (6.6 دولار أميركي)، الحافلات جيدة ونظيفة، وتتحرك بشكل دوري في اتجاه المدينة الداخلية.
مثل أغلبية المدن العربية العتيقة، يصعد الباعة المتجولون إلى الحافلة، ويعرضون بضائعهم من المأكولات الخفيفة والمشروبات الغازية على الزبائن والركاب، لكنهم ينصرفون قبيل تحرك الحافلة. خلال الرحلة التي تبلغ مسافتها نحو 200 كيلومترا، يستطيع السائح رؤية الأراضي الزراعية الشاسعة المزروعة بالقمح، والتي تعتمد في ريها على هطول الأمطار. المزارعون المغاربة شكوا من تأخر سقوط الأمطار هذا الموسم لنحو شهرين، رغم قيامهم بتجهيز الأراضي وحرث التربة قبل سقوط الأمطار بنحو شهرين. بعد 100 كيلومتر، يتوقف الأتوبيس في محطة مدينة خريبكة للحافلات بوسط المدينة، لنزول بعض المسافرين، وركوب آخرين جدد متوجهين لبني ملال.
بعد مرور نحو ساعتين ونصف، من مغادرة كازابلانكا، وصلت الحافلة أخيرا إلى المحطة الرئيسية في بني ملال، وخلال الطريق الطويل شاهدت عددا كبيرا من عصارات زيت الزيتون، التي تأخذ المدينة شهرة واسعة من توريد كميات كبيرة من هذا الصنف، إلى باقي المدن المغربية الأخرى، ويباع كيلو الزيت الواحد بنحو 60 درهما مغربيا، وهذا سعر جيد، بالقياس إلى متوسط دخل المواطن المغربي الآخذ في التحسن.
شوارع المدينة القديمة، ليست متسعة، لكنها منظمة وأنيقة، رغم وجود عدد كبير من الباعة المتجولين على جانبي الشارع الرئيسي المؤدي إلى وسط المدينة، الذي توجد به استراحة عامة كبيرة، ملتصق بها سور تاريخي قديم يفصل بين هذه الاستراحة والسوق القديمة التي يتم بيع الملابس فيها.

عين أسردون

تاكسي المدينة الداخلي، لونه أصفر ومميز جدا، وتعريفته الموحدة داخل أنحاء المدينة 10 دراهم فقط، وتزيد في الفترة المسائية لتصل إلى 15 درهما، وتعد منطقة عين أسردون الطبيعية والجبال الخضراء المحيطة بها من أهم معالم المدينة السياحية والترفيهية، ويقصدها سكان المدينة للتنزه في العطلات الأسبوعية والسنوية. ويصعد «طاكسي» المدينة (تاكسي، أو سيارات الأجرة الداخلية)، إلى أقرب نقطة من شلال عين أسردون الطبيعية. ومعظم السائقين يتحدثون بلهجة مغربية سريعة، غير مفهومة للسائح الأجنبي أو العربي، لكنهم يحاولون التحدث ببطء وباللغة العربية الواضحة من أجل الحفاظ على التواصل بين الجانبين.
عكس باقي المدن العربية أو المغربية الأخرى، لا يسعى كثير من سائقي التاكسي إلى استغلال الأجانب أو السياح ماديا، بل يعاملونهم بلطف واحترام شديدين، ويشيدون بما تمتلكه المدينة من مقومات سياحية وترفيهية يصل إلى حد الفخر.
كلمة عين أسردون تتكون من كلمتين، عين بالعربية أي منبع، وأسردون بالأمازيغية وتعني البغل، وبالتالي يعني الاسم «عين البغل».
منطقة عين أسردون المزينة بأشكال متنوعة من الأشجار، هي لوحة خضراء جميلة عندما تراها للمرة الأولى، إذ تجتمع بها كل عناصر الجمال والطبيعة الخلابة التي يبحث عنها بعض العاشقين والمولعين بالهدوء والاستجمام. وبينما يكون الليل شديد البرودة، تمد أشعة الشمس الساطعة نهارا أجساد السائحين المحليين والأجانب بالدفء النسبي، في موسم الشتاء.
من داخل باطن الجبل تتدفق عين مياه طبيعية نحو الوادي بشكل دائم، وقامت السلطات المغربية المحلية باستغلالها جيدا، وأقامت شلالا صغيرا يضفي إلى تلك المنطقة الرائعة المزيد من الجمال، وأحاطته بمناطق خضراء منسقة جدا على طراز الحدائق الأندلسية، وأمام هذا الشلال الطبيعي يلتقط كثير من الزوار الصور التذكارية، وبإمكانهم أيضا الصعود إلى أعلى ومشاهدة خروج المياه من باطن الجبل في شكل انسيابي رائع، لا يتوقف. وخصصت السلطات أيضا قناة ضيقة لجمع المياه المتدفقة من أعلى بجانب الطريق الرئيسي المؤدي إلى عين أسردون، للاستفادة بها في الشرب وإعادة ضخها على شبكة المياه العمومية بالمدينة من خلال محطة معالجة تقع في الوادي.
في زاوية متسعة من مدخل منطقة عين أسردون، توجد سلالم خرسانية على الجهة اليمنى، يصعد من خلالها الزائرون نحو قمة الجبل، حيث توجد قلعة عين أسردون التاريخية أو «قصبة عين أسردون»، مثلما يُطلق عليها سكان المدينة. على جانب السلم الطويل، يوجد مخر مائي جاف يحمل مياه الأمطار المتساقطة من الأعلى للأسفل، فيما لا يعيق انحدار السلم، الزائرون من الرجال أو السيدات من مواصلة رحلتهم للأعلى وسط الأشجار الخضراء والمناظر الطبيعية الرائعة. وخلال تلك الرحلة القصيرة، تظهر كل جوانب مدينة بني ملال بوضوح، إذ تبرز مئذنة مرتفعة من وسط المدينة، على الطراز الإسلامي الأندلسي بلونها المميز المائل للحمرة.
المدينة من أعلى تبدو جزيرة حمراء متشابكة الألوان، تتوسط مساحات خضراء شاسعة من حدائق الزيتون الخضراء. ويتمتع سكان الطوابق العليا بالمدينة برؤية مناظر جبلية رائعة مكسوة بالخضرة، طوال شهور السنة.

