«لم أجد من يمثلني في عالم العلوم والاختراعات عندما كنت صغيرة». «أينشتاين لم يشبهني، وشخصية المخترع الغريب التي صورتها لنا مسلسلات الكرتون لم أر نفسي فيها». «لكنني لطالما عرفت أن هذا المجال يستهويني. ورغم القوالب والأحكام النمطية قررت خوضه متحصنة بدعم والدي لي». هكذا بدأت الدكتورة حياة السندي خطابها ضمن افتتاح مؤتمر القيادات النسائية الشابة بنسخته العاشرة أمس. تحت شعار «النساء يقدن الابتكار في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات»، استضاف المنتدى العربي الدولي للمرأة فعاليات المؤتمر بالشراكة مع الأكاديمية الملكية للهندسة وشركة «برايس ووتر هاوس كوبرز» والبنك الدولي في لندن.
مسيرة الدكتورة السعودية التي استطاعت تأسيس معهد الخيال والبراعة بعدما أصبحت أول امرأة عربية تحصل على شهادة الدكتوراه في التقنية الحيوية من جامعة كامبردج البريطانية، تمثل قصة نجاح امرأة في مجال العلوم. لكن، تشير الإحصائيات إلى أنه رغم إقبال، بل وإبداع، الطالبات بالدراسات العلمية في المدارس والجامعات، إلا أن سوق العمل في مجالات الهندسة والتكنولوجيا والرياضيات تمثيلها النسائي متواضع. فحتى في دول متقدمة كبريطانيا، تشكل النساء 9 في المائة فقط من المهندسين في البلاد.
يأتي المؤتمر تعزيزاً لتنمية المهارات القيادية وبناء الثقة في الأجيال القادمة من القيادات الشابة النسائية في مجالات الابتكار. واستقبل المؤتمر مختلف الأعضاء والضيوف والمندوبين من أكثر من 40 دولة مختلفة عربية وأجنبية.
في هذا الصدد، قالت هيفاء فاهوم الكيلاني، الرئيس المؤسس للمنتدى العربي الدولي للمرأة أثناء افتتاحها المؤتمر أمس: «إن دعم النساء وتشجيعهن على شغل وظائف في هذه المجالات مسألة بالغة الأهمية، ليس فقط لدفع عجلة الابتكار في اقتصاد المعرفة بل لخلق فرص العمل المناسبة التي تشكل أهمية كبيرة بالنسبة للعالم العربي وخارجه». وأضافت: «لا شك أن الوظائف في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات ستشكل ملامح المستقبل، كما أن دعم الابتكار الذي تقوده النساء سيسهم بإحداث تغيير يتمثل برأب الفجوة بين الجنسين فيما يتعلق بالأجور». واستطردت: «يمكن القول بأنه في كل من العالم العربي والمملكة المتحدة، توجد فرص جديدة تقودها القيادات النسائية مع العاطفة والأفكار والثقة والمهارات، وتؤدي إلى إطلاق منصات ودفع مشاريع جديدة، والتشجيع على العمل بشكل منتج وتعاوني».
جاءت كافة جلسات البرنامج منسجمة مع الأولويات الرئيسية للمجالات التي يغطيها المنتدى العربي الدولي للمرأة والأكاديمية الملكية للهندسة وشركة «برايس ووتر هاوس كوبرز»، والبنك الدولي.
دعت المشاركات في الجلسة الأولى تحت عنوان «تعليم وتمكين جيل قادم من النساء القياديات في مواد العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات» إلى الحاجة الملحة لتشجيع الإناث على خوض مسيرات مهنية بمجالات الطب والتقنية والهندسة والابتكار، المجالات التي وصفتها كيت روبرتسون، مؤسسة «وان يونغ وورلد» بالمجالات «التي تحدث فرقا عالميا».
بدورها، قالت الباحثة الكويتية الدكتورة العنود الشارخ إن التركيز على محتوى الأزياء والتبرج على منابر التواصل الاجتماعي مثل «إنستغرام» يشكل ضغطا اجتماعيا على الفتيات ويقلل من حماسهن في خوض المجالات العلمية. وأضافت: «رغم تعدد المبادرات التي تشجع الفتيات للعمل في قطاع النفط بدول الخليج إلا أن نحو 20 في المائة من موظفي القطاع من النساء»، مشيرة إلى أن «15 في المائة من مهندسي النفط عالميا هم إناث». لكن الدكتورة الشارخ أشادت بتفوق النساء العرب في مجال الشركات الناشئة «ستارت أبز»، التي أسست وأدارت 35 في المائة منها في العالم العربي النساء.
