كسينيا سوبتشاك... منافسة بوتين على الكرملين

غيداء هيفاء... لسانها كحد السيف... وسليلة عائلة روسية عريقة

كسينيا سوبتشاك... منافسة بوتين على الكرملين
TT

كسينيا سوبتشاك... منافسة بوتين على الكرملين

كسينيا سوبتشاك... منافسة بوتين على الكرملين

غيداء هيفاء براقة، لكن لسانها كحد السيف. إن تكلمت أفصحت. لا تخاف لومة لائم في ما تقول عندما يتعلق الأمر بمواقفها، سواءً حيال قضايا اجتماعية عادية مقبولة كموضوع يمكن تناوله على الملأ، أو حساسة على درجة عالية من الخصوصية في العلاقات الاجتماعية والأسرية.
ولا يختلف الأمر حين تتحدث في القضايا السياسية، لدرجة أن البعض يتجنّبها ويخشى صراحتها التي صورتها على أنها «سليطة اللسان»، وهذا لأن لسانها ينطق بما في داخلها دون مواربة أو تملق لأي كان.
إنها الشقراء الروسية الجميلة، كسينيا سوبتشاك، سليلة العائلة التي خاضت وما زالت تخوض في عالم السياسة، وتشغل مكانة مرموقة في العالم الأكاديمي.
يرى البعض أن العلاقة بين والدها وبوتين مصدر شهرتها الواسعة، على الرغم من أنها تعارض نهج الكرملين. غير أن كسينيا، كما يرى البعض، حادت قليلاً عن التقاليد الأسرية المحافظة حين دخلت عالم «الشو بيزنس» كمقدمة برامج اجتماعية، جعلتها دوماً محط اهتمام ومثار جدل. ويبدو أن كسينيا قررت العودة إلى التقاليد الأسرية، لكن من دون أن تتخلى عن صفاتها الذاتية... وفجّرت قنبلة من العيار الثقيل حين أعلنت أخيراً نيتها الترشح للرئاسة الروسية، لتعود بذلك وتحتل العناوين الرئيسية في الإعلام، وتصبح الموضوع الرئيسي في مختلف الأوساط الاجتماعية والسياسية الروسية.
عادت كسينيا سوبتشاك إلى الواجهة سياسياً واجتماعياً في روسيا، بعدما أعلنت عن نيتها الترشح للانتخابات الرئاسية الروسية المقبلة المتوقعة في مارس (آذار) عام 2018. وعلى الرغم من أنه لم يُعلن رسميا بعد عن فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية، قرّرت سوبتشاك - كعادتها - القيام بخطوة غير تقليدية وبأسلوبها الخاص، فأطلت يوم 18 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عبر مقطع فيديو على صفحتها الرسمية قالت فيه: «أنا، كسينيا سوبتشاك، البالغة من العمر 35 سنة، أعيش وأعمل في روسيا طول حياتي. وأنا قلقة جدا على مستقبل بلادي. أتعامل بمسؤولية مع أي خطط في المجال الاجتماعي، وبعدما كنتُ أدرس كل المخاطر المحتملة والمصاعب المتعلقة بهذه المهمة، قررتُ أن مشاركتي في الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون خطوة في الطريق المؤدية إلى التغيرات اللازمة التي تحتاجها بلادنا».
بطاقة هوية
