فاليتا عاصمة الثقافة الأوروبية وفرصة لتحسين الصورة عن مالطا

فاليتا عاصمة الثقافة الأوروبية وفرصة لتحسين الصورة عن مالطا
TT

فاليتا عاصمة الثقافة الأوروبية وفرصة لتحسين الصورة عن مالطا

فاليتا عاصمة الثقافة الأوروبية وفرصة لتحسين الصورة عن مالطا

نالت مدينة فاليتا التي تعد أصغر عاصمة أوروبية على شهرة فنية واسعة، بعد أن صارت مسرحاً شهيراً لتصوير عدد من أفلام هوليوود التي حققت إيرادات ضخمة.
وكانت جدران الحصون بالعاصمة المالطية التي بنيت كمتاريس للدفاع عنها ضد أي غزو، إلى جانب معمارها الساحر وشوارعها الضيقة التي تفوح منها رائحة التاريخ، مكاناً جذاباً لتصوير أفلام شهيرة ذاع صيتها مثل «ميونيخ» و«المصارع» و«قطار منتصف الليل السريع».
وظلت فاليتا شاهدة على تاريخ ممتد من الأحداث المتباينة التي تكيفت معها، وشيد المدينة قائد عظيم حقق نصراً مدوياً على العثمانيين عام 1565. وعلى الرغم من أن فاليتا تعد مركز التجارة والأعمال الرئيسي لمالطا، فإنها ظلت لعدة عقود واحدة من العواصم الأوروبية القليلة التي كان يسودها الهدوء أثناء الليل، بينما انتقلت حياة الليل إلى مدينة سليما القريبة.
ومن هنا فإنه عندما تم اختيار فاليتا 2012 عاصمة للثقافة الأوروبية لعام 2018، أدرك المسؤولون فيها أن ذلك الاختيار يعد فرصة مثالية لتجديد المدينة وإبراز معالمها الجمالية.
وقال جاسون ميكاليف رئيس مؤسسة «فاليتا 2018» لوكالة الأنباء الألمانية «إننا أتحنا أكبر استثمار منذ استقلال مالطا عام 1964 لإعادة تشكيل هذه المدينة».
وتم استثمار أكثر من 58 مليون دولار في تجميل المدينة منذ عام 2013، من بينها إنفاق مبلغ 12 مليوناً على القطاع الثقافي، وتمويل بناء متحف جديد وتجميل شارع «ستريت» الذي كان معروفاً بكونه منطقة لبنات الليل أثناء الحرب العالمية الثانية.
ومن ناحية أخرى نجد أن الثقافة أحدثت انقساماً في المجتمع المالطي، حيث يرى كثيرون في مجال الإبداع أنهم أبعدوا خارج حلبة النشاط الثقافي من جانب ما يعتبرونهم أشخاصاً عينتهم الحكومة دون أن يمتلكوا الرؤية الإبداعية، وينصب اهتمامهم بدرجة أكبر على الاستثمار في الأطر الثقافية القديمة البعيدة عن الحداثة.
غير أن ميكاليف لا يتفق مع هذا الرأي، ويوضح قائلاً: «إن برنامجنا الذي يستمر طوال عام كامل يهدف إلى تحقيق الاستمتاع والدعوة إلى التحدي والتحريض على الإبداع، ولكن فوق كل ذلك تحفيز الإلهام».
ومن المنتظر أن يشارك في فاعليات «فاليتا 2018»، التي ستنطلق في 14 يناير (كانون الثاني) ألف من الفنانين المحليين والعالميين.
ويشير ميكاليف إلى أن الفاعليات ستقام في مواقع مختلفة من أجل إعادة استكشاف الأماكن التاريخية بالمدينة.
ويقول إن «المدينة ظلت لقرون ترحب بأفضل العقول الأوروبية، وكان عدد من أشهر الفنانين في العالم يطلقون عليها وصف الوطن».
ومن أبرز فعاليات هذا الحدث «مهرجان البحار»، حيث تشارك فرق محلية في سباقات بزوارق مصممة بشكل خاص بالقرب من أحد أجمل الموانئ الأوروبية.
ومن المقرر أن تعرض في إطار موسم أوبرالي ينظم في منتصف العام المقبل أوبرا تسمى «نحن اللاجئون» من إبداع الموسيقار المالطي ماريو ساموت.
ويشعر أبناء مالطا بشكل عام بالزهو تجاه لقب «فاليتا 2018»، غير أن المؤسسة التي تحمل الاسم ذاته لم تسلم من الجدل. فقد اعتبر الكثيرون أن تعيين ميكاليف رئيساً لهذه المؤسسة - وهو أمين عام سابق لحزب العمال الحاكم - جاء لاعتبارات سياسية فحسب.
وتم منذ ستة أشهر إبعاد المدير التنفيذي ومنسق البرامج بمؤسسة «فاليتا 2018» ما تسبب في حالة من الجدل، وفي إصدار تحذير صارم من لجنة المفوضية الأوروبية.
ويوجه المدون كريس جات، وهو أيضا أحد كبار مخرجي المسرح في مالطا، انتقادات صريحة لمؤسسة «فاليتا 2018».
وقال إنه «من الواضح أنه يتم اختيار من يشغلون المراتب العليا في هذه المؤسسة، ليس بسبب تمتعهم بأي كفاءة أو موهبة، ولكن بسبب ما يتمتعون به من صلات سياسية قوية».
وأضاف في تصريح لـ«الوكالة الألمانية»، أنه على الرغم من زيادة التمويل للفنون، فإن نوعية ما يقدم منها ليست على مستوى عال من الإبداع.
وأوضح قائلاً: «ليس ثمة جهد منسق ومركز لنشر الثقافة وسط جميع مناحي الحياة اليومية، باستثناء أن يكون ذلك بشكل رمزي وشعبوي، الأمر الذي قد يكون قد سبب أضراراً بأكثر مما عاد بالفائدة، وتعد مالطا دولة من سماتها اللامبالاة».
وتابع جات إنه على الرغم من أنه يبدو أن المواطنين على وعي بهذا الحدث، فإنه يتشكك في أن الحدث مثله في ذلك مثل جميع الأنشطة الثقافية التي تمارس، يتم النظر إليه من جانب الكثيرين باعتباره «فاعلية موجهة للسياح»، بل إنه يتوقع أن يشهد العام بأكمله المخصص لفعاليات عاصمة الثقافة الأوروبية زيادة نسبتها 7 في المائة في حركة السياحة.


مقالات ذات صلة

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق سياح يصطفون للدخول إلى معرض أوفيزي في فلورنسا (أ.ب)

على غرار مدن أخرى... فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

تتخذ مدينة فلورنسا الإيطالية التاريخية خطوات للحد من السياحة المفرطة، حيث قدمت تدابير بما في ذلك حظر استخدام صناديق المفاتيح الخاصة بالمستأجرين لفترات قصيرة.

«الشرق الأوسط» (روما)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».