رشح أم نزلة برد أم التهاب الجيوب الأنفية؟

نصائح للتمييز بينها قبل استشارة الطبيب

رشح أم نزلة برد أم التهاب الجيوب الأنفية؟
TT

رشح أم نزلة برد أم التهاب الجيوب الأنفية؟

رشح أم نزلة برد أم التهاب الجيوب الأنفية؟

كيف يمكن التمييز بين هذه الحالات، وما الذي يمكن القيام به حيال ذلك؟ ليس من قبيل المتعة التكيف والتعايش مع رشح الأنف، أو الانسداد في الأنف الذي يحدث بسبب فيروس في فصل الشتاء. لكن كيف يمكن للمرء معرفة ما إذا كان مصاباً بالرشح أو بنزلة برد، أو التهاب في الجيوب الأنفية؟ يمكن للأعراض أن تتشابه، وقد يصبح من الصعب التمييز بين الحالات على حد قول دكتور أحمد سيداغات، اختصاصي الأنف والأذن والحنجرة، الذي يعمل في مستشفى «ماساتشوستس» لأمراض العين والأذن التابعة لجامعة «هارفارد».
-- نزلة البرد والجيوب الأنفية
- نزلة البرد. يوجد أكثر من 200 فيروس يمكن أن يتسبب في الإصابة بنزلة برد. وتنتمي أكثر تلك الفيروسات انتشاراً، والمسؤولة عن 40 في المائة من حالات البرد، إلى عائلة تسمي عائلة الفيروسات الأنفية rhinoviruses.
عادة ما تشمل أعراض البرد التهاب الحلق، وانسداد الأنف والجيوب الأنفية، وإفراز مادة غليظة القوام وأحياناً مختلفة اللون، والرشح، والعطاس؛ وكذلك قد يمتد الأمر إلى السعال وحدوث بحة في الصوت.
-- التهاب الجيوب الأنفية
- الجيوب الأنفية Sinusitis هي مجموعة من الممرات المتصلة الممتلئة بالهواء في الجمجمة؛ وتقع بين العينين وراء الأنف والوجنتين والجبهة. وتفرز الأنسجة الموجودة في جدران الجيوب الأنفية مخاطا يلتقط الجراثيم وغيرها من الملوثات. وتوجد شعيرات صغيرة تسمى الأهداب على جدران الجيوب الأنفية، وظيفتها هي إزاحة المخاط إلى خارج الجيوب الأنفية لينتقل نحو الأنف.
عندما يصاب المرء بنزلة برد، يمكن للفيروس أن يسبب التهابا في الجيوب الأنفية، وأنسجتها، وتعرف تلك الحالة باسم «التهاب جيوب أنفية فيروسي viral sinusitis». مع ذلك يمكن أن يحدث التهاب الجيوب الأنفية بسبب بكتريا، وتعرف هذه الحالة باسم «التهاب جيوب أنفية بكتيري» bacterial sinusitis يحتاج علاجها إلى تناول مضاد حيوي.
وفي كل حالات التهاب الجيوب الأنفية الفيروسي والبكتيري تتورم بطانة الجيوب الأنفية، مما يحول دون تصريف المخاط، وهو ما يؤدي إلى الشعور بضغط، وألم، وانسداد في الأنف، وإفراز مادة غليظة القوام مختلفة اللون (أصفر أو أخضر)، وضعف في حاسة الشم، وحمى، وألم في الرأس وأسنان الفك العلوي من الفم، والشعور بإرهاق وإعياء. ويتم إفراز مادة خضراء على الأرجح في حالة التهاب الجيوب الأنفية البكتيري، وإن لم يتفق الأطباء على ذلك الأمر.
-- الالتهاب المزمن
- التهاب الجيوب الأنفية المزمن. يكون التهاب الجيوب الأنفية الحاد مؤقتاً، لكن قد يتعرض البالغون الأكبر سناً إلى الإصابة بالتهاب جيوب أنفية مزمن. كثيراً ما يحدث ذلك عندما يعجز جهاز المناعة عن التعرف على البكتريا التي تعيش داخل الجيوب الأنفية.
ويوضح الدكتور أحمد قائلا: «نحن نفرق بين الأنواع المختلفة لالتهاب الجيوب الأنفية على أساس مدة استمرار الأعراض، التي تشمل انسداد الأنف، والرشح، والشعور بألم في الوجه أو ضغط عليه، وضعف حاسة الشم. وإذا استمر اثنان من تلك الأعراض لمدة تزيد على 12 أسبوعا على الأقل، فهذا يطابق السمات المختبرية لمرض التهاب الجيوب الأنفية المزمن». ومن وسائل العلاج التي تساعد في السيطرة على الأعراض شطف الأنف بالماء المالح، واستخدام بخاخ لمادة ستيرويدية يومياً، وفي الحالات الصعبة يمكن اللجوء إلى الجراحة.
-- التمييز بين الحالات
هناك طريقتان للتمييز بين نزلة البرد، أو التهاب الجيوب الأنفية الفيروسي، وبين التهاب الجيوب الأنفية البكتيري. يقول الدكتور سيداغات: «تبدأ أعراض نزلة البرد، أو التهاب الجيوب الأنفية الفيروسي في التحسن بعد مرور فترة تتراوح بين ثلاثة وخمسة أيام، في حين تستمر أعراض التهاب الجيوب الأنفية البكتيري وتمتد لمدة تزيد على عشرة أيام دون حدوث أي تحسن. لذا، فإذا استمر ظهور أعراض ما تعتقد أنها نزلة برد، لمدة تزيد على عشرة أيام دون أي تحسن، فقد تكون الحالة هي التهاب الجيوب الأنفية».
أما الطريقة الأخرى لمعرفة الفرق بين الحالتين، فهي أنه إذا أصيب المرء بما يعتقد أنه نزلة البرد وبدأ في التحسن بعد بضعة أيام، لكن الحالة ظهرت فجأة مرة أخرى، وأصبحت أسوأ، فهذا يعني أن ما بدأ كنزلة برد، تحول إلى التهاب جيوب أنفية بكتيري كما يوضح دكتور أحمد سيداغات.
-- ما ينبغي القيام به
- نصائح.ينصح الدكتور سيداغات بعلاج نزلات البرد بشكل منهجي، حيث يوضح قائلا: «أوصي مرضاي بالقيام بكل ما يشعرهم بالتحسن. قد يساعد تناول مسكنات الألم مثل الأسيتامينوفين (تيلينول)، والإيبوبروفين (أدفيل) في تخفيف حدة الأعراض. كذلك قد تساعد بعض العلاجات المنزلية، ومنها شطف الأنف بالماء المالح، في تخفيف حدة الأعراض».
كذلك يوضح الدكتور أحمد أن اتباع نظام غذائي صحي، وشرب الكثير من السوائل قد يساعد في الحفاظ على ارتفاع مستوى الطاقة في الجسم.يتم علاج التهاب الجيوب الأنفية بالطريقة نفسها التي يتم علاج نزلة البرد بها. إذا كانت البكتريا هي سبب الإصابة بالالتهاب، فيمكن تناول مضاد حيوي، لكن تتحسن الكثير من حالات التهاب الجيوب الأنفية البكتيرية وحدها مع الوقت.
- هل ينبغي تشخيص الحالة ذاتياً؟ هذا أحد السيناريوهات التي قد يكون فيها من الأفضل الانتظار لبضعة أيام قبل زيارة الطبيب. وفي حال عدم تحسن الأعراض مع مرور الوقت، فقد يكون المرء مصابا بالتهاب جيوب أنفية بكتيري، لا فيروسي. كذلك قد يكون أمرا جيدا، الطلب من الطبيب فحص انسداد الجيوب الأنفية للتأكد من أن سببه ليس وجود سلائل polyps أنفية أو أورام tumors.

