«شراكة» دولية من باريس لملاحقة المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيماوية

الوضع السوري في لقاء «ضيق»... واحتفاء بـ«عودة» واشنطن إلى الملف

«شراكة» دولية من باريس لملاحقة المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيماوية
TT

«شراكة» دولية من باريس لملاحقة المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيماوية

«شراكة» دولية من باريس لملاحقة المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيماوية

أطلقت أمس من باريس وبحضور ممثلي 29 دولة ومنظمة بينهم كثير من الوزراء «الشراكة الدولية لمنع الإفلات من العقاب» لكل الضالعين في اللجوء إلى السلاح الكيماوي. واستبق وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان الذي تشارك رئاسة المؤتمر مع نظيره الأميركي ريكس تيلرسون الإعلان بالتأكيد صباحا في كلمته إلى الصحافة بمناسبة العام الجديد، أن «من يلجأ إلى السلاح الكيماوي فعليه أن يعرف أنه سيحاسب يوما ما رغم تعطيل مجلس الأمن». وكان لودريان يشير بذلك بوضوح إلى روسيا التي استخدمت حق النقض مرتين في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في مجلس الأمن لـ«دفن» لجنة التحقيق المشتركة في استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا. ولم تدع موسكو، بطبيعة الحال، إلى حضور المؤتمر باعتبارها متهمة بإجهاض الجهود الدولية في الملف الكيماوي السوري.
واتهم تيلرسون النظام السوري بالاستمرار في استخدام الأسلحة الكيماوية في إشارة إلى هجوم بغاز الكلور في الغوطة الشرقية. وقال الوزير الأميركي، بعد المؤتمر، إن «أكثر من 20 مدنيا سقطوا أمس، معظمهم أطفال، ضحايا لهجوم بغاز الكلور على ما يبدو»، مضيفا أن «الهجمات في الغوطة في الآونة الأخيرة تثير مخاوف خطيرة من أن بشار الأسد ربما لا يزال يستخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه». ورأى تيلرسون أن «روسيا تتحمل في نهاية المطاف المسؤولية عن سقوط الضحايا في الغوطة الشرقية والعدد الذي لا يحصى من السوريين الآخرين الذين استهدفتهم أسلحة كيماوية منذ انخراط روسيا في سوريا».
وشهدت باريس أمس، عقب انتهاء أعمال المؤتمر، إصدار «إعلان نوايا» للمجموعة المؤسسة التي يلتزم أعضاؤها جماعيا بجمع جميع المعلومات الخاصة بالمسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيماوية والمحافظة عليها، وتسهيل تقاسمها مع الدول والمنظمات المعنية والهيئات متعددة الأطراف التي سيعمل الموقعون على توفير الدعم لها. ويلتزم الموقعون بنشر أسماء الأشخاص والهيئات والمجموعات والحكومات الضالعين في استخدام الأسلحة الكيماوية عبر منصة إنترنت مخصصة لهذه الغاية التي تم إطلاقها أمس. وفي السياق عينه، يلتزم الموقعون بمساعدة البلدان التي تحتاج لتقوية إمكاناتها لتوفير آليات لجمع المعلومات أو سن قوانين للملاحقة على المستوى الوطني للمسؤولين عن هذه الجرائم.
رغم أن المؤتمر الذي جاء بمبادرة فرنسية - أميركية مشتركة، لم يكن مخصصا لسوريا رسميا، فإن حالة سوريا هي التي استحوذت بشكل رئيسي على أعماله. كذلك، فإن باريس بادرت إلى نشر لائحة تضم 25 اسما لأشخاص وهيئات اعتبارية وشركات سورية ولبنانية وفرنسية وصينية ضالعة في البرنامج الكيماوي السوري كما فرضت عليها عقوبات من طرف واحد آملة في أن تحذو أطراف أخرى حذوها. ونشرت اللائحة في الجريدة الرسمية الفرنسية. وتقوم العقوبات الفرنسية على تجميد أموال هذه الهيئات والشركات والأشخاص الذين عملوا لصالح مركز الأبحاث العلمية، الذي تعتبره باريس دينامو السلاح الكيماوي السوري. واعتبر وزير الاقتصاد برونو لو مير في بيان أمس، أنه يتعين «تجفيف الموارد المالية أكان ذلك في محاربة الإرهاب أو القضاء على انتشار أسلحة الدمار الشامل».