قلعة تاريخية

بعد الصعود إلى أعلى تظهر قصبة عين أسردون التاريخية بلونها الأصفر المميز، الذي يضفي إليها مزيدا من القدم، وتعتبر القلعة التي سُميت على اسم المنبع المائي المجاور لها، موقعاً تراثياً وتاريخياً متميزاً في مدينة بني ملال. حيث يعود تاريخ إنشائها، إلى نحو قرنين من الزمن، بعدما شهدت صراعات بين قبائل أمازيغية وعربية.
ورغم أن بني ملال مدينة مغربية حديثة النشأة، تقع في الوسط الغربي للمملكة المغربية بين الأطلس المتوسط و«سهل تادلة»، فإنها تُعد عاصمة إقليم غني بالثروات الفلاحية (الزراعية). ويحد إقليم بني ملال، من الجنوب الشرقي إقليم «الراشيدية»، ومن الشمال الشرقي إقليم «خنيفرة»، ومن الشمال الغربي إقليم خريبكة، وإقليم قلعة السراغنة من الجنوب الغربي. ويبلغ عدد سكانها، وفق آخر الإحصاءات الرسمية نحو 200 ألف نسمة. وشيدت القلعة على قمة الجبل لحماية عين المياه وتأمينها، وهي مبنية من الأحجار الكبيرة، وخضعت لعملية ترميم قبل عدة سنوات، وتحافظ على طرازها المعماري الفريد.
إلى جوار جدران القلعة، كان يجلس بعض الباعة الذين يبيعون الهدايا التذكارية المغربية، بينما كان ينشغل بعض السياح العرب، بالتقاط الصور التذكارية من الأعلى، بجانب جلوس آخرين، للاستمتاع بأشعة الشمس الدافئة بعد ساعات الليل قاسية البرودة. والقلعة مربعة الشكل، وبها 4 بروج قصيرة، تحتوي على كثير من فتحات المراقبة والتصويب، ولها بوابتان حديديتان مغلقتان، لكن لا يوجد خارجها أي لوحة تبين أهميتها التاريخية.
ويؤكد مجموعة من المؤرخين والباحثين في تاريخ المغرب القديم، أن بني ملال من أقدم الأماكن التي عمرها الإنسان في شمال أفريقيا، ورغم أن الحفريات لم تبدأ بشكل فعلي في المدينة، فإن انتشار الكهوف بها يؤكد ذلك، إذ يتضح من خلال أشكالها، ومواقعها بأنها من صنع الإنسان، وليس نتيجة عوامل طبيعية، فأثر استعمال الأدوات الحديدية في عملية الحفر والثقب بادية على جدران الكهوف وواجهاتها، وتفصيلاتها وأشكالها الهندسية، فهي في مجملها تقدم لنا أنماطا فريدة من أشكال التعمير البدائي القديم بأقبيتها، وغرفها، وأشكالها الهندسية المتميزة والفريدة.
وتتميز بني ملال بمآثرها التاريخية... حيث يوجد بها أسوار قديمة تعود إلى عهد «مولاي إسماعيل»، والمنارة الشهيرة بها يعود تاريخ بنائها إلى عهد «الموحدين» (القرن الثاني عشر الميلادي). وهي من ضمن أجمل المدن المغربية، ورغم أن مناخها قاري (شديد الحرارة في الصيف وشديد البرودة في الشتاء). فإنها تعد من أهم المدن المغربية الداخلية، حيث أصبحت ولاية وعاصمة لجهة بني ملال خنيفرة. وفيما يخص سكانها فهم مزيج من الأمازيغ والعرب، مما أعطى تنوعا ثقافيا من حيث اللغة والتراث والتقاليد.

