«القلق الإيجابي»... مفيد للأطفال

أفضل صحياً من عدم الشعور بالتوتر عند مجابهة المشكلات اليومية

«القلق الإيجابي»... مفيد للأطفال
TT

«القلق الإيجابي»... مفيد للأطفال

«القلق الإيجابي»... مفيد للأطفال

بالطبع يبدو العنوان شديد الغرابة، إذ إن القلق دائم الاقتران بالمشكلات الصحية، سواء على المستوى النفسي أو العضوي على حد سواء، ومن غير المتصور أن تكون هناك ثمة فائدة تذكر في الإحساس بالقلق والتوتر. ومما لا شك فيه أن هذه المعلومات صحيحة، ولكن الحقيقة أن القلق والتوتر يمكن أن يكون لهما بعض الفوائد التي قد تكون محفزة وإيجابية، وهو الأمر الذي يمكن اعتباره شيئاً مفيداً (Positive Stress) إذا تم توجيه الطفل بالشكل الصحيح دون أن يتحول القلق والضغط إلى سلوك مرضي (Toxic stress)، وهو الخطأ الذي يتسبب فيه الآباء دون قصد، إذ إن حثهم الطفل على التفوق الدراسي أو الرياضي يجب أن يكون متوازناً لتحقيق الاستفادة المرجوة منه.

قلق جيد
حسب الدراسات النفسية الحديثة، يجب على الآباء أن يساعدوا أبناءهم في «القلق الجيد» بدلاً من محاولتهم عدم إشعارهم بالقلق من الأساس. وعلى سبيل المثال، في حالة تعرض الأسرة لضائقة مادية يكون تركيز الأبوين على ضرورة عدم إشعار أطفالهم بالضائقة، وهو الأمر الذي قد يشعر الأطفال بالتراخي وقد يثقل كاهل الأسرة بمزيد من النفقات. وفى مثل هذه الحالة، يمكن للأب أن يصارح أطفاله بحدوث تغير (مؤقت) في موارد الأسرة يستلزم أن يتحمل كل أعضاء الأسرة مشقة بسيطة للعودة للحالة الاجتماعية السابقة، وبذلك يشعر الطفل أنه مسؤول ويحاول بذل جهود مخلصة للتحصيل الدراسي لمساعدة الأسرة، وبهذه الطريقة يتم استثمار القلق بشكل جيد.
كما يجب أن يتم إخبار الأطفال أن القلق من شيء معين هو إحساس طبيعي، وأن الإحساس بالتوتر ليس مرضاً، إذ إن التعامل مع قلق طفل على أنه مريض يزيد من توتره ويدخله في مرحلة القلق الضار. ويجب إخبار الطفل أو المراهق أن القلق يعتبر «ضرورة»، لإنجاز مهمة معينة حيث يقوم بدوره محفزاً ويمنع التراخي ويشحذ قدرات الإنسان المختلفة.
وعلى سبيل المثال في حالة وجود منافسة معينة يتعرض لها الطفل، سواء اختباراً دراسياً أو مسابقة رياضية، فإن القلق يتسبب في إفراز الأدرنالين الذي بدوره يعمل على تحفيز القدرات الإدراكية والعضوية، وقد يفسر ذلك تحسن أداء الطلاب قبيل الامتحانات مباشرة وسرعة تحصيلهم للمعلومات وتخزينها، وهو الأمر الذي يجعلهم يقومون بأداء أفضل في الامتحان. والعكس صحيح في حالة شعور الطالب بالقلق الشديد وأن الوقت غير كافٍ لاسترجاع المعلومات السابقة من قبل، تكون النتيجة سلبية، وفي بعض الأحيان، يعجز الطالب عن استعادة حتى المعلومات التي يعرفها بالفعل.
ويشير الباحثون إلى أن القلق الجيد يستمر لفترة قصيرة ويكون له أثر إيجابي على الطفل، وعلى سبيل المثال تحمس الأطفال لركوب الألعاب الخطيرة في الملاهي واستمتاعهم بتلك التجربة على الرغم من تخوفهم وقلقهم منها. وفي المقابل، في حالة القلق الضار أو المرضي (distress)، يمكن أن يستمر لفترات طويلة ويصبح معوقاً حقيقياً يجول بين الطفل وعدم قدرته على اتخاذ قرار، حتى على نطاق اختيار لعبة معينة، وهو الأمر الذي يجعله يشعر بالعجز ويدخل في دائرة مفرغة من التوتر.

