منذ 80 عاما ماضية، كان الملك فاروق، آخر ملوك مصر، بأسرة محمد علي باشا، ينبهر بسحر وروعة محافظة الفيوم (70 كيلومترا جنوبي القاهرة)، فيقرر أن يشيّد استراحة شتوية خاصة به، ينعم فيها بالطبيعة الخلابة، مع روعة السماء حينما تعانق بحيرة قارون (إحدى أقدم البحيرات الطبيعية في العالم)، وشرع بالفعل المهندس المعماري الإيطالي ألبرت زنانيري في تصميم وتنفيذ تحفة معمارية وفنية، يطلق عليها حتى الآن «أوبرج الفيوم».
زنانيري أبدع في تصميم الأوبرج على طراز الريف الإيطالي، وتحقق للملك ثلاثية الجمال الخالدة، والمتمثلة في خضرة حقول الفيوم وأشجارها ونخيلها، وزرقة مياه بحيرة قارون، التي تداعبه صيفا وشتاء، والوجه الحسن في ضيوفه من الأميرات والجميلات. ومع كثرة تردد ملك مصر والسودان، على استراحته تلك، وقع في غرامها وخاصة في فصل الشتاء، ليمارس هواياته المفضلة في صيد الأسماك والطيور.
لم تكن الفيوم التي مرت عليها الحضارات الرومانية واليونانية والفرعونية والإسلامية، مجرد استراحة شتوية للملك، يقضي فيها أوقاتا طويلة بين دهاليز وجدران الأوبرج، أو على ضفاف بحيرة قارون حيث الصيد والاستجمام. بل كان يستقبل في ذلك المكان كبار الرؤساء والملوك.
المسافة من القاهرة وحتى فندق الأوبرج حاليا، تقطعها السيارة في أقل من ساعة، وقبل أن تصل إلى الفندق الذي تديره حاليا شركة هلنان العالمية للفنادق منذ عام 2005 مع احتفاظ وزارتي السياحة والآثار بملكيته منذ ثورة يوليو (تموز) عام 1952. يستدعي انتباهك ظهور بحيرة قارون وما تضفيه من بهجة وعبق تاريخي للمكان، حيث اختار المهندس الإيطالي، بناء الاستراحة الملكية في منتصف الشاطئ المطل على البحيرة، لضمان رؤيتها من جميع نوافذ غرف الاستراحة التراثية. ورغم التجديدات وأعمال التطوير، التي طرأت على الأوبرج خلال السنوات الطويلة الماضية، فإنه لا يزال محتفظا بملامحه التاريخية التي تلخص جانبا من سيرة الملك فاروق منذ طفولته وحتى اعتلائه العرش، بالإضافة إلى لمسات أخرى تشير إلى الرؤساء والملوك والمشاهير، الذين زاروا ذلك المكان وأقاموا فيه ومنهم مؤسس المملكة العربية السعودية، الملك عبد العزيز آل سعود، الذي كان في زيارة للقاهرة عام 1945 للمشاركة في مؤتمر دول الحلفاء واختار أن يقيم بأوبرج الفيوم، وهناك تم عقد لقاء تاريخي بينه وبين ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا، الذي اختار أيضا الإقامة في الأوبرج.
في غضون ذلك لا تزال قاعات الفندق، تحتفظ بأسمائها التاريخية كما هي، ومنها القاعة الملكية، وقاعة قارون وقاعة تشرشل، الذي تم وضع صورة له على جدران القاعة هو والملك عبد العزيز آل سعود.
وخلال زيارة «الشرق الأوسط» لهذه الاستراحة التاريخية، التي تحولت إلى فندق سياحي شهير، قابلت بالصدفة الفنانة المصرية ليلى طاهر في البهو التاريخي، وقالت «طاهر»: «إنها تحرص دائما على التواجد في الأوبرج، خاصة في فصل الشتاء، لتستمتع بشمس ودفء المكان، الذي تعتبره قيمة تاريخية وجمالية كبيرة».
وأضافت: «طاهر» لـ«الشرق الأوسط» قائلة: «الأوبرج كان مقصدا للطبقة الأرستقراطية منذ نشأته، وأن معظم أبناء جيلها من الفنانين والمخرجين زاروا الأوبرج، وقضوا فيه أوقاتا ممتعة».
ولفتت إلى أن عشرات الأفلام القديمة (أفلام الأبيض والأسود) قد تم تصوير مشاهد منها في أوبرج الفيوم، وهناك أفلام تم تصويرها بالكامل داخل هذا الفندق التاريخي».
من داخل بهو الفندق، يستطيع الزائر رؤية بحيرة قارون بوضوح، حيث يضفي انعكاس أشعة الشمس الذهبية على صفحة البحيرة الزرقاء، مزيدا من لمسات الجمال والروعة».
وتحاول شركة هلنان التي تدير الفندق، الحفاظ على الطابع المعماري والتاريخي المميز لقاعات الفندق، ويظهر ذلك بوضوح من خلال أناقة الحوائط، والأرضيات والسجاد ومصابيح الإضاءة والألوان. وقام الفندق بتعليق صور الملك فاروق على الجدران، لإضفاء الطابع التاريخي على المكان، مثل صورته حينما كان طفلا، وصورته وهو في لباس الصيد، بجانب صورة ثالثة له وهو جالس على كرسي الحكم.
خلال زيارة الفندق أخبرني موظف الاستقبال، أن نادي روتاري، قام بحجز جميع غرف الفندق لإقامة مؤتمره السنوي. وأضاف: «الأندية الاجتماعية الكبرى ومنها الروتاري والليونز، تعقد اجتماعاتها السنوية في الفندق. وأوضح أن عدد غرف الفندق تصل لـ50 غرفة و3 قاعات وثلاثة أجنحة فاخرة، من بينها جناح الملك الذي توجد على جدرانه صور الملك، وصور لحفل زفافه، وصور لزوجتيه ناريمان، وفريدة»، لافتا إلى أن ناريمان هي التي كانت تقيم معه في الأوبرج.
التجول داخل جناح فاروق بالأوبرج يجعلك تشم رائحة ذلك الزمن، فسرير الملك يتوسط الغرفة وتتدلى منه ناموسية رقيقة بيضاء، ويوجد باب خارجي لغرفة فاروق يُطل على حديقة، وممر خاص يؤدي لرصيف الصيد المتصل بالفندق، وحتى بحيرة قارون، حيث كان يقضي فاروق ساعات طويلة يوميا في ممارسة الصيد.
من جهته يقول محمد كمال مدير عام السياحة بمحافظة الفيوم، «إن فندق أوبرج الفيوم، أهم منتجع سياحي بالمحافظة، ويزداد الإقبال عليه في فصل الشتاء خاصة مع احتفالات الكريسماس، وأشار كمال إلى أن السياح الألمان والإيطاليين، كانوا يقصدون الفيوم عامة والأوبرج خاصة من أجل الاستمتاع برحلات الصيد ومتابعة مواسم هجرة الطيور.
وعن جناح الملك فاروق لفت كمال إلى أنه يتم تأجيره مثل باقي الأجنحة والغرف، ولكن بسعر أعلى، مؤكدا أن النزلاء يدركون جيدا القيمة التاريخية للأوبرج، وبالأخص الجناح الملكي، كما أنهم يكونون حريصين جدا على عدم مخالفة القواعد العامة للمكان.
«أوبرج الفيوم» استراحة ملكية تكرس البعد التاريخي مع دفء الشتاء
تم تصميمه على طراز «الريف الإيطالي» عام 1937
«أوبرج الفيوم» استراحة ملكية تكرس البعد التاريخي مع دفء الشتاء
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة