المكسرات تقي من أمراض القلب والأوعية الدموية

في دراسة طبية هي الأكبر من نوعها حتى الآن

المكسرات تقي من أمراض القلب والأوعية الدموية
TT

المكسرات تقي من أمراض القلب والأوعية الدموية

المكسرات تقي من أمراض القلب والأوعية الدموية

عرض الباحثون من كلية الطب بجامعة هارفارد أكبر وأوسع دراسة طبية تتم حتى الآن حول التأثيرات الصحية الإيجابية لتناول المكسرات على صحة القلب والأوعية الدموية. ووفق ما تم نشره ضمن عدد 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي من مجلة الكلية الأميركية لطب القلب Journal of the American College of Cardiology، شمل الباحثون في دراستهم أكثر من 210 آلاف شخص، تمت متابعتهم لمدة تتجاوز 32 عاماً، وذلك لمعرفة حقيقة العلاقة بين تناول المكسرات وصحة القلب والأوعية الدموية.

المكسرات والقلب

وتعتبر أوساط طب القلب هذه الدراسة أنها الأكبر حتى اليوم في بحثها حول تأثيرات وتيرة استهلاك الجوز وغيره من أنواع المكسرات على الإصابة أمراض القلب والأوعية الدموية.
وأفادت نتائج الدراسة بأن الناس الذين يتناولون المكسرات بانتظام، بما في ذلك الجوز وبقول الفول السوداني والأنواع الأخرى من المكسرات، تنخفض لديهم مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية Cardiovascular Disease، وبالذات أمراض شرايين القلب التاجية Coronary Heart Disease، وذلك مقارنة مع الناس الذين لا يتناولون المكسرات أبداً أو يتناولونها في النادر.
وأفاد الباحثون في الدراسة التي حملت عنوان «تناول المكسرات ومخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية»، بأنهم وجدوا علاقة عكسية ثابتة بين زيادة استهلاك المكسرات بالعموم، ومن أي نوع كان منها، وبين الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وخاصة أمراض شرايين القلب التاجية. كما وجدوا أيضا وبعد النظر في تأثيرات تناول أنواع معينة من المكسرات، أن تناول حصة غذائية من مكسرات الجوز Walnuts، مرة واحدة أو أكثر من مرة في الأسبوع ارتبط مع انخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 19 في المائة، وارتبط كذلك مع انخفاض خطر الإصابة بأمراض شرايين القلب التاجية بنسبة 21 في المائة، وذلك بالمقارنة مع منْ لا يتناولونها.
ووجد الباحثون في نتائج دراستهم أن الذين يتناولون حصة غذائية، مرتين أو أكثر في الأسبوع من أنواع المكسرات الأخرى Tree Nuts، أي إما من اللوز أو المكسرات البرازيلية أو الكاجو أو الكستناء أو البندق أو مكسرات الماكاداميا أو البقان أو الفستق أو الصنوبر، ينخفض لديهم خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 15 في المائة، كما ينخفض لديهم خطر الإصابة بأمراض شرايين القلب التاجية بنسبة 23 في المائة، وذلك بالمقارنة مع منْ لا يتناولونها.
وكذلك وجد الباحثون أيضاً أن الذين يتناولون مرتين أو أكثر في الأسبوع حصة غذائية من بقول الفول السوداني Peanuts، الذي هو من البقول بالأصل وليس من المكسرات بالتعريف العلمي، ينخفض لديهم خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 13 في المائة، كما ينخفض لديهم خطر الإصابة بأمراض شرايين القلب التاجية بنسبة 15 في المائة، وذلك بالمقارنة مع منْ لا يتناولونها.
وأيضاً لاحظ الباحثون في نتائج دراستهم أن تناول كل من الجوز أو الفول السوداني مرتبط بانخفاض معدلات الإصابة بالسكتة الدماغية Cerebral Stroke.