كما استعرضت المهندسة الأردنية سوزان الكيلاني في الجلسة الثانية تحت عنوان «النساء يقدن الابتكار ويوفرن حلولاً جديدة لقطاعات الطاقة، والأغذية والمياه والمسائل المرتبطة بالتغير المناخي في العالم»، استراتيجية الأردن الحالية للتعامل مع قضية شح المياه وتوفيرها للمواطنين واللاجئين.
من جهتها، كشفت النيجيرية عائشة ايبود مؤسسة جمعية محمد مرتالا الخيرية أن دموية بوكو حرام انطلقت أولا للسيطرة على ما تبقى من خيرات بحيرة تشاد، ومن ثم تحولت الجماعة إلى التطرف الإسلاموي الذي هدد النساء ووظفهن في عملياته الانتحارية. وتعمل عائشة من خلال جمعيتها على توفير الأمن المائي والأمان للمتضررين من العنف الدائر. ركزت الجلسة الثالثة تحت عنوان «النساء يقدن الابتكار في التكنولوجيا الطبية والذكاء الاصطناعي في خدمات الرعاية الصحية» على تجارب النساء القيادية في تلك المجالات. وأكدت الدكتورة رغدة الكردي مؤسسة شركة الحياة للخدمات الصيدلانية أن الذكاء الاصطناعي يشهد تطورا طرديا، وحثت على ضرورة تشريع قوانين لتنظيم استعماله، لافتة إلى أن التشريع قد يبطئ بدوره وتيرة التقدم. ودعت سالي رضوان مؤسسة شركات ناشئة في القطاع الطبي إلى إشراك المزيد من النساء في قطاع الذكاء الاصطناعي لأن تطويره من قبل الرجال سيجعله ناقصا وغير عالمي أو شامل.
حرصت المتحدثات في الجلسة الرابعة تحت عنوان «دعم التنوع والحضور والابتكار في الطاقة والهندسة والبنية التحتية» على تسليط الضوء على أهمية دعم المشاريع والأفكار الجديدة، خصوصا التي تقدمها النساء اللاتي يتعرضن للتهميش في بعض الأحيان. وأشار الحضور في فقرة الأسئلة والإجابات إلى أهمية إشراك الرجل في الحوار أيضا.
لم تخلُ الجلسة الأخيرة تحت عنوان «تحسين مدى التنوع بين الجنسين في ريادة الأعمال في القطاع التقني والاقتصاد الرقمي» من قصص النجاح الملهمة. حيث كشفت الطبيبة الجراحة نادين هاشهاش حرام أن خوض مجال الجراحة يحمل التحديات إلا أنه ليس من المستحيل أبدا النجاح في العمل وفي بناء عائلة أيضا. ودعت النساء في الجلسة إلى العمل على زيادة القدوة للفتيات الصغار لتعليمهن أن للمرأة حق اختيار مستقبلها أيا كان، ولا يجب فرض قصة عليها «الأميرة التي تنتظر أميرا لإغاثتها».
يأتي انعقاد المؤتمر في لندن بعد النجاحات التي حققتها النسخ سابقاً في عمّان وبيروت ودبي في عام 2012. وفلسطين في عام 2013. ولندن 2014. ومدينة الكويت 2016. وفي مدينة فاس في المغرب في مطلع عام 2017. وشهدت كافة نسخ المؤتمر متابعة واسعة وحضورا من قبل النساء الشابات من مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وعلى المستوى الدولي. وكما هو الحال في النسخ السابقة من المؤتمر، صممت جميع الجلسات الخمس لمؤتمر القيادات النسائية العربية الشابة في لندن لتكون تفاعلية وقائمة على المناقشات تجمعها استراتيجيات مشتركة وقيمة للنجاح بين المتحدثين والمندوبين وبين القادة الناشئين والمؤسسين في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. وقدمت كل نسخة توصيات رئيسية ونقاط عمل ذات أثر ملموس، والتي تتم متابعتها لاحقا من قبل المنتدى في البرامج والمبادرات المقبلة.
هيفاء الكيلاني لـ «الشرق الأوسط»: التنمية مفتاح الاستقرار
> بتفاؤل واقعي، قالت هيفاء فاهوم الكيلاني الرئيس المؤسس للمنتدى العربي الدولي للمرأة إنه «رغم التحديات الكبيرة، الفرص أمامنا أكبر». وتابعت: «مؤتمر هذا العام ركز بالأخص على المعلوماتية الجديدة، وإمكانية أن تستبدل بنا الروبوتات يوماً ما»، وأضافت في حوار أجرته «الشرق الأوسط» معها على هامش الفعاليات أمس: «التحديات تتحول إلى واقع، وعلينا أن نكون جاهزين لمواجهتها عن طريق اكتساب المعرفة والتواصل عربياً ودولياً بهدف التنمية».
