بيل غيتس رئيساً لتحرير «تايم» لعدد واحد... ورسالته نشر التفاؤل

للمرة الأولى في تاريخها

بيل غيتس
بيل غيتس
TT

بيل غيتس رئيساً لتحرير «تايم» لعدد واحد... ورسالته نشر التفاؤل

بيل غيتس
بيل غيتس

عندما يتولى بيل غيتس، وهو أحد أغنى الرجال في العالم ومؤسس شركة «مايكروسوفت» وصاحب مؤسسة خيرية ضخمة، تحرير عدد من مجلة «تايم» للمرة الأولى في تاريخها، ما الذي يمكن أن يتوقعه القارئ؟ الإجابة تبدأ بغلاف المجلة الشهيرة الذي يعكس طريقة تفكير الملياردير بيل غيتس ونظرياته في الحياة. الغلاف يحمل صورة الطفل الإثيوبي محمد ناصر، الذي يحتفل بعامه الخامس بفضل حملة اللقاح التي نفذتها مؤسسة «بيل وميليندا غيتس»، (وكان غيتس قد قابله للمرة الأولى في عام 2012)، ومع ابتسامة الطفل العريضة والعنوان الضخم إلى جانبها «المتفائلون» تتضح رؤية بيل غيتس لهذا العدد الاستثنائي.
يشرح غيتس في مقاله في بداية العدد، السبب الذي دعاه لتحرير هذا العدد من مجلته المفضلة، فهو يريد أن يسلط الضوء على الإيجابيات، وأن يقدم نظرة متفائلة لمستقبل العالم بدلاً من التركيز على أخبار الكوارث والمصائب. يبدأ مقاله بذلك، ويشير للعام الماضي، وما حفلت به وسائل الإعلام من أخبار حول أعاصير وفيضانات وحروب وتوتر نووي، لكنه يضيف: «ينكسر قلبك لكل إنسان تأثر بكل تلك المآسي، وحتى بالنسبة لهؤلاء المحظوظين الذين لم يتأثروا بها؛ فالإحساس العام كان بأن العالم في حالة انهيار. لكن كل تلك الأحداث السيئة حدثت ضمن إطار أكبر وتيار إيجابي. فالعالم (بشكل عام) في تحسن».
ليس مجرد تفاؤل فارغ، فبيل غيتس دائماً محمّل بالأدلة والإحصاءات التي تثبت رأيه، يكتب: «انظر إلى عدد الأطفال الذين يموتون قبل إتمام عامهم الخامس. منذ عام 1990 تناقص العدد للنصف؛ وهو ما يعني أن 122 مليون طفل قد تم إنقاذهم في ربع قرن».
في لقائه مع فريق التحرير في مجلة «تايم» سأله رئيس تحرير المجلة إدوارد فليسينثال: «في رأيك، كيف نتعامل مع العدد الجديد في ضوء النظرة المتفائلة التي تتبناها؟» يجيبه غيتس بأن هناك تحسناً تدريجياً يحدث أمامنا، لكنه لا يغمض عينيه عن الجانب المظلم، يوضح رؤيته قائلاً: «العالم يفتقد للعدالة، لكنه الآن أقل ظلماً من قبل... يجب أن ننظر إلى المرات التي نجحنا فيها في إحداث تغييرات جيدة، ونحاول أن نتحدث عنها أكثر».
في مقاله بالمجلة يشير غيتس إلى أن صناعة الأخبار في العالم تدفع القراء للتفكير بأن العالم في طريقه للانهيار، ويشرح في مقطع فيديو مع مسؤولة تحرير مجلة «تايم» السابقة نانسي غيب، أن الإعلام يركز على الأخبار الكارثية والمفجعة بشكل أكبر؛ لأنها تتميز بـ«الدراما»؛ فهي تحدث فجأة وبصورة صادمة، أما الأخبار الجيدة فهي، على حد قوله، تأتي على «دفعات» ولا يراها الإعلام جديرة بالنشر. إنها الطبيعة البشرية التي تدفع الإنسان إلى التركيز على التهديدات؛ فالتطور الإنساني علّمنا أن نقلق من خطر الحيوانات التي تريد التهامنا».
في اجتماعه مع طاقم التحرير يطلع غيتس على الصفحات وعلى قائمة الكتاب المشاركين الذين اختارهم، تقول له إحدى المحررات: «لدينا موافقة من الملياردير وارن بافيت، ومن ملالا يوسفزاي، ومن المغني بونو، ومقدم البرامج تريفر نوا».
تلمس مقالات بافيت وبونو وملالا، وغيرهم من المشاركين في العدد، الكثير من القضايا القريبة لقلب غيتس؛ فبافيت على سبيل المثال كتب عن أسرار صناعة الثروة في أميركا، وجاءت الفقرة الأولى من مقاله لتنسجم تماما مع فكرة العدد وهي «التفاؤل»، حيث كتب: «لدي أخبار جيدة، الأول هو أن الأطفال الأميركيين سيعيشون أطول وأفضل من آبائهم وأمهاتهم، الثاني أن مستويات المعيشة المرتفعة ستستمر لأجيال مقبلة».
أما بونو، فشارك بالكتابة عن أهمية التعليم للفتيات وهو ما تتبناه ملالا الحائزة جائزة نوبل للسلام.
لكن، إلى جانب قضايا التعليم والمساواة والصحة، لا يغيب بيل غيتس مؤسس شركة «مايكروسوفت» عن العدد. فالعدد مبدئياً صُمم ليستخدم تقنية الواقع المعزز. فيستطيع القارئ الحصول على محتوى أكبر وإضافات لكل موضوع بالرسومات والغرافات عبر تنزيل تطبيق معين على الهاتف وبتشغيله وتوجيه عدسة الكاميرا على مربعات معينة على غلاف المجلة يفتح التطبيق صفحات من المحتوى الذي يعزز المعلومات على المجلة الورقية.
إلى جانب الواقع المعزز، يضم العدد أيضاً عدداً من الموضوعات التي تستكشف عالم بيل غيتس واهتماماته، مثل: ستة مخترعات ستغير العالم، أربع طرق للتعلم ينصح بها.
يستعين العدد أيضاً بالفيديو لتعزيز المحتوى الورقي، فعلى سبيل المثال تجري مسؤولة التحرير السابقة في «تايم» نانسي غيب حواراً مع غيتس، تسأله فيه عما إذا كان متفائلاً بالدور الذي يلعبه الذكاء الصناعي في مجالات العمل، وهو سؤال يجمع أكثر من اهتمام لدى الملياردير. يجيبها قائلاً: «بالتأكيد سيغير الذكاء الاصطناعي سوق العمل». وهو لا يرى خطراً في اعتماد الأطفال والشباب على شاشات هواتفهم، ويرشح أن يقوم الآباء والأمهات بالنصيحة والإرشاد، ففي رأيه «يتحمس الناس عادة لكل الوسائل التقنية الجديدة، لكنهم سيستطيعون التحكم في ذلك. أعتقد أن التأثير السيئ يمكن إيقافه مع القليل من الرقابة العائلية».
تحرير عدد من مجلة «تايم»، التي ظهر بيل غيتس على غلافها عشر مرات من قبل، كان أمراً «ممتعاً» كما يقول: «أمر ممتع أن أستطيع تسليط الضوء على الموضوعات التي أراها مهمة، وأن أعرض للقراء الأشياء التي قد لا يرونها عادة».