شلالات «أوزود»

إلى جنوب مدينة بني ملال، تقع شلالات «أوزود» الشهيرة والمعروفة بجمالها الخلاب، ويفصل بينهما نحو 80 كيلومتر فقط، تقطعها السيارة في نحو ساعة ونصف أو ساعتين بسبب الطرق المتعرجة والضيقة. وتعطي سلسلة جبال الأطلس الشامخة الممتدة في عمق المغرب متعة للعين وسنداً للأراضي والبيوت والسهول، وهى وجهة سياحة رائعة مكملة لعين أسردون، وتلتقي تدفقات وادي «أوزود»، الذي يتشكل من ثلاثة منابع، في مجرى واحد، يصب بعد نحو كيلومتر، في وادي العبيد، الرافد الأساسي لنهر أم الربيع، أهم أنهار المغرب. ويقوم زوار المنطقة بالترجل بسبب الطبيعة الجبلية، قبل أن يسلكوا مسارات تقودهم إلى أسفل للاستمتاع بمشاهد خلابة.
ونظراً لتضاريس وطبيعة المنطقة الجبلية، الواقعة بالأطلس المتوسط، فإن من عادة زوار شلالات «أوزود» أن يستمتعوا بجمال وطبيعة المنطقة راجلين، حيث يقومون بركن السيارات والحافلات بساحة واسعة قبل التوجه إلى المسالك المدرجة التي تنزل بالزوار إلى الأسفل، حيث مياه الشلالات، التي يمكن الاستحمام فيها، والاستظلال بالأشجار الوارفة، التي توفرها أشجار الزيتون المنتشرة في جنباتها في فصل الصيف.
يوجد في بني ملال، وحدات فندقية في مستوى استقبال السياح الراغبين في خدمة تساير تطلعاتهم وتمنحهم إمكانات مهمة للزيارة والسياحة، مثل فنادق «الشمس» و«تازركونت» و«أوزود» و«البساتين»، والمنطقة معروفة بهدوئها وقدرتها على توفير الأمن والأمان لزوارها. وتتفاوت مستوى الفنادق في تلك المنطقة حسب إمكانيات كل سائح.


مقالات ذات صلة

أين تُمضي عطلة الأعياد في لبنان؟

سفر وسياحة يتميز لبنان بزينة شوارعها خلال فترة الاعياد (إنستغرام)

أين تُمضي عطلة الأعياد في لبنان؟

في لبنان، تتحوّل عطلة الأعياد إلى تجربة لا تُنسى، تمتد بين الشمال والجنوب، وبين الساحل والجبال، وتجمع بين الطبيعة والثقافة والتاريخ، والطعام. فلكل منطقة طابعها

فيفيان حداد (بيروت)
سفر وسياحة تمثال رمسيس الثاني في بهو المتحف المصري الكبير حيث يمكنك قضاء تنرانزيت في القاهرة بصحبة الأثار المصرية القديمية (وزارة السياحة والآثار المصرية)

كيف تقضي احتفالات رأس السنة في بلدين مختلفين؟

بمزيد من التخطيط المبكر والاستفادة من التسهيلات التي تقدمها بعض شركات الطيران، يمكن قضاء احتفالات رأس السنة في بلدين مختلفين استغلالاً لمزايا الترانزيت الطويل ا

أحمد عدلي ( القاهرة)
آسيا الحكومة اليابانية تدرس فرض رسوم على الأجانب الزائرين (أ.ف.ب)

اليابان تدرس فرض رسوم على نظام جديد لفحص ما قبل السفر

أفاد مصدر مطلع في اليابان، الثلاثاء، بأن الحكومة تدرس فرض رسوم تتراوح بين نحو 2000 و3000 ين (13 دولاراً) على الأجانب الزائرين للبلاد.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
سفر وسياحة القاعة البيزنطية (الشرق الأوسط)

«قصر عابدين»... رحلة تاريخيّة في رحاب «مصر الملكية»

في قلب العاصمة المصرية، يتوسط قصر «عابدين» التاريخي واحداً من أشهر ميادين القاهرة والذي يحمل الاسم ذاته «عابدين».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
سفر وسياحة طرق النقل التي تربط بوسان بباقي المدن في كوريا الجنوبية مميزة (نيويورك تايمز)

كيف تقضي رحلة قصيرة في بوسان بكوريا الجنوبية؟

إذا كانت مدينة سيول، عاصمة كوريا الجنوبية، هي المدينة الفاتنة ومحطّ الاهتمام ومحور الانتباه، فمدينة بوسان، ثاني أكبر المدن من حيث عدد السكان، هي المدينة اللطيفة

هانا يون (بوسان)

أين تُمضي عطلة الأعياد في لبنان؟

يتميز لبنان بزينة شوارعها خلال فترة الاعياد (إنستغرام)
يتميز لبنان بزينة شوارعها خلال فترة الاعياد (إنستغرام)
TT

أين تُمضي عطلة الأعياد في لبنان؟

يتميز لبنان بزينة شوارعها خلال فترة الاعياد (إنستغرام)
يتميز لبنان بزينة شوارعها خلال فترة الاعياد (إنستغرام)

في لبنان، تتحوّل عطلة الأعياد إلى تجربة لا تُنسى، تمتد بين الشمال والجنوب، وبين الساحل والجبال، وتجمع بين الطبيعة والثقافة والتاريخ، والطعام. فلكل منطقة طابعها الخاص، ولكل مدينة أو بلدة سحرها الذي يترك أثره في الذاكرة. وجميع هذه المدن والبلدات استعدّت لاستقبال مناسبات أعياد الميلاد ورأس السنة، لتتألّق في أجمل حلّة، وازدانت بالألوان والأنوار والزينة كي تبهج الأعين وتدفئ القلوب، فيفوح من أسواقها وساحاتها عطر الاحتفالات وروح العيد. ويجد كل زائر نفسه محاطاً بأجواء مميّزة تنتظره من عام إلى آخر، تحمل له فرحة اللقاء والبهجة والتقاليد التي تتجدّد مع كل موسم.