لم يتم تأسيس المنتدى النسائي بقرار فجائي. خلفية كيلاني في دراسات الاقتصاد والتنمية، ونشوئها في منزل منفتح شعاره العلم والعمل والعطاء، وهويتها الفلسطينية اللبنانية، ومهماتها كزوجة سفير أردني سابق لبناء جسور التفاهم، جعلت منها نائباً لرئيس الاتحاد العالمي للمرأة في لندن.
كانت الانطلاقة من هناك، ثم قررت تأسيس المنتدى العربي الدولي للمرأة كمنظمة غير ربحية غير سياسية غير حكومية بأهداف تنموية للتعريف بالمرأة العربية في العالم العربي بالمجتمع الدولي، وكذلك لتعزيز التعاون بين المرأة العربية عربياً - عربياً، حسب وصفها. وأضافت: «نحن 22 دولة عربية وشؤون المرأة تختلف من دولة إلى أخرى، ولكل مجتمع عربي خصوصياته. يجب أن يستفيد العالم العربي من جميع طاقاته، لذا الهدف هو دعم المرأة العربية في منطقتها وضمن إطار دولي».
ووفق ما أشارت جلسات المؤتمر، رغم إبداع الفتيات في المواد العلمية في المدارس والجامعات بالدول العربية، إلا أن ذلك لا يتمثل في سوق العمل. وحول هذه القضية قالت الكيلاني: «هذه الظاهرة صحيحة إلى حد ما. لكن مع التطور التكنولوجي استطاعت العديد من النساء العربيات الدخول إلى سوق العمل في مجال المعلوماتية، وأثبتت العديد منهن إبداعاً حقيقياً في المشاريع التقنية (الصغيرة والمتوسطة)». وأضافت: «هناك حكومات عربية بدأت بركوب الموجة أيضاً، حيث قامت دولة الإمارات بتأسيس خمس وزارات جديدة، واحدة تعنى بالذكاء الاصطناعي، وأخرى للأمن الغذائي، وهذه بوادر ممتازة تركز على مواضيع الساعة».
التنمية شعار الكيلاني، لكن التوتر السياسي في بعض دول الشرق الأوسط همش المبادرات وحرم المرأة بالذات من المشاركة في الاقتصاد. تأتي هذه التحديات في صلب اختصاص الكيلاني كونها مفوض اللجنة العالمية المعنية بمستقبل العمل التابعة لمنظمة العمل الدولية. وحول ذلك تقول: «واحدة من أولى المبادرات التي أطلقناها كانت المرأة هي محرك للنمو الاقتصادي في العالم العربي». وأضافت: «ليس هنالك مساواة بين الجنسين في العالم العربي، ومرت الدول العربية بفترات كادت أن تفقد فيها الطبقة المتوسطة التي تحرك النمو والاستقرار في كافة المجتمعات». واستطردت: «وجدنا أنه علينا دعم المرأة العربية لكي تدخل المجال الاقتصادي ومجال الأعمال من خلال مشاركتها في تأسيس المشاريع الصغيرة والمتوسطة»، مشيرة إلى أنه «من الممكن أن تحرك المرأة العجلة وتخلق وظائف»، مؤكدة على أن «النمو الاقتصادي يمنع تفكك المجتمعات ويمنح الاستقرار الأمني والسياسي. ووسط الاضطراب الأمني في العالم العربي يجب أن نركز على دعم الطبقات التي هي بحاجة للدعم وزيادة التركيز على التعليم وخلق الوظائف، وألا ننسى القطاع الزراعي».
ومن خلال دراساتها في جامعة هارفرد، تشرف الكيلاني حالياً على مشروع ينطلق من الأردن، ويوجه لجميع العالم العربي. «المشروع يوظف التكنولوجيا لتطوير النمو في مجال الزراعة المستدامة بالعالم العربي» وفق ما أوضحت. وأضافت أخيراً: «لدينا تحديات كبيرة في موضوع الأمن الغذائي والأمن المائي في العالم العربي. ونحن في وضع صعب، ويجب علينا شعوباً وحكومات أن نكون واعين لهذا الخطر، وأن نواجهه».