مهرجان تونسي يهتم بـ«ثقافة سكان المناجم»

نفض غبار الفوسفات عنها واستعاد ذاكرة «فئران الداموس»

ملصق مهرجان الحوض المنجمي
ملصق مهرجان الحوض المنجمي
TT

مهرجان تونسي يهتم بـ«ثقافة سكان المناجم»

ملصق مهرجان الحوض المنجمي
ملصق مهرجان الحوض المنجمي

تحتفل منطقة الحوض المنجمي المرتبط بأنشطة استخراج مادة الفوسفات جنوب غربي تونس، بالدورة الرابعة لمهرجان الحوض المنجمي من 21 إلى 23 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. وتتوزع مختلف فعاليات هذا المهرجان على مدن المتلوي والرديف وأم العرائس والمظيلة، وهي المدن التي خلقت «ثقافة أهل المناجم» في تونس التي تدور حولها أساطير كثيرة.
تكرّس هذه الثقافة وتستعيد بألم واضح معاناة عمّال المناجم فيما يعرف بالذاكرة الشعبية هناك بـ«فئران الداموس»، والداموس هو النفق المظلم الذي يُستخرج من خلاله مادة الفوسفات منذ بداية القرن الماضي.
تتضمن برمجة المهرجان العديد من العروض الفنية واللقاءات الفكرية، إلى جانب تقديم فقرات تنشيطية مختلفة موجهة للكهول والشباب والأطفال، وهي برمجة سعت إلى نفض غبار الفوسفات وذكرياته المؤلمة عن سكان الحوض المنجمي.
وفي هذا الشأن، قال الشاعر محمد عمار شعابنية، مدير المهرجان، إنّ هذه التظاهرة الثقافية برمجت خلال اليوم الافتتاحي ﻋﺮضا موسيقيا ﻟﻠﻔﺮﻗﺔ ﺍﻟﻮطنية ﻟﻠﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﺑﻘﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤﺎﻳﺴﺘﺮﻭ التونسي محمد الأسود بمشاركة ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ محمد ﺻﺎﻟﺢ نجم «عرب أيدول»، ﻭﺍﻟﻔﻨﺎﻧﺔ التونسية محرزية الطويل ﻧﺠﻤﺔ «ﺳﺘﺎﺭ أكاديمي». ويعيش جمهور المهرجان على نغمات عرض موسيقي ﻟﻠﻔﻨﺎﻧﺔ التونسية ﺳﻤﺎﺡ جلول خلال اليوم الثاني من أيام المهرجان.
أمّا الاختتام فهو يفتح الأبواب لأﻣﺴﻴﺔ تهتم بالشعر الشّعبي بمشاركة الغزال بوكثير من سيدي بو زيد، ونجيب الذيبي ﻣﻦ القصرين، وبشير عبد العظيم ﻣﻦ قبلي، ﻭالعيد مصابحية من قفصة.
وإلى جانب هذين الحدثين المهمين، فإنّ برامج أخرى عدّة بُرمجت على غرار معرض التراث المنجمي، ومعرض فوتوغرافي للمناجم، وﻣﻌﺮﺽ ﻟﻠﺼﻨﺎﻋﺎﺕ التقليدية ﻭﺍﻟﺤﺮﻑ اليدوية، وﻣﻌﺮض للفنون التشكيلية ﻟﻠﻔﻨﺎﻧﺔ ماجدة الإدريسي، ﻭﺍﻟﻔﻨﺎﻥ الكاريكاتيري وليد ﻣﺤﺎﺟﺒﻴﺔ.
وبشأن ثقافة سكان المناجم، قال صلاح البرهومي، أستاذ التاريخ المعاصر، لـ«الشرق الأوسط»، إنّ تلك المناطق خلقت لنفسها ما يشبه الأسطورة التي تناقلتها العائلات بألم وحرقة، فقد سقط «الداموس» في أكثر من مناسبة على مئات من الضحايا طوال عقود من استخراج مادة الفوسفات، لذلك كانت العائلات تودّع أبناءها صباحا وتطلب لهم السلامة، ولا يهنأ لها بال إلا إذا رجع الأبناء سالمين عند المساء، على حد تعبيره.
وأكّد أنّ المستعمر الفرنسي الذي اكتشف مادة الفوسفات بالجنوب الغربي التونسي في بداية القرن الماضي، لم يكن يعبأ كثيرا لسلامة العمال، بل كان همّه منصبا على الثروات الطبيعية المستخرجة لفائدة اقتصاد فرنسا. ويشير إلى اختلاط عجيب في سكان الحوض المنجمي، حيث تشكلت مدن بأكملها حول مقاطع الفوسفات واختلطت الدماء والأنساب، وهناك عمال جاءوا إلى الحوض المنجمي التونسي من المغرب والجزائر وليبيا طلبا للعمل عند اكتشاف مادة الفوسفات، ولا يزال كثيرون منهم يحملون ألقابا عائلية من بلدان المغرب العربي.


مقالات ذات صلة

جوي فرام لـ«الشرق الأوسط»: أتطلّع لمستقبل سينمائي يرضي طموحي

يوميات الشرق جوي تتسلّم جائزة «أفضل ممثلة» في مهرجان «بيروت للأفلام القصيرة» (جوي فرام)

جوي فرام لـ«الشرق الأوسط»: أتطلّع لمستقبل سينمائي يرضي طموحي

تؤكد جوي فرام أن مُشاهِد الفيلم القصير يخرج منه وقد حفظ أحداثه وفكرته، كما أنه يتعلّق بسرعة بأبطاله، فيشعر في هذا اللقاء القصير معهم بأنه يعرفهم من قبل.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق طاقم فيلم «سكر» على السجادة الحمراء (البحر الأحمر السينمائي)

«سكر»... فيلم للأطفال ينثر البهجة في «البحر الأحمر السينمائي»

استعراضات مبهجة وأغنيات وموسيقى حالمة، وديكورات تُعيد مشاهديها إلى أزمان متباينة، حملها الجزء الثاني من الفيلم الغنائي «سكر».

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق «سلمى وقمر»... قصة حقيقية لسائق سوداني اندمج في عائلة سعودية

«سلمى وقمر»... قصة حقيقية لسائق سوداني اندمج في عائلة سعودية

المفاجأة جاءت مع نهاية الفيلم، ليكتشف الجمهور أن «سلمى وقمر» مستلهمٌ من قصة حقيقية. وأهدت المخرجة عهد كامل الفيلم إلى سائقها السوداني محيي الدين.

إيمان الخطاف (جدة)
يوميات الشرق فيلم «الذراري الحمر» للمخرج لطفي عاشور (فيسبوك المخرج)

«الذراري الحمر» رحلة في أعماق العنف والبراءة

يحمل اسم «الذراري الحمر» رمزيةً مزدوجةً تُضيف عمقاً لمعاني الفيلم، فيتجاوز كونه مجرد وصفٍ للأطفال ليعكس روح القصة والرسائل الكامنة وراءها.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق «إلى عالم مجهول» يسلّط الضوء على معاناة اللاجئين الفلسطينيين بأوروبا

«إلى عالم مجهول» يسلّط الضوء على معاناة اللاجئين الفلسطينيين بأوروبا

يجدد الفيلم الفلسطيني «إلى عالم مجهول» للمخرج مهدي فليفل، تسليط الضوء على معاناة اللاجئين الفلسطينيين في أوروبا.

انتصار دردير (جدة)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».