«كبسولات صحية»

وعلّقت الدكتورة مارتا غواشش - فير، الباحثة في قسم التغذية في كلية تشأن للصحة العامة بجامعة هارفارد ورئيسة فريق الباحثين في الدراسة، بالقول: «إن نتائجنا تدعم التوصيات الموجهة لزيادة تناول مجموعة متنوعة من المكسرات، كجزء من الأنماط الغذائية الصحية، للحد من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة لدى عامة الناس». وضمن مقالة تحريرية تم نشرها برفقة الدراسة الحديثة هذه ضمن نفس عدد مجلة الكلية الأميركية لطب القلب، قال الدكتور إميليو روس، المتخصص في أمراض الغدد الصماء والتغذية الإكلينيكية بمستشفى كلينيك في برشلونة: «إن اتساق النتائج بقوة يشير إلى وجود علاقة بين استهلاك الجوز وحماية أمراض القلب، ويمكن اعتبار المكسرات الطبيعية وغير المعالجة، أنها كبسولات صحية طبيعية يمكن دمجها بسهولة في أي نظام غذائي لحماية القلب وتحسين مستوى صحة القلب والأوعية الدموية وتعزيز عيش مستوى صحي أفضل في مرحلة الشيخوخة».
والحقيقة أن النباتات تعمل بجهد سنوي أو متكرر طوال العام على استخلاص المعادن والعناصر الأخرى من التربة، ومن ذلك تعمل طوال الوقت على إنتاج الفيتامينات والبروتينات والدهون والسكريات، ثم تقوم بتركيز كل ذلك في المكسرات، ما يجعلها «كبسولة غذائية» عالية القيمة والفائدة لصحة أجسامنا ومنع إصابتها بالأمراض.

الجوز

والجوز على سبيل المثال، إحدى الثمار النباتية التي عرفها الإنسان قديماً، وبالتحليل الكيميائي الغذائي لحصة غذائية منه بمقدار ربع كوب، نجد أنها تحتوي من الطاقة على نحو 160 كالورى للسعرات الحرارية. وتُمد الجسم بحاجته اليومية من دهون أوميغا - 3 النباتية الصحية بمقدار يتجاوز 90 في المائة، كما تعطي الجسم حاجته اليومية من عنصر المنغنيز بنسبة 45 في المائة، ومن عنصر النحاس بنسبة 20 في المائة، ومن مواد تريبتوفان بنسبة 15 في المائة.
واستفادة الجسم، وخاصة القلب والأوعية الدموية، وشرايين القلب بالذات، من تناول الجوز لها آليات متعددة، من أهمها التأثيرات الصحية للدهون غير المشبعة في خفض الكولسترول الخفيف الضار، ورفع الكولسترول الثقيل الحميد. إضافة إلى دور مادة أرجنين، المتوفرة في الجوز، في إنتاج أكسيد النيتريك الموسع للشرايين. وثمة الكثير من الدراسات الطبية التي تبين في نتائجها أن تناول الجوز من قبل منْ هم مصابون بارتفاع الكولسترول في الدم، يخفف من نسبة الكولسترول الكلي Total Cholesterol في الدم بمقدار يصل إلى أكثر من 7 في المائة، والكولسترول الخفيفLDL بمقدار 10 في المائة، كما يرفع من مستوى مرونة الشرايين بنسبة 64 في المائة. وبناء على نتائج الكثير من الدراسات الطبية الأخرى فإن نشرات الأطباء من جامعة هارفارد تشير إلى أن تناول الجوز تحديداً، من بين باقي المكسرات، قد أثبتت الدراسات أنه يخفف من نسبة الكولسترول الخفيف الضار ويرفع من نسبة الكولسترول الثقيل الحميد. هذا بالإضافة إلى فوائد دهون أوميغا - 3 الصحية على القلب من جوانب شتى أهمها الحماية من أنواع اضطرابات إيقاع النبض على وجه الخصوص، إضافة إلى خفض الكولسترول، وخفض نسبة بروتين سي التفاعلي المرتبط ارتفاعه بارتفاع احتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب.
كما أن ثمار الجوز تحتوي على مركبات إلليجيك المضادة للأكسدة، التي تُسهم بشكل إيجابي في منع إتمام عمليات أكسدة الكولسترول بفعل تأثير عناصر الجذور الحرة الضارة على الجسم، وبالتالي الحيلولة دون ترسيخ ترسب الكولسترول على جدران الشرايين القلبية التاجية. وبشيء من التفصيل، فإن إحدى أهم الفوائد القلبية لمضادات الأكسدة هي منعها عملية ترسيخ ترسب الكولسترول على جدران الشرايين.
ومعلوم أن ارتفاع نسبة كولسترول الدم يُؤدي إلى تغلغل الكولسترول في داخل جدران الشرايين، إلا أن هذا الوجود للكولسترول لا يكفي للتسبب بضيقها، إذْ إن الكولسترول قابل للخروج بسهولة من تلك الجدران، وما تعمل الجذور الحرة عليه هو أكسدة الكولسترول وترسيخ ترسبه في جدران الأوعية الدموية القلبية، وهنا تُحاول مضادات الأكسدة منع عملية الأكسدة هذه، وتخفيف حدة رسوخ ترسيب الكولسترول في جدران الشرايين.

