الإيرانيون يناقشون مسألة «الإسلام الآري»

TT

الإيرانيون يناقشون مسألة «الإسلام الآري»

لقد استغرق الأمر 5 سنوات لتشييده، وتكلف أكثر من 10 ملايين دولار، واستُخدمت فيه كميات هائلة من الذهب والفضة والأبنوس، وشارك فيه أكثر من 600 من أفضل العمال والحرفيين في البلاد. ثم قطع رحلة طولها ألفي كيلومتر إلى وجهته النهائية، حيث توقف في العديد من القرى والبلدات على الطريق لأجل أن ينعم الناس بإلقاء نظرة عليه. وفي كل مكان كانت ترافقه كوكبة من رجال الدين، والدعاة، ورجال الأمن المدججين بالسلاح.
وتشير لفظة «هذا» التي تكررت، إلى الإطار الذي يحيط بقبر الصحابي الجليل سلمان الفارسي الذي يقع ضريحه في مدينة سلمان - باك أو سلمان المطهر، أو ما كانت تُعرف قديماً بالمدائن، وهي إلى الجنوب من العاصمة العراقية بغداد. ولقد عانى هذا الضريح من عقود من الإهمال، وسقط الغلاف الخارجي المزيِّن للقبة، كما أن هيكل البناء الأساسي ناله الضعف من مختلف العوامل والأسباب.
وثارت فكرة تجديد الضريح أول الأمر من قبل مجموعة من المحبين في مدينة أصفهان الإيرانية، حيث يقال إن سلمان الفارسي كان قد قضى فيها جزءاً من طفولته في القرن السابع الميلادي.
وبدأ التمويل عن طريق خطة للتمويل الجماعي وفرت الأموال الأساسية اللازمة للمشروع الذي بلغ مراحله الأخيرة، كما تلقى أيضاً التمويل الحكومي في سياق الاتجاه المتصاعد لإبراز الصلات الإيرانية بالمراحل الأولى من نشوء الإسلام.
كان سلمان الفارسي أحد الأوائل ممن اعتنقوا الإسلام من غير العرب وأحد أبرز صحابة النبي محمد في المدينة المنورة. وكان معروفاً بورعه وتقواه، وفي نفس الوقت براعته المشهورة في أمور الحرب والسياسة، الأمر الذي مكّنه من تقديم خدمات جليلة للإسلام في مراحله المبكرة.
وينتمي الصحابي سلمان إلى عائلة زرادشتية بارزة في مدينة كازرون بجنوب إيران. وبدأ سلمان، وكان اسمه الفارسي هو «روزبه»، حياته المهنية ضابطاً في الجيش الساساني، ولكنه سرعان ما قرر التخلي عن حياته تلك والرحيل مسافراً «بحثاً عن الحقيقة». ولقد أخذته رحلاته إلى مدينة «قطيسفون» العراقية القديمة، والتي كانت وقتذاك عاصمة الإمبراطورية الساسانية في بلاد ما بين النهرين، ثم إلى سوريا، والتي كانت في ذلك الوقت إحدى المقاطعات التابعة للإمبراطورية البيزنطية.
والتقى هناك النُّساك والزُّهاد المسيحيين، وتأثر كثيراً بفكرة الأنبياء المرسلين من عند الله لإرشاد وهداية الناس. ثم ارتحل مرة أخرى جنوباً صوب شبه جزيرة العرب حيث شرع نبيّ الإسلام في الدعوة إلى الدين الجديد. وبقية القصة، كما يقول المثل، من التاريخ المعروف للجميع.
في الشهر الماضي، أثارت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية فكرة تسمية السابع من نوفمبر (تشرين الثاني) بـ«يوم سلمان الفارسي»، كوسيلة لمواجهة يوم قورش العظيم الذي أعلن عنه القوميون الإيرانيون في الآونة الأخيرة. ورغم ذلك، ذهبت وكالة «إيرنا» الإخبارية الرسمية في إيران إلى ما هو أبعد من ذلك واقترحت أن تعلن الحكومة عن اعتماد يوم قورش العظيم.
وبدأت وكالات السفر والرحلات الإيرانية، المتخصصة في الحج إلى المدن المقدسة في العراق، في تنظيم رحلة لزيارة ضريح الصحابي سلمان الفارسي في جزء من حركة «الإسلام الإيراني» والتي كانت تكتسب المزيد من الزخم في السنوات القليلة الماضية.
وكثيراً ما تأرجح التاريخ الإيراني خلال القرون الـ15 الماضية بين ما هو ديني وما هو قومي. ولقد ترافق ارتفاع أحدهما بتراجع وانحسار الآخر، والعكس بالعكس.
يقول مهرانغيز بيات، الباحث الإيراني من طهران: «يرجع السبب جزئياً إلى حالة الاستياء الظاهرة، للدور الذي يلعبه رجال المذهب الشيعي في سياسات البلاد، وتشهد إيران في الوقت الراهن اتجاهاً متزايداً مناوئاً للدين».
ويؤيد هذا التحليل بعض رجال الدين البارزين. على سبيل المثال، فإن آية الله العظمى شوبير زانجاني، وهو أحد أكبر رجال المذهب الشيعي في مدينة قُم المقدسة، قد حذر الأسبوع الماضي من أن الانغماس في السياسة قد أسهم بشكل كبير في تراجع سلطة وشعبية رجال المذهب الشيعي داخل إيران.