جونيه: العيد يحضر في أسواقها وساحاتها

كما في كل عام ترتدي مدينة جونيه حلّة أعياد الميلاد ورأس السنة. وتحت عنوان «الميلاد بنص جونيه» تطلق مجموعة من النشاطات الخاصة بهذه المناسبة.

وكأسواقها القديمة ومطاعمها ومقاهيها، كذلك تحتفي ساحاتها بالعيد من خلال إقامة حفلات موسيقية حية.

ولكن كيف نُمضي أيام العطلة في جونيه؟ أين نقيم؟ وأي مطاعم وبيوت ضيافة نقصد؟

إليك سلسلة عناوين لهذا النوع من الأماكن التي تشعرك بأجواء العيد.

شجرة العيد في البترون (إنستغرام)

التجول والاستمتاع بالأجواء الشتوية

الكورنيش البحري: المشي على الكورنيش وسط النسيم البحري ومشاهدة الغروب يعطي شعوراً مميزاً بالهدوء والراحة. أما أسواقها فتتوزع فيها المحلات التجارية التي يمكن أن تجد فيها الهدايا والتذكارات. وتزيّن الشوارع بالأضواء والزينة الميلادية، مما يضفي الشعور في الاحتفال بالعيد بأجواء جميلة.

كما تشهد شوارعها وساحاتها المهرجانات والعروض الموسيقية. وغالباً ما تُقام حفلات موسيقية وعروض مسرحية في مراكز المدينة خلال موسم الأعياد. بعض المقاهي والمساحات الثقافية تعرض أعمالاً فنية لفنانين محليين، مما يُضفي لمسة ثقافية على زيارتك. وفي موضوع المطاعم والمقاهي فإن جونيه تضم عدداً كبيراً منها. وتشتهر بالمطاعم التي تقدم المأكولات البحرية الطازجة، إلى جانب المطاعم اللبنانية التقليدية. ويمكن اختيار مطعم مطل على البحر للاستمتاع بعشاء رومانسي أو عائلي. المقاهي تقدم مشروبات دافئة مثل الشوكولاته الساخنة والكاكاو مع الحلويات الموسمية. كما يمكن للمقيم في أحد بيوت الضيافة أو الفنادق فيها اغتنام الفرصة للتوجه الى «كازينو لبنان»، ففي موسم الأعياد يقدم الكازينو برنامجاً فنياً غنياً من حفلات غنائية يحييها مطربون محليون.

ويجب ألا ينسى زائر جونيه استخدام «التلفريك» (مصعد كهربائي) للقيام بنزهة بين الساحل وجبل حريصا، ليستمتع مناظر طبيعية خلابة.

متحف هنري في البترون (إنستغرام)

مدينة جبيل: مساحات ترفيهية وثقافية

تُعرف جبيل (بيبلوس) بالمدينة الساحلية التاريخية شمال بيروت. وتتحوّل في موسم عيد الميلاد إلى وجهة ساحرة تجمع بين التاريخ والثقافة والأجواء الاحتفالية. وكما كل عام ينتظر زوارها التمتع بمشهد شجرة الميلاد. وقد وصفتها صحيفة «الغارديان» في عام 2015 بين الأجمل في العالم. ويرافقها هذا اللقب في كل سنة بحيث يقصدها الآلاف من الناس للوقوف على أحدث الابتكارات التي تحملها شجرة العيد. تتزيّن شوارع جبيل وأحياؤها بالأضواء والزينة الميلادية، لا سيما في محيط البلدة القديمة والمرفأ القديم.

وفي متاجر الهدايا والمصنوعات اليدوية المنتشرة في أسواقها، تقدم خيارات رائعة لشراء هدايا فريدة. مثل الحرف الخشبية والتحف التقليدية. وعادةً تُقام حفلات موسيقية وعروض فنية في المسرح الروماني والمراكز الثقافية القريبة. ويمكن لهواة المعارض والمتاحف القيام بزيارات معارض فنية حرفية وأخرى خاصة بالمونة اللبنانية. وكذلك التوجه إلى متاحف صغيرة مثل متحف جبيل الوطني، الذي يضيف بعداً ثقافياً إلى التجربة. ويعرض آثاراً عمرها آلاف السنين تغطي عصوراً مختلفة من تاريخ المدينة. ومتحف الشمع الذي يروي تاريخ لبنان بالتماثيل الشمعية. ويضم المتحف مشاهد متعددة من تاريخ لبنان القديم والحديث والفنون الشعبية، حيث يأخذ زواره في رحلة عبر تاريخ لبنان منذ الفينيقيين مروراً بالقرون الوسطى والعصر الحديث حتى استقلال لبنان الحديث. كما تعكس بعض المشاهد حياة القرية اللبنانية وعاداتها.