كسينيا سوبتشاك إعلامية روسية شهيرة ومقدمة عدد كبير من البرامج الاجتماعية. وفي الحديث عنها بصورة أدق، اسمها كسينيا أناتوليفنا سوبتشاك.
ولدت في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 1981 في مدينة لينينغراد (بطرسبرج حالياً). أما والدها فهو السياسي الروسي المعروف الراحل أناتولي سوبتشاك، عميد معهد الحقوق في جامعة لينينغراد، ثم عضو مجلس الشعب السوفياتي حتى عام 1996. وبعد ذلك أصبح عمدة مدينة بطرسبرج، وحينها كان الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين مساعداً له، ويقال إن سوبتشاك الأب لعب دوراً هاما في حياة بوتين السياسية. أما والدتها فاسمها لودميلا ناروسوفا، وهي أستاذة تاريخ، وهي حالياً سناتورة، أي أنها عضو في المجلس الفيدرالي (مجلس الاتحاد) الروسي، وهو أحد مجلسي البرلمان الروسي بجانب «الدوما» (مجلس النواب).
أما بالنسبة للعلاقات القديمة بين عائلة سوبتشاك ومسؤولين كبار في روسيا حالياً، فإن الأمر هنا لا يقتصر على الرئيس بوتين، فهناك مثلا فيكتور زولوتوف، رئيس الحرس الوطني الروسي حالياً، الذي كان مسؤولا عن حراسات عائلة سوبتشاك عندما كانت كسينيا طفلة صغيرة، وروت في حوار نشر أخيراً كيف كانت تحاول بشتى السبل الفرار من الحراسة حول والدها، التي كان زولوتوف يرأسها.
درست كسينيا سوبتشاك منذ عام 1998 في معهد العلاقات الدولية في جامعة بطرسبرج، وانتقلت بعد ذلك لتتابع تحصيلها العلمي في جامعة موسكو الحكومية للعلاقات الدولية، الجامعة المرموقة التابعة لوزارة الخارجية الروسية، وتخرّجت عام 2004 بدرجة الماجستير من قسم العلوم السياسية. ولعل أحد أهم أسباب شهرتها في بداية مسيرتها المهنية، هو اختيارها العمل في برامج تلفزيونية اجتماعية مثيرة للجدل، مثل «البيت-2»، وهو من برامج «تلفزيون الواقع»، يستضيف مجموعة من الشبان والشابات، ويعرض يومياً تطورات العلاقات في ما بينهم، والكثير من التفاصيل الاجتماعية «المحرجة» حول العلاقات الغرامية التي تنشأ بين المشاركين من الجنسين في البرنامج.
ورأى البعض في اختيارها بداية هذا النوع من العمل خروجاً عن الطابع المحافظ الذي يعتبر كثيرون أن كسينيا، سليلة أسرة أناتولي سوبتشاك، كانت ملزمة بمراعاته في حياتها المهنية. غير أن هذه النظرة لم تؤثر على خطط الشابة الجميلة الجريئة، إذ واصلت عملها، وحازت على عقود لتقديم عدد كبير من البرامج الاجتماعية على عدد من القنوات التلفزيونية.
مع هذا، فإن عمل كسينيا في هذا النوع من البرامج مثل «توك شو» و«رياليتي شو» الاجتماعية، لم يعن أن سوبتشاك بعيدة عن عالم السياسة. بل يقول البعض إن مواقفها السياسية، تحديداً، هي التي لعبت دوراً في ظهور «سوبتشاك» بحلة أخرى، في موقع «الإعلامي السياسي المعارض».