بيد أن عيب اللائحة المنشورة أنها لا تصل إلى المستوى السياسي. واعتذرت المصادر الفرنسية سلفا عن هذا النقص باعتبار أن الجهات المختصة «لا تمتلك اليوم العناصر الكافية التي تسمح بملاحقة السلطات السياسية السورية». وتجدر الإشارة إلى أنه أحصي 130 استخداما للسلاح الكيماوي في سوريا بين العامين 2012 و2017 وأن اللجنة المشتركة للأمم المتحدة ومنظمة منع استخدام الأسلحة الكيماوية، توصلت في تحقيقاتها إلى أن النظام السوري لجأ إلى هذا السلاح الكيماوي أربع مرات على الأقل إحداها في خان شيخون أبريل (نيسان) 2017، التي قضت على 80 شخصا. واتهمت اللجنة بالمقابل تنظيم داعش أيضا باستخدام السلاح الكيماوي مرة واحدة.
حقيقة الأمر أن كل هذا الضجيج الذي أثير أمس في باريس كان هدفه، من جهة، إظهار أن الأطراف الحاضرة ترفض أن تتحكم موسكو بمفردها بالملف الكيماوي، وأن تحمي من تشاء «والمقصود هنا النظام السوري» باللجوء إلى حق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن، ومن جهة ثانية، إبراز أن الزمن الذي كانت فيه موسكو وحدها أو بالتشارك مع طهران وأحيانا أنقرة، ترسم ما تشاء وتقرر ما تشاء، قد انتهى.
وإضافة إلى هذا السلاح، فإن الانعطافة الرئيسية في الملف السوري تتمثل بـ«عودة» الولايات المتحدة الأميركية إلى الواجهة في سوريا ليس فقط عسكريا كما كان الوضع سابقا لجهة محاربة «داعش»، بل سياسي أيضا من خلال «الاستراتيجية» الأميركية الجديدة. وبرزت أهمية ذلك من خلال الاجتماع المسائي «الضيق» الذي نظمه الطرفان الفرنسي والأميركي بحضور تيلرسون ولو دريان وعدد ضئيل من نظرائهما الذين يمثلون دولا «مؤثرة» في الملف السوري. وقبل ذلك عقد لو دريان وتيلرسون صباحا لقاء ثنائيا تركز حول «التوجهات الجديدة» للإدارة الأميركية في الملفات الساخنة وأولها الملفان السوري والإيراني. وقال لو دريان لصحافيين قبل الاجتماع إنه «يريد أن يرى مع الوزير الأميركي ما إذا كانت التصريحات الأخيرة التي صدرت عنه حول هذين الموضوعين (وأهمها خطابه في 17 الحالي) تتطابق مع مواقف الرئيس ترمب وأنه بالتالي ينطق باسم الإدارة كلها».
وكان منتظرا أن يعرض الوزير الأميركي مضمون «اللاورقة»، أي ورقة غير رسمية، للتشاور حول سوريا وللحصول على دعم لها لتكون أساسا للتفاوض مع الجانب الروسي. وأفادت أوساط دبلوماسية وتقارير إعلامية أن هذه «اللاورقة» تتناول، في الملف السوري، إدخال تعديلات على الدستور «الذي سيكون الطبق الرئيسي في اجتماعات فيينا وسوتشي»، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية تحت إشراف الأمم المتحدة، ومصير الرئيس السوري بشار الأسد. لكن الأهم بالنسبة لباريس وللأطراف الأخرى الحاضرة، وفق ما قالته مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط»، هو أن الجانب الأميركي انتهى «أخيرا» من إعادة صياغة سياسته السورية و«ملء الفراغ» الذي حل بوصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. وكان تيلرسون عرض بالتفصيل «الاستراتيجية الجديدة» في خطابه يوم 17 يناير (كانون الثاني) أمام «هوفر إنستيتيوت» في ستانفورد، وفيه أكد أن عزم واشنطن على البقاء في سوريا سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا وإنشاء قوة من حرس الحدود من 30 ألف رجل، له خمسة أهداف أهمها ثلاثة: منع «داعش» من العودة واحتواء النفوذ الإيراني وحرمان الأسد من إعادة بسط سلطته على كل سوريا ودفعه إلى الخروج من الصورة في نهاية المطاف. ودعا تيلرسون في كلمته المشار إليها إلى «الصبر» فيما خص الأسد ما يعني قبول واشنطن ببقائه في السلطة «مؤقتا». وبحسب المصادر الفرنسية، فإن التصورات الأميركية «ليس فيها ما يصدم». وما تريده باريس هو «التنسيق» مع واشنطن والأطراف الأخرى و«تسويق» مبادرتها المتمثلة بـ«مجموعة الاتصال» المكونة من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وعدد من الدول الإقليمية، باعتبار أن مفاوضات جنيف تراوح مكانها واجتماعات آستانة وسوتشي غير كافيتين للوصول إلى حل، فيما السوريون عاجزون وحدهم عن التفاهم على مخرج من الحرب وعلى صورة سوريا المستقبل.
لكن هذا البناء النظري مرشح للتهافت بسب التطورات الأخيرة التي أدخلت عنصرا جديدا على المعادلات السورية، وهو الحرب التركية - الكردية التي أعادت خلط الأوراق وأحرجت الأطراف الغربية والروسية على السواء.



اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
TT

اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)

استبعدت الحكومة اليمنية تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم، داعية إيران إلى رفع يدها عن البلاد ووقف تسليح الجماعة، كما حمّلت المجتمع الدولي مسؤولية التهاون مع الانقلابيين، وعدم تنفيذ اتفاق «استوكهولم» بما فيه اتفاق «الحديدة».

التصريحات اليمنية جاءت في بيان الحكومة خلال أحدث اجتماع لمجلس الأمن في شأن اليمن؛ إذ أكد المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أن السلام في بلاده «لا يمكن أن يتحقق دون وجود شريك حقيقي يتخلّى عن خيار الحرب، ويؤمن بالحقوق والمواطنة المتساوية، ويتخلّى عن العنف بوصفه وسيلة لفرض أجنداته السياسية، ويضع مصالح الشعب اليمني فوق كل اعتبار».

وحمّلت الحكومة اليمنية الحوثيين المسؤولية عن عدم تحقيق السلام، واتهمتهم برفض كل الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى إنهاء الأزمة اليمنية، وعدم رغبتهم في السلام وانخراطهم بجدية مع هذه الجهود، مع الاستمرار في تعنتهم وتصعيدهم العسكري في مختلف الجبهات وحربهم الاقتصادية الممنهجة ضد الشعب.

وأكد السعدي، في البيان اليمني، التزام الحكومة بمسار السلام الشامل والعادل والمستدام المبني على مرجعيات الحل السياسي المتفق عليها، وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وفي مقدمتها القرار «2216».

عنصر حوثي يحمل صاروخاً وهمياً خلال حشد في صنعاء (رويترز)

وجدّد المندوب اليمني دعم الحكومة لجهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، هانس غروندبرغ، وكل المبادرات والمقترحات الهادفة لتسوية الأزمة، وثمّن عالياً الجهود التي تبذلها السعودية وسلطنة عمان لإحياء العملية السياسية، بما يؤدي إلى تحقيق الحل السياسي، وإنهاء الصراع، واستعادة الأمن والاستقرار.

تهديد الملاحة

وفيما يتعلق بالهجمات الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن، أشار المندوب اليمني لدى الأمم المتحدة إلى أن ذلك لم يعدّ يشكّل تهديداً لليمن واستقراره فحسب، بل يُمثّل تهديداً خطراً على الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، وحرية الملاحة البحرية والتجارة الدولية، وهروباً من استحقاقات السلام.

وقال السعدي إن هذا التهديد ليس بالأمر الجديد، ولم يأتِ من فراغ، وإنما جاء نتيجة تجاهل المجتمع الدولي لتحذيرات الحكومة اليمنية منذ سنوات من خطر تقويض الميليشيات الحوثية لاتفاق «استوكهولم»، بما في ذلك اتفاق الحديدة، واستمرار سيطرتها على المدينة وموانيها، واستخدامها منصةً لاستهداف طرق الملاحة الدولية والسفن التجارية، وإطلاق الصواريخ والمسيرات والألغام البحرية، وتهريب الأسلحة في انتهاك لتدابير الجزاءات المنشأة بموجب قرار مجلس الأمن «2140»، والقرارات اللاحقة ذات الصلة.

حرائق على متن ناقلة النفط اليونانية «سونيون» جراء هجمات حوثية (رويترز)

واتهم البيان اليمني الجماعة الحوثية، ومن خلفها النظام الإيراني، بالسعي لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وتهديد خطوط الملاحة الدولية، وعصب الاقتصاد العالمي، وتقويض مبادرات وجهود التهدئة، وإفشال الحلول السلمية للأزمة اليمنية، وتدمير مقدرات الشعب اليمني، وإطالة أمد الحرب، ومفاقمة الأزمة الإنسانية، وعرقلة إحراز أي تقدم في عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

وقال السعدي: «على إيران رفع يدها عن اليمن، واحترام سيادته وهويته، وتمكين أبنائه من بناء دولتهم وصنع مستقبلهم الأفضل الذي يستحقونه جميعاً»، ووصف استمرار طهران في إمداد الميليشيات الحوثية بالخبراء والتدريب والأسلحة، بما في ذلك، الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، بأنه «يمثل انتهاكاً صريحاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لا سيما القرارين (2216) و(2140)، واستخفافاً بجهود المجتمع الدولي».