وتقدّم مطاعم جبيل مروحة واسعة من أطباق المأكولات اللبنانية التقليدية ومأكولات بحرية طازجة. وبعض المطاعم توفر قوائم خاصة بمناسبة عيد الميلاد، تشمل الحلويات والمشروبات الشتوية مثل الشوكولاته الساخنة أو القهوة المميزة.

ومن الجولات التي تحمل المتعة لصاحبها هناك أماكن عدة من بينها زيارة الميناء القديم أو القيام بجولة على كورنيش جبيل، للاستمتاع بالبحر والأجواء الشتوية.

ومن بيوت الضيافة المشهورة في جبيل «بيت فارس ولوسيا» وهو بيت أثري قديم، و«بيت لو بلان بلو» و«بيت نيولي» الذي يبعد نحو 400 متر عن قلعة جبيل الأثرية.

البترون: عاصمة الميلاد

في أوائل ديسمبر (كانون الأول) من كل عام تطلق البترون نشاطاتها الترفيهية والفنية في مناسبة الميلاد ورأس السنة. تفتتح سوق عيد الميلاد في ساحة مار اسطفان. ويجري على جدران الكنيسة عروض ثلاثية الأبعاد بتصاميم غرافيكية تنسجم مع المناسبة، وتحضر أجواء الميلاد بالصوت والصورة، كما تنبض بفعاليات متنوعة تشمل الأكشاك، والهدايا، والمأكولات، والحرف اليدوية، والعروض الفنية، فتصبح البترون مجدداً «عاصمة الميلاد في لبنان» ووجهة سياحية رئيسية لموسم الأعياد.

وتعدّ البترون، إحدى أقدم المدن الساحلية في لبنان، وتتحوّل خلال عطلة عيد الميلاد ورأس السنة إلى وجهة نابضة بالحياة تجمع بين الطبيعة والشواطئ والتقاليد الثقافية. ويمكن لمن يقصدها لقضاء عطلة الأعياد أن يتمشّى في وسط المدينة وشوارعها الرئيسية، فتتزيّن بالأضواء والزينة الميلادية، خصوصاً حول الساحات والمحال التجارية. وتعرض أسواقها المحلية منتجات الحرف اليدوية والهدايا الموسمية، بما في ذلك الحلوى التقليدية والمربيات المحلية.

وخلال إقامة الزائر في هذه المدينة الساحلية، يمكنه التعرّف إلى مواقع تاريخية عدة، مثل قلعة البترون القديمة وكنيسة القديس جرجس، حيث يمكن الاستمتاع بجو احتفالي مليء بالتراث، وكذلك في إمكانه زيارة متاحف صغيرة وبينها «هنري بي بي».

وتنظّم بلدية البترون أنشطة بحرية وطبيعة. وبينها رحلات في القوارب إذا كان الجو معتدلاً لاستكشاف الساحل الشمالي.

ومن ضمن نشاطات أخرى وضعتها البلدية في مناسبة الأعياد، يستطيع الزائر حضور أمسيات موسيقية، والمشاركة في «بازار الميلاد» داخل أسواقها القديمة.

كما في الإمكان زيارة جبال قريبة من البترون. وفيها مزارات دينية مشهورة. فيقصد دير مار يوسف في بلدة جربتا حيث مزار القديسة رفقا. وكذلك يمكن رؤية دير مار مارون في عنايا حيث يقع مزار القديس شربل. وهو المكان الذي أُدرج في زيارة البابا ليون الرابع عشر إلى لبنان، مؤخراً.

وتقدّم مطاعم البترون مأكولات بحرية طازجة ومأكولات لبنانية تقليدية. أما بيوت الضيافة فهي كناية عن بيوت قديمة من الطابع التراثي اللبناني الأصيل. ومن أشهرها «بترون لوفت» و«أولد تاون» و«وايف سايد» القريب من أسواق البترون القديمة.


كيف تقضي احتفالات رأس السنة في بلدين مختلفين؟

تمثال رمسيس الثاني في بهو المتحف المصري الكبير حيث يمكنك قضاء تنرانزيت في القاهرة بصحبة الأثار المصرية القديمية (وزارة السياحة والآثار المصرية)
تمثال رمسيس الثاني في بهو المتحف المصري الكبير حيث يمكنك قضاء تنرانزيت في القاهرة بصحبة الأثار المصرية القديمية (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

كيف تقضي احتفالات رأس السنة في بلدين مختلفين؟

تمثال رمسيس الثاني في بهو المتحف المصري الكبير حيث يمكنك قضاء تنرانزيت في القاهرة بصحبة الأثار المصرية القديمية (وزارة السياحة والآثار المصرية)
تمثال رمسيس الثاني في بهو المتحف المصري الكبير حيث يمكنك قضاء تنرانزيت في القاهرة بصحبة الأثار المصرية القديمية (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بمزيد من التخطيط المبكر والاستفادة من التسهيلات التي تقدمها بعض شركات الطيران، يمكن قضاء احتفالات رأس السنة في بلدين مختلفين استغلالاً لمزايا الترانزيت الطويل الذي تتيحه الشركات، ويسمح بقضاء مدد متباينة في عدد من العواصم خلال الترانزيت في الذهاب أو العودة، فما بين القاهرة ودبي وأبوظبي وإسطنبول يمكن الاستمتاع بعطلات سريعة ما بين يوم إلى أربعة أيام.