عام مفصلي
لقد شكل عام 2011 نقطة تحول في مسيرة سوبتشاك المهنية، وانتقالها من الاجتماعي إلى السياسي، لكن دون أن تغيب الإثارة عن أدائها، إذ استمرت تطرح مواقف مثيرة للجدل في المجتمع، لا سيما تلك التي أبدت فيها معارضة لبوتين، على الرغم من العلاقات الطيبة القديمة التي تربطه بأسرتها.
وبدأ التحول في حياتها عندما أعلنت عن دعمها للاحتجاجات ضد تزوير النتائج عقب الانتخابات البرلمانية الروسية في ديسمبر (كانون الأول) عام 2011. وفي العام التالي، 2012. شاركت سوبتشاك في مظاهرة للمعارضة الروسية، بعد الانتخابات الرئاسية، وألقت كلمة في المتظاهرين الذين احتشدوا في شارع أرباط الجديد، وسط موسكو، تحت شعار «من أجل انتخابات نزيهة».
وإذ لا يوجد أي دليل مادي يؤكد تأثير مواقفها السياسية على عملها في برامج تلفزيونية، فإن كثيرين ذهبوا إلى الربط بين وقوفها إلى جانب المعارضة الروسية، وظهورها على الفور كشخصية بارزة في المعارضة، وخسارتها لعملها إثر ذلك. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى إغلاق برنامج حواري كانت تديره، عنوانه «الخارجية مع كسينيا سوبتشاك» في فبراير (شباط) عام 2012، وذلك بعد عرض الحلقة الأولى منه على قناة «م ت ف روسيا». ومن ثم، أبعدت سوبتشاك في مايو (أيار) 2012 عن تقديم الجوائز في المسابقة السنوية «موز تي في»، وتقول صحيفة «فيدموستي» الروسية إن المسؤولين برّروا لها قرارهم حينها بـ«اتصال من الأعلى». ثم بعد شهرين انسحبت سوبتشاك من تقديم البرنامج الأكثر إثارة للجدل من بين كل ما قدمته وهو برنامج «المنزل-2». وبعد ذلك ألغت قناة «موز تي في» عقدها لتقديم برنامج «توب موديل بالروسي». وبعد هذه التغيرات الجذرية على عملها في القنوات الرسمية و«قرب الرسمية» انتقلت سوبتشاك للعمل في قناة «دوجد» المعارضة، وبدأت كذلك تبث برامج عبر قنوات «أونلاين» على الإنترنت.
بطلة رئيسية
بيد أن الجميلة سوبتشاك، مقدمة برنامج «شقراء في الشوكولاته»، وبعد غياب نحو خمس سنوات عن شاشات القنوات الرسمية الحكومية، عادت وفرضت نفسها «بطلة رئيسية»... وليس على تلك القنوات فحسب، بل وفي الإعلام الروسي ككل ومعه العالمي أيضاً، وذلك حين أعلنت عن نيتها الترشح للرئاسة الروسية في أكتوبر الماضي.
وبعد غياب عن القنوات الفيدرالية الحكومية الروسية، طال خمس سنوات ونيفا، استضاف الإعلامي الروسي الشهير أندريه مالاخوف سوبتشاك في برنامجه «على الهواء مباشرة» الذي تبثه القناة الروسية الأولى «روسيا - 1». وتأخرت سوبتشاك عن الظهور في بداية البرنامج بسبب الازدحام المروري، لذلك دار الحديث بداية مع والدتها السيناتورة لودميلا ناروسوفا، التي قالت إنها شعرت بالدهشة حين سمعت بقرار ابنتها، قبل أن تؤكد «لكنني سأدعمها، هذا ما يمليه علي واجب الأمومة». كذلك، أصبحت سوبتشاك موضوعا رئيسا تتناوله أهم البرامج الحوارية السياسية على القنوات الروسية الفيدرالية والمحلية، الحكومية والخاصة، وموضوعا لقصص صحافية كبيرة ضمن العناوين الرئيسية.
ومن خلال إعلانها نيتها الترشح للرئاسة فرضت سوبتشاك نفسها على النقاشات التي دارت في «منتدى فالداي» الدولي للحوار، نهاية أكتوبر، بمشاركة الرئيس بوتين، الذي قال في إجابته على سؤال حول إمكانية مشاركة امرأة في الانتخابات الرئاسية «لدينا، كل شيء ممكن». وكان بوتين علق على ترشح سوبتشاك في تصريحات في مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي، فقال حينها «ليس علي أن أحدد من هو الأفضل للشعب الروسي»، وأضاف: «لكن لكل إنسان بموجب القانون الحق في الترشح، وكسينيا سوبتشاك ليست استثناءً. نظرت وأنظر باحترام إلى والدها أناتولي سوبتشاك، وأرى أنه شخصية مميزة في تاريخ روسيا الحديث، إنسان نزيه جدا ولعب دوراً في مصيري. لكن عندما يدور الحديث عن الترشح للرئاسة، فإن المسائل الشخصية لا يمكن أن تلعب أي دور».