رجاحة العقل
وقد أشارت إحدى الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يقدمون على الأعمال البدنية الخطيرة مثل القفز من المرتفعات ويشعرون بالقلق لفترات بسيطة جراء إقدامهم على مثل هذه الأفعال لديهم قدرة على الاحتفاظ بالمعلومات أكثر من الآخرين، وهو ما يمكن أن يفيد الأطفال والمراهقين في مرحلة الدراسة. وأيضاً فإن القلق المفيد من شأنه أن يزيد من مناعة الجسم ويساعده في سرعة التعافي من الأمراض المختلفة، حيث وجد الباحثون أن المرضى الذين يشعرون بالقلق الطبيعي قبل إجراء عملية جراحية في الركبتين يتماثلون للشفاء في وقت أسرع من أقرانهم الآخرين بمقدار الضعف من الذين لم يساورهم إحساس القلق مطلقاً.
يجب استثمار القلق الجيد في خلق ما يمكن تسميته «العقلية الراجحة» (right mindset)، وذلك بناء على تجربة قام بها أطباء النفس على مجموعتين من موظفي البنوك الذين يعانون من التوتر والقلق، وتم عرض فيديو على المجموعة الأولى يظهر الأضرار الجسيمة للقلق على صحة الإنسان، بينما تم عرض فيديو على المجموعة الثانية يشير إلى التأثيرات الإيجابية للقلق على المخ والجسم، ووجدوا أن هذه المجموعة التي شاهدت الفيديو الإيجابي كانت لديهم قدرة بدنية وذهنية أكثر على مواصلة العمل كما قل الشعور بالتعب والإجهاد لديهم. وبناء على هذه التجربة، يجب على الآباء بناء العقلية الصائبة التي تتعامل مع القلق مؤشراً إيجابياً في ذهن الطفل، وبالتالي يكون مستعداً لمواجهة المواقف الحرجة ويحسن التصرف.
كما أن هناك تعبيراً علمياً هو «القلق التالي للصدمة» (post - traumatic stress)، للتدليل على العواقب النفسية السيئة جراء صدمة معينة حدثت للطفل. وهناك أيضاً مصطلح «النضج التالي للصدمة» (post - traumatic growth)، بمعنى أن القلق الناتج عن صدمة أو حدث معين سيئ أيضاً يمكن استثماره بشكل إيجابي والتعامل معه كنوع من الخبرة التي تسبب النضج على المستوى النفسي، مثل بعض الأطفال الذين نجوا من حوادث مروعة أو عانوا لفترة من الأمراض المزمنة، والذين أصبحوا أكثر صلابة وأكثر احتمالاً للمشقات والتعامل مع احتماليات الفقدان، وأن الإخفاق يمكن أن يتبعه نجاح وتفوق، ويجب على الآباء والأطباء النفسيين التعامل مع هؤلاء الأطفال واستثمار القلق بشكل إيجابي لحمايتهم من أن يتحول إلى مرض نفسي.

* استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

دراسة: تناول المأكولات الغنية بالألياف يحمي الجسم من العدوى

صحتك بائع للفاكهة في الصين (أ.ف.ب)

دراسة: تناول المأكولات الغنية بالألياف يحمي الجسم من العدوى

أفادت دراسة علمية حديثة بأن تناول المأكولات الغنية بالألياف يزيد من حماية الجسم من العدوى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك القواعد الأساسية للرجال المعاصرين تمكِّنهم من الحفاظ على لياقتهم البدنية

7 نصائح للرجال للياقة بدنية تتجاوز العمر

القواعد الأساسية للرجال المعاصرين تمكِّنهم من الحفاظ على لياقتهم البدنية ليتمتعوا بصحة أفضل يوماً بعد يوم وفي أي عمر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الرمان يزود الجسم بمضادات الأكسدة ومضادات الفيروسات ومضادات الأورام (غيتي)

تحسين الكولسترول والوقاية من السرطان... فوائد هائلة لتناول الرمان يومياً

بتناول حبات الرمان يومياً تضمن أن تزود جسمك بمضادات الأكسدة ومضادات الفيروسات ومضادات الأورام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك مريضة بسرطان الثدي (رويترز)

تقرير: النساء الشابات أكثر عرضة للإصابة بالسرطان من الرجال

تمثل حالة الأختين رورك ظاهرة منتشرة في الولايات المتحدة، وهي تشخيص المزيد من النساء الشابات بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك 8 مؤشرات تهمك حول الطقس للعناية بصحتك

8 مؤشرات تهمك حول الطقس للعناية بصحتك

ربما تكون مثل كثير من الناس الذين من أوائل الأشياء التي يقومون بها كل صباح هو النظر من النافذة لمعرفة حالة الطقس