تقدم شركات طيران عدة ومن بينها «الخطوط التركية»، و«طيران الإمارات»، و«مصر للطيران»، فرصة التسهيل للحصول على تأشيرة المدن التي تنطلق منها مع ساعات انتظار أطول وأسعار تذاكر لا تختلف كثيراً عن الأسعار المعتادة في الرحلات المباشرة للوجهات السياحية التي تطير إليها.

يتضمن الانتظار في الطيران التركي رحلات متعددة (وزارة السياحة التركية)

جولة في القاهرة

في حال كانت وجهتك تمر عبر ترانزيت في القاهرة، سواء مع شركة «مصر للطيران» أم عبر رحلات بشراكة مع شركات طيران أخرى، يمكن الحصول على فيزا «ترانزيت» بشكل مجاني من المطار لغالبية الجنسيات تصل لمدة 96 مع إبقاء الحقائب كبيرة الحجم في المطار بانتظار وجهتك النهائية سواء في الذهاب أم العودة.

يمكن الحصول على الفيزا المجانية والخروج من المطار، والاستمتاع بالتحرك في القاهرة، ومشاهدة الأهرامات، وزيارة المتحف المصري الكبير الذي افتُتح مؤخراً ويعد الأكبر عالمياً المخصص لعرض آثار حضارة واحدة بالتاريخ، بالإضافة إلى التسوق في منطقة وسط البلد القديمة، وربما شراء بعض الهدايا التذكارية من حي «خان الخليلي».

جولة اليوم الواحد في القاهرة يمكن أن تشمل زيارة عدد المواقع الأخرى منها «متحف الفن الإسلامي» و«المتحف القبطي» وحتى المتحف المصري بالتحرير، مع خيارات متنوعة للإقامة في الفنادق تبدأ من الفنادق الصغيرة بأسعار تبدأ من 7 دولارات وتصل إلى 500 دولار في الفنادق الكبرى.

أماكن السهر المتعددة في القاهرة تكون وجهة مثالية لمن لديهم طائرات تصل في المساء المبكر، فما بين الحفلات اليومية في الكافيهات الكبرى مروراً بالرحلات النيلية التي لا تتوقف حتى الساعات الأولى من الصباح مع وجود العديد من المطاعم العائمة التي تتيح الاستمتاع بمشاهدة النيل مع سهرات غنائية طوال الليل.

يمكن زيارة مواقع عدة داخل دبي خلال رحلة الترانزيت (حكومة دبي)

أنشطة مختلفة في دبي

إذا كنت مسافراً عبر «طيران الإمارات» فإن لديك فرصة للعديد من الزيارات والتسوق من دبي عبر ميزة «الترانزيت» التي يمكن ترتيبها مسبقاً سواء بالحصول على تأشيرة حال كان جواز سفرك يحتاج لتأشيرة الترانزيت أم الدخول إلى المدينة والتجول فيها خلال فترة انتظار الطائرة قاصداً وجهتك النهائية.

تتيح «طيران الإمارات» عبر مكاتبها امتيازات عدة عند التخطيط المبكر لرحلات الترانزيت تبدأ من استقبال في المطار وإمكانية حجز فندق بسعر تنافسي وصولاً إلى تنظيم جولات بالعديد من المواقع الترفيهية وأماكن التسوق، من برج خليفة إلى مول دبي ومول الإمارات لشاطئ جميرا، تتنوع الأنشطة التي يمكن قضاء حتى 4 أيام فيها.

تتنوع تكلفة الرحلات التي يمكن القيام بها بحسب الميزانية التي يتم رصدها، فما بين استخدام المترو والتاكسي والسيارات الخاصة تتغير التكلفة مع وجود خيارات متنوعة للتنقل داخل دبي، وتعدد الأماكن التي يمكن السهر فيها ليلاً والحفلات الفنية والعروض الموسيقية التي تحتضنها المدينة الإماراتية.

تتيح طيران الإمارات فرصة الترانزيت لمدة 96 ساعة في دبي (مطار دبي)

إسطنبول وجهة زاخرة بالتنوع

توفر الخطوط الجوية التركية خدمة مجانية لعدد من الجولات السياحية المنظمة لتمنح المسافرين العابرين في إسطنبول لمحة عن تاريخ المدينة وثقافتها وحياتها اليومية، وتتنوع الجولات بحسب وقت الترانزيت المتاح؛ إذ توجد جولات قصيرة تمتد بضع ساعات وأخرى أطول قد تستغرق نصف يوم أو يوماً كاملاً، وكلها تتضمن النقل من المطار وإليه ووجبات مجانية وإرشاداً سياحياً بالإنجليزية.

تبدأ الرحلات عادة من مطار إسطنبول الدولي مروراً بجسر السلطان محمد الفاتح أو الطريق السريع الأوروبي وصولاً إلى منطقة السلطان أحمد، وهي القلب التاريخي لإسطنبول، حيث يتوقف المشاركون لزيارة مسجد السلطان أحمد (الجامع الأزرق) الذي يُعد أحد أشهر المعالم العثمانية في العالم، ثم ينتقلون إلى «آيا صوفيا»، التحفة المعمارية التي جمعت بين الطرازين البيزنطي والعثماني.

كما تتضمن الجولات عادة زيارة إلى قصر «طوب كابي»، المقر القديم للسلاطين العثمانيين، والذي يضم اليوم متحفاً يحتوي على مقتنيات تاريخية نادرة من بينها أسلحة وتحف وقطع فنية تعود إلى القرون الماضية.

بعدها يتجه المسافرون إلى ميدان «الهيبودروم»، الذي كان مركزاً للحياة الاجتماعية في العهد البيزنطي ومكاناً لسباقات الخيول والعربات، قبل أن يواصلوا المسير إلى البازار الكبير، إحدى أقدم وأكبر الأسواق المغطاة في العالم، حيث يمكنهم التجول بين مئات المتاجر التي تبيع السجاد والجواهر والتوابل والهدايا التذكارية.

وفي الجولات التي تمتد فترة أطول، قد تشمل الرحلة المرور على مضيق البوسفور للاستمتاع بالإطلالة المائية الخلابة التي تفصل بين قارتي آسيا وأوروبا، أو زيارة منطقة «أمينونو» المطلة على القرن الذهبي، وتذوق الأطعمة المحلية مثل السمك المشوي أو الكنافة التركية، كما تقدم بعض الجولات فرصة لزيارة برج غلاطة الشهير الذي يوفّر مشهداً بانورامياً للمدينة القديمة.

تُختتم الجولة عادة بتناول وجبة تركية تقليدية في أحد المطاعم القريبة من منطقة الفاتح أو تقسيم، ثم يعود المسافرون إلى المطار قبل موعد رحلتهم التالية بوقت كافٍ.


«قصر عابدين»... رحلة تاريخيّة في رحاب «مصر الملكية»

القاعة البيزنطية (الشرق الأوسط)
القاعة البيزنطية (الشرق الأوسط)
TT

«قصر عابدين»... رحلة تاريخيّة في رحاب «مصر الملكية»

القاعة البيزنطية (الشرق الأوسط)
القاعة البيزنطية (الشرق الأوسط)

في قلب العاصمة المصرية، يتوسط قصر «عابدين» التاريخي واحداً من أشهر ميادين القاهرة والذي يحمل الاسم ذاته «عابدين».

يقف «قصر عابدين» الذي يعود تاريخه للقرن التاسع عشر، شاهداً على أحداث عدة أسهمت في تشكيل تاريخ مصر الحديث، حيث كان القصر مقراً للحكم منذ افتتاحه عام 1872 وصولاً إلى نهاية العهد الملكي عقب «ثورة 1952»، كما اتخذه الرئيس الراحل محمد أنور السادات مقراً للحكم الرئاسي، وفقاً لموقع رئاسة الجمهورية المصرية، الذي يشير إلى أن «القصر بُنيَ على أطلال منزل قديم كان يملكه عابدين بك، أحد أمراء الأتراك، الذي كان يشغل وظيفة أمير اللواء السلطاني، وتم ردم برك عدة وشراء مبانٍ ملاصقة لفيلا عابدين بك، حتى وصلت مساحة أرض القصر إلى 25 فداناً، وكان قصر وميدان عابدين يمثلان مركز المدينة الجديدة التي أنشأها الخديو إسماعيل.

ساعة نابليون (الشرق الأوسط)القاعة البيزنطية (الشرق الأوسط)الصالون الأحمر (الشرق الأوسط)قاعة قناة السويس (الشرق الأوسط)مكتب الملك (الشرق الأوسط)

كان القصر جزءاً من أحداث سياسية واجتماعية حافلة، بات اليوم مزاراً سياحياً وترفيهياً، تستقبل حديقته أنشطة فنية وثقافية، خاصة وعامة، حيث يمكن حجز حديقة القصر ومسرحه لإقامة حفل فني أو مؤتمر علمي. كما يمكن أيضاً للزوار حجز جولة سياحية بمتاحف القصر أو بمبناه الرئيسي، يتجولون بين أروقته في محاولة لاستكشاف بقايا عهد الملكية، عبر رحلة تاريخيّة تبدأ بالحدائق التي تضم نباتات نادرة أشهرها شجرة «التين البنغالي».

وسط الحدائق الغنَّاء لا يمكن للزائر أن يغفل مكانين من أجمل أماكن الحديقة بُنيا في عهد الملك فؤاد الأول، وهما «كشك الشاي» و«كشك الموسيقى» المطل على حمام سباحة بجواره أحد أشهر معالم القصر وهو «باب باريس».

مساحة مباني القصر الضخمة البالغة نحو خمسة فدادين، لا تتيح للزائر التجول في جميع أروقته وغرفه البالغ عددها 550 غرفة، لكن مسار الزيارة السياحية يتيح جولة بأهم قاعات «السلاملك»، مقر الحكم والمقابلات، و«الحرملك» مقر إقامة العائلة المالكة.