شبهة دور للكرملين؟
يتهم البعض كسينيا سوبتشاك بأنها قررت الترشح للرئاسة باتفاق مع الكرملين. وكانت صحيفة «فيدموستي» كتبت في الأول من سبتمبر (أيلول) الماضي أن الإدارة الرئاسية تبحث عن سيدة للمشاركة في الانتخابات الرئاسية، وأنه هناك أكثر من مرشحة لهذا الدور بينهن سوبتشاك. وأضافت الصحيفة نقلا عن مصدر مقرب من الإدارة الرئاسية إن «سوبتشاك خيار جيد لأنها تمثل المرأة الروسية الحديثة العصرية، فهي ذكية، وبارزة، ومثيرة للاهتمام».
إلا أن سوبتشاك نفت حينذاك نيتها خوض المعركة الانتخابية الرئاسية. ولكن بعدما أعلنت قرارها سارع كثيرون إلى القول إنه قرار من الكرملين، وأشاروا إلى لقاء جمع سوبتشاك في الفترة الأخيرة مع الرئيس بوتين، بما في ذلك خلوة لساعة ونيف. من جانبها، قالت سوبتشاك إنها التقت بوتين بالفعل، إلا أنها كانت تسجل معه حوارا لفيلم تعده عن والدها أناتولي سوبتشاك. كذلك نفى الكرملين أي علاقة له بقرار ترشحها للرئاسة.
في المقابل، رأت سوبتشاك الشائعات «يد السلطات الروسية»، قائلة: «السلطات قررت إغراقي بتوددها لي. إنه تكتيك ذكي جداً. إنهم يفعلون كل شيء ليبدو الأمر وكأننا معاً». رغم ذلك ما زالت «العلاقة» بين ترشح سوبتشاك والكرملين تهمين على الأنباء حول المرشحة الجميلة.
موضوع القرم
وأثارت سوبتشاك نفسها موضوعاً آخر، زاد من الجدل حول ترشحها للرئاسة، وذلك حين أعلنت في أول مؤتمر صحافي لها بعد الكشف عن قرار الترشح، أن شبه جزيرة القرم أراضٍ أوكرانية من وجهة نظر القانون الدولي. ولاحقاً قالت إن الحل يكون بإجراء استفتاء عام جديد هناك، يأخذ بالحسبان جميع وجهات النظر، مضيفة أن القضية بحاجة للنقاش.
هذا الموقف أثار ردود فعل عارمة في البلاد، لا سيما أن استعادة القرم أحد أركان السياسة «القومية» التي اعتمدها الكرملين. وجاء رد الفعل الأشد لهجة من فلاديمير جيرينوفسكي، زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي (القومي المتطرف)، الذي رأى في كلام سوبتشاك حول القرم «جريمة» وطالب بفتح قضية جنائية بحقها، وسجنها خمس سنوات. ووعد بتوجيه شكوى للجنة المركزية للانتخابات ضد سوبتشاك، لمنعها مما تقوم به حالياً، واعتبر أنها أطلقت الحملة الانتخابية قبل السماح بذلك رسمياً.
على صعيد آخر، خلال أقل من أسبوعين بعد إعلان كسينيا سوبتشاك نيتها الترشح للرئاسة، كانت وسائل إعلام محلية وعالمية، أجرت معها حوارات بمعدل حوارين يومياً، وأطلقت خلالها سوبتشاك مواقف، تبدو من خلالها كمن «يصب الزيت على النار» لجهة زيادة الاهتمام الإعلامي بها، ما يعني زيادة الترويج لها «دون قصد». فعلى سبيل المثال وعدت سوبتشاك بأن أول ما ستفعله في حال فازت بالرئاسة أنها ستدفن جثمان لينين، الذي ما زال محنطاً في متحف صغير قرب الكرملين. وقالت أيضاً إن الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين «بنى منظومة حكم لم يتمكن لا غورباشتوف ولا يلتسين من تحطيمها»، ولمحت إلى أن المنظومة الحالية استمرار لما صنعه ستالين.
ترشح سوبتشاك للرئاسة، وما تلا ذلك من تصريحات حول قضايا خلافية في روسيا، جعل منها هذه الشخصية المثيرة للجدل «المرشحة ضد الجميع» والمادة الدسمة لمراكز استطلاع الرأي. إذ أجرى «مركز عموم روسيا لمسح الرأي العام» استطلاعا في اليوم الثاني بعد إعلان سوبتشاك نيتها الترشح، وأظهرت النتائج أن 60 في المائة من المواطنين المشاركين في استطلاع الرأي ينظرون بسلبية إليها. وفي 1 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري أعلن المركز ذاته، التابع للسلطات الروسية، عن نتائج استطلاع آخر للرأي أجراه حول سوبتشاك، قال إن نتائجه أظهرت أن 98 في المائة من المواطنين يعرفون اسمها، ولكن يرى 69 في المائة أنها لا تملك أي آفاق سياسية، مقابل قول 8 في المائة إنهم سيمنحونها أصواتهم في حال شاركت في الانتخابات الرئاسية.