أما القوميون المتشددون، بمن فيهم القوميون الإيرانيون الذين يحلمون باستعادة أمجاد الإمبراطورية الساسانية بصورة أو بأخرى، فقد استغلوا حالة الاستياء العامة تجاه رجال الدين الحاكمين للبلاد واتخذوا منها منصة يهاجمون من خلالها الإسلام ويصفونه بأنه «دين عربي أجنبي أو غريب فُرض على الإيرانيين الآريين بحد السيف».
وهم يتجاهلون حقيقة مفادها أن السواد الأعظم ممن اعتنقوا الإسلام من الشعب الإيراني قد تحولوا إلى الدين الجديد بعد فترة طويلة للغاية من انتهاء الاحتلال العربي القديم، والذي استمر قرابة 8 عقود، لأجزاء من إيران.
وأُطلق مفهوم «الإسلام الإيراني» أو «الإسلام الآري» فقط لمواجهة مزاعم «الإسلام الأجنبي».
وكان الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، ولا يزال، من أشد أنصار هذا المفهوم. وخلال ولايته لرئاسة البلاد كان قد اقترض «أسطوانة قورش»، وهي من القطع الأثرية القديمة التي كتب عليها الإمبراطور قورش الكبير مؤسس الإمبراطورية الأخمينية أول إعلان لحقوق الإنسان في التاريخ، من المتحف البريطاني ووضعها للعرض على الجمهور في طهران. وجذب المعرض، الذي كان تحت حراسة فرقة من الجنود يرتدون الزي العسكري الأخميني القديم، أكثر من 5 ملايين زائر.
وبرر محمود أحمدي نجاد خطوته تلك، والتي تسببت في إغضاب بعض الملالي في البلاد، على أساس أن قورش الكبير من المفترض أنه جاء ذكره في القرآن الكريم تحت مسمى «ذي القرنين». (ويعتقد بعض العلماء أن هذا المسمى يشير إلى شخصية الإسكندر الأكبر لا إلى قورش الكبير).
ووفقاً للتقارير التي يتعذر التحقق من صحتها بصورة مستقلة، كان العقل المدبر وراء فكرة «الإسلام الآري» هو رجل دين شيعي غامض يحمل اسم حسن يعقوبي، وهو من المفترض أن يكون قد ألّف أكثر من 40 كتاباً، على الرغم من أنه لم يره أو يسمع به من أحد.
وحاول بعض رجال الدين الآخرين الترويج لفكرة «الإسلام الآري» من خلال الزعم بأن الحسين بن علي، نجل الصحابي علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء كريمة النبي محمد، كان قد تزوج من بيبي شهر - بانو كريمة الملك الساساني الأخير يزدجرد، وبالتالي تسبب في امتزاج الإسلام مع إيران.
يقول آية الله صبحاني: «يحمل كل أحفاد الحسين الدماء الإيرانية في عروقهم. وهذا يعني أن هناك صلة إنسانية قائمة وغير قابلة للانفصام بين الإسلام وإيران».
أما القوميون الإيرانيون، رغم ذلك، يرفضون هذه الفكرة تماماً ويزعمون أن بيبي شهر - بانو، والتي يجتذب ضريحها بالقرب من طهران ملايين الحجاج في كل عام، كانت أسيرة ولم تعتنق دين الإسلام قط.
ويزعم رجل دين آخر يُدعى آية الله حسيني قزويني أن الروابط الإيرانية الإسلامية قد تعززت على يد الإمام الثاني عشر، والمعروف باسم الإمام المختفي المهدي المنتظر، والذي خرج من غيابه الطويل في سرية وتزوج فتاة من طهران وبالتالي ضمن استمرار «السلالة المقدسة لأبناء علي» مع جيل بعد جيل من الأحفاد الذين «يحملون الدماء الإيرانية النقية في عروقهم».
ومع ذلك، فإن الصراع الإيراني التقليدي بين القومية والدين يبدو أنه سوف يزداد حدة في قابل الأيام. ووفقاً للمصادر الحكومية المطلعة، فإن المزيد والمزيد من الشعب الإيراني يطلقون الأسماء غير الإسلامية على أطفالهم المولودين حديثاً. ولقد أدى ذلك بوزارة الداخلية، ممثلةً في مكتب السجل المدني المركزي، إلى الإعلان عن قرار يوم الخميس الماضي بتشديد القواعد المنظمة لإطلاق الأسماء غير الإسلامية على المواليد الجدد في البلاد.
وقال الناطق الرسمي باسم السجل المدني المركزي في طهران، سيف الله أبو ترابي، في مؤتمر صحافي، إن وزارة الداخلية سوف تساعد أيضاً أولئك الذين يرغبون في استبدال أسمائهم الشخصية غير الإسلامية، وتيسير القيام بذلك بالحد الأدنى الممكن من الروتين البيروقراطي المزعج.