الصالون الأحمر (الشرق الأوسط)

فور عبور الباب الرئيسي لمبنى القصر، يشعر الزائر بأنه عاد بالزمن إلى عصر الفنون الكلاسيكية، حيث يتوسط شعار المملكة المصرية أعلى البهو، الذي تملأ جنباته تماثيل كلاسيكية عريقة، وأعمدة رخامية تقودك إلى «سلم المرايا» في نهاية البهو.

يقود السلم للطابق الثاني من الأقصر، حيث يقودنا ممر مزين بالأعمال الفنية إلى «قاعة قناة السويس»، تحكي القاعة عبر مجموعة من اللوحات التاريخية قصة حفر قناة السويس وحفل افتتاحها الأسطوري عام 1869.

وفي أحد جوانب القاعات ذات الطابع الفرنسي في الأثاث والديكور، يقع مكتب الملك المميز بكرسي من خمس أرجل، على الجدار «ساعة نابليون» التي أهدتها الإمبراطورة أوجيني للخديو إسماعيل بمناسبة افتتاح القناة.

بعد ذلك تستكمل الجولة بعدد من الصالونات التي يشتهر بها القصر والتي يحمل كل منها اسماً تبعاً لوظيفته التاريخية، أو لون جدرانه، لكنها جمعياً تضم مدفأة تعلوها ساعة فرنسية.

تبدأ الجولة بصالون العلماء، حيث كان الملك يستقبل العلماء، ثم الصالونات الأحمر والأبيض والأخضر والأزرق، وفي الممر الفاصل بين الصالونين الأحمر والأخضر توجد «فازة» مزينة بنقوش تحكي شجاراً بين زوجين، لتجسد «فازة» أخرى موجودة عند «قاعة محمد علي»، وعليها نقوش تحكي «نهاية الشجار».

قاعة قناة السويس (الشرق الأوسط)

كان الصالون الأحمر مخصصاً لانتظار ضيوف الملك، وبه توجد قطعة فنية تحكي تاريخ الفاتيكان وأشهر معالمها.

نستكمل الجولة بقاعة الاجتماعات الرسمية التي تضم طاولة بيضاوية الشكل ونحو 22 كرسياً، بعد ذلك ندخل إلى «قاعة محمد علي باشا»، مؤسس مصر الحديثة، والتي تضم قطع أثاث نادرة من طراز لويس السادس عشر.

لم يتجاهل القصر الطراز العربي، حيث يبدو واضحاً في قاعة الطعام التي تتزين بزخارف إسلامية على جدرانها، ونقوش وكتابات لحِكَم عربية.

من قاعة الطعام نستكمل الجولة في مسرح القصر الذي وقف أشهر نجوم الغناء وكبار الشخصيات وشهد حفلات موسيقية لضيوف في مصر في عهد الملكية وحتى في العصر الحالي.

قبل الوصول إلى واحدة من أهم قاعات القصر، ندخل الصالون الأبيض، وهو الصالون الأهم بين الأربعة، حيث كان ينتظر به كبار الشخصيات. وبجوار الصالون الأبيض توجد «قاعة العرش» التي بُنيت في عهد الملك فؤاد الأول على الطراز الإيطالي، وتوجد بها «فازة» بقاعدة متحركة مقاومة للزلازل.

مكتب الملك (الشرق الأوسط)

نخرج من قاعة العرش ونسير عبر ممر طويل يحمل اسم «ممر الصيد»، حيث تزدان جدرانه بلوحات عن الصيد.

من «السلاملك» مقر الحكم، نستكمل الجولة بـ«الحرملك» مقر إقامة العائلة، وتبدأ الجولة من جناح الملكة الأم «نازلي»، ينقسم كل جناح في الحرملك إلى أربعة أقسام؛، نوم وملابس وحمام، وصالون استقبال. في الحرملك توجد القاعة البيزنطية ذات التصميم البيزنطي في الجدران والإسلامي في الأعمدة والقبطي في الأيقونات.

ومن أشهر الأجنحة في «الحرملك»، الجناح البلجيكي الذي سُمي بهذا الاسم لأن أول من أقام به كان ملك بلجيكا، و«جناح الملكة فريدة» زوجة الملك فاروق الأولى، الذي تحول فيما بعد لجناح الملكة ناريمان الزوجة الثانية للملك، وعلى أحد جدرانه توجد صورة زفاف الملكة ناريمان. أما جناح الملك فاروق فيتميز على خلاف باقي الأجنحة بالبساطة والحداثة. وقبل أن ننهي الجولة في «الحرملك» ندخل قاعة طعام العائلة والتي تزينها الحروف الأولى من اسمي الخديو إسماعيل والملك فؤاد.

لا تقتصر الجولة السياحية في قصر عابدين على مبناه الرئيسي وغرفه وأجنحته، حيث يضم عدداً من المتاحف؛ متحف النياشين والأوسمة، ومتحف الأسلحة، ومتحف الفضيات، ومتحف السلام ومتحف الوثائق التاريخية، يمكن للزائر حجز جولة منفصلة بهم.