مقالات ذات صلة

إصابة مصورَين صحافيَين بنيران إسرائيلية في جنوب لبنان

المشرق العربي جنود إسرائيليون يقودون مركباتهم في منطقة قريبة من الحدود الإسرائيلية اللبنانية كما شوهد من شمال إسرائيل الأربعاء 27 نوفمبر 2024 (أ.ب)

إصابة مصورَين صحافيَين بنيران إسرائيلية في جنوب لبنان

أصيب مصوران صحافيان بجروح بعد إطلاق جنود إسرائيليين النار عليهما في جنوب لبنان اليوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي نازحون في أثناء عودتهم إلى قراهم بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» الذي دخل حيز التنفيذ يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024... الصورة في أبلح شرقي لبنان (أ.ب)

«انتصار للبيت الأبيض»... صحف تحلل اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

رأى موقع «بوليتيكو» أن اتفاق وقف إطلاق النار «انتصار كبير للبيت الأبيض»، وقالت «نيويورك تايمز» إن بايدن يريد تذكّره بأنه وضع الشرق الأوسط على طريق تسوية دائمة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
آسيا خلال احتجاج نظمته حركة «طالبان» في أفغانستان (رويترز - أرشيفية)

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

أفادت الأمم المتحدة، الثلاثاء، بأنها سجّلت 336 اعتداءً على صحافيين وعاملين في وسائل إعلام منذ عودة «طالبان» لحكم أفغانستان في أغسطس 2021.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا مبنى التلفزيون المصري في ماسبيرو (الهيئة الوطنية للإعلام)

تشكيلة جديدة للهيئات الإعلامية بمصر وسط ترقب لتغييرات

استقبلت الأوساط الإعلامية والصحافية المصرية، التشكيلة الجديدة للهيئات المنظمة لعملهم، آملين في أن تحمل معها تغييرات إيجابية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».