مقالات ذات صلة

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يوميات الشرق جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يجري العمل على قدم وساق لتقديم النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في 25 من يناير القادم، ما الذي يتم إعداده للزائر؟

عبير مشخص (لندن)
ثقافة وفنون المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة الدكتور سالم بن محمد المالك (صورة من الموقع الرسمي للإيسيسكو)

«الإيسيسكو» تؤكد أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي

أكد المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، الدكتور سالم بن محمد المالك، أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
أوروبا رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس يتحدث خلال اجتماع ترشيح الحزب في أوسنابروك ودائرة ميتيلمس في ألاندو بالهاوس (د.ب.أ)

زعيم المعارضة الألمانية يؤيد تدريب أئمة المساجد في ألمانيا

أعرب زعيم المعارضة الألمانية فريدريش ميرتس عن اعتقاده بأن تدريب الأئمة في «الكليةالإسلامية بألمانيا» أمر معقول.

«الشرق الأوسط» (أوسنابروك (ألمانيا))
المشرق العربي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬ في خطبة الجمعة بأكبر جوامع مدينة دار السلام التنزانية

أمين رابطة العالم الإسلامي يزور تنزانيا

ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬، خطبةَ الجمعة ضمن زيارة لتنزانيا.

«الشرق الأوسط» (دار السلام)
شمال افريقيا شيخ الأزهر خلال كلمته في الاحتفالية التي نظمتها «جامعة العلوم الإسلامية الماليزية» (مشيخة الأزهر)

شيخ الأزهر: مأساة فلسطين «جريمة إبادة جماعية» تجاوزت بشاعتها كل الحدود

لفت شيخ الأزهر إلى أن «ظاهرة جرأة البعض على التكفير والتفسيق وما تسوغه من استباحة للنفوس والأعراض والأموال، هي ظاهرة كفيلة بهدم المجتمع الإسلامي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».