المكسرات وآليات خفض الكولسترول

الواقع أن المكسرات بالعموم تعمل على خفض نسبة الكولسترول في الدم، وعلى حماية الشرايين القلبية والدماغية، عبر أربع آليات:
> الآلية الأولى: أن تناول المكسرات يعني تناول منتج غذائي خال من الكولسترول بالأصل. ومعلوم أن الكولسترول لا يُوجد على الإطلاق في أي منتج غذائي نباتي المصدر، سواءً كان حبوباً أو بقولاً أو مكسرات أو زيوتاً نباتية طبيعية بأنواعها المختلفة. وإنما مصدر الكولسترول في الغذاء هو المنتجات الحيوانية، مثل اللحوم والأسماك والبيض ومشتقات الألبان والسمن والحيوانات البحرية وغيرها.
> الآلية الثانية. أن تناول المكسرات يُدخل إلى أجسامنا دهوناً ذات نوعية عالية الجودة من الناحية الصحية. ذلك أن الأونصة الواحدة (28 غراما) من الفستق على سبيل المثال تحتوي على كمية تُقارب 13 غراما من الدهون. و90 في المائة من الدهون الموجودة في الفستق هي من نوع الدهون غير المشبعة. ومن هذه الدهون غير المشبعة، تُشكل الدهون الأحادية غير المشبعة نسبة 60 في المائة. كما تُشكل الدهون الكثيرة غير المشبعة نسبة 30 في المائة، أي أنه زيت يُشبه في تركيبة زيت الزيتون.
> الآلية الثالثة. تحتوي المكسرات على مواد فايتوستيرول المساعدة على خفض امتصاص الأمعاء للكولسترول الموجود فيما نتناوله من أطعمة حيوانية المصدر. وحينما يتناول الإنسان هذه المنتجات النباتية فإنه يقدم لأمعائه مادة طبيعية مهمتها العمل على منع امتصاص الكولسترول الذي نتناوله ضمن الأطعمة الحيوانية المصدر.
> الآلية الرابعة. جميع أنواع المكسرات غنية بالألياف الغذائية الطبيعية، وهي التي تعمل على خفض امتصاص الأمعاء للكولسترول وإبطاء امتصاص الأمعاء للسكريات. ولذا فإن نصائح التغذية الصحية تتضمن النصح بتناول ما بين 30 غراما للرجال، و25 غراما للنساء، من الألياف يومياً.

* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك تمارين النهوض بالرأس من التمارين المنزلية المعروفة لتقوية عضلات البطن

لماذا قد تُغير ممارسة التمارين الرياضية لساعتين في الأسبوع حياتك؟

نصح أستاذ أمراض قلب بجامعة ليدز البريطانية بممارسة التمارين الرياضية، حتى لو لفترات قصيرة، حيث أكدت الأبحاث أنه حتى الفترات الصغيرة لها تأثيرات قوية على الصحة

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك دراسة: عادات العمل قد تصيبك بالأرق

دراسة: عادات العمل قد تصيبك بالأرق

خلصت دراسة إلى أن عادات العمل قد تهدد نوم العاملين، حيث وجدت أن الأشخاص الذين تتطلب وظائفهم الجلوس لفترات طويلة يواجهون خطراً أعلى للإصابة بأعراض الأرق

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك رجل يحضّر فنجانين من القهوة بمقهى في كولومبيا (أرشيفية - إ.ب.أ)

ما أفضل وقت لتناول القهوة لحياة أطول؟... دراسة تجيب

أشارت دراسة جديدة إلى أن تحديد توقيت تناول القهوة يومياً قد يؤثر بشكل كبير على فوائدها الصحية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)

دراسة: التوتر النفسي يزيد من حساسية الجلد

التوتر النفسي يحد من قدرة الخلايا المناعية المتخصصة  (أرشيفية)
التوتر النفسي يحد من قدرة الخلايا المناعية المتخصصة (أرشيفية)
TT

دراسة: التوتر النفسي يزيد من حساسية الجلد

التوتر النفسي يحد من قدرة الخلايا المناعية المتخصصة  (أرشيفية)
التوتر النفسي يحد من قدرة الخلايا المناعية المتخصصة (أرشيفية)

اكتشف باحثون أدلة جديدة تساعد في فهم كيف يمكن للتوتر والضغط النفسي أن يزيدا من حساسية الجلد. ووجد الباحثون في دراسة منشورة بدورية (جورنال أوف أليرجي آند كلينيكال إيميونولوجي) أن التوتر يعمل على تعطيل الوظائف المناعية والتدخل في استجابة الجسم للالتهاب.

الدراسة التي أجريت على الفئران أظهرت أن التوتر النفسي يحد من قدرة الخلايا المناعية المتخصصة التي تسمى الخلايا البلعمية المضادة للالتهابات على إزالة الخلايا الميتة في موقع الحساسية. وقال الباحثون إن تراكم الخلايا الميتة في الأنسجة يزيد من تسلل الخلايا المناعية المسماة الخلايا الحمضية، مما يرفع مستوى الاستجابة التحسسية، ومن ثم يؤدي إلى زيادة الشعور بالحساسية.

ذاكرة الضغط النفسي

وقال الدكتور سويشيرو يوشيكاوا، كبير الباحثين في الدراسة والاستاذ بكلية الطب بجامعة جونتيندو في اليابان، في بيان «هذه أول دراسة في العالم تثبت أن التوتر... يعطل وظيفة الخلايا البلعمية، والتي تساعد عادة في كبح ردود الفعل التحسسية، وبالتالي زيادة الاستجابة التحسسية». كما وجد الباحثون أن تأثير الضغط النفسي على الخلايا المناعية يبدو طويل الأمد ويمكن أن يؤثر على الخلايا البلعمية التي ينتجها الجهاز المناعي في وقت لاحق.

وقال يوشيكاوا «هذه الظاهرة، التي يشار إليها باسم 'ذاكرة الضغط النفسي'، تعني أن الضغط والتوتر الشديدين يتركان بصمة باقية على الخلايا المناعية، مما يؤثر على وظيفتها ويساهم في تطور المرض». وأشار الباحثون إلى أن تجنب الضغط النفسي تماما سيكون الحل الأمثل لمنع خلل وظائف الخلايا المناعية. ونظرا لأن هذا ليس ممكنا دائما، فإن فهم الآليات الجزيئية وراء «ذاكرة الضغط النفسي» قد يمهد الطريق لسبل علاج لحساسية الجلد.