«بريكس»... عملاق اقتصادي يواجه تحدّيات كبرى

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وخلفه أعلام الدول الأعضاء في مجموعو "بريكس" (آ فب/غيتي)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وخلفه أعلام الدول الأعضاء في مجموعو "بريكس" (آ فب/غيتي)
TT

«بريكس»... عملاق اقتصادي يواجه تحدّيات كبرى

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وخلفه أعلام الدول الأعضاء في مجموعو "بريكس" (آ فب/غيتي)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وخلفه أعلام الدول الأعضاء في مجموعو "بريكس" (آ فب/غيتي)

> مما لا شك فيه أن مجموعة «بريكس»، التي تعقد قمتها هذا العام للمرة السادسة عشرة بصيغتها الموسّعة، تحوّلت إلى كتلة اقتصادية عملاقة، وبالأخص مع انضمام خمسة بلدان خلال العام الماضي إلى الدول الخمس المؤسسة للمجموعة؛ أي: روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا.

مع التوسيع باتت المجموعة تشغل أكثر من ثلث مساحة الأرض، ويسكن بلدانها 45 في المائة من سكان العالم، وهي توفر أكثر من 40 في المائة من إجمالي إنتاج النفط في العالم، ونحو ربع الصادرات العالمية من السلع.

ووفقاً للتوقعات، فإنه بحلول عام 2028 سيبلغ الناتج المحلي الإجمالي لدول «بريكس» ما يعادل 37 في المائة من القوة الشرائية في الإجمالي العالمي، في حين أن ما لدى «مجموعة السبع» سينخفض إلى 27 في المائة.

ومن ثم، دفع كل هذا خبراء في الغرب إلى عقد مقارنات مع حلف شمال الأطلسي (ناتو)، أو مع إطار أممي يشبه الأمم المتحدة، ووصف المجموعة بأنها كتلة بديلة عن التكتلات الغربية، لكن هذا المدخل في الحقيقة ليس دقيقاً؛ إذ على الرغم من عناصر القوة التي يوفرها حضور هذه المجموعة في تكتل اقتصادي لديه تطلعات مشتركة، فإن نقاط الضعف تبدو ماثلة في التباينات الصينية - الهندية التي ظهرت غير مرة، وكذلك في الخلافات بين الأعضاء حول قضايا إقليمية مهمة مثل الخلاف المصري - الإثيوبي، والتباينات العربية - الإيرانية.

ويضيف هذا الواقع تساؤلات حول قدرة المجموعة على مواجهة التحدّيات الداخلية، وحول جدوى المضي لاحقاً في مسار توسيع المجموعة، وما إذا كان ذلك سيشكّل رافعة جديدة لنشاطها... أم سيكون عنصر عرقلة إضافياً لاتخاذ القرارات المشتركة ومجالات تعزيز دورها ومكانتها في النظام الاقتصادي العالمي.

يضاف إلى ما سبق، أن ثمة عناصر ضعف تتضح ملامحها أكثر فأكثر مع مسار توسيع المجموعة وتشابك مصالح الدول المنضوية فيها أو تضاربها في حالات عدة. وهنا يمكن التوقف أمام تباين أولويات البلدان المنضوية في المجموعة. وهذا واقع برز بوضوح لدى التعامل مع الملفات الساخنة على الصعيدين الإقليمي والدولي؛ إذ إنه على الرغم من أن المجموعة تبدو موحّدة التوجهات في التعامل مع مسألة القطبية الدولية وآليات اتخاذ القرار العالمي، فهي التزمت الحياد عملياً في حرب أوكرانيا، حيث لم تحصل موسكو على دعم واضح لسياساتها. وأيضاً في ملف الحرب الدائرة على غزة، فاتت المجموعة فرصة ذهبية لتكريس شعار دورها المعلن في بناء عالم جديد.

أيضاً، بجانب التباينات السياسية الداخلية، فإن إحدى الشكاوى الرئيسية التي برزت هي «غياب» قواعد مشتركة بين جميع البلدان، الأمر الذي يؤدي إلى شكوك في تبني سياسات اقتصادية شاملة، أو اتخاذ خطوات لعمل مشترك ومنسجم حيال الأزمات الإقليمية والدولية. والدليل أنه طوال تاريخ المجموعة، قيل غير مرة إنها «وُلدت ميتة».

كذلك تراكمت الشكوك حول استدامة صيغة «بريكس»؛ لأنه رغم الخلافات الظاهرة لغالبية بلدان المجموعة مع الولايات المتحدة، مثلاً، فإن لدول التكتل (باستثناء روسيا) تجارة نشطة للغاية معها، وتظل الولايات المتحدة إحدى محطات تجارتها الأساسية، بل برز مستوى تأثير واشنطن في عمل المجموعة عبر قرار الأرجنتين الانسحاب في وقت سابق من المجموعة واتجاهها نحو تعزيز التعاون مع واشنطن. وفي هذا السياق، تزداد المخاوف من أن واشنطن تحاول تفكيك «بريكس» من خلال زيادة الضغط على الهند والبرازيل.

أخيراً، هناك الخلافات الداخلية في «بريكس»، خصوصاً حيال مسألة المزيد من التوسيع، وحيال تبنّي بعض الخطوات السريعة للتكامل الاقتصادي التي تعرقل بدورها تبنّي سياسات مشتركة فعالة. وعموماً، يرى خبراء ومراقبون متابعون أن قرارات «بريكس» السابقة كانت تأتي نتيجة توافقات داخلية صعبة، في حين أن المجموعة تواجه تعقيدات أكبر في آليات اتخاذ قرارات مشتركة.