- رسالة هارفارد الصحية، خدمات «تريبيون ميديا».


مقالات ذات صلة

الأحياء المزدحمة تشجع السكان على المشي

صحتك الأحياء الحضرية تشجع السكان على المشي (جامعة ويسترن أونتاريو)

الأحياء المزدحمة تشجع السكان على المشي

أفادت دراسة أميركية بأن تصميم الأحياء السكنية يُمكن أن يؤثر بشكل كبير على مستوى النشاط البدني للأفراد، خصوصاً المشي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك التقرير يوضح أنه من الأقل احتمالاً أن يكون أمام الأطفال في وسط المدن فرصة للحصول على خيارات غذائية صحية وبتكلفة مقبولة (رويترز)

بريطانيا: الأطفال يعيشون حياة أقصر بسبب الوجبات السريعة

كشف كبير المسؤولين الطبيين في إنجلترا عن أن «الصحاري الغذائية» في المدن إلى جانب إعلانات الوجبات السريعة تتسببان في عيش الأطفال حياة «أقصر وغير صحية».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك دراسة جديدة تشير إلى إمكانية علاج مرض قصور القلب (ميديكال إكسبرس)

علاج ثوري جديد لقصور القلب... والتعافي غير مسبوق

تاريخياً، عُدَّت الإصابةُ بقصور القلب غير قابل للعكس، لكن نتائج دراسة جديدة تشير إلى أن هذا قد يتغير يوماً ما.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق التثاؤب يحدث عندما يكون الناس في حالة انتقالية مثلاً بين النوم والاستيقاظ (رويترز)

التثاؤب... هل يعني أن أدمغتنا لا تحصل على الأكسجين الكافي؟

يشعر معظمنا بقرب عملية التثاؤب. تبدأ عضلات الفك بالتقلص، وقد تتسع فتحتا الأنف، وقد تذرف أعيننا الدموع عندما ينفتح فمنا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الدعم المُرتكز على التعاطف مع المريض يعادل تناول الدواء (جامعة تكساس)

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف تُحسّن السيطرة على السكري

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف مع مرضى السكري من أفراد مدرّبين على القيام بذلك، أدَّت إلى تحسينات كبيرة في قدرتهم على التحكُّم في نسبة السكر بالدم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)