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

طريقة فعالة لإبطاء قصر النظر لدى الأطفال

قصر النظر يسبب رؤية ضبابية للأشياء البعيدة بينما تظل الرؤية القريبة واضحة (جامعة هيوستن)
قصر النظر يسبب رؤية ضبابية للأشياء البعيدة بينما تظل الرؤية القريبة واضحة (جامعة هيوستن)
TT

طريقة فعالة لإبطاء قصر النظر لدى الأطفال

قصر النظر يسبب رؤية ضبابية للأشياء البعيدة بينما تظل الرؤية القريبة واضحة (جامعة هيوستن)
قصر النظر يسبب رؤية ضبابية للأشياء البعيدة بينما تظل الرؤية القريبة واضحة (جامعة هيوستن)

خلصت دراسة أميركية إلى أن العدسات اللاصقة متعددة البؤر هي وسيلة فعالة لإبطاء تقدم قصر النظر، مع استمرار الفوائد حتى بعد التوقف عن استخدامها.

وأوضح الباحثون من جامعة هيوستن أن الأطفال الذين توقفوا عن استخدام العدسات في مرحلة المراهقة لم يظهروا تسارعاً غير طبيعي في نمو العين، وفق النتائج المنشورة، الخميس، في دورية «JAMA Ophthalmology».

وقصر النظر هو حالة بصرية تحدث عندما تنمو العين بشكل أطول من الطبيعي، مما يؤدي إلى تركيز الضوء أمام الشبكية بدلاً من أن يتركز عليها، ويتسبب في رؤية ضبابية للأشياء البعيدة، بينما تظل الرؤية القريبة واضحة.

ووفق الدراسة، تشير التوقعات إلى أنه بحلول عام 2050، سيعاني نحو 50 في المائة من سكان العالم، أي نحو 5 مليارات شخص، من قصر النظر. ويشكل هذا تحدياً صحياً كبيراً، حيث يرتبط قصر النظر بزيادة خطر الإصابة بأمراض العين الخطيرة مثل انفصال الشبكية والمياه الزرقاء (الغلوكوما)، التي قد تؤدي إلى العمى في مراحل لاحقة من الحياة.

لعلاج قصر النظر، يتم استخدام العدسات التصحيحية مثل النظارات والعدسات اللاصقة، لكن ذلك لا يعالج السبب الجذري للمرض وهو نمو العين المفرط.

وأُجريت المرحلة الأولى من الدراسة على 294 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 7 و11 عاماً يعانون من قصر النظر، وتم تقسيمهم إلى مجموعتين؛ ارتدت الأولى عدسات لاصقة ذات بؤر متعددة، بينما ارتدت الثانية عدسات أحادية الرؤية.

وحسب الباحثين، تعمل العدسات متعددة البؤر على تصحيح الرؤية القريبة والبعيدة في الوقت نفسه، حيث يركز الجزء المركزي للعدسة الضوء على الشبكية لتوضيح الرؤية البعيدة، بينما يركز الجزء الخارجي الضوء أمام الشبكية لتقليل نمو العين. وقد تم تأكيد فاعلية هذه الطريقة من خلال دراسات على الحيوانات.

وأظهرت النتائج بعد 3 سنوات أن العدسات متعددة البؤر عالية الإضافة تبطئ نمو العين وتقلل معدل تطور قصر النظر مقارنةً بالمجموعات الأخرى.

وفي المرحلة الثانية من الدراسة، استمر 248 من المشاركين في ارتداء العدسات متعددة البؤر لمدة سنتين إضافيتين، ثم انتقلوا لاستخدام عدسات رؤية فردية في السنة الثالثة.

وأظهرت النتائج أن نمو العين عاد إلى المعدل الطبيعي المناسب للعمر، دون أي تسارع غير طبيعي في النمو.

وبالمجمل، كشفت نتائج الدراسة عن أن الأطفال الذين ارتدوا العدسات متعددة البؤر عالية القوة شهدوا تباطؤاً في تقدم قصر النظر مقارنة بالمجموعات الأخرى. كما كانت لديهم عيون أقصر، مما يشير إلى أن هذه العدسات تساهم في إبطاء نمو العين المرتبط بقصر النظر.

وأوصى الباحثون ببدء علاج قصر النظر لدى الأطفال باستخدام العدسات متعددة البؤر في سن مبكرة، مع الاستمرار في العلاج حتى أواخر سنوات المراهقة، حيث يتباطأ تقدم قصر النظر بشكل طبيعي.